حكم فطم الرضيع دون الـ 21 شهراً

المسألة:

ما هو حدَّ الرضاع ومتى يجوزُ فطمُ الرضيع؟

 

الجواب:

حدُّ الرضاع حولان كاملان -أربع وعشرون شهرًا- كما دلَّت على ذلك الآية الشَّريفة: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْن﴾(1).

 

إلاّ أنَّ الثَّابت تبعاً للروايات هو جواز الإنقاص من هذه المدَّة بل إنَّ الآية الشريفة تصلحُ لإثبات ذلك فهي قد علَّقت إتمام الحولين على المشيئة: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾(2).

 

مقدار ما يجوز إنقاصه من الحولين:

فالإنقاص جائز بمقتضى الآية والروايات والخلاف إنَّما وقع في مقدار المدَّة التي يجوز إنقاصُها من الحولين، فهل هي محدَّدة بالثلاثة أشهر بمعنى أنَّه لا يجوز فطم الرضيع قبل أنْ يتمَّ له من العمر واحد وعشرون شهرًا أو أنَّ المدَّة غير محدَّدة وأنَّ للأبوين فطمَ الولد عن الرضاعة متى ما أرادا ذلك؟

 

ذهب المحقِّقُ في الشرائع(3) وكذلك صاحبُ الجواهر(4) إلى أنَّه لا يجوزُ إنقاصُ المدَّة عن ثلاثة أشهر، ونقل صاحبُ الجواهر عن كشف اللثام(5) دعوى الاتِّفاق على ذلك، ولم يستبعد ظهور دعوى الاتفاق عن غيره من الأعلام، وكيف كان فالمُستظهَر من عبائره في المقام هو أنَّ المشهورَ بين الفقهاء هو حرمة إنقاص مدَّة الرضاع عن الواحد والعشرين شهرًا.

 

واستُدلَّ لذلك بروايتين:

الأولى: هي معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (ع): "الرضاعُ واحد وعشرون شهرًا فما نقصَ فهو جورٌ على الصبيِّ"(6).

 

فلأنَّ الجور يعني التَّجاوز للحقِّ وعدم رعايته، وهو تعبيرٌ آخر عن الظلم، لذلك فالرِّوايةُ ظاهرةٌ في حرمة فطم الرضيع قبل إتمام الواحد والعشرين شهرًا.

 

الثَّانية: رواية عبد الوَّهَّاب بن الصباح قال: قال أبو عبد الله (ع): "الفرض في الرِّضاع أحد وعشرون شهرًا فما نقصَ عن أحدٍ وعشرين شهرًا فقد نقص المُرضِع، وإنْ أرادا أنْ يُتمَّا لرضاعه فحولين كاملين"(7).

 

وهذه الرواية ظاهرةٌ أيضًا في حرمة الإنقاص عن المدَّة المذكورة نظراً لظهور عنوان الفرض في اللزوم، فيكون عدم الإتمام محرَّماً، إذ هو مقتضى المُلازمة بين وجوب الشيء وحرمة نقيضه المعبَّر عنه بالضدِّ العام.

 

هذا مضافًا إلى ما يُشعره قوله (ع): "فما نقص عن أحدٍ وعشرين فقد نقص الصبي"، من أنَّ المدَّة المذكورة حقٌّ للصبيِّ وأنَّ نقص الرِّضاع عن هذه المدَّة انتقاصٌ من حقِّ الصَّبيِّ، ومِن الواضح أنَّ انتقاص الحقِّ جورٌ فيكون مفادُ الرواية مساوقًا لمفاد معتبرة سماعة.

 

الجمع بين معتبرة سماعة ومعتبرة الحلبي:

وبناءً على ما استظهرناه تكون معتبرة سماعة دالَّة على حرمة نقص الرِّضاع عن الواحد والعشرين شهرًا وتكون رواية عبد الوَّهَّاب مؤيِّدة لها، وليس في مقابلهما ما يدلُّ على الجواز، نعم ظاهرُ بعض الروايات جواز الإنقاص مطلقًا كمعتبرة الحلبيِّ قال: قال أبو عبد الله ع: "ليس للمرأة أنْ تأخذَ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين إنْ أرادا الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما فهو حسن، والفصال: الفطام"(8).

 

وكذلك ما يظهرُ من تعليق الإتمام للحولين في الآية الشريفة على إرادة إتمام الرضاعة ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾(9).

 

حيثُ إنَّ مقتضى إطلاق الرِّواية وكذلك الآية الشريفة هو جواز فطم الرضيع قبل إتمام الواحد والعشرين شهراً إلا أنَّ ذلك كما هو واضح لا يصلحُ لمعارضة الروايتين الظاهرتين في حرمة الإنقاص عن الواحد والعشرين شهراً بعد إمكانيَّة الجمع العرفي المقتضي لتقييد إطلاق الآية والرواية بروايتي الحرمة.

 

إلا أنْ يقال إنَّ العلاقة بين معتبرة الحلبيِّ ومعتبرة سماعة هي علاقة العموم والخصوص من وجه، فمعتبرة الحلبيِّ وإنْ كانت مطلقة من جهة عدم تحديد المدَّة التي يجوز فيها فطم الرضيع لكنَّها مقيَّدة بالتراضي بين الأبوين.

 

ومعتبرة سماعة وإنْ كانت مقيَّدة من جهة تحديد المدَّة بما دون الواحد والعشرين إلا أنَّها مطلقة من جهة التراضي بين الأبوين، وبذلك تكون مادَّة الاجتماع هو ما لو كان الفطام دون الواحد والعشرين مع التراضي، فمقتضى معتبرة الحلبي هو الجواز، ومقتضى معتبرة سماعة هو الحرمة لأنَّه دون الواحد والعشرين.

 

وبذلك يستحكم التعارض بين الرواتين في مادَّة الاجتماع والمرجع حينئذٍ هو مرجَّحات باب التعارض لو كان ثمَّة مرجِّح، إلا أنَّ الصحيح هو عدم وصول النوبة لمرجَّحات باب التعارض، وذلك لعدم استحكام التعارض بين الروايتين وعدم صحة دعوى ظهور معتبرة الحلبيِّ في التقييد بالتراضي وذلك لأنَّها أفادت أنَّ الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما حسن، وهذا التعبير ليس ظاهراً في أنَّ الفصال دون تراضٍ محرَّم، وبذلك تبقى على ظهورها في جواز الفطام مطلقاً بقطع النظر عن المدَّة والتراضي وعلى ذلك تظلُّ علاقتها بمعتبرة سماعة هي علاقة الإطلاق والتقييد ومقتضى صناعة حمل المطلق على المقيَّد تكون النتيجة هي جواز فطمِ الرضيع دون الحولين وحرمته دون الواحد والعشرين شهرا.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 233.

2- سورة البقرة / 233.

3- شرائع الإسلام -المحقق الحلي- ج2 / ص566.

4- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج31 / ص277 أفاد صاحب الرياض انَّ ذلك هو المشهور بين الأصحاب ثم و صف الشهرة بالعظيمة ج10 / ص518، وأفاد صاحب الحدائق انَّ ذلك هو ظاهر الأصحاب ج25 / ص79.

5- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج31 / ص277، كشف اللثام (ط.ج) -الفاضل الهندي- ج7 / ص548.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص455 باب 71 من أبواب المهور ح5.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص454 باب 70 من أبواب المهور ح2.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص454 باب 70 من أبواب المهور ح1.

9- سورة البقرة / 233.