فضلُ الأضحية وبعضُ أحكامِها

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد

 

المسألة:

هل استحبابُ الأضحية ثابتٌ عندنا؟

 

الجواب:

الأُضحية بأحد الأنعام الثلاثة في عيد الأضحى واليومين اللذَين بعده من السنَّة الثابتة والمؤكَّدة، وقد تسالَم الفقهاءُ والمتشرِّعة بمختلف طبقاتِهم إلى زمن المعصوم (ع) على ذلك.

 

ما ورد في فضل الأضحية:

ولا بأس بنقل عددٍ من الرواياتِ المتصدِّية للحثِّ على هذه السُنَّة:

الأولى: ما رواه الصدوقُ في العلل بسندٍ معتبرٍ عن السكوني عن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): إنَّما جُعل هذا الأضحى لتشبعَ مساكينُكم من اللحمِ فأطعِموهُم""(1)

 

قال الشيخ الصدوق في الفقيه: وضحَّى رسولُ الله (ص) بكبشين، ذبحَ واحداً بيدِه، وقال: اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ من أهل بيتي، وذبحَ الآخر وقال: اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ مِن أُمتي"(2).

 

الثانية: ما رواه الصدوق في العلل بسندِه عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال: قلتُ له: ما علَّةُ الأُضحية؟ فقال له: إنَّه يُغفرُ لصاحبِها عند أولِ قطرةٍ تقطُرُ من دمِها على الأرض، وليعلمَ اللهُ عزَّ وجلَّ من يتَّقيه بالغيب، قال اللهُ عز وجل: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾(3)"(4).

 

الثالثة: ما رواه الصدوقُ في العلل بسندِه عن شُريح بن هاني عن عليٍّ (ع) أنَّه قال: لو علِم الناسُ ما في الأُضحية لاستدانوا وضحّوا، إنَّه ليُغفرُ لصاحبِ الأُضحيةِ عند أولِ قطرةٍ تقطُرُ من دمِها"(5).

 

الرابعة: ما رواه الصدوق في الفقيه قال: جاءت أمُّ سلمة (رضيَ اللهُ عنها) إلى النبيِّ (ص) فقالت: "يا رسولَ اللهِ يحضرُ الأضحى وليس عندي ثمنُ الأُضحية فأستقرضُ وأضحِّي؟ فقال: استقرضي فإنَّه دينٌ مقضي"(6) ورواه في العلل مسنداً.

 

الخامسة: ما رواه الكليني بسندٍ صحيحٍ عنعَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سُئِلَ عَنِ الأَضْحَى أوَاجِبٌ عَلَى مَنْ وَجَدَ لِنَفْسِه وعِيَالِه؟ فَقَالَ: أَمَّا لِنَفْسِه فَلَا يَدَعْه وأَمَّا لِعِيَالِه إِنْ شَاءَ تَرَكَه"(7).

 

السادسة: ما رواه الصدوقُ بسندٍ صحيحٍ عن محمدِ بنِ مسلمٍ عن أبي جعفرٍ (ع) قال: "الأُضحيةٌ واجبةٌ على مَن وجَد مِن صغيرٍ أو كبيرٍ، وهي سنَّة"(8).

 

وقت ذبح أضحية العيد

المسألة:

هل يختصُّ ذبحُ الأضحيةِ بيوم العيد؟ ومتى يبدأُ وقتُ ذبحِ الأُضحيةِ يومَ العيد؟

 

الجواب:

المعروفُ بين الفقهاء تبعاً للرواياتِ الواردة عن أهلِ البيت (ع) أنَّ الوقتَ الموظَّفَ لذبحِ الأُضحية يبدأُ بيومِ عيد الأضحى وينتهي في اليومِ الثالث فيكون مجموعُ الوقتِ ثلاثةَ أيام -هي يومُ العيد واليومان اللذان بعده- هذا في غيرِ مِنى من سائر البلدان، وأمَّا في مِنى فوقتُ الذبح للأُضحية يبدأُ بيوم العيد وينتهي بانتهاء أيامِ التشريق وهي الأيام الثلاثة بعد يوم العيد فيكون مجموعُ الوقت الموظَّف لذبحِ الأُضحية في منى أربعةَ أيام.

 

وقد نصَّ على ذلك عددٌ من الروايات الورادةِ عن أهلِ البيت (ع).

منها: معتبرة عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألتُه عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: "أربعةُ أيام، وسألتُه عن الأضحى في غير مِنى؟ فقال: ثلاثة .."(9).

 

ومنها: معتبرة عمَّار الساباطي، عن أبي عبد الله (ع) قال: سألتُه عن الأضحى بمِنى؟ فقال: "أربعةُ أيام، وعن الأَضحى في سائر البلدان فقال: ثلاثةُ أيام"(10).

 

نعم لا يبعد أنْ يكون اليومُ الأول وهو يوم العيد هو أفضلُ أيامِ ذبحِ الأُضحية، ويؤيِّد ذلك مارواه الصدوقُ بسندٍ معتبرعن غياث بن إبراهيم عن جعفرٍ الصادق (ع)عن أبيه الباقر(ع) عن الإمام عليٍّ (ع) قال: "الأضحى ثلاثةُ أيامِ وأفضلُها أولُها"(11).

 

وأما وقتُ الذبح من يوم العيد فذكرَ عددٌ من الفقهاء أنَّه يبدأُ بعد طلوعِ الشمس ومضيِّ مقدارِ صلاة العيدِ والخُطبتين.

 

واستُدلَّ على ذلك بمعتبرة سماعة، عن أبي عبد الله (ع) قال: "قلتُ له: متى يُذبح؟ قال: إذا انصرف الإمامُ، قلتُ: فإذا كنتُ في أرضٍ ليس فيها إمام فأُصلِّي بهم جماعة، فقال: إذا استقلَّت الشمس، وقال: لا بأس أنْ تصليَ وحدك، ولا صلاةَ إلا مع إمام"(12).

 

واستُظهر الوقت المذكور من قوله: "إذا انصرف الإمام" فإنَّه إنَّما ينصرفُ بعد الخُطبتين، وهو إنَّما يُصلِّي العيد بعد طلوع الشمس لأنَّ ذلك هو وقتُها، ومِن ذلك يكونُ مبدأُ وقت الذبح للأضحية بعد طلوع الشمس ومضي مقدارِ الصلاة والخُطبتينِ حتَّى لمَن لم يُصلِّ العيد.

 

الاشتراك في الأضحية

المسألة:

هل يصحُّ لجماعةٍ أنْ يشتركوا في أُضحيةٍ واحدة؟ وهل يصحُّ للمكلَّف أنْ يُشرِكَ في أُضحيتِه غيرَه من الأحياء والأموات؟

 

الجواب:

أمَّا اشتراك جماعةٍ في أُضحيةٍ واحدةٍ بأنْ يدفع كلُّ واحدٍ جزءً من ثمنِها فادُّعي على جوازِه الاجماعُ وأنَّ التحديد في الروايات بالسبعة أو الخمسة والأكثر والأقل إنَّما هو لبيان التفاوت في الفضل.

 

والرواياتُ التي استُدلَّ بها على جواز الاشتراك عديدة:

منها: معتبرة يونُس بن يعقوب، قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن البقرة يُضحَّى بها؟ فقال: "تُجزئُ عن سبعة"(13).

 

ومنها: معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: "تجزئُ البقرةُ أو البدَنةُ في الأمصار عن سبعة، ولا تُجزئُ بمنى إلا عن واحد"(14).

 

ومنها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: "البدنةُ والبقرةُ تُجزئ عن سبعةٍ إذا اجتمعوا من أهل بيتٍ واحدٍ ومِن غيرِهم"(15).

 

ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضا (ع) قالا: "قلنا له: عزَّت الأضاحي علينا بمكة أفيُجزئ اثنين أنْ يشتركا في شاة؟ فقال: نعم وعن سبعين"(16).

 

وأمَّا أنْ يُشرِكَ المكلَّفُ في أُضحيتِه غيرَه من الأحياء والأموات فجائزٌ أيضاً، وكذلك يصحُّ له أنْ يضحِّي عن نفسه بأُضحيةٍ ويُضحِّي عن غيرِه بأخرى سواءً كان الغيرُ حيَّاً أو ميِّتاً.

 

ويؤيِّدُ ذلك ما ورد في الفقيه قال: "وضحَّى رسولُ الله (ص) بكبشين، ذبحَ واحداً بيدِه فقال: "اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ من أهل بيتي" وذبَحَ الآخر، وقال: "اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ من أُمتي"(17).

 

فإنَّ مثل هذه الرواية ظاهرةٌ في صحَّة التشريك في الأُضحية.

 

وروى الشيخُ الصدوق قال: "وذبح رسولُ الله (ص) عن نسائِه البقرة"(18).

 

وروى الكليني في الكافي بسندٍ معتبرٍ عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) قال: سئُلَ عن الأضحى أواجبٌ على مَن وجد لنفسه وعياله؟ فقال: أمَّا لنفسه فلا يدعْه، وأمَّا لعياله إنْ شاء تركه"(19).

 

فهذه الرواية والتي سبقتها ظاهرة في جواز التضحية عن الغير من الأحياء. وهم العيال في مورد الرواية.

 

وروى الصدوق قال: وكان أميرُ المؤمنين (ع) يُضحِّي عن رسول الله (ص) كلَّ سنةٍ بكبش .. ويذبحُ كبشاً آخر عن نفسِه"(20).

 

والرواية ظاهرة في صحَّة ذبحِ الأُضحية عن المُتوفَّى.

 

جواز الأكل من الأضحية

المسألة:

هل يجوزُ الأكل من الأضحية؟ وهل يُشرَع فيها التثليث كما هو في الهدي؟

 

الجواب:

نعم يجوزُ لصاحب الأُضحية أكلُ شيءٍ منها، ويُستدلُّ لذلك بمعتبرة عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: "وكان عليُّ (ع) يقولُ ضحِّ بثنيٍّ فصاعداً، واشتره سليمَ الأُذنين والعينين .. ثم كُلْ وأطعِم"(21).

 

والأمرُ بالأكل وإنْ استفاد منه بعضُ الفقهاء استحباب الأكل من الأُضحية إلا أنَّ الأرجح عدم ظهورِه في أكثر من الجواز، وذلك لأنَّ الأمر بالأكل واردٌ في سياق توهُّم الحظر، ولعلَّه لذلك نُسب إلى الشيخ الطوسي رحمه الله أنَّ الصدقةَ بجميع الأُضحية أفضل.

 

وأما مشروعيَّة التثليث فهو مذهب الأصحاب كما أفاد صاحبُ الحدائق رحمه الله وأفاد أنَّه يستحبُّ تقسيمُ الأضحية أثلاثاً فيأكلُ ثلثاً ويتصدَّقُ بثلثٍ ويُهدي للمؤمنين ثلثاً.

 

واستندَ بعضُهم في ذلك إلى ما رواه الكلينيُّ في الكافي بسندٍ معتبر عن أبي الصباح الكناني قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن لحوم الأضاحي، فقال: كان عليُّ بن الحسين وأبو جعفر (ع) يتصدَّقان بثلثٍ على جيرانِهم، وثلثٍ على السؤَّال، وثلثٍ يُمسكونه لأهل البيت"(22).

 

ودلالتُها على الدعوى يبتني على استظهار إرادة الهدية من الصدقة على الجيران لأنَّ الجيران فيهم الفقير وغير الفقير، وتلك قرينة على أنَّ ما يُعطيانه للجيران كان بعنوان الهدية إلا نَّه يمكن دعوى انعكاس القرينة بأن يُقال إنَّ التعبير عن إعطاء الجيران بالصدقة قرينة على إرادة فقراء الجيران، فالرواية على أحسن التقادير ليست ظاهرةً في أنَّ الثلث الأول يكون هديةً لعموم المؤمنين، فلا تصلح الرواية للاستدلال بها على استحباب التثليث بالمعنى المذكور.

 

نعم هي ظاهرة في استحباب جعل ثلثٍ من الأُضحية للأهل لأنَّ استمرار الأمامين (ع) المُستظهَر من قولِه (ع): "كان عليُّ بن الحسين وأبو جعفر .." يدلُّ على رجحان الفعل.

 

إجزاء الأضحية عن العقيقة

المسألة:

إذا لم يعق الوالدُ عن ولده فهل يُجزيه أنْ يُضحِّي عنه ويسقطُ بذلك استحباب العقيقة؟

 

الجواب:

نعم إذا لم يكن الولدُ قد عُقَّ عنه فإنَّ الأُضحية عنه تُجزي عن العقيقة، وكذلك لو ضحَّى هو عن نفسِه ولم يكن قد عُقَّ عنه فإنَّ الأضحية تُجزيه عن العقيقة.

 

وقد دلَّت على ذلك معتبرة سماعة قال: سألتُه عن رجلٍ لم يُعقَّ عنه والدُه حتى كبر فكان غلاماً شابَّاً أو رجلاً قد بلغ فقال: إذا ضُحِّي عنه أو ضحَّى الولدُ عن نفسِه فقد أجزأ عن عقيقتِه(23).

 

وكذلك معتبرة عمَّار الساباطي عن أبي عبدالله (ع): ".. وإنْ لم يُعقَّ عنه حتى ضُحِّي عنه فقد أجزأتْه الأُضحية .."(24).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص437.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص205.

3- سورة الحج / 37.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص207.

5- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص440.

6- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص213.

7- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص488.

8- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص488.

9- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص92.

10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص92.

11- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص92.

12- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج7 / ص422.

13- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص117.

14- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص118.

15- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص118.

16- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص119.

17- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص489.

18- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص495.

19- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص488.

20- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص489.

21- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص207.

22- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص499.

23- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص449.

24- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص449.