اللَّعن في زيارة عاشوراء لا ينفي صدورها

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

السُباب واللعن غيرُ لائقين بالمؤمن، فما معنى الإصرار على قراءة زيارة عاشوراء وتصحيحها وتقديسها وهي متضمِّنة للَّعن الصريح، فهل أمرَ أهلُ البيت (ع) شيعتَهم بهذا اللَّعن في الوقت الذي قال فيه أمير المؤمنين (ع) لأصحابه: "إني أكرهُ لكم أنْ تكونوا سبَّابينَ .."(1).

وهل أمرَ أهلُ البيت (ع) شيعتَهم بهذا اللَّعن في الوقت الذي أمروهم فيه بالتقية؟! إنَّ ذلك يؤكِّد عدم صدور زيارة عاشوراء عن أهل البيت (ع) وإنَّما هي من تأليف بعض الشيعة.

الجواب:

لابدَّ من التفريق أولاً بين الَّلعن والسُباب أو الشتم، فالَّلعن دعاءٌ بالطرد من رحمة الله أو هو دعاء بالسخط من الله تعالى، وأمَّا السُباب فهو الوصف لأحدٍ بما يُشينُه ويُنفص من قدرِه كنسبته إلى بعض العيوب أو بعض المحقِّرات كالحيوان أو مواجهته بما يخدش الحياء وبما يُعدُّ من الفحش.

ولا ريب انَّ السُباب والشتم بما يخدش الحياء وبما يُعدُّ من الفحش لا يصدر من ذوي المروءة فضلاً عن الأتقياء وذوي الورع، وأما السُباب بمعنى نسبة النقص أو العيوب للبعض فهو محرَّمٌ دون ريب إذا كان المواجَه بالاستنقاص ممَّن لا يستحق، وهو مرجوحٌ ومنافٍ للخلُق الرفيع إذا كان المواجَه بالسبِّ والاستنقاص ممَّن يستحقُّه ولم يكن من مبرِّرٍ عقلائي لمواجهته بالسبِّ والاستنقاص، وأما إذا كان المواجَه بالسبِّ والاستنقاص مستحقِّاً له وكان لمواجهته به مبرِّرٌ عقلائي وشرعي فمواجهتُه بالسبِّ والاستنقاص ليس سائغاً وحسب بل هو راجح، فقد وصف القرآن فرعون وملئه بالفاسقين كما في قوله تعالى: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾(2) ووصفه بالطاغوت في قوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾(3) بل شبَّه اليهود بالحمار في قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾(4) وعيَّرهم بأسلافهم الذين عبدوا الطاغوت ومُسخوا قردةً وخنازير ثم وصفهم بالأشرار والمضلِّين، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾(5).

وقد تصدَّى القرآن لأمر النبيِّ الكريم (ص) بأنْ يقصَّ للناس خبرَ بلعم بن باعورة، وشبَّهه بالكلب وصنَّفه ضمن الغاوين، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ / وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(6).

هذا وقد وصف القرآن مشركي مكة ومن حولها بالأنجاس فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾(7) وشبَّههم في سورة المدَّثِّر بالحُمُر الوحشيَّة قال تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ / فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾(8) ووصفهم في آيةٍ أخرى بالأنعام قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا / أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾(9).

ووصفَ بعضَ المسلمين الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك وكانوا مشخَّصين وصفهم بالفاسقين، قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾(10) ووصفَهم كذلك بالمجرمين، قال تعالى: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾(11).

ووصفَ آخرين ممَّن أسلموا بالمنافقين في آياتٍ كثيرة وكان فيهم مَن هو معروفٌ وفيهم مَن هو مجهول، قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾(12)، فالآية تحكي خبر جماعةٍ مشخَّصة جاؤوا للنبيِّ (ص) يؤكِّدون إيمانهم، فوصفهم القرآن في هذه الآية بالمنافقين والكاذبين. وقال تعالى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾(13)

والآيات في ذلك كثيرة ولا يسعنا استقصاءها في المقام، وهي صريحةٌ في أنَّه لا محذور في التنقُّص من أمثال هؤلاء، فهم مضافاً إلى استحقاقهم لهذه التوصيفات فإنَّ الأثر المترتِّب عن استنقاصهم هو النُفرةُ والاستيحاش منهم وممَّن هم على شاكلتهم والحذرُ من التخلُّق بصفاتهم وسجاياهم المشينة وهو مؤدَّى التبرِّي من أعداء الله تعالى والذي حضَّ عليه القرآن وفرضَه على عباده المؤمنين في آياتٍ كثيرة فإنَّ النفس بطبعها لا تستشعر النُفرةَ والاستيحاشَ من أحدٍ مالم تقف على نقائصه ومعايبه، والنفسُ لا تستشعر البراءةَ والمزايلة لأحدٍ دون أنْ تقف على خبث سريرته وقبيح صفاته، فتوصيفُ الكفَّار الجاحدين وكذلك المنافقين والفُسَّاق بقبيح الصفات وإنْ عُدَّ من السُباب ولكنَّ السُباب ليس مرجوحاً على اطلاقه بل هو راجحٌ إذا كان مقتضياً لعزلهم والحيلولةِ دون تأثيرهم وكان مقتضياً للمحاذرة من التخلُّق بصفاتهم، وكلُّ ذلك هو مِلاك الأمر بالبراءة من أعداء الدين.

قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾(14).

وبما ذكرناه في السباب يتَّضح به الحالُ في اللَّعن والذي هو الدعاء بالطرد والسخط الإلهي، فإنَّ لعن المُستحِق إذا كان مُفضياً للمِلاك والغرض المذكور يكون رجحانُه أولى وأخفَّ استيحاشاً، فإنَّه وإن عُدَّ عرفاً من السُباب إذا كان موجباً للإزدراء والتوهين لكنَّ ذلك لا ينفي رجحانه إذا كان المواجَه به مستحقِّاً للَّعن وكان لعنه مفضياً للغرض الذي ذكرناه في السُباب بل يكون رجحانه بهذا القيد أولى وأبلغ في التبرِّي من أعداء الله تعالى.

الذنوب التي لعَنَ القرآنُ مُجتَرِحَها:

هذا وقد أكثر القرآن من لعن ابليس كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إلى يَوْمِ الدِّينِ﴾(15) ولعن طوائف من الناس لاجتراحهم ذنوباً نصَّ عليها القرآن في سياق اللعن:

فمن الذنوب التي لعن القرآن المُجترِح لها هي نسبة ما لا يليق بجلال الله تعالى إلى الله جلَّ وعلا، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾(16).

ومنها: أي ومن تلك الذنوب الموجبة للَّعن هي كتمانُ الحقِّ والهدى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾(17).

ومنها: العدوان، والتمادي في المعصية: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾(18).

ومنها: نقضُ الميثاق، والخيانة، والإعراضُ عن الأوامر التي ذكَّر الله تعالى بها وفرضها عليهم قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ ..﴾(19).

ومنها: الكذبُ على الله جلَّ وعلا: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾(20).

ومنها: التحريفُ للكلِم، والطعنُ في الدين، والجحودُ لما أنزله اللهُ تعالى، والتجاوز لفرائض الله جلَّ وعلا، قال تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا / يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾(21).

ومنها: رميُ المحصنات الغافلات المؤمنات بالفجور والفاحشة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ / يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(22).

ومنها: النفاق، وإحداث الفتنِ بين الناس، قال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا / مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾(23).

ومنها: الإيذاء لله تعالى وللرسول (ص)، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(24).

ومنها: الزعامة في الدعوة إلى ما يُوجب الدخول في النار، وهؤلاءِ هم المُعبَّرُ عنهم بأئمة الضلال، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ / وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾(25).

ومنها: التصدِّي للزعامة والولاية للإفساد في الأرض وقطع الأرحام، قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ / أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم﴾(26).

ومنها: قطعُ ما أمَرَ اللهُ تعالى بوصله، ونقضُ العهود التي أُخذت عليهم من الله تعالى، والإفسادُ في الأرض، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾(27).

ومنها: الدأبُ على الكذب، والدأبُ على الظلم، قال تعالى: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(28) وقال تعالى: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾(29) وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾(30).

فإذا كان القرآن الكريم قد لعَنَ كلَّ هؤلاء فما هو الوجه في استبعاد صدور زيارة عاشوراء وغيرها من الزيارات لمجرَّد اشتمالها على اللَّعن؟! فهل الملعونون في الزيارات المأثورة أحسنُ حالاً من هؤلاءِ الذين لعَنهم القرآن؟! أليس هؤلاء مُنطبَقاً للعديد من موارد اللَّعن في القرآن الكريم؟! ألم يكونوا من أجلى مصاديق الظالمين الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾(31)، ألم ينقضوا عهد الله بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر الله تعالى بوصلِه وعاثوا في الأرض فسادا، فهم مصداقٌ جليٌّ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾(32) ومصداقٌ جليٌّ لقوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم﴾(33).

أليس فيهم زعماء البغاة كمعاوية الذين خرجوا على الإمام عليٍّ (ع) وقتلوا عمار بن ياسر، وقد أجمع المحدِّثون من الفريقين أنَّ رسول الله (ص) قد قال: "ويحُ عمار تقتله الفئةُ الباغيةُ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار"(34) فهؤلاء بنصِّ رسولِ الله (ص) مصداقٌ لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ / وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾(35).

أليس فيهم من كتمَ الحقَّ وجحَد بما أنزل اللهُ تعالى في كتابه وعلى لسان نبيِّه (ص) ودلَّسوا ولبَّسوا وكابروا وضلَّوا وأضلوا وصرفوا الحقَّ عن أهلِه وكذبوا على رسول الله (ص) فهم أولى الناس بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾(36) وأولى الناس بقوله تعالى: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(37) فهم قد جحدوا آيةَ الولاية، وآيةَ التطهير، وآيةَ التبليغ، وحديثَ الغدير، وحديثَ الثقلين، وحديثَ الدار، وحديثَ المنزلة، وحديث الطائرَ المشوي، وحديثَ السفينة، والعشرات بل المئات من الأحاديث التي صدعَ بها الرسولُ الكريم (ص).

أليس مَن لعنتهم زيارةُ عاشوراء والزياراتُ المأثورة هم مَن آذى رسولَ الله (ص) في في تجاوز وصاياه وأوامره بل وآذاوه في محضره في مثل يوم العقبة يوم عقدوا العزم وعمِلوا على اغتياله حين رجوعه من تبوك فقال الله تعالى: ﴿وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ﴾(38) ويوم رزيةِ الخميس ثم لم يرعَووا عن إيذائه بل تمادَوا فيه بالإصرار على تجاوز ما أمَر اللهُ به وصدعَ به رسولُه (ص) وآذاوه في عِترته منذُ أول يومٍ رحل فيه الرسولُ (ص) إلى ربِّه، فحرمَوهم ليس مِن مواقعهم وحسب بل حرموهم حتى مِن ميراثهم وما جعله اللهُ وسولُه (ص) لهم ثم مكَّنوا الطلقاءَ والمنافقين -على غير أهليَّة- من رقاب المسلمين فعدَوا على أهلِ بيت الرسول (ص) لعناً على المنابر وفي المحافل، وبهتاناً، وتقتيلاً، وسبياً وتشريداً، فهل من أحدٍ أولى بهذه الآية من هؤلاء؟! وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(39).

الملعونون على لسان الرسول (ص) بأسمائهم:

هذا وقد ثبت من طُرق الفريقين عن الرسول (ص) انَّه لعن أفراداً وأقواماً بأسمائهم، ولعن طوائف من الناس بصفاتهم:

فممَّن لعنهم الرسول الكريم (ص) هم الحكم بن العاص وابنه مروان وذريته واستثنى -كما في بعض الروايات- المؤمن منهم، وقال: ﴿وَقَلِيلٌ مَاهُمْ﴾(40) ووصف بني أميَّة بالشجرة الملعونة في القرآن، والروايات في ذلك كثيرة:

منها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يُولد لاحدٍ مولودٌ الا أُتى به النبي (ص) فدعا له فأُدخل عليه مروان بن الحكم فقال: "هو الوزَغُ ابنُ الوزغ الملعونُ ابنُ الملعون". قال الحاكم النيسابوري تعليقاً على سند الحديث: هذا حديثٌ صحيحُ الاسناد، ولم يُخرجاه(41).

ومنها: ما رواه النسائيُّ في السُنن الكبرى بسنده عن محمد بن زياد انَّ مروان قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: هذا الذي أنزل الله فيه ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا﴾(42) فبلغ ذلك عائشة فقالت: "كذبَ والله ما هو به ، ولو شئتُ ان أسمِّي الذي أُنزلت فيه لسميّتُه ولكنَّ رسول الله (ص) لعن أبا مروان ومروانُ في صُلبه، فمروانُ فضضٌ من لعنة الله"(43).

وروى هذه الرواية الحاكم في المستدرك إلا انَّه قال بدل "فضضٌ من لعنة الله" قال عن عائشة: "فمروانُ قصصٌ من لعنة الله عزَّ وجل". ثم قال الحاكم تعليقاً على سند الحديث: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه(44).

ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة: انَّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (ص) فعرف النبيُّ (ص) صوته وكلامه فقال: "ائذنوا له، عليه لعنةُ الله وعلى مَن يخرج من صلبه الا المؤمن منهم، وقليلٌ ما هم، يشرُفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ذوو مكرٍ وخديعة، يعطون في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خَلاق". قال الحاكم تعليقاً على سند الحديث: هذا حديثٌ صحيحُ الاسناد ولم يخرجاه(45).

ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن الشعبي عن عبد الله بن الزبير أنَّ رسول الله (ص): لعَنَ الحكمَ وولده. قال الحاكمُ تعليقاً على سند الحديث: هذا حديثٌ صحيحُ الاسناد ولم يُخرِّجاه(46).

ومنها: ما أورده جلال الدين السيوطي في الدرِّ المنثور قال: "وأخرج ابن مردويه عن عائشة انَّها قالت لمروان بن الحكم: سمعتُ رسول الله (ص) يقول لأبيك وجدِّك: إنَّكم الشجرةُ الملعونةُ في القرآن"(47).

وأورد العيني في كتابه عمدة القاري على شرح صحيح البخاري قال: وروى ابن مردويه عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا، مولى عبد الرحمن بن عوف: أنَّ عائشة قالت لمروان: أشهدُ أنَّي سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول لك ولأبيك ولجدِّك: "إنَّكم الشجرةُ الملعونة في القرآن"، وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو: أنَّ الشجرةَ الملعونة في القرآن الحكم بن أبي العاص وولده"(48).

وأورد السيوطي في الدرِّ المنثور قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: رأيتُ ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنَّهم القِردة وأنزلَ اللهُ في ذلك: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾(49) يعنى الحكَم وولده"(50).

وأورد السيوطي أيضاً في الدرِّ المنثور قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرَّة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله (ص) أُريت بنى أميَّة على منابر الأرض وسيتملكونكم فتجدونهم أربابَ سوءٍ واهتمَّ رسولُ الله (ص) لذلك فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾"(51).

وقال السيوطي أيضاً: وأخرج ابنُ مردويه عن الحسين بن علي أنَّ رسول الله (ص): أصبح وهو مهموم فقيل: مالك يا رسول الله فقال: "إنِّى أُريتُ في المنام كأنَّ بنى أمية يتعاورونَ منبري هذا فقيل: يا رسول الله لا تهتم فإنَّها دنيا تنالُهم فأنزل الله : ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾(52).

وأورد السيوطي في الدرِّ المنثور قال: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيَّب رضي الله عنه قال: رأى رسولُ الله (ص) بنى أميَّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه إنَّما هي دنيا أعطوها فقرَّت عينُه وهي قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾(53).

ويمكن تأييد هذه الروايات بعددٍ من الروايات الصحيحة:

منها: ما أخرجه الحاكمُ النيسابوري بسنده عن أبي بُرزة الأسلمي قال: "كان أبغضَ الاحياء إلى رسولِ الله (ص) بنو أميَّة وبنو حنيفة وثقيف". هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه (54)، وأوردَه الهيثميُّ في مجمع الزوائد وعلَّق على سنده بقوله: رواه الطبراني ورجالهم رجالُ الصحيح غير عبد الله بن مطرف بن الشخير وهو ثقة(55).

ومنها: ما أخرجه الحاكم النيسابوري بسنده عن حلام بن جذل الغفاري قال سمعتُ أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: "إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلاً اتَّخذوا مالَ الله دُوَلا ، وعبادَ الله خِوَلا، ودينَ الله دغلا .." قال الحاكمُ النيسابوري: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم ولم يُخرجاه(56).

ومنها: ما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) رأى في منامه كأن بنى الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيِّظ فقال: ما لي رأيت بنى الحكم ينزون على منبري نزوَ القِردة قال فما رُؤي رسول الله (ص) مستجمِعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات (ص). قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجالُه رجالُ الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة (57)، وعلَّق الصالحي الشامي في كتابه سبل الهدى والرشاد على الحديث بقوله: وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح، والبيهقي في كتاب عذاب القبر(58)، وعلَّق الحاكم النيسابوري على سند الحديث بقوله: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخرِّجاه.

الملعونون على لسان الرسول (ص) بأوصافهم:

وأمَّا الذين لعَنهم الرسولُ الكريم (ص) -بحسب الروايات- بأوصافهم فطوائفُ كثيرةٌ، نذكر منهم المستحِلَّ من عترة النبيِّ (ص) ما حرَّم الله تعالى والمتسلِّط بالجبروت يُذلُّ مَن أعزَّه الله تعالى ويُعزُّ من أذلَّه الله تعالى، ومنهم من أحدثَ في مدينة الرسول (ص) حدَثاً وظلم أهل المدينة وأخافهم، ومنهم مَن وليَ من أمر المسلمين شيئاً فامَّر عليهم أحدًا محاباة:

المستحِلُّ من عترة النبيِّ (ص) ما حرَّم الله تعالى:

أمَّا ما ورد في لعْنِ المستحِل من عترة الرسول (ص) ما حرَّم الله فنكتفي -خشية الإطالة- بذكر حديثٍ واحد تجاوزت طرقه حدَّ الاستفاضة عند الفريقين إلا أنَّه سوف نذكره من بعض طرق العامة وهو ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): ستةٌ لعنهم اللهُ وكلُّ نبيٍّ مجاب: المكذِّب بقدر الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلِّط بالجبروت يُذلُّ من أعزَّ الله، ويُعزُّ من أذلَّ الله، والمستحلُّ لحرم الله، والمستحلُّ من عترتي ما حرَّم الله، والتارك لسنتي".

قال الحاكم النيسابوري تعليقاً على سند الحديث: قد احتج البخاري بعبد الرحمن بن أبي الرجال، وهذا حديثٌ صحيح الاسناد، ولا أعرف له علَّة ولم يخرجاه(59)، وقال الحاكمُ في موضع آخر تعليقاً على سند الحديث: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاري ولم يخرجاه(60).

وفي الدرِّ المنثور للسيوطي قال: وأخرج الأزرقي والطبراني والبيهقي في شُعَب الايمان عن عائشة ثم ساق الحديث(61) وأورد الهيثمي في مجمع الزوائد قال: عن عائشة أنَّ رسول الله (ص) قال: ستة لعنتُهم وكلُّ نبيٍّ مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله والمستحلُّ لمحارم الله والمستحِلُّ من عترتي ما حرَّم الله وتاركُ السنة".

قال الهيثمي تعليقاً على سند الحديث: رواه الطبراني في الأوسط ورجالُه ثقات، وقد صحَّحه ابن حبان(62).

فإذا كان المستحِلُّ من عترة الرسول (ص) ما حرَّم الله تعالى ملعوناً على لسان النبيِّ الأمي (ص) وعلى لسان كلِّ نبيٍّ مجاب فما هو المبرِّر للتشكيك في صدور زيارة عاشوراء لمجرَّد اشتمالها على اللَّعن؟! ألم يكن الحسين (ع) من عترة الرسول (ص) ألم يكن سبطَه وريحانتَه؟! أليس فيمن لعنتهم زيارة عاشوراء كانوا قد سفكوا دمَ الحسين (ع) ومثَّلوا بجسده؟! ألم يمنعوه واُسرته من ورود الماء ثلاثاً حتى استُشهد ظامئاً؟! ألم يهشِّموا بعد قتله أضلاعه وحطَّموا عظام ظهره وصدره بحوافر خيولهم؟! ألم يحتزُّوا رأسه الشريف ثم رفعوه على قناةٍ عالية وطافوا به في حواضر الإسلام؟! ألم يُقِّرع زعيمهم منتشياً شامتاً رأسَ الحسين (ع) وثناياه بقضيبه؟! ألم يُصادروا أموال الحسين (ع) ومتاعه بعد قتله بل وسلبوه حتى ثيابه التي يلبسُها؟! ألم يقتلوا مَن كان معه من ذرية الرسول (ص) وكان فيهم الصبيُّ والرضيع؟! ألم يأخذوا قسراً بناتِ رسول الله (ص) بعد ترويعهنَّ اُسارى يُطاف بهنَّ في حواضر المسلمين؟!

هذا وقد سبق يزيدَ وبطانتَه أبوه معاوية فاستحلَّ من عترة النبيِّ (ص) ما حرَّم الله تعالى، فشهر السلاحَ باغياً في وجه عليٍّ (ع) سيدِ العترة وعبَّأ الجيوش وحارب عليَّاً والحسنَ والحسين (ع) وقد قال رسول الله (ص) بسندٍ معتبر عن أبي هريرةقال: نظر النبيُّ (ص) إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: "انا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم" وعن زيد بن أرقم عن النبيِّ (ص) أنَّه قال لعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين: "انا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم"(63) فهو قد حاربهم وانتهك من عترة الرسول (ص) ما حرَّم الله، ثم عدى على الحسن بن عليٍّ سبطِ رسول الله (ص) رغم العهود والمواثيق فقتله بالسُم وقال: "إنَّ لله جنوداً من عسل"، وسنَّ لعنَ عليٍّ أمير المؤمنين (ع) وشتمَه والتنقُّصَ منه على منابر المسلمين وفي محافلهم، فكان خطباء الجمعة في حواضر الإسلام يختمون خطبهم بلعنِ عليٍّ (ع) طيلة عهد معاوية ويزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وأبنائه هشام والوليد وسليمان إلى أنْ جاء عمر بن عبد العزيز فمنع من سبِّ عليٍّ (ع) ولعنه على المنابر وفي خطب الجمعة، أليس هؤلاء الذين استحلَّوا ما حرَّمه الله في عترة نبيِّه (ص) وتسلَّطوا بالجبروت وأعزُّوا من أذلَّه الله، وأذلُّوا من أعزَّه الله تعالى، أليس هؤلاءِ هم مَن لعنتهم زيارةُ عاشوراء وغيرها من الزيارات المأثورة؟!.

المُحدِثُ في مدينة الرسول (ص) والظالمُ لأهلها والمخيفُ لهم:

وأمَّا ما ورد من الروايات في لعن مَن أحدثَ في مدينة الرسول (ص) حدثاً، وظلم أهل المدينة وأخافهم فنذكر منها ما رواه أكثر أصحاب الصحاح والمسانيد بطرقِهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا عليٌّ فقال: قال رسول الله (ص): "المدينة حرمٌ ما بين عير إلى ثور، فمَن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدِثا فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبلُ الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً .."(64).

ومنها: ما رواه النسائي في السنن الكبرى بسنده عن السائب بن خلاد أنَّ رسول الله (ص) قال: "مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله ، وعليه لعنة اللهِ والملائكةِ والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل"(65).

وروى أحمد بن حنبل بسنده عن السائب بن خلاد أنَّ رسول الله (ص) قال: "مَن أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا"(66).

وعلَّق الألباني على سند الحديث في السلسلة الصحيحة، قال: أخرجَه النسائي في السُنن الكبرى والطبراني في المعجم الكبير من طريق يحيى بن سعيد عن مسلم بن ابي مريم عن عطاء بن يسار عنه وهذا اسناده صحيح على شرط الشيخين، قال: ثم اخرجوه هم وأبو نعيم في الحلية من طريق يزيد .. وزاد "ظالما لهم" اسنادُه صحيح على شرط الشيخين(67).

ومنها: ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط بسنده عن عبادة بن الصامت عن رسول الله (ص) أنَّه قال: "اللهمَّ مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفْه، وعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل". قال الهيثمي تعليقاً على سند الحديث: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجالُه رجال الصحيح(68)، وقال المنذري تعليقاً على سند الحديث: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد جيِّد(69).

فإذا كان المُحدِثُ في المدينة -حرمِِ الرسول (ص) - والظالمُ والمخيفُ لأهلها ملعوناً من قِبل الله وملائكته والناس أجمعين فما هو المسوِّغ للتشكيك في لعن زيارة عاشوراء لمعاويةَ ويزيد؟! بعد أنْ ثبت أنَّهما أحدثا عظائم الأمور في مدينة الرسول (ص) وأخافا وظلما أهلها من المهاجرين وأبناء المهاجرين والأنصار وأبناء الأنصار.

ما أحدثة معاوية في مدينة الرسول (ص):

أمَّا معاوية فبعد قضية التحكيم سيَّر بُسر بن أرطاة على رأس جيشٍ إلى الحجاز وأمره أنْ يمرَّ بالمدينة المنورة ويُرعب أهلها ويسلب كلَّ ما أصابه من أموالهم ويُجبرهم على بيعته والدخول في طاعته.

قال اليعقوبي وغيره من المؤرِّخين واللفظ له: "ووجَّه معاوية بسر بن أبي أرطاة، وقيل ابن أرطاة العامري، من بني عامر ابن لؤي، في ثلاثة آلاف رجل، فقال له: سِرْ حتى تمرَّ بالمدينة، فاطرد أهلها، وأخِفْ مَن مررتَ به، وانهبْ مال كلِّ مَن أصبتَ له مالاً ممَّن لم يكن دخل في طاعتنا، وأوهِم أهل المدينة أنَّك تريد أنفسهم، وأنَّه لابراءة لهم عندك، ولا عذر، وسِرْ حتى تدخل مكة، ولا تعرض فيها لاحد، وأرهِب الناس فيما بين مكةَ والمدينة، واجعلهم شرادات .."(70).

وهذا ما وقع قال الطبري في تاريخه وغيره واللفظ له: "ساروا من الشأم حتى قدموا المدينة وعامل عليٍّ (ع) على المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري ففرَّ منهم أبو أيوب فاتى بالكوفة، ودخل بُسر المدينة قال: فصعد منبرَها ولم يقاتلْه بها أحد .. ثم قال: يا أهل المدينة والله لولا ما عهِد إليَّ معاوية ما تركتُ بها محتلما إلا قتلتُه ثم بايع أهل المدينة وأرسل إلى بنى سلمة فقال: والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله -الأنصاري- فانطلق جابر إلى أمِّ سلمة زوج النبي (ص) فقال لها: "ماذا ترين إنِّي قد خشيتُ أن أُقتل وهذه بيعة ضلالة" قالت: أرى أنْ تُبايع فإنِّي قد أمرتُ ابني عمر بن أبي سلمة أنْ يُبايع وأمرتُ ختني عبد الله بن زمعة .. فأتاه جابرُ فبايعه، وهدمَ بسر دوراً بالمدينة" وفي تهذيب الكمال وتاريخ مدينة دمشق: "وهدم بِسر دوراً كثيرة بالمدينة"(71).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: قال ابن يونس: بسر من أصحاب رسول الله (ص) شهد فتح مصر واختط بها وكان من شيعة معاوية، وكان معاوية وجَّهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين وأمَره أنْ يتقرَّا مَن كان في طاعة علي فيُوقِع بهم ففعل بمكة والمدينة واليمن أفعالاً قبيحة"(72).

وقال المسعودي في مروج الذهب: "وقد كان بسر بن أرطأة العامري -عامر بن لؤي بن غالب- قتَلَ بالمدينة وبين المسجدين خلقاً كثيراً من خزاعة وغيرهم"(73).

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: "روى عوانة عن الكلبي ولوط بن يحيى: أنَّ بسرا .. وكانوا إذا وردوا ماءً أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها، وقادوا خيولهم حتى يردوا الماء الآخر، فيردون تلك الإبل، ويركبون إبل هؤلاء، فلم يزل يصنعُ ذلك .. حتى دخلوا المدينة. قال: فدخلوها، وعامل عليٍّ (ع) عليها أبو أيوب الأنصاري، صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرج عنها هارباً، ودخل بسر المدينة، فخطبَ الناس وشتمهم وتهدَّدهم يومئذ وتوعَّدهم، وقال: شاهت الوجوه! .. ثم شتم الأنصار، فقال: .. أما والله لأوقعنَّ بكم وقعة تشفى غليل صدور المؤمنين وآل عثمان. أما والله لأدعنَّكم أحاديث كالأمم السالفة. فتهدَّدهم حتى خاف الناس أنْ يوقع بهم، ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى -ويقال إنَّه زوج أمه- فصعد إليه المنبر، فناشده .. فلم يزل به حتى سكن، ودعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه. ونزل فأحرق دورا كثيرة، منها دار زرارة بن حرون، أحد بنى عمرو بن عوف، ودار رفاعة بن رافع الزرقي، ودار لابن أبي أيوب الأنصاري ابن عبد الله الأنصاري .. فأقام بسر بالمدينة أياماً ثم قال لهم: إنِّى قد عفوت عنكم: وانْ لم تكونوا لذلك بأهل .. ولئن نالَكم العفو مني في الدنيا، إنِّى لأرجو ألا تنالكم رحمة الله عز وجل في الآخرة، وقد استخلفتُ عليكم أبا هريرة، فإيَّاكم وخلافة ثم خرج إلى مكة "(74).

قال ابن عبد البر في الإستيعاب: قال أبو عمرو الشيباني: "لمَّا وجّه معاوية بسر بن أرطاة الفهري لقتل شيعة عليّ .. فسار حتى أتى المدينة، فقتل ابني عبيد الله ابن العباس، وفرّ أهلُ المدينة، ودخلوا الحرّة حرّة بنى سليم .."(75).

هذا بعض ما أحدثه معاوية في مدينة الرسول (ص) اقتحمها بجيشه كما يفعل الغزاة، فأرعبَ أهلها وأخافَهم، وأذلَّهم، وهُم بقيةُ المهاجرين والأنصار وأبناؤهم الذين أعزَّهم الله تعالى بنبيِّه (ص) ثم نزا أميرُه على منبر الرسول (ص) فأخَذ يتهدَّدهم ويتوعَّدهم بالقتل والاستئصال حتى أخذ البيعة منهم لمعاوية قسراً، وهم بعدُ لا زالوا في عهد إمام المسلمين عليِّ بن أبي طالب (ع) ثم عاث في مدينة الرسول (ص) قتلاً ونهباً وسلباً لأموالهم وحرقاً وهدماً لدور فئةٍ منم وتشريداً لخيارٍ منهم.

ما أحدثه يزيد في مدينة الرسول (ص):

وأمَّا ما أحدثه يزيدُ بن معاوية في مدينة الرسول (ص) فهو أشهرُ من أنْ يحتاج إلى بيانٍ أو توثيق، فقد اجتاح يزيدُ بجيشٍ جرار قوامه اثنى عشر ألفاً -كما أفاد ابن الأثير في الكامل- بقيادة مسلم بن عقبة المرِّي اجتاح بهم مدينة الرسول (ص) سنة ثلاث وستين للهجرة في واقعةٍ شهيرة يُعبَّر عنها بواقعة الحرة، فأوقع في أهلها القتل الذريع حتى قال بعض المؤرِّخين: كأن لم يبق في المدينة بعدها مِن رجل، فلم يبقَ بعد واقعة الحرة بدريٌّ، وقُتل من قريش ومن المهاجرين والأنصار سبعمائة، وقُتل من سائر الناس عشرة آلاف بين رجل وامرأة وحرٍ وعبد، والكثير من هؤلاء قُتل صبراً أي كانوا يُؤخذون أخذاً فتُضرب أعناقهم، هذا وقد وصلت الدماء إلى الروضة الشريفة من المسجد النبويِّ الشريف فالتجأ الناس إلى الحجرة الشريفة التي فيها قبر الرسول (ص) وتعلَّق آخرون بمنبره واعتصم الكثير منهم في الروضة بين منبره وقبره فتعقَّبتهم عساكرُ أهل الشام فقتلوا الناس في الحجرة الشريفة وفي الروضة وعلى المنبر.

وأقحم مسلمُ بن عقبة المُرِّي -قائد الجيش اليزيدي- الجمال والخيول قبر رسول الله (ص) حتى روَّثت خيوله وجماله على قبر رسول الله (ص).

والأنكى من ذلك انَّ يزيداً أمر قائده مسلم بن عقبة المرِّي بأنْ يُبيح المدينة لجيش الشام بعد اجتياحها ثلاثة أيام، فأباحها لهم بعد أن تمكَّنوا من الهيمنة عليها، فكان من ذلك أنْ افتُضت -كما يذكر المؤرخون- ألف عذراء، وحبلت ألفُ امرأة من غير زوج، وكانوا يقتحمون على الناس بيوتهم فيسلبون نفائس أموالهم ويُتلفون ما لا يرغبون فيه منها.

ثم إنَّ مسلم نزا على منبر رسول الله (ص) وحمل الناس قسراً على البيعة ليزيد على أنَّهم عبيدٌ وخوَلٌ له، فمَن أبى منهم هذا النحو من البيعة أمر بضرب عنقه.

ثم بعد أنْ أنجَز مسلمُ بن عقبة المرِّي ما كُلِّف به في مدينة الرسول (ص) -وكان عليه بعدها أن يزحفَ إلى مكة- أرسل إلى يزيد يُبشِّره بإنجاز الأمر في المدينة قال: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله يزيد بن معاوية أمير المؤمنين من مسلم بن عقبة، سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله .. فإنِّي أُخبر أمير المؤمنين أبقاه الله، أنِّي خرجتُ من دمشق ونحن على التعبئة التي رأى أمير المؤمنين يوم فارقنا بالعافية، فلقينا أهل بيت أمير المؤمنين بوادي القرى، فرجع معنا مروان بن الحكم، وكان لنا عوناً على عدوِّنا .. وسلَّم اللهُ رجالَ أمير المؤمنين، فلم يُصب منهم أحد بمكروه، ولم يقم لهم عدوُّهم من ساعات نهارهم أربع ساعات، فما صلَّيتُ الظهر -أصلح الله أمير المؤمنين- إلا في مسجدهم، بعد القتل الذريع، والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا مَن أشرف لنا منهم، وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم، وانتهبناهم ثلاثا كما قال أمير المؤمنين .."(76).

هذا بعضُ ما أحدثه يزيدُ في مدينة الرسول الكريم (ص) عندما اجتاحها بجند الشام في الواقعة الشهيرة المعبَّر عنها بواقعة أو يوم الحرة، ولولا خشيةُ الإطالة لأفضنا الحديث في ذلك، ولكن يمكن المراجعة للمصادر المشار إليها في الهامش(77).

فبعد هذه العظائم والفظائع التي ارتكبها معاوية وابنه يزيد في مدينة الرسول (ص) أيسوغ لمنصفٍ التردَّدُ في أنَّهما أولى الناس باللعنِ الوارد على لسان النبيِّ الكريم (ص) في قوله (ص): "مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل" وقوله (ص): "فمَن أحدث فيها حدثا .. فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً .." وقوله (ص): "اللهمَّ مَن ظلمَ أهل المدينة وأخافهم فأخفْه، وعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل".

فإنْ كان ثمة من يستفزُّه هذا اللعن فليعرَّف بما ورد عن الرسول (ص) بالأسانيد الصحيحة والمتظافرة لدى الفريقين، وليعرَّف بالواقع الذي كان عليه معاوية ويزيد، فإنَّ المسلم إذا وقف على ذلك أذعن، وأمَّا المكابِر فلا شأن لنا به، ولا يستحقُّ منا- بعد تعريفه- الرعايةً لمشاعره فإنَّ هديَ الرسول (ص) هو الأحقُّ بأنْ يُتبع.

من أمَّر أحداً على المسلمين محاباةً:

وأمَّا ما ورد في لعن مَن وليَ من أمر المسلمين شيئاً فامَّر عليهم أحدًا محاباة فرواه الحاكم النيسابوري بسنده يزيد بن أبي سفيان قال: قال أبو بكر الصديق: قال رسول الله (ص): "مَن وليَ من أمر المسلمين شيئاً فامَّر عليهم أحداً محاباةً فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم". قال الحاكم النيسابوري تعليقاً على سند الحديث: هذا حديثٌ صحيحُ الاسناد ولم يخرجاه (78).

فإنَّ من أخطر القرارات التي يتَّخذها مَن له الأمر أو مَن صار له الأمر في شؤون المسلمين هو نصب الولاة والأمراء على الناس لِما لذلك من عظيم الأثر على دين الناس وثقافتهم وأمنِهم ومعائشهم ومطلقِ أحوالهم في حاضرهم ومستقبلهم، ولهذا استحقَّ المفرِّط في هذا الشأن والمؤمِّر على رقاب المسلمين رجالاً لا يدفعه لذلك سوى المحاباة لهم أو لعشائرهم استحقَّ مثل هذا المتولِّي لعنةَ الله تعالى على لسان نبيِّه (ص) واستحقَّ بأنْ لا يقبل اللهُ له توبة ولا عملاً صالحاً في شأنٍ آخر، فحقُّه على الله تعالى جهنمُ وبئس المصير.

وحيثُ كان الأمر كذلك فعلى أيِّ محملٍ يُصنَّف تنصيب معاوية ابنه يزيد خليفةً على رقاب المسلمين؟! ألم يكن شاباً نزقاً شأنُه اللَّهو والطرب ومعاقرةُ الخمر واللَّعبُ مع القيان وبالقرود والفهود كما وثَّق ذلك المؤرخون والمحدِّثون، ألم يجد معاوية مَن هو أجدر من ولده المتهتِّك بهذا الموقع الخطير؟! أم أنَّه لم يجد من هو أحظى عنده وأقرب إلى قلبه من فلذة كبده يزيد، إنَّها إذن المحاباة، وذلك هو ما دفعه -على غير رضىً من خيار الصحابة وأبنائهم- إلى أنْ يُوطِّأ له الصعاب ويُهيأ له الأسباب ويحمل الناس قسراً على مبايعته بولاية العهد غير عابئٍ بمصالح المسلمين ولا مكترثٍ بمحكمات الكتاب وهدي النبيِّ الكريم (ص)، ولهذا فهو مصداقٌ جليٌّ لقول النبي (ص): "مَن وليَ من أمر المسلمين شيئاً فامَّر عليهم أحداً محاباةً فعليه لعنةُ الله، لا يقبلُ الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم".

وكذلك فإنَّ من أمَّر معاوية على الشام ومكَّنه منها، فلم يعزله منذُ عيَّنه إلى أنْ مات فجاء الآخر فوسَّع من حدود ولايته فضمَّ إليه فلسطين وحمص والاردن فظلَّ والياً على عموم الشام الكبرى -من الفرات إلى البحر المتوسط-طيلة خلافته ثم حين آلت الخلافةُ الظاهرية لعليٍّ (ع) فبادر إلى عزله أبى لوثوقه من تمكُّنه وقدرته على التمرُّد والبغي على إمام زمانه فجرَّت حربُه على عليٍّ (ع) كلَّ مصيبةٍ في حاضر الإسلام ومستقبله، وصارت الخلافةُ مُلكاً عضوداً كلَّما مات هرقل قام هرقل يتوارثُها الأحفاد عن الأجداد، فأيُّ مصيبةٍ جرَّها على المسلمين مَّن ولَّاه هذا المنصب الخطير ومكَّنه فيه وقد كان من الطلقاء ومن المؤلَّفةِ قلوبهم، ألم يجد هذا الذي ولَّاه مَن هو أليقُ بهذا الموقع منه، ومدينةُ الرسول (ص) ملئى حينذاك بوجوه الصحابة وخيارهم من أصحاب السابقة والدين ومن أصحاب البأس والتجربة، ألم يكن تنصيب معاوية والياً على تلك البقعة الشاسعة والوازنة من حاضرة الإسلام نشأ عن محاباةٍ له ولبني أمية وللقرابة؟!

أليس ذلك من الخيانة التي حذَّر منها الرسول الكريم (ص) بقوله كما في المستدرك: "من استعمل رجلاً على عصابةٍ وفيهم مَن هو أرضى لله منه فقد خانَ الله ورسولَه والمؤمنين" هذا حديثٌ صحيح الاسناد ولم يخرجاه(79). وبمثل قوله (ص) كما في سُنن البيهقي: "من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنَّ فيهم أولى بذلك منه، وأعلم بكتاب الله وسنَّة نبيِّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين"(80) وبمثل قوله (ص) كما في صحيح البخاري: "ما مِنْ والٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِميِنَ فَيَمُوتُ وهْوَ غَاشٌّ لهُمْ، إلاَّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الجَنَّةَ"(81).

بل إنَّ تنصيب معاوية والياً وتمكينه منها -حتى أفضى ذلك إلى تسلُّطه على عموم رقاب المسلمين وهو من الطلقاء الذين ما فتئوا يُحاربون الله ورسوله (ص)- أشبه شيءٍ بما ضربَه الرسول (ص) مثلاً للمسلمين، كما في حديث حذيفة قال: "ضرب لنا رسول الله (ص) أمثالاً .. فضرب لنا رسول الله (ص) مثلاً وترك سائرها قال: "إنَّ قوماً كانوا أهل ضعفٍ ومسكنة قاتلهم أهل تجبُّرٍ وعداء فأظهر اللهُ أهلَ الضعف عليهم فعمدوا إلى عدوِّهم فاستعملوهم وسلَّطوهم فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه". رواه أحمد وفيه الأجلح الكندي وهو ثقة وقد ضعف، وبقية رجاله ثقات(82).

وبما ذكرناه يتَّضح أنَّ ثمة مَن لعنهم الرسول (ص) بأسمائهم وثمة من لعنهم الرسول الكريم (ص) وكذلك القرآن المجيد بصفاتهم وأنَّ أكثر هذه الصفات منطبقة تماماً على مَن لعنتهم زيارة عشوراء وسائر الزيارات المأثورة، فلا معنى للترُّدد في صدور هذه الزيارات عن أهل البيت (ع) لمجَّرد اشتمالها على لعن مَن لعنهم القرآن والرسولُ (ص) بأسمائهم وصفاتهم.

دعوى منافاة صدور اللعن للتقية:

وأمَّا الدعوى بأنَّ لعن هؤلاء لمَّا كان منافياً لمقتضى التقية فلازم ذلك عدم صدوره عن أهل البيت (ع) فجواب ذلك أنَّ المنافاة إنَّما تصحُّ لو كان اللعن مُعلناً في المحافل أو عند مَن يستفزُّه لعن هؤلاء لكنَّ الواقع لم يكن كذلك، فإنَّ من المُحرَز هو أنَّ أهل البيت (ع) لم يعلِّموا شيعتهم هذه الزيارات في الملاء العام، ولا يرتضون لهم قراءتها في الملأ العام الذي يستفزُّه مثل هذا اللعن، فلا تصحُّ دعوى منافاة أصل الصدور للتقية، وذلك لإمكان صدور اللعن منهم في ظرفٍ وموضعٍ لا يقتضي التقيه لخلوِّه ممَّن يستفزه هذا اللعن، فشأنُ اللعن شأنُ الكثير من الموضوعات المُحرَز صدورها عن أهل البيت (ع) في الأُصول والفروع رغم منافاتها للتقية لو كان صدورها في العلن وأمام مَن يُخشى من المجاهرة عنده بتلك الموضوعات.

فصدور اللَّعن ليس منافياً للتقية، والمنافي لها هو المجاهرة باللَّعن في محضر من يُخشى من اللَّعن عنده، ولذلك أوصى أهلُ البيت (ع) بلزوم الرعاية للتقية في مواطن التقية.

معنى: "إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين":

وأما التمسُّك لإثبات عدم صدور اللَّعن بما ورد في نهج البلاغة أنَّ عليَّاً أمير المؤمنين (ع) سمع قوماً من أصحابه يسبُّون أهل الشام أيام حربهم بصفين فقال لهم: "إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنَّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغَ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إيِّاهم. اللهمَّ احقنْ دماءنا ودماءهم، وأصلِحْ ذاتَ بيننا وبينهم، واهدهمْ من ضلالتهم حتى يعرِفَ الحقَّ مَن جهِلَه، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من له"(83).

فالجواب: أنَّ التمسك بهذه الرواية لنفي صدور مثل زيارة عاشوراء -المشتملة على اللعن- ليس تامَّاً فإنَّ ظاهر الرواية هو كراهة الإمام لشتم عوامِّ الناس وإنْ كانوا في معسكر العدو، فإنَّ مثل هؤلاء تُرجى هدايتهم، لذلك يكون الأولى هو تعريفُهم بالواقع الذي هُم عليه من الاصطفاف مع أهل البغي والعدوان، فإنَّ وصف حالهم وإيقافهم على مساوئ أعمالهم أبلغُ -كما أفاد الإمام- في العذر والإراءة للحجَّة، فلعلَّهم أو لعلَّ بعضهم يهتدي بذلك للحقِّ فيرعوي وينتهي عن الممالئة لأهل الباطل.

هذا هو ما يرمي إليه النصُّ المذكور، فإنَّ الواضح منه أنَّ أصحابه كانوا يشتمون عساكر أهل الشام، والعساكر غالباً ما يكونون من سوَقة الناس الذين يتَّبعون زعماء قبائلهم، ويرجون من مشاركتهم في الحرب الظفر بالمِنَح والعطايا من ساداتهم، وكثيراً ما يكونون واقعين تحت تأثير المضلِّلين من المتنسكِّين ووعاظ السلاطين، فالمناسب لأمثال هؤلاء هو الدعاءُ لهم بالهداية والرشاد، والمناسب لهم التوصيف لحالهم والواقعِ السيئ الذي هم عليه كما أنَّ المناسب لهم هو الوعظُ والتحذيرُ من التمادي في الممالئة لأهل البغي والعدوان" حتى يعرِفَ الحقَّ مَن جهلَه ويرعوي عن الغيِّ والعدوان" كما أفاد الإمام (ع). فمثل هؤلاء تُرجى هدايتهم،

وأمَّا أئمةُ الضلال والدعاةُ إلى النار وزعماءُ البغي والعدوان فهم يعرفون مظانَّ الحقِّ والهدى ولكنَّهم عن عمدٍ يقارعونه، وغايتُهم إطفاءُ نور الله تعالى والطمسُ لمعالم دينه، إذ لا تستقيم مصالحهم ولا يسعهم الاحتفاظ بوجاهتهم وسلطانهم إلا بمكابرة الحقِّ والانتصار للباطل والتضليلِ والتلبيسِ على رعاع الناس ليتَّخذوا منهم وقوداً لحربهم وقنطرةً يعبرون منها إلى مآربهم، فهؤلاء لم تكن الرواية الواردة في نهج البلاغة بصدد النهي عن ذمِّهم ولعنهم بل هي متصدِّية للتوصية بعدم السُباب لعوامِّ الناس من أجناد أهل الشام.

والذي يُؤيد ما ذكرناه رغم وضوحه مضافاً إلى نصوص القرآن والسنَّة الشريفة التي أوردنا عدداً منها، الذي يُؤيِّد ذلك هو ما نصَّ عليه المحدِّثون والمؤرخون من أنَّ علياً (ع) كان يلعنُ في قنوت الصلاة وبعد صلاتي الصبح والمغرب معاويةَ وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري وعدداً من قادة البغاة في المعسكر الأموي.

قال نصر بن مزاحم المنقري في كتابه وقعة صفين: وكان عليٌّ (ع) إذا صَّلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول: "اللهمَّ العَنْ معاوية، وعمرا، وأبا موسى، وحبيب بن مسلمة، والضحاك بن قيس، والوليد بن عقبة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد"(84).

وفي أنساب الأشراف للبلاذري -وغيره كثير- قال: فكان عليٌّ إذا صلَّى الغداة قنتَ فقال: "اللهمَّ العنْ معاويةَ وعمراً وأبا الأعور، وحبيبَ بن مسلمة، وعبدَ الرحمن بن خالد بن الوليد، والضحاكَ بن قيس، والوليد بن عقبة"(85).

وبما ذكرناه يتَّضح أنَّ التقية وكون اللعن مرجوحاً في بعض الموارد لا ينفيان صدور اللَّعن في مثل زيارة عاشوراء، وذلك لأنَّ من لُعنوا في هذه الزيارة مستحقُّون لِلَّعن، وقد اقتضى المِلاك الشرعي برجحان لعنهم ولزومِ البراءة منهم، وهو غير منافٍ للتقية، وذلك لإحراز أنَّ هذه الزيارة وشبهها لم تصدرْ عن أهل البيت (ع) في المحافل العامَّة التي يستفزُّها لعن هؤلاء، ولم تصدر في محضر مَن يُخشى مِن اللعن لهؤلاء عنده، ولا يرتضي أهلُ البيت (ع) الجهر بلعن هؤلاء عند مَن يُغيظُه اللَّعن لهم بل المناسب مضافاً إلى لزوم الكفِّ عن لعنِهم عند من يستوحش مِن لعنِهم هو التصدي لبيان الحقائق كما هي، ثم على المتلقِّي تحكيمُ عقله ودينِه وضميرِه.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- نهج البلاغة -خطب الإمام علي (ع)- ج2 / ص185.

2- سورة القصص / 32.

3- سورة طه / 24.

4- سورة الجمعة / 5.

5- سورة المائدة / 60.

6- سورة المائدة / 175-176.

7- سورة التوبة / 28.

8- سورة المدثر / 50-51.

9- سورة الفرقان / 43-44.

10- سورة التوبة / 96.

11- سورة التوبة / 66.

12- سورة المنافقون / 1.

13- سورة التوبة / 64.

14- سورة المجادلة / 22.

15- سورة ص / 78.

16- سورة المائدة / 64.

17- سورة البقرة / 159.

18- سورة المائدة / 78.

19- سورة النساء / 155.

20- سورة هود / 18.

21- سورة النساء / 46-47.

22- سورة النور / 23-24.

23- سورة الأحزاب / 60-61.

24- سورة الأحزاب / 57.

25- سورة القصص / 41-42.

26- سورة محمد / 22-23.

27- سورة الرعد / 25.

28- سورة آل عمران / 61.

29- سورة الأعراف / 44.

30- سورة غافر / 52.

31- سورة الأعراف / 44.

32- سورة الرعد / 25.

33- سورة محمد / 22-23.

34- مسند أحمد بن حنبل ج3 / ص91، صحيح البخاري ج3 / ص207، صحيح ابن حبان ج15 / ص554.

35- سورة القصص / 41-42.

36- سورة البقرة / 159.

37- سورة آل عمران / 61.

38- سورة التوبة / 74.

39- سورة الأحزاب / 57.

40- سورة ص / 24.

41- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص479.

42- سورة الأحقاف / 17.

43- السنن الكبرى -النسائي- ج6 / ص456.

44- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص481.

45- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص481.

46- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص481.

47- الدر المنثور -السيوطي- ج4 / ص191.

48- عمدة القاري على شرح صحيح البخاري -العيني- ج19 / ص30.

49- سورة الإسراء / 60.

50- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

51- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

52- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

53- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

54- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص480.

55- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج10 / ص71.

56- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص480.

57- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج5 / ص244.

58- عذاب القبر -البيهقي- ج7 / ص265.

59- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج1 / ص36.

60- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص90.

61- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج1 / ص122.

62- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج7 / ص205.

63- روى الحديث الأول أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن أبي هريرة ج2 / ص442، ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وقال: هذا حديث حسن وقال: له شاهد عن زيد بن أرقم وذكر النص الثاني وسنده إليه ج3 / ص149، ووصفه الألباني في صحيح الجامع الصحيح بالحسن ج1 / ص69 (14662)، ورواه ابن حبان في صحيحه ج15 / ص434.

64- مسند أحمد بن حنبل ج1 / ص81، صحيح البخاري ج4 / ص67، صحيح مسلم ج4 / ص115، سنن الترمذي ج3 / ص297، سنن البيهقي ج5 / ص196، السنن الكبرى للنسائي ج2 / ص486.

65- السنن النسائي -النسائي- ج2 / ص483.

66- مسند أحمد -الإمام أحمد بن حنبل- ج4 / ص55.

67- السلسلة الطويلة -الألباني- ج6 / ص170.

68- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج3 / ص306.

69- الترغيب والترهيب -المنذري- ج2 / ص232.

70- تاريخ اليعقوبي -اليعقوبي- ج2 / ص197.

71- تاريخ الطبري ج4 / ص107، الأستيعاب -ابن عبد البر- ج1 ص162، الثقات -ابن حبان- ج2 / ص200، تاريخ دمشق -ابن عساكر- ج10 / ص153، تهذيب الكمال -المزي- ج4 / ص65، المنتظم في تاريخ الامم ج5 / ص162، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج3 / ص383، البداية والنهاية -ابن كثير- ج7 / ص356، الوافي بالوفيات ج10 / ص82.

72- تهذيب التهذيب -ابن حجر- ج1 / ص381، تهذيب الكمال -المزي- ج4 / ص61، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج10 / ص145.

73- مروج الذهب -المسعودي- ج3 / ص22.

74- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج2 / ص11، الغارات -إبراهيم الثقفي الكوفي- ج2 / ص607.

75- الإستيعاب -ابن عبد البر- ج1 / ص160، الوافي بالوفيات ج10 / ص81.

76- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص24.

77- تاريخ الطبري ج4 / ص372، أنساب الأشراف -البلاذري- ج5 / ص333، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج6 / ص13، الكامل في التاريخ -ابن أثير- ج4 / ص112، الأمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص231، البداية والنهاية -ابن كثير- ج1 / ص261، ج8 / ص242، الفتوح -ابن أكثم- ج5 / ص159، تاريخ خليفة بن خياط ص118، الأخبار الطوال -الدينوري- ص265، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص321، تاريخ اليعقوبي ج2 / ص251، التنبيه والإشراف -المسعودي- ص264، تجارب الأمم -أحمد بن محمد بن مسكويه الرازي- ج2 / ص85، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص23، امتاع الاسماع -المقريزي- ج12 / ص245، تاريخ الخلفاء -السويطي- ص228. وغيرها الكثير.

78- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص93.

79- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص92.

80- سنن البيهقي -البيهقي- ج10 / ص118.

81- صحيح البخاري -البخاري- ج8 / ص107.

82- مسند أحمد -الإمام أحمد بن حنبل- ج5 / ص407.

83- نهج البلاغة -خطب الإمام علي (ع)- ج2 / ص185.

84- وقعة صفين -نصر بن مزاحم المنقري- ص552.

85- انساب الأشراف ج2 / ص351، الطبري ج4 / ص52، الكامل -ابن الأثير- ج3 / ص333، تاريخ ابن خلدون ج2 / ص178، شرح النهج -ابن ابي الحديد- ج2 / ص260، ج13 / ص315، الغارات -محمد بن ابراهيم الثقفي الكوفي- ج2 / ص641، ولاحظ الدراية في تخريج أحاديث الهداية -ابن حجر- ج1 / ص196، نصب الراية -الزيلعي- ج2 / ص147.