النظر للمرأة الأجنبيَّة ولمسها للعلاج

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

لم يختلف الفقهاءُ في جواز النظر إلى الأجنبيَّة أو لمسها لغرض العلاج إذا اضطرت إليه كما لو كان عدم العلاج من المرض يُوجب وقوع المرأة في الضرر أو الحرج الشدِّيدين والذَين لا يُتحمَّلان عادةً، ولم يكن من الممكن تصدّي النساء لمعالجتها.

فحينئذٍ يجوز للرجل البصير بالعلاج التصدِّي لمعالجة المرأة الأجنبيَّة وإنْ اقتضى ذلك النظر واللَّمس، نعم إذا كان من الممكن معالجتها بالنظر دون اللَّمس كان اللَّمس حينئذٍ محرَّماً، وهكذا العكس، أي لو كان مِن الممكن معالجة المرأة بواسطة اللَّمس دون النظر فحينئذٍ يكون النظر محرَّماً.

ويُمكن أنْ يُستدلَّ لذلك بمعتبرة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: سألتُه عن المرأة المسلمة يُصيبُها البلاءُ في جسدِها، إمَّا كسرٌ وإمَّا جرحٌ في مكان لا يصلحُ النظرُ إليه، يكون الرجلُ أرفقُ بعلاجه من النساء، أيصلحُ له النظرُ إليها؟ قال (ع): "إذا اضطَّرت إليه فليُعالجْها إنْ شاءت"(1).

فالقدر المتيقَّن من مدلول الرواية هو أنَّ المرأة المُصابة بمرضٍ إذا اضطَّرت للعلاج بنحوٍ يكون عدمُه موجباً للوقوع في الضرر أو الحرج الشديدَين ولم يكن من النساء مَن تتمكَّن من التصدِّي لمعالجتِها فحينئذٍ يجوزُ للرجل البصير بالعلاج النظرُ إلى تلك المرأة لغرض علاجها، ولأنَّ العلاج قد يستلزم اللمس -كما في بعض الجروح والكسور- لذلك فالظاهرُ من المعتبرة جواز اللمس في الفرض المذكور أي المستلزم للمس دون غيره، إذ مع عدم الملازمة لا تكون المرأة مضطَّرة لأنْ تُلمس. وحينذٍ يكون المتعيّن هو التمسُّك بعموم حرمة اللمس للمرأة الأجنبيَّة وهكذا الكلام بالنسبة للنظر.

وفي المقابل ذهب بعضُ الفقهاء إلى أنَّ جواز النظر واللمس منوطٌ باضطرار المرأة للعلاج فحسب دون اعتبار عدم وجود امرأةٍ قادرة على التصدِّي لعلاجها، فلو فُرض أنَّ المرأة اضطرت للعلاج فإنَّ ذلك وحده كافٍ لجواز عرض نفسِها على الطبيب إذا كان هو أرفقَ بها من الطبيبة، وليس ثمة من حاجةٍ لافتراض عدم وجود طبيبةٍ قادرة على علاجها، نعم لو كانت الطبيبةُ أكثر كفاءةً من الطبيب أو كانت مكافئة له فإنَّه لا يجوز لها حينئذٍ أنْ تعرض نفسَها على الطبيب الرجل.

ومدركُ هذا المبنى هو نفس معتبرة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) نظراً لإطلاقها وعدم اشتمالها على ما يقتضي تُقييد الجواز بعدم وجود المرأة الطبيبة بل ورد في سؤال السائل افتراض أنَّ الطبيب أرفقُ بالمريضة وذلك يُعبِّر عن أنَّ المراد من الاضطرار الوارد في جواب الإمام (ع) إنَّما هو الاضطرار للعلاج مطلقاً، وليس هو الاضطرار لعلاج الرجل إلا إنَّ الصحيح ما ذكرناه أولاً، وذلك لعدم تحديد متعلَّق الاضطرار في جواب الإمام (ع) ومن الواضح أنَّ افتراض وجود الطبيبة القادرة على العلاج ينفي تحقُّق الاضطرار للمرأة.

ولو أراد الإمام (ع) الجواب عن فرضيَّة السائل لكان المناسب أن تكون الإجابة بنعم أو شبهه دون الحاجة إلى افتراض الاضطرار وبعده الحكم بالجواز، فكأنَّ الإمام (ع) عدلَ عن فرضيَّة السائل، وتصدَّى لبيان الفرضية التي يجوزُ في موردها عرضُ المرأة نفسَها على الطبيب.

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّه لا يجوز للمرأة أنْ تعرضَ نفسها على الطبيب لو اضطَّرت للعلاج إلا في فرض عدم وجود امرأةٍ قادرةٍ على التصدِّي لعلاجها.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

9 / شعبان / 1425هـ


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص534.