إجزاءُ غسل الميِّت عن حدث الحيض والجنابة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

إذا ماتت المرأةُ في النفاس أو بعده قبل أنْ تغتسل منه فهل يجب تغسيلها غسل النفاس مضافاً إلى غسل الميت؟

الجواب:

غسلُ الميِّت يكفي عن غسل النفاس وكذلك الجنابة والحيض، فلا يجب تغسيل الميِّت المُحدِثِ بالحدث الأكبر بأكثر من غسل الميِّت.

دليل البناء على الإجزاء:

وقد نصَّت على ذلك العديدُ من الروايات المعتبرة، مثل موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: إنَّه سُئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تُغسَّل؟ قال: "مثل غسل الطاهر وكذلك الحائض وكذلك الجنب إنَّما يُغسَّل غسلاً واحداً فقط"(1).

فقولُه (ع): "مثل غسل الطاهر" ظاهرٌ في أنَّ الغسل الذي تُغسَّل به النفساء بعد الموت لا يزيدُ على الغسل الذي تُغسَّل به الطاهر بعد الموت، ثم ألحقت الروايةُ بالنفساء الحائضَ والجُنُبَ، وصرَّحت بأنَّه لا يجب من الغسل على هؤلاء إلا غسلٌ واحد شأنُهم في ذلك شأنُ مَن يموت على غير حدَثٍ.

وورد في صحيحة زرارة قال: "قلتُ لأبي جعفر (ع): ميِّتٌ مات وهو جنُب كيف يُغسَّل؟ وما يُجزئه من الماء؟ قال: "يُغسَّل غسلاً واحداً يُجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميِّت، لأنَّهما حرمتان اجتمعتا في حرمةٍ واحدة"(2).

فالروايةُ صريحةٌ في كفاية غسل الميِّت وإجزائه عن غسل الجنابة، وثمة رواياتٌ أخرى تدلُّ على ذات المضمون.

التعليق على روايات العيص بن القاسم:

وفي مقابل ذلك ورد ما قد يُستظهَر منه عدم إجزاء غسل الميِّت عن الجنابة، وهي رواياتٌ أربع مرويَّة جميعاً عن العيص بن القاسم، ولا تخلو جميعها من الاضطراب والذي يُمكن أنْ يُستظهَر منه عدم الإجزاء ولزوم تغسيل الميِّت بغسل الجنابة ثم غسل الميت هو ما رواه عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) في حديث قال: "إذا مات الميِّت وهو جنب غُسِّل غسلاً واحداً ثم يغسَّل بعد ذلك"(3) وهي ضعيفة بالإرسال على أنَّه يُحتمل قويَّاً وقوع خطأ في النقل وأنَّ الصحيح هو أنَّه قال: "ثم يغتسل بعد ذلك" فتكون الرواية مطابقة لما ورد في صحيحة العيص قال: "إذا مات الميت وهو جنب غُسِّل غُسلاً واحداً ثم اغتسل بعد ذلك"(4) والمراد من ذلك ظاهراً هو الأمر بالاغتسال بغسل مسِّ الميت، فإنَّ المخاطَب بالاغتسال هو المباشِر للتغسيل، ولا معنى لذلك سوى الأمر بالاغتسال بغسل مسِّ الميت.

وكذلك هو المطابق لما ورد في روايته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) قال: سألتُه عن رجلٍ مات وهو جنب؟ قال: "يُغسَّل غسلةً واحدة بماء ثم يغتسل بعد ذلك"(5) فإنَّ الظاهر من قوله: "يغتسل بعد ذلك" هو أمرُ المباشر للتغسيل بغسل مسِّ الميِّت، ولذلك فإنَّ المحتمل قويَّاً أنَّ ما ورد في صحيحة العيص: "ثم يُغسل بعد ذلك" كان من خطأ النسَّاخ وأنَّ الصحيح هو "يغتسل" بدل "يغسل" ويؤكِّد هذا الاحتمال مضافاً لكونه المطابق للراويتين الأخريين يؤكِّده أنَّه لا معنى لقوله يغسله غسلاً واحداً ثم يغسله غسل الميت لأنَّه إذا كانت وظيفته تغسيله غسل الجنابة قبل غسل الميت فلن يكون إلا غسلاً واحداً فأيُ معنىً لتقييد الغسل بالواحد، وهذا بخلاف ما لو كان المراد من الغسل الواحد هو الغسل عن مجموع الجنابة والميِّت فإنَّ التوصيف بالواحد يكون مستقيماً.

وتبقى روايةٌ رابعةٌ للعيص قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع): "الرجل يموت وهو جنب؟، قال: يُغسل من الجنابة ثم يغسل بعد غسل الميت"(6).

والظهور الأولي للرواية أنَّ الميِّت يُغسَّل ثلاث مرات الأولى من الجنابة ثم يُغسَّل غسل الميِّت ثم يُغسَّل غسلاً ثالثاً، وهذا المعنى غير مرادٍ حتماً لأنَّه لا معنى ولا موجب للغسلِ الثالث، ولذلك فالمرجَّح أنَّ المراد من قوله: "يغسل من الجنابة" هو تطهيره من أثر المني ثم يُغسَّل غسل الميِّت ثم يغتسل المباشر غسل مسِّ الميت، فيكون الصحيح في فقرة: "ثم يُغسل بعد غسل الميت" هو: "ثم يغتسل بعد غسل الميِّت" فإنَّ ذلك هو المطابق للروايتيين الأخريين للعيص، ولو التزمنا بعدم التصحيف للزم من ذلك إمَّا القول بأنَّه يُغسَّل ثلاث مرات ولا معنى لذلك أو أنَّه يُطهَّر أولاً من أثر الجنابة ثم يغسل غسل الميت ثم يغسل غسل الجنابة فيكون غسل الجنابة بعد غسل الميت، وهذا لا يلتزم به من أحدٌ، إذ لو كان غسل الميت غير مجزٍ عن غسل الجنابة لكان المناسب هو الأمر بتغسيله غسل الجنابة أولاً ثم تغسيله غسل الميت.

وممَّا ذكرنا يتَّضح أنَّ شيئاً من روايات العيص بن القاسم غير صالحٍ لمعارضة ما دلَّ على الإجزاء، وهي رواياتٌ مستفيضة، وفيها الصحيح والموثَّق، وعليها العمل بل لم يُعرَف عن أحدٍ من فقهائنا القول بعدم الإجزاء، هذا مضافاً إلى أنَّ البناء على عدم وجوب غسل الجنابة وكذلك الحيض والنفاس هو المناسب لمقتضى القاعدة إذ أنَّ وجوب الغسل من هذه الأحداث إنَّما هو واجب بالوجوب الشرطي، فالغسل من هذه الأحداث إنَّما يجب من جهة كون الطهارة منها شرطاً في صحَّة مثل الصلاة، وحيثُ إنَّ الميِّت غيرُ مكلَّفٍ بالصلاة لذلك لا معنى لتكليفه بالغسل بل وحتى بناءً على كون الغسل من هذه الأحداث واجباً بالوجوب النفسي فهو واجبٌ على الأحياء وأمَّا الميِّت فهو غير مكلَّفٍ بشيء.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص540.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص539.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص541.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص541.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص541.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص541.