أحوطُ الصِيَغ في عقد النكاح

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ماهي أحوط الصِيَغ في عقد النكاح؟

الجواب:

يقعُ عقدُ النكاح بمثل قول المرأة: أنكحتُكَ نفسي على مهرٍ قدرُه كذا، فيقولُ الرجل المُخاطَب بالإنشاء: قبلتُ النكاحَ لِنفسي على المهرِ المذكور.

ويقعُ بمثلِ قولِ المرأة: زوجتُكَ نفسي على مهرٍ أو بمهرٍ قدرُه كذا، فيقول الرجلُ: قبِلتُ التزويجَ لنفسي على المهر المذكور.

وإذا كان إيجابُ العقد بالوكالة عن المرأة فيقعُ بمثل قول الوكيل عن المرأة للرجل: أنكَحتُكَ موكِّلتي فلانةً على مهرٍ قدرُه كذا أو زوجتُك موكِّلتي فلانةً بمهرٍ قدرُه كذا، فيقولُ الرجلُ: قبلتُ لنفسي النكاح أو قبلتُ لنفسي التزويجَ على المهرِ المذكور، وإذا كان القابلُ وكيلَ الرجل فيقولُ: قبلتُ لِموكِّلي النكاحَ من فلانةٍ أومنكِ على المهر المذكور أو قبلتُ لِموكِّلي النكاحَ من موكلتِك إذا كان المُوجبُ هو وكيلَ المرأة.

فهذه الصيغُ وشبهُها هي الأوفقُ بالاحتياط، وذلك لكون الإيجاب فيها قد صِيغ على نحوٍ يكونُ فيها فعلُ الإنكاح متعدِّياً بنفسه لمفعوليه، وكذلك هو فعل التزويج فإنَّه تعدَّى لمفعوليه بنفسِه أي دون حرفِ من مثلاً، فلم تقلْ الزوجةُ أنكحتُك مِن نفسي بحيثُ يكون فعل الإنكاح متعدِّياً للمفعول الثاني بحرف مِن. وكذلك لم يقلْ وكيلُها للرجل زوجتُك من موكِّلتي بل قال زوجتُك موكِّلتي أو زوجتُك فلانة، فكان فعلُ التزويج قد تعَّدى بنفسه للمفعول الأول وهو المخاطَب والمفعول الثاني وهو فلانة أو موكِّلتي، هذا أولاً.

والمنشأ الثاني لاعتبار هذه الصِيَغ أوفقُ بالاحتياط هو جعلُ الزوج في موقع المفعول الأول والزوجة في موقع المفعولِ الثاني.

والوجهُ في اعتبار اشتمال الصِيغ على هذين الأمرين أوفق بالاحتياط هو أنَّ كلاً من تعدِّي فعلِ الإنكاح والتزويج لمفعوليه بنفسِه وتقديم الزوج وجعله مفعولاً أولاً والزوجة مفعولاً ثانياً قد وقع في القرآن الكريم. قال تعالى على لسان شعيب مُخاطباً موسى (ع): ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾(1) فكلاً من مفعولي الإنكاح في الآية المباركة قد تعدَّى الفعلُ إليهما بنفسِه، وقد جُعل الزوج مفعولاً أولاً والزوجةُ وهي إحدى ابنتى شعيب مفعولاً ثانياً.

وكذلك قال اللهُ تعالى مُخاطباً نبيَّه محمدًاً (ص): ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾(2) فالمفعولُ الأولُ هو المخاطَب بكاف الخطاب، والمفعول الثاني هو ضمير الغائب المتَّصل، وهي زوجة زيد، فقد تعدَّى فعل التزويج إليهما بنفسِه، فلم تقل الآية زوَّجناك منها أو زوجناها منك كما لم تقل الآيةُ الأولى أُنكحك من أحدى ابنتي أو اُنكح احدى ابنتي منك.

فالالتزامُ بما ورد في القرآن أوفق بالاحتياط إلا أنَّ ذلك لا يقتضىي عدم صحَّة عقد النكاح بما لو تعدَّى فعل الإنكاح أو التزويج إلى المفعول الثاني بحرف جرٍّ مثل مِن أو جُعلت الزوجة مفعولاً أولاً، وذلك لأنَّ الآيتين لم تكونا بصدد حصر ما يتحقَّق به النكاح، لذلك يصحُّ إيقاع عقد النكاح حتى مع تعدِّي فعلي الإنكاح والتزويج إلى المفعول الثاني بحرف جرٍّ، وحتى مع جعل الزوجة مفعولاً أولاً، إذ أنَّ مثل ذلك صريحٌ في إيجاب العقد ومطابقٌ لمقتضى الضوابط اللُّغويَّة وهما شرط الصحَّة في المقام بنظر المشهور.

وأمَّا االقبول من الزوج فالأوفقُ بالاحتياط فيه هو قولُ: "قبلتُ أو رضيتُ" وذلك لعدم الاختلاف بين الفقهاء في ترتُّب القبول على مثل هذين اللفظين بصيغة الماضي نظراً لصراحتهما. وما عداهما فهو موردٌ للخلاف فلا يصحُّ منها إلا ما يكونَ صريحاً في القبول وموافقاً للضوابط اللُّغويَّة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

--------------------

1- سورة القصص / 27.

2- سورة الأحزاب / 37.