شرح مفردات من دعاء الندبة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

نحن من عشاق دعاء الندبة ومن المحافظين على قراءته منذُ الصغر ولكن فيه كلمات لا نفهمُ معناها، فهل يُمكننكم التفضل علينا بتوضيحها:

1- "إقامة الأمت".

2- "الغطارفة".

3- "الخضارمة".

4- "القماقمة".

5- "شائق".

6- "ذَكَرَا فَحَنَّا".

7- "عقيد عز لا يسامى".

8- "أثيل مجد لايجارى".

9- "تلاد نعم لا تضاهى".

10- "نصيف شرف لا يساوى".

الجواب:

أمَّا معنى "الأمْت" فهو المكان المرتفع من الأرض، وإقامة الأمت من الأرض يعني بسطها وتسويتها بحيث لا يكون بعض جوانبها مرتفعًا والبعض الآخر منخفضًا بل تكون بتمامها منبسطة أي متساوية السطوح، ومنه يتَّضح معنى قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا / فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا / لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾(1).

فالمراد من قوله (ع): "أين المنتظر لإقامة الأمْتِ والعوج"(2) هو ندبة الإمام المهدي (ع) الذي يُنتظر منه تصحيح مسار الأمة، فكأنَّ الطريق الذي تسلكه الأمة في غيابه طريقٌ وعر تشوبه الكثير من العقبات والمطبَّات والتعرجات، والمُنتظَر فعله من الإمام (ع) حين ظهوره هو تعبيدُ هذا الطريق وتسويتُه بحيث يُصبح منبسطاً سالكاً.

ومحصل الفقرة المذكورة هو أنَّ الإمام (ع) حين ظهوره يُصحِّح ما انحرف من مسار الأمة ويُعيدها إلى جادَّة الحق والهدى والرشاد.

وأمَّا "الغطارفة" في قوله: "يابنَ الغطارفة الأنجبين"(3) فهو جمع غطريف، والغطريف هو السيِّد الشريف أي صاحب الشأنِ الرفيع، ويُطلق الغطريف على الرجل السخي الكثير الخير.

وعليه فالغطارفةُ هم السادة الكرام ذوو المقام السامي والشأن الرفيع، والمقصودون من هذا الوصف في الدعاء هم أهلُ البيت (ع).

وأمَّا المرادُ من "الخضارمة" فهم الأسخياء المعروفون بكثرة البذل، ومفرد هذا الجمع خضرم، وهو في الأصل يُطلق على الكثير من كلِّ شيء، فيقال بئر خضرم أي كثير الماء، ويُقال للبحر خضرم لسعته وكثرة مائه ثم أُطلق على الرجل الجواد الكثير العطاء تشبيهًا له بالبحر.

وأمَّا "القماقمة" فهو جمع قمقام، وهي في الأصل كلمة روميَّة معرَّبة، ويُطلق وصف القمقام على السيِّد القائد المقدَّم في قومه، ويُقال للبحر قمقام لأنَّه مجمع المياه، ويقال للقائد من الرجال قمقام لاجتماع أتباعه حوله. ولأنَّ شئونهم مجتمعةٌ عنده.

وأمَّا "الشائق" فهو من الشوق، ومعنى الشوق هو الميل النفسي للشيء إذا اشتدَّ، فالشائق اسم فاعل لمَن وقع منه الشوق، والمشوق هو من وقع عليه الشوق.

وعليه فمعنى قوله (ع): "أنت أمنية شائق يتمنَّى" خطاب للإمام المهدي (ع) بأنَّ رؤية محيَّاك أمنيةٌ تعتلجُ في قلب مشتاقٍ لك عاشقٍ لوجودك.

ومعنى قوله (ع): "ذكَرا فحنَّا" من التذكر والحنين، فالمؤمنُ والمؤمنة كلّما تذكرا هذا الوجود المغيَّب انتابهما حنينٌ إليه، والحنين هو الشوق الشديد، والأصل اللغوي لكلمة الحنين هو ترجيع الناقة صوتها عندما تبحث عن ولدها الذي فقدته، فترجيعها لصوتها تعبيرٌ عن ولهها وشوقها لفصيلها الذي ضاع منها.

والمراد من "عقيد العز" هو مَن انعقد وارتبط وجودُه بالعزِّ ارتباطًا لا انفكاك معه، فوجودُه والعزُّ متلازمان، ثم إنَّ العزَّ على مراتب، وثمة مرتبةٌ من العزِّ لا تفوقُها ولا تسمو عليها مرتبة وتلك هي المرتبةُ التي لا تُسامى.

وعليه فمعنى قوله (ع): "بنفسي أنت من عقيد عزٍّ لا يسامى" هو أنَّك أيها المهديُّ من نسل بيتٍ انعقد به العز الذي لا يرقى إليه عزٌّ، فكأنَّ بين هذا البيت وبين العزِّ عقدًا وثيقًا.

ومعنى "الأثيل" هو الأصل والأساس، فحينما يقال "أثيل مجد" فمعناه أصل المجد وأساسه، ويُطلق الأثيل على القديم فيُقال: مجدٌ أثيل أي قديم، كما يُطلق الأثيل ويُراد به العظيم، فحينما يقال: "مجدٌ أثيل" فمعناه مجدٌ عظيم ومتقادِمٌ في الزمن.

وعليه فمعنى قوله (ع): "بنفسي أنت من أثيلِ مجدٍ لا يُجارى" هو أنَّك منحدر أيُّها الإمام المهدي من أُصول المجد وأساسه، ثم وصف المجد -والذي يعني الشرف والسؤدد- بأنَّه لا يُجارى أي لا يماثلُه مجدٌ في علوِّه ورفعته.

وأمَّا "التِلاد" فهو جمع تليد، والتليد بمعنى القديم المأثور أي المتوارث، فالمرادُ من قوله (ع): "أنت مِن تِلاد نعَمٍ لا تُضاهى" هو أنَّك بقيةُ النِعمِ الإلهيَّة المأثورة والمتوارثة كابراً عن كابر، ومعنى أنَّها لا تُضاهي هو أنَّها لا تُجارى ولا يُماثلُها شيءٌ من النِعَم مهما عظمت.

و كلمة "نصيف" في قوله (ع): "نصيف شرفٍ لا يُساوى" تُطلق ويُراد منها العمامة التي يُتوَّج بها الرأس ويتزيَّن بها الرجل، وعليه فالمراد من قوله: "نصيف شرف" هو أنَّه تاج الشرف والمزيِّنُ له.

وقد يُراد من قوله: "نصيف شرف" هو أنَّ الشرف والسؤدد قد قُسم إلى نصفين فحظيَ هو (ع) بتمام النصف وترك لبقيَّة الناس مجتمعين النصفَ الآخر يتقاسمونه بينهم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة طه / 105-107.

2- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج99 / ص107.

3- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج1 / ص509.