أصالة عدم النقل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل ترون أصالة عدم النقل في اللغة؟ 

الجواب:

أصالةُ عدمِ النقل -المعبَّر عنها بأصالة الثَبَات في اللُّغة- من الأصول العقلائيَّة المقتضية للبناء على أنَّ مدلول اللفظ المُستفاد فعلاً من اللَّفظ هو عينُه المدلول المُستفاد منه في زمن صدور النصِّ وأنَّه لم يطرأ ما يقتضي تبدُّل المدلول للفظ إلى مدلولٍ آخر، فما يُستفاد منه فعلاً هو عينُ ما كان يُستفادُ منه في زمن صدور النصِّ ما لم يقم دليلٌ خاصٌّ على أنَّ ما يُستفاد مِن هذا اللفظ فعلاً مختلفٌ عمَّا كان يُستفاد منه قبلاً، فإذا قام دليلٌ خاصٌّ على ذلك كان هو المُعتمَد وإلا فأصالةُ الثبات في اللَّغة مقتضيةٌ للبناء على بقاء المدلول اللُّغوي للفظ على ما هو عليه المدلول فعلاً.

ومنشأ هذا الأصل العقلائي هو سيرةُ العقلاء وأهل المحاورة على ذلك، فهم يتعاملون مع النصوص الصادرة في العصور المتقدِّمة على أساس ما يُستفاد من مداليل ألفاظها في هذا الزمن، لذلك فهم يحتجُّون بها ويُرتِّبون عليها الأثر دون توقُّف واعتناء باحتمال تبدُّل مداليلها إلى مدلولاتٍ أخرى.

فهم يفهمون النصوص التأريخيَّة على أساس ما يُستفاد من مدلولات ألفاظِها فعلاً، ويفهمون الوصايا والأمثال والشعر والخطب والمحاورات على هذا الأساس، ولولا ذلك لانسدَّ باب المعرفة بمجمل التأريخ وعلوم القدماء والآداب لأنَّ الطريق الوحيد للوقوف على ذلك هو النصوص الواردة عنهم.

على أنَّه لو تمَّ البناء على عدم صحَّة أصالة عدم النقل لَما أمكن الاستفادة من ظواهر القرآن الكريم والسنَّة الشريفة لاحتمال أنَّ ما يُستفاد منها فعلاً مخالفٌ لما هو المُراد منها واقعاً، وبه ينسدُّ بابُ المعرفة بالتشريع الإسلامي.

والمتحصَّل أنَّ كلَّ لفظٍ له مدلولٌ محدَّدٌ عند أهل اللُّغة والمتكلِّمين بها لو احتُمل أنَّ هذا المدلول المُستفاد منه فعلاً مختلفٌ عمَّا كان يُستفادُ منه قبلاً فإنَّ البناء العقلائي قائمٌ على إلغاء هذا الاحتمال وعدم الاِعتداد به ما لم يثبُتْ بالدليل طروء التبدُّل في المعنى من هذا اللفظ.

فعلى هذا الأساس يتمُّ الاحتجاج بالنصوص وشرحها للتعرُّف على مراداتِ مَن صدرت عنهم، وعلى هذا الأساس تقوم الترجمة لهذه النصوص إلى لُغاتٍ أخرى وهكذا. 

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور