طهارةُ كلبِ البحر وخنزيره

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل الكلب والخنزير البحريَّان نجسان أو هما طاهران؟ ولو كانا طاهرين هل يجوز أكلهما؟

الجواب:

المشهور بين الفقهاء هو طهارةُ كلب البحر وخنزيره، وحُكي عن ابن إدريس الحلِّي القول بنجاستهما، فهما والبريَّان بنظره، سواء.

ولعلَّ منشأ القول بنجاستهما هو دعوى صدق عنوان الكلب والخنزير عليهما، فيكونان مشمولين لما دلَّ من الروايات على نجاسة الكلب والخنزير.

إلا أنَّ الصحيح هو القولُ بطهارتهما وفاقاً لما ذهب إليه المشهور، وذلك لقصور أدلَّة النجاسة عن الشمول لكلب البحر وخنزيره، إذ أنَّ إطلاق عنوان الكلب والخنزير على البحرييَّن مجازيٌّ بدليل عدم صحَّة إطلاق عنوان الكلب والخنزير عليهما دون التقييد بالبحريَّين وهو بخلاف البريَّين فإنَّه يصحُّ إطلاق العنوانين عليهما دون الحاجة إلى التقييد بالبريِّين، فهما -أعني البحريين- ليسا كلباً وخنزيرًا حقيقةً وإنَّما عُبِّر عنهما بالكلب والخنزير لعلاقة المشابهة بينهما وبين الكلب والخنزير الحقيقيين، ولذلك لا يشملُهما دليل النجاسة الثابتة للبريِّين، فيكونان على أصل الطهارة، لعدم وجود ما يدلُّ على نجاستهما بعد إثبات عدم صدق عنواني الكلب والخنزير عليهما.

قد يُقال: إنَّنا وإنْ كنا نسلِّم بأنَّ حقيقة الكلب والخنزير البحريين مباينة لحقيقة البريين إلا أنَّ العرف قد وضع عنواني الكلب والخنزير على كلٍّ من الطبيعتين فيكون استعمال لفظ الكلب في البريِّ والبحري استعمالاً حقيقياً، وكذلك استعمال لفظ الخنزير، وهذا معناه أنَّ عنواني الكلب والخنزير من المشتركات اللفظيَّة، وقد ثبت في محلِّه جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى في آنٍ واحدٍ خصوصاً إذا كان اللفظ موضوعاً لكلٍّ من المعنيين أو المعاني.

وبناءً على ذلك لا يكون ثمة مانع من إرادة البريَّين والبحريين من عنواني الكلب والخنزير الواردين في أدلَّة النجاسة، وبذلك يكون دليل النجاسة مقتضياً للحكم بنجاسة البحريين كما هو مقتضٍ لنجاسة البريّين على حدٍ سواء.

وقد أجاب السيِّد الخوئي (رحمه الله) عن ذلك بجواب تامٍّ وأفاد بما محصَّله أنَّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى وإنْ كان ممكناً إلا أنَّه خلاف الظاهر فلا يُصار إلى الالتزام بإرادته إلا عند قيام القرينة على إرادة المعنيين، وليس في البين من قرينةٍ تدلُّ على ذلك، فلو التزمنا بأنَّ عنواني الكلب والخنزير، من المشتركات اللفظيَّة فإنَّ ذلك يقتضي القول بإجمال أدلة النجاسة للكلب والخنزير فلا يصحُّ الاستدلال بها على النجاسة إلا بمستوى القدر المتيقن، والمقدار المقطوع إرادته من أدلَّة النجاسة هو الكلب والخنزير البريَّان.

وبذلك يثبت أنَّ أدلَّة النجاسة لا تصلحُ لإثبات النجاسة للكلب والخنزير البحريين.

وعلى فرض القول بصلاحيتها لذلك جدلاً فإنَّ ثمة ما يدلُّ من الروايات على الطهارة فتكون مقيِّدة للإطلاق لو كان ثمة إطلاق.

وهي معتبرة عبد الرحمن بن الحجَّاج قال: سأل أبا عبد الله (ع) رجلٌ وأنا عنده عن جلود الخزِّ فقال: "ليس بها بأس، فقال الرجل: جُعلت فداك إنَّها (علاجي) وإنَّما هي كلاب تُخرَج من الماء، فقال أبو عبد الله (ع): إذا أُخرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، فقال: (ع): ليس به بأس"(1).

فالروايةُ صريحةٌ في طهارة كلب الماء، وهي ظاهرةٌ في طهارة خنزير الماء أيضاً نظراً لظهور التعقيب بنفي البأس بعد السؤال عن أنَّها تعيش خارج الماء أو لا والجواب بأنَّها لا تعيش خارج الماء.

فالظاهر من سياق سؤال الإمام (ع) وجواب السائل وترتيب الإمام (ع) نفى البأس على جوابه أنَّ العلَّة من الحكم بطهارة كلب الماء هي أنَّه لا يعيش خارج الماء، وعموم العلَّة يقتضي الحكم بطهارة خنزير الماء، وبذلك يثبت ما ذهب إليه المشهور من الحكم بطهارة كلب البحر وخنزيره.

وأمَّا حكم أكلهما فهو الحرمة، لأنَّه قد ثبت أنَّ كلَّ حيوانات البحر محرَّمة إلا أنْ تكون من الأسماك ذوات الفلس، والكلبُ والخنزيرُ البحريان ليسا كذلك.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص363.