حدُّ السرقة هل هو من حقوق الله أو الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ورد في بعض الروايات أنَّ حدَّ السرقة من حقوق الله تعالى فللإمام إقامةُ الحدِّ على السارق وإنْ لم يُطالِب بذلك المسروقُ منه، وفي المقابل ورد في بعضِها أنَّه من حقوقِ الناس فليس للإمام إقامةُ الحدِّ على السارق دون مطالبة المسروقِ منه، فكيف نعالجُ هذا التعارض؟ ولماذا هذا التعارض؟!

الجواب:

الروايةُ التي أفادت أنَّ حدَّ السرقة من حقوقِ الله تعالى هي معتبرةُ الفضيل بن يَسار قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقولُ: ".. إذا أقرَّ على نفسِه عند الإمام بسرقةٍ قطعَه، فهذا من حقوقِ الله، وإذا أقرَّ على نفسِه أنَّه شربَ خمرًا حدَّه، فهذا من حقوقِ الله .. وأما حقوقُ المسلمين فإذا أقرَّ على نفسِه عند الإمام بفريةٍ لم يحدَّه حتى يحضرَ صاحبُ الفريةِ أو وليُّه .."(1).

والروايةُ التي أفادت أنَّ حدَّ السرقة من حقوق الناس هي معتبرة الحسين بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعتُه يقولُ: "الواجبُ على الإمام إذا نظر إلى رجلٍ يزني أو يشربُ الخمر أنْ يُقيم عليه الحدَّ، ولا يحتاج إلى بيِّنةٍ مع نظرِه، لأنَّه أمينُ اللهِ في خلقِه، وإذا نظرَ إلى رجلٍ يسرقُ أنْ يزبرَه وينهاهُ ويمضي ويدعُه، قلتْ: وكيفَ ذلك؟ قال: لأنَّ الحقَّ إذا كان لله فالواجبُ على الإمام إقامتُه، وإذا كان للناسِ فهو للناس"(2).

فبين الروايتين تعارضٌ كما ذكرتم، ولذلك وقع الخلافُ بين الفقهاء في حدِّ السارق من هذه الجهة، فذهبَ بعضُهم ولعلَّه المشهور إلى عدم جواز إقامةِ الإمام الحدَّ على السارق ما لم يُطالب بذلك المسروقُ منه، واستندوا في ذلك إلى معتبرة الحسين بن خالد، وفي مقابل ذلك ذهب آخرون إلى أنَّ حدَّ السرقة من حقوق الله تعالى، ولهذا يصحُّ للإمام إقامةُ الحدِّ على السارق حتى مع فرض عدم مطالبة المسروقِ منه، واستندوا في ذلك إلى معتبرة الفضيل.

ومنشأُ استنادهم إلى معتبرة الفضيل دون معتبرةِ الحسين بن خالد هو أنَّ الروايتين متعارضتان، فالمرجعُ حينئذٍ هو مرجِّحات باب التعارض والتي منها موافقة إحدى الروايتين لعموم الكتاب المجيد، ومن الواضح أنَّ الموافِقَ لعمومِ الكتاب هو معتبرةُ الفُضيل والتي لم تُقيِّد اقامةِ الحدِّ بمطالبة المسروقِ منه كما هي الآية الشريفة: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(3) فهي لم تُقيِّد إقامةَ الحدِّ بمطالبة المسروق منه بل فرضتْ إقامتَه على السارق دون تقييدِه بالقيد المذكور.

فالتقييدُ في معتبرةِ الحسين بن خالد بمطالبة المسروق منه وإنْ كان يصلحُ في نفسِه لتقييد عموم الكتاب المجيد ولكنَّ المانعَ من صلاحيَّته للتقييد في المقام هو معارضتُه لمعتبرة الفضيل وبالتالي سيكون الترجيحُ بعد استحكام التعارض هو عموم الكتاب.

وأمَّا لماذا التعارضُ فهو يتَّفقُ لأسبابٍ عديدةٍ منها خطأُ الرواة في النقل عن المعصوم (ع)، والخطأُ لا يمتنعُ وقوعُه من الثقاة، فإذا وجدَ الفقهاءُ تنافيًا وتعارضًا بين ماينقلُه الثقاة حول موضوعٍ محدَّد علموا أنَّ خطأً قد وقع من بعضهم أو أنَّ بعض ما صدر عن المعصوم (ع) لم يكن لبيان الحكم الواقعي، ولذلك يستفرغُ الفقهاءُ وسعَهم لتشخيص ما يلزمُ اعتمادُه من الأخبار المنقولة عن الثقاة، وذلك بعرضها على الضوابط المقرَّرة في موارد التعارض، وهذه الضوابط هي مثل العرض على الكتاب المجيد والسنَّة القطعيَّة، فقد يجدون بعد العرض ما يقتضي الترجيح وقد يختلفون في وجود ما يقتضي الترجيح وقد لا يجدون ما يقتضي الترجيح فيرجعون إلى الأُصول العمليَّة مثل أصالة البراءة أو أصالة الاحتياط.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسيّ- ج10 / ص7.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج7 / ص263.

3- سورة المائدة / 38.