أكل القرد والمعاوضة عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد

المسألة:

ما هو حكمُ أكل القرد وهل يصحُّ بيعه؟

الجواب:

أما حكم أكله فحرامٌ بإجماع المسلمين شيعةً وسنَّة، ولم ينسب لأحدٍ منهم القول بالحليَّة إلا ما نسَبه الباجي إلى مذهب مالك وأصحابه من البناء على عدم حرمته، ونسَبَ بعضُهم إلى الشافعي القولَ بالحليَّة أيضًا إلا أنَّنا لا نثقُ بكلا النسبتين، وذلك لتصريح أكابر علماء السُنَّة بالإجماع وعدم وجدان مَن يذهب إلى حلَّية أكل لحمِ القرد.

وكيف كان فمستندنا في الحكم بحرمة أكل لحم القرد هو أنَّ القرد من المسوخ وقد دلَّت النصوصُ على أنَّ كلَّ مسخِ فهو محرَّمُ اللحم.

أمَّا أنَّه من المسوخ فلصريح القرآن كقوله تعالى: ﴿ولقد وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾(1)، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾(2)، وقوله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾(3).

وللنصوص الواردة عن أهل البيت (ع) كمعتبرة الحلبي عن الصادق (ع): "إنَّ الضبَّ والفأرةَ والقردةَ والخنازير مسوخ"(4).

ومعتبرة الأشعري عن الإمام الرضا (ع) قال: الفيل مسخ .. والأرنب مسخ .. والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت"(5).

وأمَّا أنَّ كلَّ مسخٍ فهو محرم اللحم فذلك للروايات التي تسالم الفقهاء على العمل بمضمونها كمعتبرة الحسين بن خالد قال: قلتُ لأبي الحسن (ع): "أيحلُّ لحم الفيل؟ فقال: لا، فقلت لِمَ؟ قال: لأنَّه مُثلة وقد حرَّم الله لحوم المسوخ ولحم ما مُثِّل به في صورها"(6).

ومعتبرة مفضَّل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) قال: "وأما لحم الخنزير فإنَّ الله تبارك وتعالى مَسَخ قوماً في صورٍ شتَّى مثل الخنزير والقرد والدب، وما كان من المسوخ ثم نهى عن أكله للمُثلة لكيلا ينتفع الناس به ولا يستخفِّوا بعقوبته"(7).

ومعتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع): "وحرَّم اللهُ ورسولُه المسوخ جميعاً"(8).

هذا هو المستند الأول، وثمة مستندٌ آخر يصحُّ اعتماده لإثبات حرمة لحم القرد وهو أنَّه من الحيوانات ذات الأنياب، وقد ثبت أنَّ كلَّ حيوان ذي نابٍ فهو محرَّمُ اللحم، دلَّ على ذلك مثلُ معتبرة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المأكول من الطير والوحش فقال: "حرَّم رسولُ الله (ص) كلَّ ذي مخلبٍ من الطير وكلَّ ذي نابٍ من الوحش، فقلتُ: إنَّ الناس يقولون من السبع، فقال لي: يا سماعة السبع كلُّه حرام وإنْ كان سبُعاً لا نابَ له، وإنَّما قال رسولُ الله (ص) هذا تفصيلاً"(9).

وبناءً على أنَّ السبُع هو كلُّ ذي ناب أو أظفار فإنَّ القرد يكون من السباع وعليه يكونُ ذلك دليلٌ ثالث على حرمته، إذ أنَّ كل سبُعٍ فهو محرَّمُ اللحم كما هو مقتضى مفاد معتبرة سماعة قال: سألتُه عن تحريم السباع وجلودها فقال: "أمَّا اللحوم فدعها وأمَّا الجلود فاركبوا عليها ولا تصلُّوا فيها" وغيرها من الروايات.

بيع القرد:

وأمَّا بيع القرد و المعاوضة عليه فالمعروفُ عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) القول بالحرمة وكذلك نُسب القول بالحرمة سلاَّر وابن حمزة، وقد استدلَّ الشيخ على الحرمة بدعوى نجاسة المسوخ، ولأنَّه لا تصحُّ المعاوضة على الأعيان النجسة لذلك أفتى (رحمه الله) بحرمة المعاوضة على القرد، وأفاد أنَّ ذلك إجماعيٌّ أي أنَّ الحكم بحرمة المعاوضة على القرد إجماعيٌّ كما في الخلاف والمبسوط.

هذا وقد استدلَّ أيضاً على عدم صحَّة المعاوضة على القرد بكونه محرمَ اللحم، ولأنَّه عديمُ النفع فلا تكون له ماليَّة بنظر العقلاء وذلك ما يُنتج سفهيَّة المعاوضة عليه، والمعاوضة السفهية باطلة، هذا مضافاً إلى النصِّ الخاص الوارد في القرد وهو رواية مسمع عن أبي عبد الله (ع) قال: "إنَّ رسول الله (ص) نهى عن القرد أنْ تُشترى أو تُباع"(10) ورواية الجعفريات عن عليِّ بن أبي طالب (ع) قال: "مِن السحت ثمنُ القرد"(11).

إلا أنَّ كلَّ ما ذُكر لا يصلحُ لإثبات حرمة المعاوضة على القرد. إلا رواية الجعفريات كما سيتضح.

أما أنَّه مسخ لذلك فهو من الأعيان النجسة فهو غيرُ صحيح فالقرد وإنْ كان من المسوخ إلا أنَّ المسوخ ليست من الأعيان النجسة كما هو مبنى المشهور، وهو مقتضى إطلاق معتبرة الفضل بن أبي العباس الواردة في أسئار الحيوانات والقاضية بطهارة أسئار مطلق الوحش والسباع إلا الكلب والبحث في محله.

وأمَّا دعوى الإجماع على حرمة المعاوضة على القرد فجوابها أنَّ هذا الإجماع لو تمَّ فهوليس من الاجماعات التعبديَّة نظراً لاحتمال مدركيَّته، هذا إنْ لم نجزم بمدركيَّته وأنَّ مستنده هي الوجوه التي أشرنا اليها أو بعضها.

وأمَّا الاستدلال على بطلان المعاوضة على القرد بحرمة لحمِه وأنَّ الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه.

فالجواب عن ذلك بأنَّ الملازمة وإنْ كانت مسلَّمة لا لأنَّها مفاد الرواية المشار إليها لأنَّها ضعيفة السند وإنَّما لأنَّها ملازمة يقتضيها الارتكاز العرفي كما أفاد ذلك المحقِّق النائيني (رحمه الله تعالى).

إلا أنَّ هذا الارتكاز لا يقتضي أكثر من فساد المعاوضة على ما ثبتتْ له الحرمة الشرعية والمفترض أنَّ المنفعة المحرَّمة من القرد هي الأكل، وعليه تكون الملازمة المرتكزة مقتضية لحرمة المعاوضة على لحم القرد أمَّا المنافع الأخرى فلأنَّه لم تثبت حرمتُها لذلك لا يكون ثمة موجبٌ من هذه الجهة لفساد المعاوضة عليها.

وبتعبير آخر:إنَّه لمَّا كان تحريم الشيء شرعاً مقتضياً لانسلاب ماليَّته نظراً لانتفاء منفعتِه بعد حجرها على المؤمن بسبب التحريم لذلك تكون المعاوضة عليه من المعاوضة على ما هو بحكم العدم، وهو ما يقتضي فسادها حتى بناءً على عدم فساد المعاوضة السفهيَّة، إذ لا يُتصور في الفرض المذكور منفعة ولو كانت شخصية وذلك بعد افتراض أنَّ هذه المنفعة محرَّمة، فالملازمة المُشار إليها في الرواية تعبِّر عن بناءٍ عقلائي مفاده أنَّ الشيء المنتفية منفعته ولو بسبب التحريم لا يصحُّ جعله طرفاً في المعاوضة، فأخذُ المال بإزائه يكونُ من أخذ المال بلا مقابل، وذلك هو معنى حرمة الثمن.

فإذا كانت الرواية تُشير إلى هذا البناء العقلائي فهي لاتقتضي أكثر من الملازمة بين المنفعة المحرَّمة وفساد المعاوضة عليها، فلو كان الشيء محرَّماً مطلقاً أي كانت تمام منافعه المتصوَّرة محرمة فحينئذٍ تكون المعاوضة عليه فاسدة، أما لو كان المحرم منه بعض منافعه فالمعاوضةُ على المنافع التي لم يثبتْ تحريمها ممَّا لا تقتضيه الملازمة.

وحيث إنَّه لم تثبت الحرمة لمطلق منافع القرد فلا موجب حينئذٍ للحكم بفساد المعاوضة على المنافع المحلَّلة منه، لذلك تكون النتيجة بمقتضى الملازمة المذكورة هي حرمة المعاوضة على لحم القرد فحسب وأمَّا المنافع الأخرى فلا تقتضي الملازمة حرمة المعاوضة عليها.

نعم قد يُقال إنَّه ليس للقرد منفعةٌ محللة مقصودة لدى العقلاء وهو ما يعني انتفاء الماليَّة عنه، فتكون المعاوضة عليه سفهيَّة، وذلك ما يقتضي فسادها إلا أنَّ هذه الدعوى ليست تامَّة أيضاً، لأنَّه لو سلَّمنا بالكبرى وأنَّ المعاملة السفهيَّة باطلة، وأنَّه لا يكفي في صحة المعاملة وجود منفعة ولو شخصيَّة في طرفي المعاملة لو سلَّمنا بذلك فإنَّه لا يمكن التسليم بانتفاء المنفعة المقصودة عقلائياً عن القرد فإنَّ الوجدان قاضٍ بفساد هذه الدعوى، وعليه لا يصحُّ اعتماد هذا الوجه دليلاً على عدم صحَّة المعاوضة على القرد.

فلم يبق من الأدلة على حرمة المعاوضة على القرد سوى ما رواه مسمع عن أبي عبد الله (ع) وما ورد في الجعفريات عن الإمام علي (ع)، أما رواية مسمع فهي وإنْ كانت ظاهرة في عدم صحة المعاوضة على القرد إلا أنَّها ضعيفة السند لاشتمالها على محمد بن الحسن بن شمُّون وهو في غاية الضعف، وأمَّا رواية الجعفريات فقد أفاد جمع من الاعلام أنَّها ضعيفة السند وذكروا لذلك وجوهاً عدة إلا أنَّ الصحيح هو عدم تماميتها جميعاً ولعلَّ أحسن تلك الوجوه هو ما أفاده السيد الخوئي (رحمه الله) من أنَّ سند الجعفريات مشتمل على موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر حيث لم يذكر له توثيق والسند بسببه يكون مجهولاً.

إلا أنَّ هذا الوجه ليس تامَّاً أيضاً إذ أنَّ الرجل وان لم يُذكر له توثيق صريح في كتب الرجال إلا أنَّه يمكن تحصيل الاطمئنان بوثاقته بمجموعة من القرائن، منها أنَّه كان من المعاريف وكان من شيوخ الاجازه وثمة قرائن أُخرى لا أرى من المناسب استعراضها هنا.

وبذلك تكون النتيجة هي حرمةُ المعاوضة على القرد اعتماداً على ما ورد عن عليٍّ (ع) في كتاب الجعفريات أنَّ ثمنَه من السُحت.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

28 جمادى الأولى 1427 هـ


1- سورة البقرة / 65.

2- سورة الأعراف / 166.

3- سورة المائدة / 60.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 104.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 107.

6- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج 3 ص 337.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 100.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 105.

9- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 24 ص 114.

10- الكافي -الشيخ الكليني- ج 5 ص 227.

11- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج 13 ص 69.