متى مُنع الحسين (ع) من الماء؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

متى مُنع المعسكرُ الأموي الحسينَ (ع) وعائلته من الماء، وهل حقًّا كان ذلك قبل مقتله بثلاثة أيام؟

الجواب:

إنَّ منع المعسكر الأمويِّ للحسين (ع) وعائلته وأصحابه من الماء أمرٌ متسالمٌ عليه بين المحدِّثين والمؤرِّخين من الفريقين ممَّن أرَّخوا لمقتل الحسين (ع) وقد تواترت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) في ذلك.

وأمَّا أنَّ منعه من الماء كان قبل ثلاثة أيام من مقتله (ع) فقد نصَّ عليه الكثيرُ من المؤرخين:

منهم: الطبري في تاريخه قال: (إنَّه لما جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد أمَّا بعد فحُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة .. قال: فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسينٍ وأصحابه وبين الماء أنْ يَسقوا منه قطرةً، وذلك قبل قتْلِ الحسين بثلاث ..)(1).

ومنهم: الدينوري المتوفي سنة 282 في كتابه الأخبار الطوال ذكر قريبًا ممَّا ذكره الطبري، وأفاد فيما أفاد: (فلمَّا ورد على عمر بن سعد ذلك أمرَ عمرو بن الحجاج أنْ يسير في خمسمائة راكب فيُنيخ على الشريعة ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، وذلك قبل مقتله بثلاثة أيام، فمكثَ أصحابُ الحسين عطاشى)(2).

وممَّن نصَّ على ذلك: ابنُ الأثير في كتابه الكامل في التاريخ قال: (.. ثم كتبَ إلى عمر يأمره أنْ يعرض على الحسين بيعة يزيد .. وأن يمنعه ومَن معه الماء فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام .. ونادى عبد الله بن الحصين الإزدي: يا حسين أما تنظرُ إلى الماء كأنَّه كبد السماء والله لا تذوقُ منه قطرةً حتى تموت عطشًا ..)(3).

وممَّن صرَّح بأنَّ المنع كان قبل ثلاثة أيام من مقتل الحسين (ع) من علمائنا الشيخ المفيد في الإرشاد(4) والفتال النيسابوري في روضة الواعظين(5) والشيخ الطبرسي في كتابه إعلام الورى(6) والسيد محمد بن أبي طالب في المناقب(7).

هذا ومَن لم ينقل من المؤرِّخين عدد الأيام التي مُنع فيها الحسين (ع) من الماء ذكر ما يقتضي أنَّ المنع كان قبل اليوم التاسع من المحرَّم أي في اليوم الثامن على أبعد التقادير وإلا فالمرجَّح أنَّه كان في اليوم السابع.

فالمؤرِّخون(8) يذكرون أنَّ كتابًا بعثه ابنُ زياد إلى عمر بن سعد يأمره بالحيلولة بين الماء وبين الحسين (ع) ومَن كان معه، ويذكرون أنَّ عمر بن سعد بادر إلى إنفاذ الأمر ثم يذكرون أحداثًا وقعت بعد ذلك وقبل يوم العاشر من المحرَّم.

منها: أنَّ الإمام الحسين (ع) أرسل إلى عمر بن سعد إنِّي أُريد أنْ أكلِّمك فألقني الليلة بين عسكري وعسكرك، قال: فخرج عمر بن سعد في عشرين فارسًا وأقبل الحسين (ع) في مثل ذلك فلمَّا التقيا أمر الحسينُ (ع) أصحابه فتنحَّوا عنه، وبقي معه العباس وابنُه عليٌّ الأكبر، وأمر عمرُ بنُ سعد أصحابه فتنحَّوا عنه وبقيَ معه حفصٌ ابنُه وغلامٌ له واستمرَّ اللقاء طويلاً حتى ذهب هزيع من الليل(9).

ويذكر المؤرِّخون أنَّه بعد هذه الواقعة وصل الشمر بن ذي الجوشن على رأس ألف فارس أو أكثر على الاختلاف يحمل كتاباً من ابن زياد إلى عمر بن سعد ورد فيه: أما بعد فإنِّي لم أبعثك إلى حسين لتكفَّ عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنِّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً، انظر فإنْ نزل حسينٌ وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلما وإنْ أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثِّل بهم .. وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا والسلام"(10).

ويذكر المؤرخون أنَّ عمر بن سعد زحف على معسكر الحسين (ع) بعد وصول الشمر بالكتاب المذكور من ابن زياد، وذلك في عصر اليوم التاسع من المحرم (11).

كلُّ ذلك وقع بعد الأمر بمنع الحسين (ع) من الماء وبعد أنْ أمر عمرُ بن سعد عمرو بن الحجاج وبعث معه خمسمائة فارس ليحولوا بين الحسين (ع) وبين الماء.

فمع الملاحظة لذلك يحصل الجزم بأنَّ المنع وقع قبل اليوم التاسع من المحرَّم إذ أنَّ اللقاء الأخير بين الحسين (ع) وبين عمر بن سعد لم يقع ليلة العاشر جزمًا وذلك لأنَّ قرار الحرب والزحف على معسكر الحسين (ع) كان في عصر يوم التاسع، واللَّقاءُ كان قبل وصول الشمر بكتاب ابن زياد إلى عمر يأمره بالمسارعة وعدم المطاولة، وحيث إنَّ اللَّقاء وقع ليلاً فهو قد وقع على أبعد التقادير ليلة التاسع من المحرَّم، وعليه فلأنَّ المنع من الماء قد وقع قبل اللَّقاء ليلاً فهو على أبعد التقادير قد وقع في اليوم الثامن من المحرَّم.

والأرجح أنَّه وقع في اليوم السابع إذ أنَّ الزحف على معسكر الحسين (ع) وقع في عصر اليوم التاسع من المحرَّم، والزحف إنَّما حصل بعد وصول الشمر بكتاب ابن زياد على رأس ألف فارس أو أكثر ومن المستبعد أنَّ الزحف حصل فور وصول الشمر بمَن معه وقبل استقراره، فلا بدَّ أن الشمر قد وصل إلى كربلاء يوم الثامن وحيث إنَّ لقاء الحسين بعمر بن سعد قد حصل قبل وصول الشمر بكتاب ابن زياد فهذا يقتضي أن يكون اللِّقاء قد وقع ليلة الثامن، ولأنَّ المنع من الماء كان قبل اللَّقاء فيتعيَّن وقوعه في اليوم السابع.

فالنتيجة المتحصَّلة من ترتيب الأحداث التي ذكرها المؤرِّخون هو أنَّ المنع قد وقع قبل ثلاثة أيام وذلك هو المُطابق لما صرَّح به جمعٌ من المؤرِّخين من أنَّ المنع كان قبل مقتل الحسين (ع) بثلاثة أيام أي في اليوم السابع من المحرَّم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الطبري في في تاريخه ج4 / ص311.

2- الأخبار الطوال ص255.

3- الكامل في التاريخ ج4 / ص56.

4- روضة الواعظين ص182.

5- الإرشاد ج2 / ص86.

6- إعلام الورى ج1 / ص452.

7- نقلاً عن العوالم ص240.

8- كتاب الفتوح -أحمد بن أعثم- ج5 / ص92، تاريخ الطبري ج4 / ص321، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص54، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص160، جواهر المطالب -الدمشقي- ج2 / ص282.

9- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص312، تجارب الأمم -ابن مسكويه- ج2 / ص71، الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص92، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4/ ص54، الإرشاد -المفيد ج2 / ص87،

10- الارشاد -المفيد- ج2 / ص88، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص314، أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص183، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص55، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص336، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص453.

11- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص315، أنساب الأشراف -البلاذري- ج 3 / ص184، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص337، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص56، الارشاد -المفيد- ج2 / ص89، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص454، روضة الواعظين -الفتال النيسابوري- ص183.