معنى قوله: "المتقدِّم لهم مارِق"

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو المعنى المقصود من الفقرة الورادة في الدعاء الشعباني المشهور: "المتقدِّمُ لهم مارقٌ، والمتأخِّر عنهم زاهقٌ، واللازمُ لهم لاحق"(1) وكيف يكون الإنسان متقدِّماً لأهل البيت فيكون مارقاً؟

 

الجواب:

هذه الفقرة من دعاءٍ للإمام زين العابدين (ع) كان يدعو به في زوال كلِّ يومٍ من أيام شعبان.

 

المراد من قوله: "المُتقدِّم لهم مارق"

هو بيان حال المتجاوز لأهل البيت (ع) الذي يتقدَّم عليهم، ويتقمَّص موقعهم، ويتنكَّر لولايتِهم وإمامتِهم ويتعدَّى على حقوقِهم ويدعو لمنابذتِهم ومخالفتِهم، فمثلُ هذا يكون بحكم المارق الذي يدخلُ في الشيءِ من جهةٍ فلا يلبثُ حتى يخرجَ من جهةٍ أخرى، فوصفُ مثله بالمارق تشبيهٌ له بالسهم الذي يمرُقُ من الرميَّة -الصيد- فلا يستقرُّ فيها بل ينفذُ فيها من جهةٍ ثم يخرجُ سريعاً من الجهة الأخرى، وفي ذلك إشارةٌ إلى مارواه الفريقان عن النبيِّ الكريم (ص) في وصف الخوارج انَّهم: "يمرُقونَ من الدِّين كما يمرقُ السهمُ من الرميَّة" فالسهمُ المارق هو السهمُ الذي يُصيب الرميَّة فينفذُ في جسدِها ولكنَّه لا يستقرُّ فيه بل يخرجُ منه ويتجاوزُه، كذلك هم الخوارج، فهم وإنْ كانوا قد دخلوا في الدين ولكنَّهم بخروجهم على أمير المؤمنين (ع) قد خرجوا من الدين حكماً وتجاوزوه كما يخرجُ السهمُ المارقُ من الطرف الآخر للرميَّة .

 

فالمشبَّه في الحديث الشريف هم الخوارج وفي الدعاء المأثور هو المتجاوز لأهل البيت (ع) والمشبَّه به هو السهمُ المارق الذي يُصيبُ الرميَّة فلا يستقرُّ فيها بل يخرجُ منها ويتجاوزُها، ووجه الشبه هو أنَّ كلاً من السهم المارق والمتجاوزِ لأهل البيت (ع) لا يستقرُّ في الشيء الذي دخل فيه بل يخرجُ منه ويتجاوزُه، فالسهمُ المارق يخرج من الرميَّة ويتجاوزُها، والخارجُ على أهل البيت (ع) يخرجُ حكماً من الدين ويتجاوزُه .

 

والمراد من قوله: "المتأخِّر عنهم زاهق"

هو بيان حال الذين لا يدينون بولاية أهل البيت (ع) ولا يُقرِّون بإمامتِهم، ولا يهتدون بهدْيهِم، ولا يعتقدون قولَهم ولا يُؤدُّون إليهم حقَّهم الذي فرضَه اللهُ تعالى لهم، فمَن كان هذا شأنُه كان زاهقاً أي كان هالكاً. وفي ذلك إشارةٌ إلى قولِه (ص): "أهلُ بيتي فيكم كسفينةِ نوحٍ من ركِبها نجا ومن تخلَّف عنها هلك" فالمتأخِّرُ عن أهل البيت (ع) هو المُتخلّف عنهم فهو زاهقٌ بمعنى هالك. كما هو معنى الزهوق في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ أي كان هالكا .

 

وبما ذكرناه يتَّضح معنى قوله (ع): "واللازمُ لهم لاحق" أي المُلتزِم بولايتِهم وطاعتِهم مُدرِكٌ للنجاة، فهو لاحقُ بركبِهم ومَن كان في ركبِهم كان في الناجين. أو قل هو لاحقٌ بذاتِ المصير الذي يصير إليه أهلُ البيت (ع) يوم القيامة وهو الفَوز والنجاة 

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص300.