حديث حول سورة الكوثر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم وافتح علينا أبواب رحمتك وانشر علينا خزائن علومك ومعرفتك.
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(1)
صدق الله مولانا العلي العظيم
سورة الكوثر ممَّا تحدَّى الله به الثقلين الجنَّ والإنس:
هذه السورة المباركة هي من قصار سور القرآن، بل هي أقصر سورة على الإطلاق في القرآن الكريم، وهي ممَّا تحدَّى الله جلَّ وعلا المشركين بأنْ يأتوا بمثلها، وهو لم يتحدَّ المشركين الذين كانوا في وسطه في مكة وحسب بل قد تحدى العالم كلَّ العالم -الذين كانوا في عصره والذين يأتون من بعده منفردين ومجتمعين -أن يأتوا بمثل هذه السورة التي لا يتجاوز عدد أسطرها السطران، فهي بضع كلمات منتظمة, وبضع تراكيب، عجز الخلقُ من الجن والإنس -من فحول العرب, وشعرائهم, خطبائهم- أن يأتوا بنظمٍ كنظمها، وعجز أصحاب البيان وأصحاب البلاغة وأصحاب المعاني وأصحاب اللسان وأصحاب العقول والحكماء عجزوا عن أن يكسروا التحدِّي القرآني الذي جأرَ به لمراتٍ عديدة.
فبدأ القرآن بتحدِّي الجنِّ والإنس بأنْ يأتوا بعشر سور من مثل هذا القرآن الذي يتلوه محمدٌ (ص) فقال ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ يقولون أن محمداً يفتري!! ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾(2)، فشلوا بعد أنْ بذلوا جهودا مضنية في هذا السبيل، فعرضوا أمرهم على علماء أهل الكتاب وعلى فحول الشعراء وأساطين الخطباء من كلِّ عشائر وقبائل العرب الذين كانوا يتبارون على أحسن النظم وأحسن الكلم، فذلك هو شأنهم ولسانهم وتلك هي ألفاظهم وكلماتهم وهو محلُّ فخرهم فيما بيهم.
عجزوا وأعيتهم الحيلة في مطاولة هذا التحدِّي، فقال لهم الرسول (ص): إذن فأتوا بسورة. ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾(3)، ولتكن هذه السورة كسورة الكوثر القصيرة التي لا تتجاوزوا آياتها الثلاث آيات ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، فإذا ما توهَّم أحدكم انجاز هذا الأمر والكسر لهذا التحدِّي فزعم انَّه جاء بمثل سورةٍ من سور القرآن فادعوا الشهداء ممَّن يُحسن النظر وممَّن يُحكَّم في البيان واللسان، من أيِّ بقعة كان وأحضروهم وعارضوا بين الذي جاء به وبين هذا القرآن؛ فانظروا هل ينكسر التحدي؛ ستجدون انَّ التحدي لم ولن ينكسر.
إذن فهذه السورة القصيرة هي مما تحدَّى الله عز وجل عباده في نظمها وفي مضامينها وفيما اشتملت عليه من أسرارٍ ومغيبات، سوف نتحدث عنها بشكلٍ موجز.
موضع نزول سورة الكوثر:
هذه السورة من السور التي نزلت في مكة المشرفة قبل الهجرة كما أفادت ذلك روايات عديدة وردت من طرقنا ومن طرق العامة، وفي مقابل ذلك وردت رواياتٌ أفادت أن نزولها كان في المدينة بعد الهجرة، ولعلَّ مقتضى التحقيق -كما أفاد بعض العلماء رضوان الله عليهم -أنَّها نزلت مرتين، مرةً في مكة ونزلت مرة أخرى على قلب رسول الله (ص) في المدينة كما هي سورة الحمد، فهي كذلك نزلت على الرسول (ص) مرتين الأولى كانت في مكة والمرة الثانية نزلت في المدينة المنورة.
منشأ النزول يؤكد ان فاطمة (ع) هي الكوثر:
والروايات التي أفادت أنَّ سورة الكوثر نزلت في مكة ذكرت أنَّ منشأ نزولها هو أنَّ المشركين بعد أنْ أعياهم أمر الرسول الكريم (ص) صاروا يتعلَّلون ويُسلُّون أنفسهم بأنَّ محمداً (ص) أبتر لا عقبَ له، فمتى ما مات ماتت معه دعوتُه، فقد كان للنبيِّ (ص) من الاولاد عبدالله والقاسم، فمات القاسم أولا صغيراً ثم مات بعده عبدالله، فبقي النبيُّ (ص) ولا عقب له إلا فاطمة (ع)، وفاطمة إنما هي امرأة وهي في ثقافة العرب لا تحمل اسم أبيها أي لا يكون له امتداد بامرأة، فإذا مات محمد انقطع نسله وأثرُه وذكرُه وحينئذٍ يكون مآلُ دعوتُه إلى النسيان، بهذا كانوا يُسلُّون أنفسهم وكانوا يُعيِّرون النبيَّ (ص) بالأبتر أي أنَّ ذكره منقطع لأنَّه لا عقب له ولا نسل، وكانت تلك سبَّة عند العرب.
فممَّا ورد في أسباب نزول السورة انَّ العاص بن وائل ومعه ابنه عمرو بن العاص الصحابي المعروف -وكان عمرو بن العاص حينذاك شاباً- مرَّ عليهما النبيُّ الكريم (ص) وهو عائد من دفن ابنه الثاني عبد الله، فقال عمرو لأبيه: إنِّي لأشْنأُ هذا الرجل -أشْنأُ بمعنى أبغض- فقال: لا عليك يا عمرو هو أبتر إنْ ماتَ ماتَ ذكرُه، فنزلت هذه السورة مُسلِّيةً لقلب الرسول (ص)، ومتحدِّيةً للمشركين ولقريش بأنَّ النبيَّ (ص) رغم أنَّه لا عقب له من الذكور إلا أنَّ نسله لن ينقطع، بل سيظلُّ اسمه عالياً مرفوعاً مذكوراً على امتداد التاريخ وسيظلُّ نسله باقياً ما بقي الدهر، ثم تحدَّاهم بتحدٍّ آخر وقال إنِّ من يشنؤك يا محمد هو الأبتر هو الذي سوف ينقطع ذكره، وذلك اخبار عن الغيب بضرسٍ قاطع.
فالمناسب لهذه الروايات -وهي كثيرة ومستفيضة- هو أنَّ سورة الكوثر قد نزلت في مكة الشريفة، إلا أنَّ ثمة رواية أفادت أنَّ النبيَّ الكريم (ص) صعد المنبر في المدينة وقال: نزلت عليَّ سورة من عند الله تعالى ثم قرأ سورة الكوثر، والتحقيق كما ذكرنا أنَّها نزلت مرتين.
المراد من الكوثر في السورة المباركة:
بعد ذلك يقع الكلام في معاني هذه الآيات التي تلوناها من سورة الكوثر، فما هو المراد من الكوثر؟
الكوثر في لغة العرب يعني الخير الكثير، وقد ذكر المفسِّرون مصاديقَ عديدة أنهاها بعضُهم الى العشرين مصداقاً للكوثر الذي منحه الله تعالى نبيَّه (ص) فقالوا: إنَّ المراد من الكوثر هو العلم والحكمة، وقيل: هي النبوة وقيل: إنَّ الكوثر هو القرآن، وذكر آخرون إنَّ المراد من الكوثر هو النصر وظهور الدعوة، وذكروا أشياء عديدة، إلا أنَّ الوارد في بعض الروايات أن الكوثر نهرٌ في الجنة منحه الله عز وجل لنبيِّه (ص)، ولهذا النهر امتيازات خاصة ذكرت في تلك الروايات، وثمة روايات أخرىأفادت انَّ المراد من الكوثر هي فاطمة (عليها أفضل الصلاة والسلام) وأفادت هذه الروايات أن منشأ التوصيف للسيدة فاطمة بالكوثر هو انَّها مصدر النسل المبارك للرسول الكريم (ص) ومقتضى ما ورد في أسباب نزول السورة مضافاً إلى سياقها ومضامينها يناسب إرادة هو المعنى الثاني الوارد في الروايات إلا ان ذلك لا ينافي إرادة المعنى الأول أيضاً بل لا ينافي إرادة مجموع المعاني التي ذكرها المفسرون، فالنبيُّ (ص) قد أُعطي الكوثر, لأنّه أُعطي نهرٌ في الجنة, وأُعطي الحوض كما ورد في الروايات المتواترة، وأُعطي النبوة والقرآن, وأُعطي النصر والغلبة, وأُعطي الكثير من المنح الإلهية , وكذلك فإنَّه أعطي فاطمة (ع) والذرية المباركة، فكلُّ ذلك قد منحه الله نبيَّه (ص) لكن مقتضى سياق الآيات مضافاً إلى ما ورد في أسباب النزول هو تعيُّن إرادة ما يتصل بالنسل المبارك.
فمنشأ النزول هو تعيير النبيِّ (ص) بانَّه منقطع النسل، فالمناسب أن يكون الجواب مطابقاً لمقتضى التعيير، ثم أنَّه ردَّ عليهم وأفاد انَّ من يشنؤه فهو الأبتر أي المنقطع النسل فالمناسب بمقتضى المقابلة ان المراد قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ هو الإخبار عن انَّ النبيِّ (ص) غير منقطع النسل، وحيث انَّ امتداد نسله منحصرٌ في السيدة فاطمة (ع) فهي الكوثر الذي قطع الله به على قريش ما يأملونه من انقطاع ذكر النبيِّ (ص) بموته.
سورة الكوثر من ملاحم القرآن الكريم:
فسورة الكوثر تُعدُّ ملحمة من ملاحم القرآن، فهي تُخبر عن ظهر الغيب انَّ الرسول (ص) سيكون له نسل يمتدُّ ولا ينقطع، وهذا امرٌ لم يتفق لأحدٍ من بنتٍ واحدة بل ولا من أبناءٍ كُثُر، على انَّ كلَّ المؤشِّرات قاضية بأنَّ نسل النبيِّ(ص) ينقطع فما بقي له من ولد، فالقاسم وعبدالله رحلا الى ربِّهما صغيرين، وكذلك إبراهيم ولد في المدينة ومات قبل أن يتجاوز عمره السنتين، وكذلك فاطمة(ع) فإنَّها لم تلبث طويلاً بعده، فما إنْ رحل النبيُّ (ص) الى ربِّه حتى رحلت بعده في مدة أقصاها لا يتجاوز الشهور، ورغم ذلك ظلَّ نسل رسول الله(ص) أكثر نسل امتداداً واتساعاً على الإطلاق، فليس ثمة من بلد -كما استقصى ذلك بعض المتابعين- في مطلق وجه الأرض إلا وفيها من نسل رسول الله (ص) فلم تخلُ بلدٌ من قارة آسيا وأفريقا وأوربا وعموم بقاع العالم من ذرية الرسول الكريم (ص) المنحدرة من السيدة فاطمة(ع)، فهو نسلٌ مبارك.
كلُّ المؤشِّرات تقتضي انقطاع النسل المبارك للرسول (ص):
كل العوامل والمؤشرات تقتضي أن ينقطع هذا النسل، فكان البغيُ والظلم الذي وقع على هذا النسل لم يسبق له مثيل في تاريخ الرسالات، فقد تعقبوا هذا النسل تحت كلِّ حجرٍ ومدر، ومرَّت بعض الأحداث استُؤصل فيها هذا النسل المبارك، فلم يبقَ منه إلا واحد او اثنان كما في واقعة الطف يوم عاشوراء فكلُّ أبناء الحسن(ع)، وكلُّ أبناء الحسين(ع) قد قُتلوا في كربلاء، فلم يبقَ من الحسنيين سوى الحسن بن الحسن المثنَّى، اُصيب بجراحات بليغة فأُغمي عليه فتوهَّم القوم أنَّه قد قُتل، ثم إن الله تعالى منحه العافية بعد أن بُترت يده، فكان نسل الحسن (ع) منه الى يومنا هذا، وكذلك فإنَّ أبناء الحسين(ع) قد قُتلوا جميعاً فلم يبقَ منهم سوى السجاد(ع)، فكان نسل عليٍّ وفاطمة (عليهما السلام)- الذي هو نسل رسول الله (ص) -من الإمام السجاد (ع) ومن الحسن بن الحسن السبط (ع).
وجاءت أحداثٌ أُخرى استُؤصل فيها أكثر آل محمد (ص) من العلويين أيام بني أمية وبني العباس، فقد تعقَّبوهم في كلِّ حدبٍ وصوب فلم يكونوا يقنعون بقتل الكبار والشيوخ بل يعمدون الى الصغار والأطفال فيقتلونهم حتى لا يبقى من ذرية محمدٍ(ص) من احد، ففي واقعة فخ استُؤصل أكثر آل محمد (ص)، وفي ثورة زيد استُؤصل الكثير منهم، وقد امتلأت منهم السجون، وتكرر من بعض الولاة هدم السجون على رؤوسهم فمات الكثير منهم تحت انقاضها أيام الحجاج وفي عهد هشام بن عبد الملك واتفق أن بنيت على بعضهم أساطين بعض السجون والقصور , وقد أمر هارون الرشيد العباسي حميدَ بن قحطبة أنْ يقتل في ليلة واحدة ستين علوياً فضرب أعناقهم جميعاً بدمٍ بارد دون أن يرفَ له جفن، وقد ظل هذا النسل الطاهر طوال العهدين الأموي والعباسي محاصراً ومضيقاً عليه مما دفع بالكثير منهم للهجرة إلى أطراف البلاد النائية كأطراف إيران, وأفغانستان, وزنجبار حتى بلغوا أندنوسيا, ولاد المغرب العربي والأندلس وغيرها الحواضر الاسلامية وغيرها كلُّ ذلك خشية القتل والتنكيل إلا انه ورغم هذا القتل الذريع الذي وقع في هذا النسل المبارك ظلَّ ممتداً ومنتشراً لا تزيده كثرة القتل إلا امتداداً واتساعا وبقي هذا النسل وليس عدده بالقليل، أصلا عدده غير قابل للإحصاء حتى بلغ هذا اليوم من السعة والامتداد حدَّاً يتعسَّر على المتابعين إحصاءه إلا بعد عناء وجهد مضنيين
فما معنى ذلك!! وما هو تفسيره؟! أليس من الإنصاف الوقوف بتأمُّل أمام هذه الظاهرة الفريدة واليتيمة في تاريخ البشرية؟! ليس لهذه الظاهرة من تفسير سوى انَّ العناية الإلهية قد أنجزت للنبيِّ (ص) الوعد الذي قطعته حين صدع القرآن بقوله: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ فالإنسان في أحسن الأحوال يُخلِّف عشرة أولاد أو يزيدون قليلاً ثم يصبحون في الجيل الثاني عشرين أو أربعين أو ثم يبلغون مائة أو مئتين فإذا بلغوا ألفاً بعد بطونٍ متعاقبة بدأ النسب في التشرذم والضياع ثم يغيب النسب بعد تمادي السنين والأحقاب فلا يتمكن الجيل المتأخر على معرفة أكثر من أربعة آباء أو ستة إلا نسل محمد(ص) فإنَّه ظلَّ محتفظاً بأصوله ويزداد اتساعه بتعاقب الأيام ألا يؤشِّر ذلك إلى تدخُّلٍ غيبي، هذا من جهة.
النسل المبارك كان امتداداً رساليَّاً للنبيِّ الكريم (ص):
ومن جهةٍ أخرى فإنَّ هذا النسل المبارك لم يكن امتدادا نسبياً للرسول(ص) وحسب بل كان امتداداً رساليَّاً، فقد ظهر في هذه الذرية المباركة رجالٌ هم عظماء البشرية على امتداد تاريخها الضارب في عمق الزمن، وقد كان لهم الدور البيِّن والمشرق في حفظ هذا الدين إبتداءً بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) كالحسين الشهيد(ع) والمعصومين من ولده (ع) وسوف يُتوَّج هذا النسل الطاهر بالمهدي بن الحسن صاحب الفتح العالمي عجل الله فرجه الشريف، كما أكَّد الرسول الكريم (ص) من على منبره أن: "المهدي من ولد فاطمة"(4).
المهدي بن الحسن (ع) الذي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا من ولد فاطمة، وقال (ص): "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي -ليس للنبيِّ (ص) ولد إلا من فاطمة- يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جورا وظلم "(5) وهذا هو معنى قولهم (ع): "بنا فتح الله وبنا يختم"(6).
على امتداد تاريخ الرسالة الإسلامية كان الحافظون لهذا الدين بدمائهم ومدادهم, ومواقفهم, وجهادهم, ونضالهم هم من ذرية الرسول الكريم (ص)، فقد قيَّض الله تعالى في كلِّ جيلٍ وفي كلِّ حقبةٍ جمعاً من أبناء الرسول الكريم (ص) يذودون عن دين جدِّهم رسول الله (ص) فيعود بجهودهم الدين غضَّاً طرياً فاعلاً، لذلك فامتداد هذه الذرية المباركة كان واحداً من أسرار خلود الإسلام.
يقول فخر الدين الرازي في شرح سورة الكوثر، إنَّ هذه الذرية المباركة لم تكن مجرد نسلٍ متكاثرٍ وحسب بل خرجت من هذه الذرية رجالاتٌ كان لهم الدور البيِّن في حياطة وحفظ شريعة سيد المرسلين(ص) مثل الباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم).
إذن فالكوثر هي فاطمة (عليها السلام) أو هي المصداق الأجلى للكوثر، فإما أن تكون هي المعنية بخصوصها من الكوثر أو تكون هي المصداق الأتم ضمن مصاديقَ مُنحت للرسول الكريم (ص) عبَّر عنها القرآن بقوله: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الكوثر / 1-3.
2- سورة هود / 13.
3- سورة البقرة / 23.
4- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج 2 ص 1368.
5- روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص 261.
6- الأمالي -الشيخ الطوسي- ص 66.