(حيَّ على خير العمل) من فصول الأذان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

السؤال:

لماذا يلتزمُ الشيعة في الأذان خلافًا لبقيَّة المذاهب بفقرة: (حيَّ على خيرِ العمل)؟

 

الجواب:

إنَّ فقرة: (حيَّ على خيْرِ العمل) كانت من فصولِ الأذان على عهدِ رسولِ الله (ص)، وقد التزمَ بها المسلمون أيَّام أبي بكر وشطرًا من أيَّام عمر، ثمَّ إنَّ عمرَ بن الخطاب أمَرَ بحذفِها من الأذان، وعلّل ذلك بأنَّ (حيِّ على خيرِ العمل) تعني الحضَّ والحثّ على الصلاة وتعني وصفَها بأنَّها خيرُ الأعمال، وهذا قد يُنتِج -بنظره- انصرافَ المسلمين عن الجهاد واكتفاءَهم بالصلاة بذريعة أنَّها خيرُ العمل، فحتى لا يتقاعس المسلمون عن الجهاد أمَر بحذفِ هذه الفقرةِ من الأذان.

 

والعجيب كيف اِلتزَمَ أكثرُ المسلمين بهذا الأمر رغم أنَّه من الاجتهاد في مقابل النصِّ، فالرسولُ (ص) يأمرُ بإثباتِها في الأذان ويأمرُ الخليفةُ بحذفِها! وكأنَّه تفطَّن إلى أمرٍ غفِلَ عنه رسولُ الله (ص) الذي لم يكن ينطقُ عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يُوحى.

 

وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا﴾(1).

 

أمّا أنّ فقرة: (حيَّ على خير العمل) كانت من فصول الأذان وأنَّ الرسولَ (ص) هو مَن جعلها كذلك، فطريقُنا إلى إثباته هو ما ورد يقيناً عن أهل البيت (ع) الذين ثبتَ بالقرآن الكريم والسُنَّة القطعيَّة أنَّهم الهداةُ بعد رسول الله (ص) والأدلاَّءُ على دينِ الله وأحكامِه، وأنَّهم في الأُمَّة كسفينة نوح من ركِبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق، وأنَّهم الثقلُ الثاني، والقرآنُ الكريم هو الثقلُ الأول، وقد ضَمِنَ رسولُ الله (ص) للأُمَّة عدم الضلالِ إنْ هم تمسَّكوا بهما، وقال: "إنِّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهلَ بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبدا"، وقد أفاد (ص) أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض(2)، لذلك فنحن نعتمدُ طريقَهم في معرفةِ السُنَّة الشريفة.

 

وممَّا ورد عنهم (ع) هو ما رواه الشيخُ الطوسي في التهذيب بسندٍ معتبر إلى زرارة والفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "لمَّا أُسْرِيَ برسول الله (ص) فبلغَ البيتَ المعمور حضرت الصلاة فأذَّن جبرائيل وأقام، فتقدَّم رسولُ الله (ص)، قال فقلنا: كيف أذَّن، فقال: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصلاةِ حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاحِ حيَّ على الفلاح، حيَّ على خيرِ العمل حيَّ على خير العمل، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إله إلا الله، والإقامةُ مثلها إلاّ أنَّ فيها قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة بين حيَّ على خير العمل حيَّ على خير العمل وبين الله أكبر، فأمر بها رسولُ الله بلالاً، فلم يزل يؤذٍّن بها حتى قبَض اللهُ رسولَه (ص)(3).

 

والروايات المُصرِّحة باشتمال الأذان والإقامة على فقرة: (حيَّ على خير العمل) كثيرةٌ ومن أرادها فليرجعْ إليها في مظانٍّها.

 

وأمَّا ما يُؤيِّدُ -من كُتب علماءِ السنَّة- بأنَّ عمر بن الخطّاب هو مَن أمرَ بحذفِها فنصوصٌ كثيرةٌ نذكر شطرًا منها:

 

النصّ الأوَّل: قال الشوكاني نقلاً عن كتاب الأحكام: ".. وقد صحَّ لنا أنَّ (حيَّ على خير العمل) كانت على عهد رسولِ الله (ص) يؤذَّن بها ولم تُطرح إلاّ في زمن عمر"(4).

 

النصّ الثاني: قال القوشجي وهو من أكابر علماء الأشاعرة في كتابه شرح التجريد أنَّ الخليفة عمر قال وهو على المنبر: "ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهنَّ وأُحرٍّمهنَّ وأُعاقب عليهنَّ: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيَّ على خير العمل"(5).

 

النصّ الثالث: قال سعد الدين التفتزاني في حاشيتِه على شرح العضدي على مختصر الأصول لابن الحاجب: (إنَّ "حيَّ على خير العمل) كان ثابتاً على عهدِ رسول الله (ص) وإنَّ عمر هو الذي أمَر أنْ يكفَّ الناسُ عن ذلك، مخافةَ أن يثبِّط الناس على الجهاد ويتَّكلوا على الصلاة"(6).

 

النصّ الرَّابع: ما ورد في البحر الزخَّار وجواهر الأخبار والآثار أنَّ الإمام الباقر (ع) كان يقول: "وكانت هذه الكلمة (حيَّ علي خير العمل) في الأذان فأمر عمر بن الخطَّاب أن يكفُّوا عنها مخافة أنْ تُثبِّط الناس عن الجهاد ويتَّكلوا على الصلاة"(7).

 

النصّ الخامس: في كتاب الرّوض النّضير قال الزّركشيُّ في البحر المحيط: ".. وكان ابنُ عمر، وهو عميد أهل المدينة يرى إفراد الأذان والقول فيه "حيَّ على خير العمل"(8).

 

وورد في كتاب السّنام: الصّحيح في الأذان شرح بـ (حيَّ على خير العمل) وقال: "وقد قال كثيرٌ من علماء المالكيَّة وغيرهم من الحنفيَّة والشَّافعيَّة أنَّه كان (حيَّ على خير العمل) من ألفاظ الأذان"(9).

 

وثمَّة نصوصٌ أخرى وردت في كتب علماء السنَّة، أفاد بعضُها أنَّ فقرة (حيَّ على خير العمل) كانت من فصول الأذان في عهد رسول الله، وأفاد بعضها اِلتزام جمعٍ من الصحابة بها في الأذان.

 

منها: ما ورد في ميزان الاعتدال للذّهبي ج1 / ص139 ولسان الميزان للعسقلاني ج1 / ص268 عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة قال: كنتُ غلامًا فقال لي النّبيُّ (ص): "اجعل في آخر أذانك "حيَّ على خير العمل""، وذكر أنّ هذيل بن بلال المدائنيّ قال: سمعتُ ابن أبي محذورة يقول: "حيّ على الفلاح حيّ على خير العمل".

 

ومنها: ما ورد في منتخب كنز العمّال ج3 / ص276 أنَّ بلال كان يؤذِّن بالصّبح فيقول: (حيّ على خير العمل).

 

ومنها: ما رواه محمّد بن منصور في كتابه الجامع باِسناده عن رجال مرضيين عن أبي محذورة أحد مؤذِّني رسول الله (ص)، أنَّه قال: "أمرني رسولُ الله (ص) أنْ أقول في الأذان: "حيَّ على خير العمل""(10).

 

ومنها: ما رواه البيهقيّ في سُننه قال: إنَّ ذِكر (حيّ على خير العمل) في الأذان قد رُوي عن أبي أمامة سهل بن حنيف"(11).

 

ومنها: ما نقله ابن الوزير عن المحبّ الطبري الشَّافعي في كتابه إحكام الأحكام: ".. ذكر الحيعلة بـ (حيّ على خير العمل) عن صدَقة بن يسار عن أبي أمامة سهل بن حنيف قال: "إنَّه كان إذا أذّن قال: "حيَّ على خير العمل"، أخرجه سعيد بن منصور"(12).

 

ومنها: ما قاله علاءُ الدّين الحنفيُّ في كتاب التّلويح في شرح الجامع الصَّحيح قال: "وأمَّا (حيَّ على خير العمل) فذكر ابنُ حزم أنَّه صحّ عن عبد الله بن عمر وأبي أمامة سهل بن حنيف أنَّهما كانا يقولان: "حيَّ على خير العمل"، ثُمَّ قال: وكان عليُّ بن الحسين يفعلُه .."(13).

 

ومنها: ما ورد في السّيرة الحلبيَّة ".. ونقل عن ابن عمر وعن عليِّ بن الحسين (ع) أنّهما كانا يقولان في أذانيهما بعد حيَّ على الفلاح حيَّ على خير العمل .."(14).

 

ومنها: ما ورد في سُنن البيهقيِّ عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليَّ بن الحسين (ع) كان يقولُ في أذانه إذا قال حيَّ على الفلاح قال: (حيَّ على خير العمل) ويقول: "هو الأذانُ الأول"(15).

 

وثَمّة نصوصٌ أُخرى وردت في كتب علماءِ السُّنَّة إلا أنّنا أعرضنا عن ذكرها خشيةَ الإطالة.

 

والحمد لله ربّ العالمين

 

الشيخ محمّد صنقور

9 / رجب / 1427هـ


1- سورة الحشر / 7.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- باب تحريم الحكم بغير الكتاب والسنة ج27 / ص34.

3- وسائل الشيعة -الحرُّ العاملي- باب الأذان والإقامة / ح8.

4- نيل الأوطار -الشوكاني- ج2 / ص32.

5- شرح التجريد -القوشجي- ص484.

6- الروض النضير -سعد الدين التفتزاني- ج2 / ص42.

7- البحر الزخَّار وجواهر الأخبار ج2 / ص192.

8- الرَّوض النّضير -سعد الدين التفتزاني- ج1 / ص542.

9- الرَّوض النّضير -سعد الدين التفتزاني- ج1 / ص542.

10- البحر الزخار ج2 / ص192.

11- سنن البيهقي ج1 / ص425.

12- مبادئ الفقه الإسلاميّ للعرفي ص38 / ط 1354هـ.

13- مبادئ الفقه الإسلاميّ -للعرفي- ص38، المحلَّى -ابن حزم- ج3 / ص160.

14- السّيرة الحلبيّة باب الأذان ج2 / ص98.

15- سنن البيهقي ج1 / ص625 / ح1993.