المشركون يكتمون الله حديثاً أولا يكتمون

شبهة مسيحي:

جاء في سورة الأنعام: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ / ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾(1)؟!

أمَّا في سورة النساء فجاء ما ينافي ذلك ويناقضُه: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾(2) ففي الآية الأولى نرى أنَّهم كذبوا وكتموا وفي الثانية لا يكتمون أي لا يكذبون ولا يستطيعون الكذب؟!

الجواب:

منشأُ الدعوى:

إنَّ دعوى التنافي بين الآيتين نشأ عن توهُّم انَّ معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو أنَّ المشركين والعصاة يوم القيامة لا يستطيعون الكذب والإخبار عند الحساب والمُساءلة بما يُخالف واقعهم، فلو كان هذا الفهم هو مراد الآية لأمكن الإدَّعاء بمنافاتها ومناقضتها لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ لأنَّ هذه الآية صريحةٌ في أنَّهم كذبوا، وذلك لأنَّهم مشركون واقعاً ورغم ذلك قالوا وأقسموا بأنَّهم ليسوا مشركين، فمؤدَّى هذه الآية أنَّهم استطاعوا أنْ يكذبوا على الله تعالى مع أنَّ الآية الأخرى أفادت أنَّهم لا يستطيعون أنْ يكتموا الله حديثا.

هل يكذبون يوم القيامة؟

فتوهُّم أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو أنَّهم لا يستطيعون الكذب على الله يوم القيامة هو ما نشأت عنه دعوى التنافي، لكنَّ هذا الفهم للآية المباركة لا يعدو الوهم، فليس المراد قطعاً من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو أنَّهم لا يكذبون على الله تعالى عند الحساب ولا يستطيعون الكذب، وذلك لأنَّ القرآن قد صرَّح في أكثر من موردٍ أنَّ المشركين والعصاة يكذبون على الله تعالى يوم القيامة، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ﴾(3) فالآية صريحةٌ في أنَّهم يحلفون كذباً برجاء أنَّ ذلك ينفعهم ويدفع عنهم ما يحذرون إلا أنَّ الله تعالى لمَّا كان مطَّلعاً على حقائقهم وصَفَهم بأنَّهم كاذبونَ في دعواهم وفيما حلفوا عليه.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ / فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾(4) فهذه الآية صريحةٌ أيضاً في أنَّ العصاة يكذبون يوم القيامة عند المُساءلة فيدَّعون أنَّهم لم يعملوا سيئةً مطلقاً رغم أنَّهم كانوا قد اجترحوا السيئات في الدنيا، لذلك فإنَّ الله تعالى يُجيبهم بالتكذيب لدعواهم فيقول: ﴿بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ثم يأمر بإدخلهم جهنم، وذلك تكذيب آخر لدعواهم أنَّهم لم يعملوا من سوءٍ في الدنيا.

الآيةُ صريحةٌ في أنَّهم يكذبون!

هذا مضافاً إلى أنَّ الآية مورد البحث قد صرَّحت الآيةُ التي تليها أنَّهم كذبوا فيما ادَّعوه بأنَّهم لم يكونوا مشركين، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ / ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ / انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾(5)، فقوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ صريحٌ في التصدِّي لتكذيب دعواهم أنَّهم لم يكونوا مشركين.

الدعوى تُجافي الإنصاف!

فإذا كان القرآن قد صرَّح في أكثر من موردٍ أنَّ المشركين والعصاة يكذبون يوم القيامة عند المُساءلة والحساب فكيف يصحُّ البناء على أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو أنَّ المشركين والعصاة لا يكذبون يوم القيامة ولا يستطيعون الكذب؟! إنَّ ذلك معناه أنَّ القرآن يقول إنَّ المشركين والعصاة يوم القيامة لا يكذبون ولا يستطيعون الكذب وفي ذات الوقت يقول: هم يستطيعون الكذب يوم القيامة ويكذبون، إنَّ مثل هذا التناقض الصريح جدَّاً لا يصدر عن عاقلٍ ملتفت، ولا ينسبه منصفٌ لعاقلٍ ملتفت، فحتى لو تنزَّلنا جدلاً وفرضنا أنَّ القرآن ليس من عند الله تعالى وأنَّه من كلام النبيِّ محمدٍ (ص) فإنَّ أحداً لا يرتاب في أنَّ محمداً (ص) كان عاقلاً بل لا يرتاب أحدٌ في أنَّه كان متميِّزاً في عقله وفطنته، وحينئذٍ كيف يصدر عنه هذا التناقض الصريح خصوصاً وأنَّه حريصٌ على الإحتفاظ بمصداقيته.

ولو قِيل إنَّه نسيَ فوقع في هذا التناقض فإنَّ جواب ذلك هو أنَّ هذا الفرض ممتنع الوقوع للقرآن، فهو ليس من قبيل مقالٍ كتبه صاحبه في وقتٍ ثم أودعه في خزانته أو نشره فمضى على نشره زمنٌ فنسيَ ما كان قد كتبه أو نسيَ بعض ما كان قد كتبه ثم كتب مقالاً آخر اشتمل على خبرٍ أو رؤيةٍ مناقضةٍ لما كان قد أخبر به أو تبنَّاه في مقاله السابق، إنَّ القرآن ليس من هذا القبيل، ذلك لأنَّ آياته يتلوها النبيُّ (ص) وكذلك المسلمون ليلَ نهار في الصلوات اليوميَّة الخمس المفروضة وفي النوافل وفي المحافل والخلَوات وفي الحضر والسفر ويدوِّنها كتَّابُ الوحي ويستنسخها منهم العارفون بالقراءة والكتابة ويتعاهدها سائر المسلمين بالحفظ والتلاوة رجاءً للثواب والتبصُّر والإتعاظ، وإمتثالا للأمر الحثيث من النبيِّ (ص) على ذلك، ولقد كان يبعث القرَّاء من أصحابه إلى المحافل والمجالس والمواطن التي أسلم أهلها يُعلِّمون الناس ما نزل من آيات الله تعالى، لذلك فالآيات التي نزلت في مكة كالتي نزلت في المدينة حاضرةً في الذاكرة وفي الوجدان الإجتماعي، فهل يتعقَّل منصفٌ والحالُ هذه أن ينسى النبيُّ (ص) ما كان قد أورده من آياتٍ حتى يأتي بنقيضها؟! وهل يتعقَّل منصفٌ أنْ يغفل كلُّ هؤلاء المسلمين مجتمعن وكذلك الجاحدين عن التفطُّن لمثل هذا التناقض المزعوم رغم صراحته وفيهم المتميِّزون بالحفظ والفطنة، وفيهم المتربِّصون، وقد امتدَّ الزمن الذي عاشه النبيُّ (ص) بينهم لسنين يتلو عليهم ما ينزل من آيات القرآن ويتلوه المسلمون في آناء الليل وأطراف النهار.

هذا والقرآن مليئٌ بالآيات التي تحضُّ على التدبُّر والتأمُّل في معانيه ومضامينه، وكذلك كان الرسول (ص) يُكثر من الحثِّ على التدبُّر في آيات القرآن، ثم إنَّ القرآن قد عرض نفسه على أنَّه معصومٌ عن التناقض والإختلاف وتحدَّى بذلك الجنَّ والإنس، وهذا معناه الإغراء للناس من المؤمنين والجاحدين على أن يبحثوا عمَّا ينقض هذا التحدِّي إنْ إستطاعوا وهو في ذات الوقت يقتضي الحرص من الصادع بالقرآن والناطق به على عدم الوقوع فيما ينقض هذا التحدِّي.

والمتحصَّل إنَّ كيفية نزول القرآن والوقت الذي استغرقه وكيفية تداوله والعناية المنقطعة النظير بنصوصه من الرسول (ص) وسائر المسلمين في عهده وما يمثِّله القرآن للنبيِّ (ص) حيثُ هو من أهمِّ أدلَّة الصدق على نبوَّته، ولقد كان نقضه السلاح الأمضى للمتربِّصين لو استطاعوا لذلك سبيلا رغم أنَّ فيهم علماء أهل الكتاب وفيهم الأدباء وذوو الفطنة والمجادلة.

كلُّ ذلك يؤكِّد أنَّ الوقوع في مثل هذا التناقض الصريح أمرٌ لا يُمكن تعقُّله ولا ينسبه منصفٌ لمثل القرآن، ولهذا فدعوى أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو أنَّ المشركين والعصاة لا يكذبون ولا يستطيعون الكذب عند المُساءلة يوم القيامة حتى يكون ذلك مناقضاً لما أفاده قوله تعالى حكاية عنهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ هذه الدعوى لا تعدو الوهم كما اتَّضح مما تقدَّم.

المراد من الآية ﴿ولا يكتمون الله حديثاً﴾:

وأمَّا ما هو المراد من الآية المباركة أعني قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ فأيَّاً كان فلا ضير من الإلتزام به بعد أنْ لم يكن مستلزماً للتناقض وإنْ كان الأظهر هو أنَّ المراد من قوله: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو أنَّ المشركين والعصاة لا يستطيعون إخفاء واقعهم وحقيقة المُعتَقد الذي كانوا عليه، ذلك لأنَّ الله تعالى مطَّلعٌ على سرائرهم، فهم وإنْ كانوا يكذبون ويُغلِّظون كذبهم بالأقسام والأيمان إلا أنَّ واقعهم مكشوف وكذبهم مفضوح، لذلك قال الله تعالى بعد قولهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ قال: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.

كذبُهم ليس من الكتمان:

فقولُهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ وإنْ كان من الكذب لكنَّه حيث لايُخفي الحقيقةَ عن المخاطَب لذلك فهو لا يُعدُّ من الكتمان، فكذبُهم بحكم العدم من جهة أثره، لأنَّ الأثر المُنتظَر من الكذب هو إخفاءُ الحقيقة عن المخاطَب، فإذا كان المخاطَب مطَّلعٌ تفصيلاً على الواقع فالكذب بالنسبة إليه فاقدٌ للأثر، لأنَّه لم يكتم عنه الواقع، وهو كذلك أي الكذب ليس كتماناً ممَّن صدر منه الكذب بعد أن كان يعلم يقيناً أنَّ المخاطَب مطَّلعٌ تفصيلاً على واقع الحال، فهو وإنْ كان يكذب ولكنَّه يعلم أنَّه لا يكتم بكذبه شيئاً عن المخاطَب، لذلك فهم لا يكتمون وإنْ كانوا يكذبون، والكذب ليس كتماناً منهم بعد أن كانوا على علمٍ بأنَّ الله تعالى لا يخفى عليه من واقعهم شيء، فهم إنَّما كذبوا إنسياقاً مع مقتضى الطبيعة التي تدفع بالمشرف على الهلكة إلى التشبُّث بكل شيء وإن كان يراه واهياً أملاً في النجاة.

مثالٌ توضيحي:

فمؤدَّى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو نظير قول القاضي للجاني: إنَّك لا تستطيع أنْ تكتم عليَّ ما فعلت مع افتراض انَّ القاضي مطَّلعٌ تفصيلاً على ما ارتكبه الجاني وعلم الجاني بإطَّلاع القاضي على تفاصيل جنايته، فإنَّ قول القاضي للجاني إنَّك لا تستطيع أنْ تكتم عليَّ ما فعلت ليس بمعنى أنَّ الجاني لا يستطيع الكذب، فقد يكذب الجاني والقاضي يُكرِّر عليه إنَّك لا تستطيع أنْ تكتم جنايتك عليَّ، وما ذلك إلا لأنَّه أراد من نفي الكتمان أو القدرة على الكتمان التعبير عن أنَّه مطَّلع على واقع جنايته وأنَّ كذبه لا يُوجب خفاء الواقع عنه.

بيانٌ آخر للآية الشريفة:

ويُمكن بيان معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ بتقريبٍ آخر هو أنَّ المشركين والعصاة وإنْ كانوا يكذبون كما هو مقتضى مفاد الآيات الأخرى إلا أنَّ كذبهم لا يعود عليهم بمُحصِّل، لأنَّهم في منتهى الأمر سوف يُقرُّون بشركهم واجتراحهم للذنوب بعد أنْ يشهد عليهم سمعُهم وأبصارهم وجلودهم وبعد أنْ تشهد عليهم أنبياؤهم وبعد أنْ تشهد عليهم الحفَظة من الملائكة وبعد أنْ يجدوا ما عملوه حاضراً في كتاب مرقوم، فحينذاك لا يجدون مندوحةً من الإقرار بشركهم وتجاوزِهم لحدود الله تعالى، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ / وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ / وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُون﴾(6).

فمعنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ هو انَّهم سوف يُقرَّون بكلَّ ما كانوا عليه من مُعتَقَدٍ وسلوك، فلن يستطيعوا النكران في منتهى الأمر، وأما أنَّهم سيكذبون أولاً أو لن يكذبوا بل سيُبادرون إلى الإقرار فذلك ما لا تنفيه الآية ولا تُثبته وإنَّما هي متصدِّية إلى إفادة أنَّهم سوف يُقرُّون بشركهم وذنوبهم، ولذلك لا تكون منافية لما أفادته الآيات الأخرى من أنَّهم سوف يكذبون عند المُساءلة وسوف يحلفون لله تعالى كذباً كما كانوا يحلفون كذباً في الدنيا.

مثالٌ آخر توضيحي:

فمفاد الآية بناءً على هذا التقريب أشبه شيء بقول المحقق للقاضي بعد أنْ يُنهي تحقيقه مع الجاني فيسأله القاضي هل كتم عنك شيء فيقول المحقق: إنَّه لا يستطيع أنْ يكتم عنِّي شيء أو يقول لم يكتم عنِّي شيء وقد أقرَّ بكلِّ شيء، فقول المحقق: إنَّه لايستطيع أنْ يكتم عنِّي شيء لا يعني انَّ الجاني لم يكذب عليه عند التحقيق، فقد يكون الجاني قد كذب عليه وأكثر من الكذب ولكنَّه في منتهى الأمر أقرَّ بجنايته، فكان المُحصَّلُ من التحقيق هو أنَّه لم يستطع كتمان شيء عن المحقِّق.

وكذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ فهو بمعنى أنَّهم لن يستطيعوا أن يكتموا عن الله واقعهم بل سيلجئون إلى الإقرار بشركهم وذنوبهم، فهم لن يكتموا وإن كذبوا.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

من كتاب شبهات مسيحيَّة


1- سورة الانعام / 22-23.

2- سورة النساء / 42.

3- سورة المجادلة / 18.

4- سورة النحل / 28-29.

5- سورة الانعام / 22-24.

6- سورة فصلت / 20-22.