تفوُّق الرجل على المرأة في الميراث

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

 

﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾(1)، هذه الآية الشريفة اتَّخذ منها البعض مدخلاً للطعن على الإسلام, حيثُ ادَّعى أنَّها تُعبِّر عن انتقاص الإسلام لشأن المرأة وإلا فما هو مبرِّرُ الحكم بتفوُّق نصيبِ الرجل على نصيب المرأة في الميراث.

 

والجواب عن هذه الإشكالية يتَّضح عندما نتعرَّف على الحكمة من توزيع الحُصص بهذا النحو، فنقول:

 

الأموال في المنظور الإسلامي:

إنَّ الإسلام ينظرُ إلى الأموال على أنَّها وسيلةٌ من وسائل تنظيم شؤون المعاش، وطريق لتأمين ما يحتاجه الإنسان من مؤنٍ وسكن ولباسٍ وعلاج وغير ذلك ممَّا تقتضيه شؤون المعاش، فليس للمال قيمةٌ في ذاته لولا ما يترتَّب عليه من آثار, كما أنَّه ليس لتملُّكه خصوصيَّة لو كان الإنسان قادراً على الاستفادة منه دون تملك.

 

ولمَّا أصبح الإنسان وقد انحرفت به الغفلة عن هذه الرؤية وأضحى المال أكبرَ غاياته وجدناه يخبط خبطَ عشواء من أجل جمعِه وتكديسه لينصرف بذلك عن الغاية المثلى لهذه الحياة وليقع بذلك وسط ركام من الجشع تحولُ بينه وبين كلِّ القيم الإنسانية, فلا يعرف الرحمةَ والشفقة، ولا يفهم معنى المودَّة والألفة, ولا يستمرئ معاني الخير والبرِّ والإحسان, وكلُّ ما في أُفقه وخاطره هو أنْ يجمع المال ويزداد ثراء. فلا يعنيه عناء المحرومين ولا تُحرِّك مشاعره أنات الثكالى والمُعدَمين بل لا يُبالي أن يكون هو مصدر عنائهم وبلواهم, فلا يقف به الجشعُ عند حدِّ الجمع الذي لا يُنافي حقوق الآخرين بل يحدو به إلى أن يبتزَّ ما في أيدي الناس بالقوَّةِ والقهر وبالاحتيال والمكر، وعلى خلفيَّة ذلك تقوم الحروب الطاحنة وتنعقد التحالفات المقيتة بين الأقوياء ليسلبوا أقوات الفقراء.

 

كلُّ ذلك نشأ عن انحراف الإنسان عن الرؤية الإلهيَّة للمال وعن كيفيَّة التعاطي معه، ولأنَّ الأمر كذلك أصبح يُحاكِم الكيفية الإلهية للتعاطي مع المال بالطريقة المناسبة للرؤية الملتوية والتي تعتبِر المال غايةً يتوسَّل لتحصيلها بكلِّ وسيلة. وهذا هو منشأ الإشكالية التي صدَّرنا بها الحديث وهو اعتبار الحكم بتفوُّق نصيب الرجل على نصيب المرأة في الميراث دليلاً على انتقاص الإسلام لشأن المرأة.

 

فتلاحظون أنَّ هذه الإشكاليَّة نشأت عن الإيمان بأنَّ لملكية المال قيمة ذاتيَّة، وأنَّه مهما استفاد الإنسان من المال في قضاء جميع حوائجه فإنَّه ما لم يملكه فهو محرومٌ منه و إلا فلو أعتبر المال وسيلةً لتحصيل المؤن وتنظيم شؤون المعاش فإنَّ هذه الإشكالية تغدو ساقطة، وذلك عندما نقف على الأحكام التي فرضتها الشريعة في ما يتَّصل بكيفية صرف المال ومَن الذي وُضعت على كاهلِه هذه المسؤوليَّة.

 

المسئولية الماليَّة المناطة بالرجل:

فالرجل عندما يكون زوجاً فإنَّه المسئول عن تدبير المهر والنفقة والسكن والعلاج للزوجة، وهكذا سائر الاحتياجات التي تقتضيها شؤون المعاش، وليس على الزوجة أنْ تُنفق من أموالها شيئاً حتى لو كانت أكثر ثراءً من زوجها. وإذا لم يكن للزوج مالٌ فإنَّه لا تسقط عنه النفقة على زوجته الثريَّة فضلاً عن الفقيرة بل يلزمه تحصيل المال بواسطة التكسُّب، وإذا تعذَّر عليه ذلك كانت النفقة دينًا في ذمته لزوجته. وعندما يكون الرجل أباً فإنَّه المسئول عن أولاده في ما يرتبط بقوتهم ولباسهم وعلاجهم وسكنهم وأجرة تربيتهم وتعليمهم(2).

 

وعندئذٍ فما يحصل عليه الولد من نصيبٍ مضاعف فإنَّه لا يختصُّ به إلا اعتبارًا وأمَّا واقعًا فهو مسئول عن صرف جزءٍ كبيرٍ منه على المرأة والتي هي الزوجة والأم والبنات والجدَّات، وأمَّا البنت فإنَّها وإنْ كانت تستحقُّ نصف ما للولد من نصيب إلا أنَّها لا تصرف أكثره إلا فيما ما يتَّصل بشؤونها الخاصَّة، وإذا اتَّفق أنْ كانت هذه البنت زوجة -وغالباً ما يتَّفق ذلك- فإنَّها لن تحتاج لصرف شيءٍ من نصيبها. وهذا ما يجعل المال بلا مصرفٍ يذكر، وإذا استثمرته فإنَّ أرباحه لن تكون لغيرها، فالمرأةُ وإنْ كانت ترثُ ثلثَ مجموع المال إلا أنَّها تستفيد من ثلثي المجموع، والرجلُ وإنْ كان يرثُ ثلثي المجموع إلا أنَّه لا يستفيد إلا من ثلثِه.

 

تفوُّق نصيب المرأة:

هذا بالإضافة إلى أنَّه ليس من الصحيح القول بأنَّ المرأة ترثُ دائماً نصفَ ما للرجل من نصيب فإنَّها كثيراً ما تتفوَّق أو تتساوى مع الرجل فيما يستحقُّه من نصيب. ولتوضيح ذلك نذكر مجموعة من الأمثلة:

 

الأول: لو لم يكن للميِّت إلا أم وأخوة أو أجداد وأعمام أو أخوال فإنَّ الأم والتي هي امرأة تستأثر بتمام الميراث، ولا يستحقُّ الإخوة والأجداد ولا غيرهم أيَّ شيءٍ من التركة. وهكذا لو كان للميِّت بنتٌ وإخوة أو أعمام وأجداد فإنَّ الميراث كلَّه للبنت أو البنات.

 

الثاني: لو كان للميِّت أختٌ لأبوين وكان له أخوةٌ لأب دون الأم فإنَّ الميراث كلَّه للأخت من الأبوين دون الأخوة من الأب.

 

الثالث: لو كان للميِّت زوجٌ وبنت فإنَّ للزوج الربع وهو رجل والباقي كلُّه للبنت، ولو كان للميِّت زوجٌ واخت فإنَّ لكلٍّ منهما نصفَ التركة. أي أنَّ الرجل يتساوى مع المرأة في هذا الفرض.

 

الرابع: لو كان للميِّت أبوان مع بنتين فإنَّ لكلٍ من الأبوين السدس وللبنتين الثلثان بالتساوي، وهذا معناه أنَّ الأب يتساوى مع الأم في النصيب ويأخذ أقلَّ من كلِّ واحدة من نصيب البنتين، لأنَّ لكل واحدةٍ منهما الثلث، فنصيب كلِّ بنت ضعف نصيب أبيها.

 

الخامس: لو كان للميِّت عمةٌ وخال، ولم يكن له غيرهما فإنَّ للعمة الثلثين وللخال الثلث، وهذا معناه أنَّ نصيب الأنثى في هذا المورد ضعف نصيب الرجل. وهكذا لو كانت للميِّت ابنة عمة وكان له ابن خال أو أبناء خال ولم يكن له وارث غيرهما أو غيرهم فإنَّ لابنة العمة الثلثين وإنْ كانت واحدة ولابن الخال الثلث، وإنْ كانوا أبناء خال فإنَّهم يتقاسمون الثلث، فالأنثى في هذا الفرض يتفوَّق نصيبُها على نصيبِ الذكر بكثير.

 

وهناك فروضٌ أخرى كثيرة يتفوَّق فيها نصيبُ الأنثى على نصيب الذكر، وإنَّما أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة.

 

وفي ختام مقالنا نودُّ التنبيه على أمر، وهو أنَّه لا يسوغ للباحث الموضوعي أنْ يجتزئ الرؤى ويفصلها عن المنظومة الواقعة تلك الرؤى في إطارها ثم يُحاكمها بمفردِها متجاهلاً سياقها وموقعها في تلك المنظومة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: مقالات حول حقوق المرأة

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النساء / 11.

2- وثمة مورد آخر ألزم فيه الرجل بالصرف من أمواله دون المرأة، وهو ما لو وقعت جناية خطأية من قتل أو غيره فإنَّ المسئول شرعاً عن دفع الدية للمجني عليه هم العاقلة، وهم أقرباء الجاني من جهة الأب، أعني الذكور منهم. فلو قتل رجل أو امرأة أحدًا خطأ فإنَّ المسئول عن دفع الدية لأولياء المقتول هم الأقرباء الذكور دون الإناث حتى لو كان القاتل امرأة. فالمرأة معفيَّة عن دفع الدية حتى لو كانت هي القاتل إذا كان ذلك عن خطأ محض.