مدافعة زينب (ع) ولكزها بكعب الرمح؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

يذكرُ بعضُ الخطباء في سياقِ عرْض مقتلِ الحسين (ع) أنَّ السيِّدة زينب (ع) خرجت تُدافع الشمر حين كان يحزُّ رأسَ الحسين (ع) فألقتْ بنفسها على جسد الحسين (ع) فركلها برجلِه، ويقولُ بعضُهم إنَّه لكزَها بكعبِ الرمح فسقطتْ مغشيَّاً عليها في أرض المعركة، فهل مثلُ هذه الأخبار صحيحة؟

الجواب:

ليستْ صحيحة بل لا أصل لها، ولم نجدْ لها ذكراً في كُتبِنا المعتبرة، نعم بعضُ هذه الأخبار مذكورةٌ في كتبِ مجاهيلَ من المتأخرين أو في كتب بعض غير المتثبِّتين في النقل مثل كتاب أسرارِ الشهادة المليئ بهذه الأخبار الموهونة رغم أنَّ مؤلِّفَه من العلماء ولكنَّه كان مُتساهلاً في النقل، وقد أقرَّ هو بذلك في أكثر من موردٍ من كتابه هذا الفاقد في مجملِه للاعتبار.

والمذكور في كتب المؤرِّخين من علمائِنا كالشيخ المفيد (رحمه الله) فيما يتَّصلُ بهذه القضيَّة أنَّ الحسينَ (ع) لمَّا صار وحيداً فكان يُجالدُهم: "رشقوه بالسهام حتى صار كالقُنفذ فأحجمَ عنهم، فوقفوا بإزائه، وخرجتْ أختُه زينب إلى باب الفسطاط، فنادت عمرَ بن سعد بن أبي وقَّاص: ويحَك يا عمر! أيُقتلُ أبو عبد الله وأنتَ تنظرُ إليه؟ فلم يُجبْها عمرٌ بشيءٍ، فنادتْ: ويحَكم أما فيكم مسلم؟!"(1).

وقال السيِّد ابن طاووس في اللهوف: إنَّ الحسين (ع) حينما سقط عن فرسه قال: "قال الراوي: وخرجت زينبُ من باب الفسطاط وهي تنادى وأخاه واسيداه، وا أهل بيتاه، ليتَ السماءَ أطبقتْ على الأرض، وليت الجبالَ تدكدكتْ على السهل"(2).

فخروجُ السيَّدة زينب (ع) -بحسب هذين النصَّين- كان إلى باب الفسطاط، ولو سلَّمنا تجاوزَها إلى ما هو أبعد من ذلك فلا مانع من قبوله إلا أنَّ شيئاً من التفاصيل التي يتداولُها بعضُ الإخوة الخطباء في هذا الشأن ليس مذكوراً في هذين النصَّين ولا في نصوصِ سائر علمائِنا بل ولا فيما ذكرَه مؤرِّخو العامَّة، فإنَّ ما أوردوه في كتبِهم لا يتفاوتُ كثيراً عمَّا ورد في النصَّين المذكورين، فمِن ذلك ما أوردَه البلاذري في أنساب الأشراف أنَّ زينب بنت عليٍّ (ع) قالتْ لعمر بن سعد: يا عمر أيُقتلُ أبو عبد الله وأنت تنظر؟! فبكى (عمر) وانصرفَ بوجهه عنها"(3).

فعلى الإخوة الخطباء أنْ يتحرَّزوا في النقل ويُحاذروا شديداً من تعاطي مثل هذه الأخبار المذكورة في السؤال -أعني ركل الشمر للسيدة برجلِه أو لكزها بكعب الرمح وسقطوها مغشيَّاً عليها في أرض المعركة- حتَّى لا يُبتلَوا من حيثُ لا يشعرون بالإساءة لمقام السيِّدة زينب (ع) ومقامِ سيِّد الشهداء (ع).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص111-112.

2- اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص73.

3- أنساب الأشراف -أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)- ج3 / ص203.