المراد من "بيضة الاسلام"

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

بعد مراجعة المراد من بيضة الإسلام في كلمات الفقهاء، وجدتُ تعريفين ليسا بواضحين، الأول ما عن الشهيد في الدروس حيث قال: "هي أصلُه ومجتمعُه" وما عن كلانتر في شرح اللمعة حيث قال: "البيضة: أصل القوم ومجتمعهم، وبيضة الإسلام: مَن بهم قوام الإسلام".

فما هو المراد بشكلٍ واضح من بيضة الإسلام، فهل المراد به الخوف على الإسلام بأنْ لا يبقى له وجود أصلاً ؟ أو يشمل ما به ضعف الإسلام، وهل غزو البلد الإسلاميَّة مِن قِبَل الكفار مع احتمال تضليلهم للمسلمين عن إسلامهم أو مع عدم احتمال ذلك داخل تحت هذا العنوان؟ أرجو توضيح المفهوم بشكل مفصَّل؟

الجواب:

الظاهر أنَّ المراد من "بيضة الإسلام" هو كيان الإسلام المتقوِّم بشعائره والمتديِّنين به، فلو خلا من بلاد الإسلام هذان الركنان أو أحدُهما فإنَّ ذلك يُساوق انتفاء وجود الإسلام في ذلك البلد، فليس له في مثل هذا الفرض كيان في ذلك الموقع.

فلو خِيف على بلدٍ من بلاد الاسلام من عدوٍ يبتغي من غزوه إبادة المسلمين أو إبادة عددٍ منهم وتهجير الباقي أو أكثر الباقي منهم، فالخوف من ذلك خوف على بيضة الإسلام وكيانه، إذ لن يكون للإسلام كيانٌ في ذلك البلد بعد زوال المتديِّنين به بالموت أو التهجير.

وكذلك لو كان مبتغى الغزاة من غروهم إزالة شعائر الإسلام من تلك البلد كالمساجد والمآذن والمدارس والمصاحف وكتب الفقه والعقيدة، وكذلك لو كان مبتغاهم المنع من إقامة شعائر الاسلام كرفع الأذان وإقامة الصلوات وتعليم القرآن وأحكام الاسلام وأصول العقيدة والمنع من الحجاب والتقاضي بالقضاء الشرعي فإنَّ الخوف على أىِّ بلدٍ من بلاد الإسلام من ذلك خوفٌ على بيضة الإسلام وكيانه، اذ لا يُعدُّ بنظر العرف أنَّ للإسلام كياناً في هذا البلد بعد أنْ أصبحت إقامة الشعائر الإسلاميَّة فيه محظورة، ومجرَّد الإبقاء على حياة المسلمين فيه لا يجعل منه بنظر العرف بلداً من بلاد الاسلام بل إنَّ مآل إسلام هؤلاء أو الأجيال المتعاقبة عنهم إلى زوالٍ حتمي.

ويمكن أنْ يُستأنس ما ذكرناه في معنى بيضة الإسلام من خبر يونس عن أبي الحسن (ع) قال: ".. وإنْ خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان، لأنَّ في دروس الإسلام دروسُ ذكر محمَّدٍ (ص)"(1).

وكذلك ما ورد في قرب الإسناد للحميري عن محمد بن عيسى عن الرضا(ع) ".. ولكن يُقاتل عن بيضة الإسلام فإنَّ ذهاب بيضة الإسلام دروسُ ذكرِ محمَّدٍ (ص)(2).

فإنَّ الظاهر من التعليل في الخبرين أنَّ بيضة الإسلام هو ما يكون زواله مُفضياً لدروس وإنطماس ذكر النبيِّ الكريم (ص) ومن الواضح أنَّ دروس ذكر النبيِّ (ص) لا يتفق في بلدٍ من بلاد المسلمين إلا بزوال المؤمنين بالنبيِّ (ص) إما بقتلهم أو تهجيرهم من تلك البلاد أو بالابقاء عليهم مع قسرهم على المنع من إقامة شعائر الإسلام، وحينئذٍ لا يكون للنبىِّ (ص) من ذكرٍ ظاهر، والظهور هو المراد من دروس ذكر النبيِّ (ص). وليس مطلق الذكر.

وممَّا ذكرناه يتَّضح أنَّه لو استهدف الأعداءُ بلداً من بلاد المسلمين لغرض تهويدها مثلاً أو تنصيرها فإنَّ ذلك استهداف لبيضة الإسلام وكيانه، فلو خيف من تحقُّق مآربهم فهو من الخوف على بيضة الإسلام والذي هو موضوع لوجوب التصدِّي والدفاع عن تلك البلد.

وأمَّا وجه اعتبار التهويد مثلاً استهدافاً لبيضة الإسلام فلانَّ التهويد لا يتحقَّق إلا على أنقاض الكيان الاسلامي، فلا يُعدُّ البلد بعد تهويده بنظر العرف من بلاد الإسلام، ومجرَّد الإبقاء على حياة المسلمين فيه لا يقتضي اعتباره من بلاد الإسلام وكيانه بل إنَّ مآل إسلام القاطنين فيه أو الاجيال المتعافية عنهم هو الضمور، وهذا معنى قول الرضا (ع) "فإنَّ ذهاب بيضة الإسلام دروسُ ذكرِ محمَّدٍ (ص)".

فإنَّ ذكر محمدٍ (ص) والذي هو تعبير آخر عن ذكر الإسلام في تلك البلد يُصبح مغموراً، إذ أنَّ التهويد مثلاً معناه التهويد للمدارس والمعاهد والمحافل والأسواق والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن مؤسسات الإدارة للشؤون السياسيَّة فذلك هو ما يقتضيه التهويد، فالوجود الإسلامي سوف يُصبح في غمرة كلَّ ذلك مغموراً، فهو أشبه شيءٍ بالوجودات الدينيَّة الضئيلة في بلدٍ يسودُها الإسلام.

والحمد لله رب العالمين

الشيح محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص30.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص33.