الوحيُ للنبيِّ (ص) كان مشافهةً أم بواسطة مَن؟

شبهة مسيحي:

آيات القرآن متضاربة فيمَن ينزل على محمدٍ بالوحي والنبوَّة، فقد ورد في الآية الثامنة من سورة الحجر أنَّ العديد من الملائكة نزلوا على محمَّد بالوحي والنبوَّة، بينما في سورتي النحل والشعراء أنَّ الذي نزل بالوحي على محمد هو روح القدس، وأمَّا سورة النجم فذكرت أنَّ الله نفسه أوحى إليه، ولكن في سورة البقرة أنَّ الملاك جبريل هو وحده الذي نزل بالوحي والنبوَّة على محمد، علماً بأنَّه لم يُذكر لا في القرآن ولا في الإنجيل أنَّ جبريل هو ذاته الروح القدس؟!!

 

الجواب:

الدعوى لا تتمُّ إلّا بأحد أمرين:

إنَّ دعوى التضارب بين الآيات المتصدِّية للإخبار عمَّن ينزل بالوحي على النبيِّ محمد (ص) لا تتمُّ إلا مع إثبات أحد أمرين:

 

الأمر الأول:

إثبات إمتناع أن يكون المرسَل من عند الله بالوحي إلى نبيِّه متعدِّداً، بمعنى إثبات أنَّ المرسَل بالوحي لا يُمكن إلا أن يكون ملَكاً واحداً، وكذلك لابدَّ من إثبات امتناع أنْ يتمَّ الوحي للنبيِّ بطريقين في عرضٍ واحد، بواسطة الملَك تارةً وبدون واسطةٍ تارةً أخرى، فإذا ثبت امتناع تعدُّد الوسائط وامتناع أنْ يجتمع لنبيٍّ واحد الوحيُ له بواسطة ودون واسطة، وثبت بعد ذلك أنَّ آيات القرآن ظاهرة في أنَّ مَن أُرسل للنبيِّ (ص) كانوا ملائكةً متعدِّدين أو ثبت أنَّ آيات القرآن ظاهرةٌ في أنَّ الوحي للنبيِّ (ص) وقع تارةً دون واسطة وأُخرى بواسطة الملَك.

 

فإذا أمكن إثبات كلا المقدِّمتين فحينئذ تكون دعوى التضارب بين آيات القرآن في هذا الشأن تامَّة.

 

الأمر الثاني:

لولم يثبت امتناع الإيحاء بواسطة أكثر من ملَك، ولم يثبت امتناع أنْ يجتمع لنبيٍّ الوحى دون واسطة تارةً وبواسطة تارةً أخرى، لولم يثبت ذلك ولكن ثبت أنَّ بعض آيات القرآن التي تصدَّت للإخبار عمَّن أُرسل للنبيِّ بالوحي ظاهرةٌ في الحصر، بمعنى أنَّه لو ثبت مثلاً أنَّ الآية التي أفادت أنَّ جبرئيل أُرسل بالوحي إلى النبيِّ (ص) ظاهرةٌ في أنَّه وحده الذي أُرسل بالوحي إلى النبيِّ (ص) وأنَّ غيره لم يُرسل بهذا الشأن، وكذلك ثبت من آياتٍ أخرى أنَّ غيره من الملائكة أُرسل إليه بالوحي فحينئذ يقع التضارب بين الآيتين، وكذلك يقع التضارب لو أنَّ احدى الآيات أفادتْ أنَّ الوحي للنبيِّ (ص) لم يتم إلا بواسطة ملَك، ودلَّت آيةٌ أخرى أنَّ الوحي قد تمَّ له دون واسطة، ففي مثل هذين الفرضين يصحُّ الحكم بالتضارب بين الآيات في هذا الشأن، فإذا لم يثبت كلا الأمرين أو أحدهما فحينئذٍ تكون دعوى التضارب ساقطة.

 

الكلام في الأمر الأول: (التضارب بناءً على فرضيّة إمتناع تعدُّد طرق الوحي):

1- هل يُوجد مانعٌ من تعدُّد ملائكة الوحي؟!

فلنتحدث أولاً حول الأمر الأول: فليس ثمة من دليلٍ عقليٍّ أونقليٍّ يقتضي امتناع أنْ يُكلِّف اللهُ تعالى أكثر من ملَكٍ بالإيحاء إلى أحد أنبيائه، فإنَّ لله تعالى أنْ يُكلِّف مَن يشاء بما يشاء، فلو اقتضت مشيئتُه أنْ يُرسل إلى مَن اختاره لمقام النبوَّة ملائكةً متعدِّدين في دفعةٍ واحدة أو أن يُرسل إليه في كلِّ مرةٍ ملَكاً غير الذي أرسله في المرَّة السابقة، فما الضيرُ في ذلك وما هو المحذور المانع من ذلك؟! وهل البناء على على الإمتناع في مثل المقام إلا من التقييد لقدرة الله المُطلقة ولمشيئته التي لا يحول دونها شيء؟!

 

وهل يتعذَّر على أحدٍ أهَّله اللهُ تعالى لمقام النبوَّة أن يتلقَّى وحيَ ربِّه من ملائكةٍ متعدِّدين بعثَهم ربُّهم الذي يعلم من عبده ما يُطيق وما لا يطيق؟! وهل ثمة خشيةٌ من تباين ما يُلقونه في رَوع ذلك النبيِّ وهم اللذين عصمهم ربُّهم وأيَّدهم بتسديده؟! وهل سيبعثهم إلا بعد أنْ يعصمهم من الزلل والخطأ؟!

 

ثم أيُّ محذورٍ يمنع من أنْ يُمايز بين مضامين آياته ورسالاته فيبعث لكلٍّ مَن يختاره من ملائكته وهو الذي لا يُسأل عمَّا يفعل؟!

 

أدلُّ دليل على الإمكان هو الوقوع!

وأيُّ محذورٍ في أنْ تقتضي إرادته جلَّ وعلا بأنْ يبعث عدداً من ملائكته يُكلِّفهم مجتمعين بأداء رسالته إلى أحد من عباده، كما بعث لزكريا (ع) ملائكةً متعدِّدين يُبشِّرونه بيحيى وهو قائمٌ يُصلِّي في المحراب، قال تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(1).

 

وكما بعث إلى مريم (ع) عدداً من ملائكته يُنبئونها بإصطفاء الله تعالى لها وتطهيره إيَّاها واصطفائها على نساء العالمين، وبلَّغوها رسالةَ ربِّها بأن تقنُتَ إليه وتسجد لجلاله وتركع لعظمته مع الراكعين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ / يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾(2).

 

وكذلك بعث إليها ملائكته يُبشِّرونها بكلمةٍ منه غلامٍ اسمه عيسى تحبَلُ به وتضعه وأنبئوها أنَّه سيكون وجيهاً في الدنيا ومن المقرَّبين قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾(3).

 

هذا وقد بعثَ اللهُ تعالى من قَبلُ إلى نبيِّه إبراهيم (ع) عدداً من ملائكته فبشَّروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وأنبئوه أنَّهم قد أُرسلوا لإنزال العذاب على قوم لوط، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ / فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ / وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ / قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ / قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾(4) وقال تعالى في موضع آخر: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ / فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ / قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ / قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ / لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ / مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾(5).

 

وهؤلاء الملائكة دخلوا مجتمعين على نبيِّ الله لوط (ع) وأنبئوه بما قضاهُ الله تعالى في شأن قومه، وبلَّغوه رسالةَ ربِّه بأنْ يخرج وأهله ليلاً إلا امرأته فإنَّه مصيبُها ما أصابهم، وبشَّروه بالنجاة من العذاب الذي سوف يقعُ على قومه، وأنَّ موعدهم الصبح، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ / قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ / قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ / وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ / فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ / وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾(6) وقال تعالى في موضع آخر: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾(7).

 

2- هل يُوجد مانعٌ من اجتماع الوحي مباشرةً مع الوحي بواسطة؟!

وكذلك لا محذور في أن يجتمع لنبيٍّ الوحيُ له بواسطةِ ملَكٍ من ملائكة الله تعالى والوحيُ له من قِبل الله تعالى دون واسطة، وكذلك لا محذور في أنْ يتمحَّض الوحيُ له دون واسطة، فهو تعالى إذا كان قد أهَّل بعض ملائكته للقدرة على ان يتلقَّوا الوحيَ عنه دون واسطة ليتولَّون بعد تلقِّي الوحي عنه شأنَ الإيحاء لأنبيائه فما المحذورُ في أنْ يُؤهِّل بعضَ أنبيائه للقدرة على تلقِّي الوحيَ عنه مباشرةً ودون واسطة؟!

 

﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾:

هذا وقد ثبت ذلك لبعض أنبيائه كما هو صريحُ قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾(8) وقوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾(9) وكذلك قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ / قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ / قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾(10) فإنَّ الآيات صريحةٌ في أنَّ آدم (ع) كان قد تلقَّى العلم بالأسماء من الله تعالى دون توسيط ملائكته، وذلك بقرينة أنَّه تعالى بعد أنْ أفاد أنَّه قد علَّم آدم (ع) الأسماء كلَّها عرضهم على ملائكته ممتحناً لهم فأقرَّوا له بعدم العلم، فلو كانوا هم مَن علَّم آدم (ع) أو بعضُهم لعلموا أو علِم من تصدَّى لتعليمه، فإنَّ ظاهر الآية هو أنَّ المُقرَّ بعدم العلم هم عموم الملائكة كما هو مقتضى مفاد الجمع المحلَّى اللام: ﴿عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾، والأصرحُ من ذلك أنَّه تعالى أمر آدم (ع) بعد امتحانهم بأنْ يُعلِّمهم ما كان قد تلقَّاه من العلم بالأسماء، فإنَّ ذلك يُؤكِّد أنَّ العلم بالأسماء كان قد تلقَّاه عن الله تعالى دون واسطة.

 

وبما ذكرناه يتبيَّن أنَّه لو ثبت من القرآن الكريم أنَّ النبيَّ محمداً (ص) كان قد تلقَّى الوحي من عند الله تعالى بتوسُّط ملائكةٍ ينزلون عليه مجتمعين أو كان ينزل عليه بالوحي في كلِّ مرةٍ ملَكٌ غير الذي نزل عليه في المرَّة التى سبقتها فإنَّ ذلك لا محذور فيه بعد أن اتَّضح أنَّه لا دليل على الإمتناع بل الدليل قائمٌ على الإمكان.

 

وكذلك فإنَّه لو ثبت من القرآن أنَّ النبيَّ محمداً (ص) كان قد تلقَّى الوحي تارةً دون توسيط ملَكٍ وأُخرى بواسطة ملَكٍ من ملائكة الله تعالى، وثالثة بواسطة ملكٍ غيره، ورابعة بواسطة ملائكةٍ نزلوا عليه مجتمعين فإنَّ ذلك كلَّه ممَّا لا محذور فيه بعد أنْ تبيَّن عدم الإمتناع وقيام الدليل على الإمكان.

 

النتيجة:

وبذلك يتَّضح أنَّ دعوى التضارب في هذا الشأن بين الآيات لو كان منشؤها توهُّم الإمتناع فإنَّ الدعوى تكون في غاية السقوط، إذ لا ضير في أنْ يتلقَّى النبيُّ (ص) الوحيَ تارةً بواسطة الأمين جبرئيل وأخرى بواسطة ملكٍ آخر، وثالثة يتلقَّاه بواسطة ملائكةٍ مجتمعين، ورابعة يتلقَّاه من عند الله تعالى دون واسطة أحدٍ من ملائكته.

 

الكلام في الأمر الثاني: (التضارب بناءً على فرضيّة إنحصار مَن نزل بالوحي و النبوَّة)

أولاً: هل الذي نزل بالوحي والنبوَّة هو عديد من الملائكة؟

وأما الأمر الثاني: فالآية التي أُدَّعي دلالتها على أنَّ مَن ينزل على النبىِّ محمد (ص) بالوحي والنبوَّة كانوا ملائكةً متعدِّدين هي الآية الثامنة من سورة الحجر، وهي قوله تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾(11) وبالنظر إلى مفاد الآية وسياقها يتبيَّن أنَّ صاحب الشبهة لم يفهم معنى الآية رغم وضوح عدم صلتها بمورد الشبهة، فالآيةُ كانت بصدد الردِّ على ما اقترحه المشركون على النبيِّ (ص) تعنُّتاً أو استهزاءً، حيثُ طلبوا منه أنْ يأتيهم بالملائكة ليشهدوا له عندهم بصدقه، قال تعالى قبل هذه الآية من سورة الحجر دون فصل: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ / لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾(12) فمبتغاهم منه أنْ يأتيهم بملائكةٍ من السماء حتى يشاهدوهم ويتثبَّتوا من أنَّهم ملائكة ثم يشهد هؤلاء الملائكة على مرأىً ومسمعٍ منهم أنَّ محمداً (ص) نبيٌّ من عند الله تعالى، فكان ردُّ القرآن على اقتراحهم هو قوله تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾ ومعنى الآية أنَّ الله تعالى لو أَنزل ملائكةً بالنحو الذي اقترحوه فكانوا على هيئةٍ يتمكَّن المشركون من مشاهدتهم لكان ذلك هو الحجَّةُ الفاصلةُ عليهم القاطعةُ لكلِّ عذر، وحينئذٍ لن يُمهلوا بل سيُعاجلهم اللهُ بالعذاب، وهذا هو معنى: ﴿وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾.

 

فالآية تُنبأ عن سنَّةٍ إلهيَّةٍ قد قطَعها اللهُ تعالى على نفسه أنَّه لا يُنزِّل ملائكةً يُعرفون على أمةٍ كذَّبت بآياته إلا وتعقَّب نزولهم عند عدم الإذعان نزولُ العذاب على تلك الأمة دون إمهال، فمفاد هذه الآية هو مفاد قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾(13).

 

الآيةُ لا صلةَ لها بالموضوع!

فالآية لم تكن بصدد الإخبار عن أنَّ ملائكةً ينزلون على محمد (ص) بالوحي والنبوَّة كما توهَّم صاحبُ الشبهة بل هي بصدد الردِّ على اقتراح المشركين حيثُ كان اقتراحهم -كما هو صريح الآية التي سبقت الآية الثامنة- أنْ تنزلَ ملائكة لهم وليس لمحمد (ص) فإذا نزلوا فعاينوهم وشهدوا أنَّ محمداً نبيٌّ فحينئذٍ سيقبلون بحسب زعمهم برسالته ودعوته، فكان ردُّ القرآن عليهم إنَّ الله تعالى لا يُنزِّل ملائكة فيشاهدهم الناس إلا ويكون نزولهم حجَّةً لا إمهال بعدها، فالآية إذن أجنبيةٌ تماماً عن دعوى نزول الملائكة على محمد (ص) بالوحي والنبوَّة.

 

ولو كان المراد من الآية -كما قيل- ما نُنزِّل الملائكة إلا بالوحي والرسالة فإنَّ ذلك وإنْ كان خلاف الظاهر من الآية لكنَّه لو كان هو المراد من الآية لكانت أجنبيةً أيضاً عن مورد البحث، لأنَّها -حتى بناء على هذا المعنى- لا تُخبر عن أنَّ ملائكةً متعددين نزلوا أو ينزلون على محمد (ص) للإيحاء إليه بالرسالة -كما هي دعوى صاحب الشبهة- وإنَّما هي بصدد الإخبار عن أنَّه لو شاء الله إنزال ملائكةٍ على أحد فهو إنَّما يُنزلهم لهذه الغاية، فهي لا تُخبر عن فعليَّة نزولهم مجتمعين على محمد (ص) وإنَّما تُخبر عن أنَّهم لو أُنزلوا لكانت تلك هي مهمَّتهم.

 

فمفاد هذه الآية التي هي بصدد الردِّ على ما اقترحه المشركون أنَّ مقترحكم غيرُ قابلٍ للتحقُّق، لأنَّ إرادة الله قد اقتضت أنْ لا يُنزِّل ملائكةً ليشاهدهم الناس، وحينما يشاء إنزال ملائكة فهو إنَّما يُنزلهم للإيحاء إلى أنبيائه برسالاته وليس من أجل أن يشهدوا بصدق الأنبياء عند أممهم.

 

فالآية على كلا التقديرين أجنبيَّة عن مورد الشبهة فهي لا تُخبر عن أنَّ من ينزل على محمد (ص) بالوحي والرسالة كانوا ملائكةً متعددين كما توهَّم صاحب الشبهة.

 

ثانياً: هل الذي نزل بالوحي هو روح القدس أم جبريل؟

وأما الآية من سورة النحل المشار إليها في الشبهة فهي قوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾(14) ومفادها أنَّ مَن نزل بالقرآن من عند الله تعالى على قلب النبيِّ الكريم (ص) هو روح القدس، وكذلك هو مفاد قوله تعالى من سورة الشعراء: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ / نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ / عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾(15) فإنَّ كلاً من روح القدس والروح الأمين يُشيران إلى مسمَّىً واحد وذاتٍ واحدة عُبِّر عنها في الآية من سورة النحل بروح القدس وعُبِّر عنها في الآية من سورة الشعراء بالروح الأمين، وهذا المقدار أقرَّ به صاحبُ الشبهة , والذي أنكره صاحب الشبهة هو اتَّحاد روح القدس والروح الأمين مع الملَك المسمَّى بجبرئيل والذي أفاد القرآن في سورة البقرة أنَّه مَن نزل بالقرآن على قلب النبيِّ محمدٍ (ص) قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(16).

 

فلأنَّه أنكر أنَّ جبرئيل هو ذاتُه روح القدس وهو ذاتُه الروح الأمين لذلك زعم أنَّ القرآن قد تضاربت آياته فيمَن نزل بالوحي والنبوَّة على محمدٍ (ص)، ذلك لأنَّه تارةً يُسند النزول بالوحي إلى روح القدس كما في سورة النحل وأخرى يُسنده إلى جبرئيل (ع) كما في سورة البقرة، لكنَّ دعوى أنَّ روح القدس في الآية من سورة النحل ليس هو جبرئل دعوى فاسدة، ومع فسادها ينتفي توهُّم التضارب بين الآيات الثلاث، لأنَّ مفادها جميعاً هو أنَّ مَن ينزل بالقرآن على النبيِّ محمد(ص) هو جبرئيل (ع) غايته أنَّ الآية من سورة النحل وصفته بروح القدس، والآية من سورة الشعراء وصفته بالروح الأمين، وقد وصفه القرآن في موضعٍ آخر بالرسول الكريم وبذي القوة، ووصفه كذلك بالمَكِينِ عند ذي العرش كما في سورة التكوير: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ / ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ / مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾(17).

 

كلُّها صفاتٌ لجبريل بتسالم المسلمين:

فكلُّ هذه الصفات تُشير إلى ذاتٍ واحدة هي ذاتُ جبرئيل (ع)، وهذا المقدار مما تسالم المسلمون على تلقِّيه عن النبيِّ الكريم (ص) فهو الأعرف بمرادات القرآن، لأنَّه مَن خُوطب به. والتوثُّق من ذلك ليس عسيراً، فالنصوص المرويَّة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) الصريحة في أنَّ مَن نزل بالقرآن على قلب رسول الله (ص) هو جبرئيل تفوق حدَّ التواتر بمراتبَ كثيرة، وتسالمُ المسلمين جيلاً بعد جيل على تلقِّي هذه القضيَّة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) وصحابته بلغ من الإستحكام حدَّاً صارت معه هذه القضيَّة من الواضحات التي لا يشوبها شكٌّ ولا يجهلها حتى سوَقةُ الناس، ولذلك فإنَّ كلَّ آيةٍ أسندت إنزال القرآن على قلب رسول الله (ص) إلى موصوف فإنَّه لا يرتاب أحدٌ في أنَّ المراد من هذا الموصوف هو جبرئيل (ع).

 

إحتمال الإتِّحاد يكفي لنفي التضارب:

على أنَّه كيف يصحُّ لأحدٍ نسبة التضارب إلى القرآن لمجرَّد أنَّه أفاد في آيةٍ أنَّ القرآن نزلَ به روحُ القدس وأفاد في آيةٍ انَّ القرآن نزلَ به جبرئيل، إنَّ الحكم بالتضارب والتناقض لا يتمُّ بنظر العقلاء في مثل هذا المورد إلا مع إحراز أنَّ المراد من جبرئيل هو ذاتٌ مباينة ومختلفة لما هو المراد من روح القدس، أما مع احتمال الإتَّحاد بين العنوانين فإنَّ الحكم بالتضارب يكون مجافياً لمقتضى الإنصاف والموضوعيَّة.

 

مثالٌ توضيحي:

فلو أنَّ أحداً قال في مجلس: لم يزرني في هذا اليوم في إلا زيد، وقال بعد ذلك في ذات المجلس وذات اليوم أو في مجلسٍ آخر: لم يزرني في هذا اليوم إلا رجلٌ فقير، فهل يصحُّ في هذا الفرض الحكم بالتضارب بين الكلامين رغم احتمال أنَّ مراده من الرجل الفقير هو زيدٌ نفسه الذي أخبر عن زيارته له في هذا اليوم.

 

إنَّ الحكم بالتضارب في هذا الفرض بين القضيتين يكون مجافياً للإنصاف بنظر العقلاء بل إنَّ العقلاء في مثل هذا الفرض يُحرزون بأنَّ مراده من الرجل الفقير هو زيدٌ نفسه، فيجعلون من اتَّحاد القضيتين في السياق والمفاد قرينةً على اتَّحاد المسمَّى فيهما.

 

فحيثُ إنَّ المتكلِّم قد نفى الزيارة له عن كلِّ أحدٍ في كلا القضيتين وأثبتها في كلا القضيتين لواحد، والمفترض في حقِّه الإلتفات لذلك فإنَّ العقلاء يجعلون من اتَّحاد المفاد في القضيتين قرينةً على أنَّ المراد من الرجل الفقير في القضيَّة الثانية هو ذاته زيدٌ المذكور في القضيَّة الأولى، نعم لوكان الوصف المذكور في القضيَّة الثانية مما يُعلم عدم انطباقه على الإسم في القضيَّة الأولى فحينئذٍ لا يصحُّ البناء على الإتَّحاد بين القضيتين في المسمَّى المُسند له الفعل في القضيتين.

 

فلو قال في القضيَّة الثانية: لم يزرني في هذا اليوم إلا طفل ونحن نعلم أنَّ زيداً ليس طفلا أو أنَّه لو قال: لم يزرني في هذا اليوم إلا إمرأة شابَّة ففي مثل هذا الفرض لا يسع العقلاء البناء على الإتَّحاد بين القضيتين في المسمَّى، وهذا بخلاف ما لو كان الوصف المذكور في القضيَّة الثانية قابلاً للإنطباق على الإسم المذكور في القضيَّة الأولى فإنَّ العقلاء وأهل المحاورة يجعلون من الإتَّحاد بين القضيتين في الموضوع والمفاد قرينة على الإتَّحاد بين الموصوف في القضية الثانيَّة وصاحب الإسم في القضية الأولى، فيبنون على أنَّ مراد المتكلِّم من الرجل الفقير هو زيدٌ نفسه المذكور في القضية الأولى.

 

الأوصاف قابلةٌ للإنطباق على ذات واحدة .. فأين التضارب؟!

وهكذا الحال بالنسبة لمفاد الآيات الثلاث، فهي جميعاً قد أفادت أنَّ ثمة ذاتاً قد نزلت بالقرآن على محمد (ص) إلا أنَّه في الآية من سورة البقرة سمَّت تلك الذات بجبرئيل، وأما الآية من سورة النحل فلم تسمِّ الذي نزل بالقرآن على محمد (ص) وإنَّما نوَّهت بوصفه فأفادت انَّه روح القدس، وكذلك فإنَّ الآية من سورة الشعراء نوَّهت بوصف مَن نزل بالقران على محمد (ص) ولم تسمِّه فأفادت أنَّه الروح الأمين، فحيثُ إنَّ من المحتمل على أقلِّ تقدير أنَّ المراد من روح القدس ومن الروح الأمين هو جبرئيل نفسه لذلك لا يصحُّ الحكم على الآيات الثلاث بالتضارب وإلا كان ذلك من الحكم بغير علم بعد إفتراض احتمال الإتَّحاد وأنَّ المتكلم أراد من الوصفين والإسم الإشارة إلى ذاتٍ واحدة، فمحضُ الإحتمال كافٍ لعدم صحة البناء على تناقض المتكلم، بل إنَّ العقلاء في مثل هذا الفرض لإحرازهم بأنَّ المتكلِّم ملتفتٌ ومُدركٌ لما يقول يبنون على أنَّ مراده من الوصفين والإسم هو الإشارة إلى ذاتٍ واحدة، ويتمسكون لإحراز ذلك بقرينة أنَّ مفاد الآيات متَّحد وأنَّها صدرت من متكلِّمٍ واحد عاقلٍ وملتفت وأنَّ العاقل لا يُناقض نفسه فلابدَّ وأنَّ يكون مراده من روح القدس هو الروح الأمين وأنَّ مراده من الوصفين هو جبرئيل، خصوصاً وأنَّ الوصفين قابلان للإنطباق على الإسم، فجبرئيل ملَكٌ من الملائكة فهو إذن روح، وكونُ جبرئيل ملَكٌ معصوم فهو إذن أمين لا يكذب ولا يخون، ولأنَّه معصوم فهو مقدَّس أي مطهرٌ من المعاصي والذنوب، ولأنَّه روحٌ فهو مقدَّس ومطهَّر من القذارات التي تقتضيها المادة الكثيفة.

 

فالوصفان قابلان للإنطباق على جبرئيل، ومفاد الآيات متَّحد من حيث إنَّها جميعاً تُخبر عن أنَّ ذاتاً هي مَن نزلت على محمد (ص) بالقرآن من عند الله تعالى، والمتكلِّم عاقلٌ ملتفتٌ حريصٌ كلَّ الحرص على أنْ لا يظهر في مظهر المناقض لنفسه، ففي مثل هذا الفرض ألا يُشرف المتلقِّي لهذه الآيات على القطع بأنَّ مراد المتكلِّم من الوصفين وجبرئيل ذاتٌ واحدة ؟! فأين هو التضارب إذن؟!

 

لو استُعمل روح القدس في غير جبريل فلا يضرّ

وأمَّا دعوى أنَّ روح القدس استُعمل في القرآن وأُريد منه غير جبرئيل (ع) فجوابه أنَّ ذلك لو ثبت فإنَّه لا يمنع من إرادة جبرئيل من كلمة روح القدس في الآية من سورة النحل، فإنَّ روح القدس وصفٌ يقبل الإنطباق على أكثر من ذات، فلو قامت القرينة على أنَّ المراد من روح القدس في آيةٍ من الآيات هو ذاتٌ أخرى غير جبرئيل فلا مانع من البناء على إرادتها لكنَّ ذلك لا يمنع من إطلاق وصف روح القدس على جبرئيل أيضاً وعلى ذات أخرى ثالثة ورابعة، والمعيِّن للذات التي وصفت بروح القدس هو القرائن المكتنفة لكلِّ خطاب.

 

عيناً كما هو الحال فيما لو وصفنا زيداً بالحكيم فقلنا: جاء الرجل الحكيم فإنَّ ذلك لا يمنع من وصف غيره بذات الوصف، ويكون المعيِّن لمَن هو المراد من الوصف في كلِّ خطاب هو القرائن المكتنفة بكلِّ خطاب.

 

شواهد على استعمال الوصف لأكثر من ذات:

وقد اشتمل القرآن على ذلك كثيراً، فهو مثلا قد وصف نوحاً (ع) بالرسول الأمين في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ / إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾(18) ووصف هوداً (ع) بالرسول الأمين في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ / إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾(19) ووصف صالحاً (ع) بالرسول الأمين في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ / إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾(20) ووصف لوطاً(ع) بالرسول الأمين في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ / إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾(21) ووصف شعيباً (ع) بالرسول الأمين في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ / إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾(22)، فكلُّ هؤلاء الأنبياء تمَّ وصفُ كلٍّ منهم بالرسول الأمين، وعرفنا مَن هو المراد في كلِّ خطاب بواسطة القرائن المكتنفة لكلِّ خطاب.

 

وكذلك فإنَّ الله تعالى وصف موسى (ع) بالرسول الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾(23) ووصف جبرئيل (ع) بالرسول الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ / ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ / مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾.

 

فإطلاق روح القدس على غير جبرئيل في بعض الموارد لا يمنع من اطلاق ذات الوصف على جبرئيل في مواردَ أخرى.

 

خلاصةٌ ومزيدُ بيان:

والمتحصَّل مما ذكرناه أنَّه يكفي لنفي التضارب بين الآيات الثلاث إحتمال إتَّحاد المراد من روح القدس والروح الأمين وجبرئيل وانَّ هذه العناوين الثلاثة تُشير إلى ذاتٍ واحدة، فإحتمال الإتَّحاد كافٍ للمنع من الحكم على الآيات بالتضارب كيف والأمر يتعدَّى مستوى الإحتمال وينتهي إلى مستوى القطع بإتَّحاد المراد بمقتضى ما هو المتسالم عليه من انَّ الذي نزل على قلب محمد (ص) بالقرآن هو جبرئيل (ع) الذي عبَّرت عنه الكثير من النصوص الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) بالروح الأمين وبروح القدس.

 

هذا مضافاً إلى ما ذكرناه من انَّ العقلاء إذا تلقَّوا خطابين متَّحدين في السياق والمفاد من متكلِّمٍ واحدٍ ملتفت، وكان أحد الخطابين قد أَسند الفعل إلى إسم وأَسنده الخطابُ الثاني إلى موصوفٍ دون ذكر الإسم فإنَّهم يستظهرون من مجموع الخطابين انَّ مراد المتكلِّم من الموصوف هو نفسُه المراد من الإسم في الخطاب الأول.

 

وهذا منطبِقٌ تماماً على الآيات الثلاث، فالآية من سورة البقرة أسندت الإنزال إلى جبرئيل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾(24)، والآيةُ من سورة النحل أسندت الإنزال إلى روح القدس: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ﴾(25)، والآيةُ من سورة الشعراء أسندت الإنزال إلى الروح الأمين: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾(26).

 

وفي الآيات الثلاث كان المنزَّل إليه هو النبيُّ محمد (ص)، ففي الآية من سورة البقرة: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ وفي الآية من سورة النحل: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ﴾(27) وفي الآية من سورة الشعراء: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ / عَلَى قَلْبِكَ﴾(28) فالمنزَّل عليه في الآيات الثلاث هو النبيُّ محمد (ص) كما هو مقتضى كاف الخطاب في الآيات الثلاث.

 

وفي الآيات الثلاث كان النزول بأمر الله ومن عنده، ففي الآية من سورة البقرة: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾(29) وفي الآية من سورة النحل: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ﴾ وفي الآية من سورة الشعراء: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(30).

 

وفي الآيات الثلاث كان المنزَّل هو القرآن، فهو المراد من ضمير الغائب في قوله: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ﴾ وفي قوله: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ﴾ وفي قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فالمُشار إليه بضمير الغائب في الآيات الثلاث هو القرآن كما يُقرُّ بذلك صاحب الشبهة، ولو قيل إنَّ المُشار إليه بضمير الغائب في كلِّ آيةٍ غيرُ المُشار إليه في الآية الأخرى لما كان لدعوى التضارب من قيمةٍ أصلاً، وذلك لأنَّه سيُقال حينئذٍ إنَّه لو سلَّمنا انَّ المراد من روح القدس ذاتٌ أخرى غير جبرئيل فإنَّ ذلك غيرُ ضائر، إذ لا مانع في أنَّ ينزل روح القدس على محمدٍ (ص) بشيئٍ من عند الله تعالى وينزل جبرئيل على محمدٍ (ص) بشيئٍ آخر. فصاحب الشبهة لا يسعه إلا التمسك بأنَّ المراد من المنزَّل في الآيات الثلاث هو القرآن.

 

وعليه فإنَّ الآيات الثلاث صادرةٌ من متكلِّمٍ واحدٍ ملتفت، وهي متَّحدة في المفاد حيثُ انَّ المقصود فيها من المنزَّل واحدٌ، وهو القرآن، وهي متَّحدةٌ في إفادة انَّ المُنزَّل منه هو الله تعالى، ومتَّحدةٌ في إفادة انَّ المُنزَّل إليه هو النبيُّ محمد (ص)، فلم يبقَ إلا مَن كُلِّف بالتنزيل، فإحدى الآيات ذكرته بإسمه، والآية الثانية ذكرته بوصفه وكذلك الثالثة، فحين يقع الشك في انَّ الموصوف في الآيتين هل هو ذاتُه المسمَّى في الآية الأولى أو غيره فإنَّ العرف وأهل المحاورة والعقلاء يستظهرون الإتَّحاد بين ذات المُشار إليه بالوصفين وذات المُشار إليه بالإسم.

 

زعْمٌ لا يعنينا:

وأما ما زعمه صاحب الشبهة من انَّ الإنجيل لم يذكر انَّ جبرئيل هو ذاته روح القدس فذلك أمرٌ لايعنينا، فلهم أنْ يُطلقوا وصف روح القدس على مَن شاؤا، على انَّه قد إتَّضح مما تقدَّم انَّ إطلاق وصفٍ على ذات لا يمنع من إطلاق نفس الوصف على ذاتٍ أُخرى إذا كانت تلك الذات قابلة للإتَّصاف بذلك الوصف، فأيُّ محذورٍ في انْ يُطلق وصف روح القدس على جبرئيل وفي ذات الوقت يتمُّ إطلاق نفس الوصف على ذاتٍ أخرى؟!

 

ثالثاً: هل الوحي كان بالمباشرة أم بواسطة؟

بقي الكلام حول ما أورده صاحب الشبهة من انَّ القرآن ذكر في سورة النجم انَّ الذي أوحى للنبيِّ (ص) هو الله تعالى دون توسيط ملَكٍ من الملائكة، قال: ﴿فَأَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾(31) وهذا يتنافى بحسب زعمه مع ما ورد في القرآن من انَّ النبيَّ (ص) كان يتلقَّى الوحي بواسطة ملَكٍ من الملائكة.

 

الآيةُ لا تدلُّ على الانحصار:

والجواب انَّ الآية من سورة النجم لو سلَّمنا بظهورها في انَّ الله تعالى قد أَوحى للنبي الكريم (ص) دون توسيط ملَكٍ من ملائكته إلا انَّها ليست ظاهرةً في الحصر وانَّه لم يتمًّ الوحيُ للنبي (ص) إلا بنحو المشافهة، فالآيةُ من سورة النجم أفادت انَّ الله تعالى أوحى إلى عبده ما أوحى، أي وقع منه الإيحاء إلى عبده، فهي تُثبت صدور الإيحاء من الله إليه دون توسيط ولكنَّها لا تنفي صدور الإيحاء إليه بتوسيط ملكٍ في حالاتٍ وأوقاتٍ أُخرى.

 

أمثلةٌ توضيحية:

فسياق الآية هو سياق قولنا: إنَّ زيدا وهبَ خالداً درهماً، فإنَّ مفاد هذه الجملة هو الإخبار عن صدور الهبة للدرهم من زيدٍ إلى إلى خالد، فهي تُثبت ذلك ولكنَّها لا تنفي أن غيره وهبه درهماً أيضاً.

 

فلو ورد خبران أحدُهما: انَّ زيداً وهب خالداً درهماً، والثاني: انَّ عمرًا وهب خالداً درهماً، فإنَّه لا يتوهًّم أحدٌ وجود تنافٍ بين الخبرين، وذلك لأنَّ الخبر الأول لا ينفي صدور الهبة عن غير زيد وانَّ غايته إثبات صدور الهبة من زيد، وهكذا فإنَّ الخبر الثاني لا ينفي صدور الهبة عن غير عمرو وانَّ غايته هو إثبات صدور الهبة من عمرو أما نفي صدورها عن غيره فهو مالم يتصدَ الخبر لنفيه كما لم يتصد لإثباته.

 

وكذلك لو قيل: إنَّ السلطان بنفسه خاطب وزيره في شأنٍ من شئون الدولة، فإنَّ ذلك لا ينفي انْ يكون السلطان قد أرسل لوزيره مَن يُبلِّغه ببعض ما يتَّصل بشأنٍ من شئون الدولة في ظرفٍ آخر.

 

فلو ورد خبران مفاد أحدهما انَّ السلطان خاطب وزيره بنفسه في شأن من شئون الدولة، ومفاد الخبر الآخر انَّ السلطان بعث إلى وزيره مَن يُبلِّغه بأمره في شأنِ من شئون الدولة، فإنَّ أحداً لا يجد تناقضاً بين الخبرين، وذلك لأنَّ كلَّ واحدٍ من الخبرين يُثبت أمراً لاينفيه الآخر.

 

وهكذا هو الحال في العلاقة بين الآية من سورة النجم والآيات الثلاث، فإنَّ الآية من سورة النجم متصدِّية لإثبات انَّ الله تعالى قد أوحى بنفسه لنبيِّه محمدٍ (ص) لكنَّها ليست متصدِّية لنفي الإيحاء إليه بتوسيط ملَكٍ من الملائكة، فهي ليست ظاهرةً بل ولا مشعرةً بأنَّ الوحي للنبيِّ محمدٍ (ص) لم يكن إلا من هذا الطريق.

 

وبتعبير آخر: إنَّ الآية من سورة النجم ليست مسوقة بلسان الحصر، لذلك فهي لا تنفي تحقُّق الإيحاء للنبي (ص) من طريقٍ آخر غير المشافهة وانَّ غاية ما تقتضيه هو إثبات تحقُّق الوحي المباشر للنبي (ص) فيبقى الإيحاء له بواسطة ملَكٍ من الملائكة أمراً مسكوتاً عنه في الآية من سورة النجم، فليس فيها ما يقتضي نفيه ولا إثباته، وعليه لا تكون الآية من سورة النجم نافية لما أفادته الآيات الثلاث من تحقُّق الإيحاء للنبيِّ (ص) بواسطة ملَكٍ من الملائكة.

 

وجهٌ آخر للشبهة: القرآن والإنحصار بالملَك:

وما قد يُقال إنَّ منشأ دعوى التنافي بين الآية من سورة النجم والآيات الثلاث هو انَّ الآيات الثلاث أفادت بأنَّ القرآن نزل على النبيِّ (ص) بواسطة الملَك، وهذا معناه انَّه لم ينزل على النبيِّ من طريقِ الوحي المباشر، فالآية من سورة النجم وإنْ لم تكن ظاهرةً في الحصر ولكنَّ الآيات الثلاث ظاهرةً في انَّ طريق نزول القرآن منحصراً في الإيحاء بواسطة الملَك، فيكون مفاد الآيات الثلاث نافياً لنزول القرآن من طريق آخر، ولذلك تكون الآية من سورة النجم مناقضة لمفاد الآيات الثلاث.

 

الردّ: ليس كلُّ الوحي قرآناً:

والجواب عن ذلك انَّ الآيات الثلاث بعد التسليم بظهورها في انَّ نزول القرآن كان طريقه متمحِّضاً في الإيحاء بواسطة الملَك، فهي بذلك وإنْ كانت تنفي نزول القرآن عن طريق الإيحاء المباشر لكنَّها لا تنفي الوحي المباشر بغير القرآن، فالوحي الذي تلقَّاه النبيُّ (ص) لم يكن قرآنًا وحسب، فالقرآن كان بعضُ ما أُوحي للنبيِّ محمد (ص) ولم يكن هو تمام ما أُوحي إليه، لذلك قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى / إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾(32) فكلُّ ما صدر عن النبيِّ (ص) من شرائعَ ومعارفَ كان وحياً من عند الله تعالى ولم يكن كلُّه قرآناً.

 

ولهذا ليس ثمة من محذورٍ في الإلتزام بأنَّ القرآن كلَّه نزل بواسطة الملَك وفي ذات الوقت نلتزم بأنَّ بعض الوحي من غير القرآن كان قد تلقَّاه النبيُّ (ص) عن الله تعالى مشافهةً ودون توسُّط ملَك , فالآية من سورة النجم لم تقل إنَّ الله قد أوحى القرآن لنبيِّه دون واسطة وإنما أفادت أنَّه تعالى قد أوحى إليه ما أوحى، فلم تتصدَ لبيان ماهيَّة ماكان قد أوحاه إليه.

 

الآيةُ أساساً لا تتحدث عن القرآن!

على انَّ الآية وردت في سياق ما كان قد وقع للنبيِّ (ص) في المعراج، فمفادها انَّه حين عُرج به إلى السماء كان من الله تعالى أنْ أوحى إليه ما أوحى، قال تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى / ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى / وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى / ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى / فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى / فَأَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى / مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى / أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى / وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى / عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى / عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى / إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى / مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى / لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾(33).

 

فالآية وردت في سياق هذه الآيات المتصدِّية لبيان ما وقع للنبيِّ (ص) في المعراج، فهي لم تكن بصدد الحديث عن إيحاء القرآن للنبي (ص) ولم تُبيِّن ما الذي كان قد أوحاه إليه هناك، ولم تقل إنَّ ما أوحاه إليه هناك هو كلُّ ما كان قد أُوحي إليه طوال مبعثه الشريف بل إنَّ غاية ما يظهر من الآية المباركة انَّ وحياً قد تلقَّاه النبيُّ من عند الله مشافهةً حينما كان في المعراج، وأما انَّه لم يتلقَ وحياً غيره مشافهةً أو بواسطة فذلك ما لايُمكن إستفادته من الآية المباركة، ولهذا لا تكون هذه الآية منافية لما ورد من انَّ إيحاء القرآن للنبىِّ (ص) كان بتوسُّط ملكٍ من ملائكة الله تعالى وهو جبرئيل (ع).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

من كتاب شبهات مسيحية


1- سورة آل عمران / 39.

2- سورة آل عمران / 42-43.

3- سورة آل عمران / 45.

4- سورة هود / 69-73.

5- سورة الذاريات / 28-34.

6- سورة الحجر / 61-66.

7- سورة هود / 81.

8- سورة البقرة / 253.

9- سورة النساء / 164.

10- سورة البقرة / 31-33.

11- سورة الحجر / 8.

12- سورة الحجر / 6.

13- سورة الانعام / 8.

14- سورة النحل / 102.

15- سورة الشعراء / 192-194.

16- سورة البقرة / 97.

17- سورة التكوير / 19-21.

18- سورة الشعراء / 106-107.

19- سورة الشعراء / 124-125.

20- سورة الشعراء / 142-143.

21- سورة الشعراء / 161-162.

22- سورة الشعراء / 177-178.

23- سورة الدخان / 17.

24- سورة البقرة / 97.

25- سورة النحل / 102.

26- سورة الشعراء / 193.

27- سورة النحل / 102.

28- سورة الشعراء / 193-194.

29- سورة البقرة / 97.

30- سورة الشعراء / 192.

31- سورة النجم / 10.

32- سورة النجم / 3-4.

33- سورة النجم / 5-18.