من الذي صلَّى على جثمان النَّبيِّ الطَّاهر (ص)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

من الذي صلَّى على الجثمان الطاهر للنبيِّ الأكرم محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

 

الجواب:

الثابتُ عندنا أَّن أوَّل مَن صلَّى على جثمان رسول الله (ص) هو الإمامُ عليٌّ (ع) بعد أنْ قام هو بتغسيلِه وتحنيطِه وتكفينِه ثم أذِنَ للصحابة في الدخول إلى الحجرة الشَّريفة للصلاةِ عليه، فكان يُدخِل فوجًا فوجًا أو عشرة عشرة فيُصلُّون عليه فُرادى ثم يخرجون ليدخل غيرُهم، وكان عليه السلام يقول: إنَّ رسولَ الله إمامٌ حيًّا وميِّتًا.

 

ورد في الكافي بسندٍ صحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: "أتى العباسُ أميرَ المؤمنينَ (ع) فقال: يا علي إنَّ الناس اجتمعوا أنْ يدفنوا رسولَ الله (ص) في بقيع المصلَّى وأنْ يؤمَّهم رجلٌ منهم، فخرج أميرُ المؤمنين (ع) إلى الناس فقال: يا أيُّها الناسُ إنَّ رسولَ الله (ص) إمامٌ حيًّا وميِّتًا وقال: إنِّي أُدفنُ في البقعةِ التي أُقبضُ فيها، ثمّ قام على الباب فصلَّى عليه ثم أمرَ الناسَ عشرةً عشرة يُصلُّون عليه ثم يخرجون"(1).

 

وورد في كتاب إعلام الورى للطبرسي رحمه الله نقلًا عن كتاب أبان بن عثمان قال: "حدَّثني أبو مريم عن أبي جعفرٍ الباقر (ع) وذكر حديثَ تجهيزِ رسولِ الله (ص) إلى أنْ قال: قال الناسُ كيف الصلاةُ عليه؟ فقال عليٌّ (ع): إنَّ رسولَ الله إمامُنا حيًّا وميِّتًا، فدخلَ عليه عشرةٌ عشرة فصلَّوا عليه يوم الإثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء، صلَّى عليه كبيرُهم وصغيرُهم ذكرُهم وأُنثاهم وضواحي المدينة بغير إمام"(2).

 

وورد عن عليِّ بن موسى بن طاووس في كتاب الطرف عن عيسى المُستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) عن أبيه (ع) قال: "كان فيما أوصى به رسولُ الله (ص) أنْ يُدفن في بيتِه ويُكفَّن بثلاثةِ أثوابٍ أحدها يَمان، ولا يدخل قبرَه غيرُ عليٍّ (ع) ثم قال: يا عليُّ كنْ أنت وفاطمة والحسن والحسين وكبِّروا خمسًا وسبعين تكبيرةً، وكبِّرْ خمسًا وانصرف، وذلك بعد أنْ يُؤذنَ لك في الصَّلاة، قال عليٌّ (ع): ومَن يأذنُ لي بها؟ فقال (ص): جبرئيلُ يُؤذنُك بها، ثم رجال أهل بيتي يُصلُّون عليَّ أفواجًا أفواجًا ثم نساؤهم ثم الناس بعد ذلك قال (ع): ففعلتُ"(3).

 

كيفيَّة الصلاة على النبيِّ (ص):

هذا ويظهرُ من بعض الروايات المعتبرة أنَّ صلاة المسلمين من الصحابة ونسائهم كانت بنحو الدعاء له والدوران حول جثمانه الشريف، فلم يُصلِّ على النبيِّ (ص) الصلاة المعهودة سوى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وأضافت بعضُ الروايات سلمانَ الفارسي وأباذر والمقداد، وأمَّا سائر المسلمين فكانوا يدخلون عليه فوجًا فوجًا فيتحلَّقون حول جثمانِه الطاهر ويقفُ أميرُ المؤمنين (ع) في وسطِهم فيُلقِّنهم ما يدعون به.

 

ورد ذلك في مثل صحيحة أبي مريم الأنصاري قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كُفِّن رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) في ثلاثةِ أثوابٍ -إلى أنْ قال:- قلتُ: وكيف صُلِّي عليه؟ قال: سُجِّيَ بثوبٍ وجُعل وسطَ البيت، فإذا دخلَ قومٌ داروا به وصلُّوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخلُ آخرون"(4).

 

وأورد الكليني الرواية -بتفصيلٍ أكثر- بسنده عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قُلْتُ لَه كَيْفَ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ (ص) قَالَ: "لَمَّا غَسَّلَه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وكَفَّنَه سَجَّاه ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْه عَشَرَةً فَدَارُوا حَوْلَه ثُمَّ وَقَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي وَسَطِهِمْ فَقَالَ: ﴿إِنَّ الله ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فَيَقُولُ الْقَوْمُ كَمَا يَقُولُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْه أَهْلُ الْمَدِينَةِ وأَهْلُ الْعَوَالِي"(5).

 

وأورد الشيخ المفيد في الأمالي بسنده عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفرٍ محمد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام) قال: لمَّا فرغ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) من تغسيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتكفينه وتحنيطه أذِنَ للناس وقال: ليَدخلْ منكم عشرة عشرة ليصلُّوا عليه، فدخلوا وقام أميرُ المؤمنين (عليه السلام) بينه وبينهم و قال: ﴿إِنَّ الله ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾" وكان الناس يقولون كما يقول. قال أبو جعفر (عليه السلام): وهكذا كانت الصلاةُ عليه صلَّى الله عليه وآله"(6).

 

والظاهر عدم منافاة ما ورد من كيفيَّة صلاة المسلمين على جثمان الرسول (ص) وأنَّها كانت نحواً من الدعاء ولم تكن الصلاة المعهودة، الظاهرُ عدم منافاة ذلك مع ما ورد من أنَّ المسلمين كانوا يدخلون أفواجًا فيصلُّون ويخرجون، فإنَّ جملة " يُصلُّون" وإنْ كانت ظاهرةً بدْوًا في الصلاة المعهودة إلا أنَّ هذا الظهور لا يستقرُّ بعد تصدِّي الروايات الأخرى لتفسير كيفيَّة الصلاة وأنَّها كانت نحواً من الدعاء ولم تكن الصلاة المعهودة.

 

هذا ويمكن تأييد هذا الجمع ببعض ما ورد من طُرق العامَّة من أنَّ الصلاة على جثمان النبيِّ الكريم (ص) من قِبل المسلمين لم تكن أكثر من التسليم والدعاء(7).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص451.

2- إعلام الورى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص270.

3- وسائل الشّيعة -الحر العاملي- ج3 / ص83.

4- وسائل الشّيعة -الحر العاملي- ج3 / ص85.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص450.

6- الأمالي -الشيخ المفيد- ص32.

7- لاحظ: الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج2 / ص291 قال: أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي قال لما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السرير قال علي ألا يقوم عليه أحد لعله يؤم هو إمامكم حيا وميتا فكان يدخل الناس رسلا رسلا فيصلون عليه صفا صفا ليس لهم إمام ويكبرون وعليٌّ قائم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لامته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه فيقول الناس آمين آمين حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان".

ولاحظ أيضاً: الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج2 / ص290، الاستذكار -ابن عبد البر- ج3 / ص54.