لو زنا بامرأةٍ متزوِّجة فهل تحرمُ عليه مؤبداً؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

لو زنا رجلٌ بامرأةٍ متزوِّجة فهل تحرمُ عليه مؤبداً؟

 

الجواب:

المشهور بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم هو أنَّها تحرمُ عليه مؤبَّداً، فلا يصحُّ له الزواج منها لو اتَّفق موتُ زوجِها أو طلاقه لها.

 

واستُدلَّ لذلك بأمور:

الأمر الأول:

ما ورد في الفقه الرضوي "ومَن زنا بذاتِ بعلٍ مُحصناً كان أو غير مُحصنٍ ثم طلَّقها زوجُها أو مات عنها وأراد الذي زنا بها أنْ يتزوَّج بها لم تحل له أبداً"(1). وهذا الدليل ساقطٌ نظراً لعدم ثبوت أنَّ ما في كتاب الفقه الرضوي رواية عن المعصوم (ع) ولذلك لا معنى للبحث عن انجبار ضعفِ السند بالشهرة العمليَّة.

 

وأمَّا ما نقله السيد صاحب الرياض (رحمه الله) من أنَّ بعض متأخري المتأخرين قال إنَّه: "رُوي أنَّ مَن زنى بامرأةٍ لها بعلٌ أو في عدَّةٍ رجعيَّة حرمت عليه ولم تحل له أبداً"(2)، فهو يحتمل أحد احتمالين:

 

الأول: أنَّه يُشير إلى ما ورد في الفقه الرضوي، والاحتمال الثاني: أنَّه وجد روايةً لم يعثُرْ عليها غيرُه.

 

والاحتمال الثاني في غاية الضعف ، وذلك لاستبعاد وجود روايةٍ لم يعثر عليها أحدٌ من الفقهاء قبل الفقيه -الذي أشار إليه السيد- أو بعده ، ويتأكَّد ذلك من ملاحظة ما عليه حال الفقهاء من حرصٍ شديد على استقصاء مظانِّ الروايات، فعدمُ العثور على روايةٍ بهذا المضمون لا في المجاميع الروائيَّة ولا في الكتب الفقهيَّة يُنتج الاطمئنان بأنَّ الرواية المُشار إليها هي عينُها ما ورد في الفقه الرضوي، وبذلك يتعيَّن الاحتمال الأول.

 

ولو سلَّمنا بأنَّها غير ما ورد في الفقه الرضوي فإنَّها مع ذلك تكون ساقطةٌ عن الاعتبار نظراً لإرسالها وعدم إحراز استناد المشهور إليها فيما أفتوا به من الحرمة الأبديَّة ، فضعفُ الرواية لا يكون منجبراً بعمل المشهور لعدم إحراز الاستناد.

 

الأمر الثاني:

دعوى الأولوية القطعيَّة، إذ من الثابت أنَّ مَن تزوَّج امرأةً ذات بعلٍ أو في العدَّة حرمت عليه مؤبَّداً وإنْ لم يدخل بها لو كان عالماً كما أنَّها تحرم عليه مؤبَّداً في ظرف الجهل لو كان قد دخل بها، فإذا كان مجرَّد الإنشاء في الفرض الأول والدخول بعد العقد في ظرف الجهل في الفرض الثاني موجباً للحرمة الأبديَّة فإيجاب الدخول مع العلم ومن دون عقدٍ أولى بالحرمة الأبديَّة. إلا أنَّ هذا الدليل لا يتم نظراً لاحتمال أنْ يكون لإنشاء العقد على ذات البعل مدخليَّة في إيجاب الحرمة الأبديَّة، وحينئذٍ لا يصحُّ التعدِّي من الحكم الثابت للفرضين إلى موردِ البحث إلا بناءً على حجيَّة القياس!!.

 

الأمر الثالث:

دعوى الإجماع من قِبَل جمعٍ من الفقهاء الأعلام كالسيِّد المرتضى، وابن حمزة في الغنية، والحلِّي، وفخر المحققين.

وفي كشف اللثام أنَّ الحكم بالحرمة الأبديَّة قطعيٌ عند الأصحاب كما حكى ذلك صاحبُ الجواهر ، وأفاد أنَّه لم يجد مُخالفاً وأنَّ جماعةً من الأصحاب اعترفوا بعدم وجدان الخلاف في ذلك.

 

والذي يردُ على هذا الدليل هو أنَّ الإجماع المنقول لو قلنا بحجيَّته فإنَّه لا يُمكن اعتماده في المقام، وذلك لاحتمال مدركيَّته، إذ من الممكن أنَّ منشأ الفتوى بالحرمة الأبديَّة هو دعوى الأولويَّة القطعية، ويتأكَّد ذلك بما أفاده السيد المرتضى من ورود رواياتٍ من طرق الشيعة تدلُّ على الحرمة الأبديَّة في الفرض المذكور في حين أنَّه لا يوجد من ذلك عينٌ لا أثر وهو ما يُعزِّز احتمال أنَّ السيد (رحمه الله) يُشيرُ إلى الروايات القاضية بالحرمة الأبديَّة على مَن تزوَّج امرأةً ذات بعل أو في عدَّته الرجعية وأنَّه استظهر من هذه الروايات الشمول لمورد البحث.

 

هذا حاصل ما أفاده الأعلام في مقام الاستدلال على دعوى ثبوت حرمة زواج الرجل من امرأةٍ مؤبَّداً إذا كان قد زنا بها وهي متزوِّجة أو في العدَّة الرجعيَّة، وقد تبيَّن عدم تماميَّة شيءٍ من هذه الأدلَّة إلا أنَّه ورغم ذلك يلزم المكلَّف الاحتياط في الفرض المذكور نظراً لإقوائيَّة الظنِّ بمتعلَّق الإجماع بل إنَّ ما أفاده السيد المرتضى من ورود رواياتٍ من طرق الشيعة معروفة في حظر ما ذكرناه يُساهم في تأكيد الظنِّ نظراً لاحتمال أنَّها غير الروايات القاضية بالحرمة الأبديَّة على مَن تزوَّج امرأةً ذات بعل أو في عدةٍ رجعية.

 

وبذلك ننتهي إلى أنَّ ما أفاده الكثير من الفقهاء من لزوم الاحتياط في الفرض المذكور وجيهٌ جداً.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

12 / ذو القعدة / 1426هـ


1- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج14 / ص387-388.

2- رياض المسائل -السيد علي الطباطبائي- ج10 / ص207.