جهنَّم في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمَّد آل محمَّد

يقولُ اللهُ تعالى في مٌحكم كتابِه المجيد: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ / لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾(1).

جهنَّم اسمٌ ثانٍ للنار أو هي عاصمتها:

ذكرَ القرآنُ الكريم اسم جهنَّم في أكثر من سبعينَ موردًا، والظاهرُ أنَّ المأنوسَ في الأذهان أنَّ جهنَّم اسمٌ ثانٍ للنار التي توعَّد اللهُ تعالى بها الكافرينَ والعُصاة يوم القيامة، فهي علَمٌ على تلك النار، فتكونُ جهنَّمُ والنارُ اسمين لمسمًّى واحدٍ وهي نارُ الآخرة، وهذا هو المُستظهَرُ أيضًا من الآية التي تلوناها، فإنَّ التي لها سبعةُ أبواب هي نارِ الآخرة، وقد سمَّتها الآيةُ بجهنَّم وكذلك هو المُستظهَرُ من آياتٍ أخرى كقوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾(2) وقوله تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾(3) فجهنَّمُ بحسب الظاهر هي كلُّ النار التي توعَّد اللهُ بها الكافرينَ يومَ القيامة، لكنَّ المُستظهَر من بعض الروايات أنَّ جهنَّمَ ليست هي كلَّ النارِ الموعودة بل هي طبقةٌ من طبقاتِها وأنَّ ثمة طبقاتٍ أخرى داخلةٌ في مسمَّى النار إلا أنَّها ليست داخلةً في مسمَّى جهنَّم، فجهنَّمُ ليستْ علَما على كلِّ النار الموعودة بناءً على ذلك، ولعلَّ ذلك غيرُ منافٍ لما يظهرُ من إطلاق اسم جهنَّم على عموم النار في بعض الآيات والروايات بل يكون من إطلاق الجزء وارادةِ الكلِّ، إمَّا لأنَّ جهنَّم هي عاصمة النار -إذا صحَّ التعبير- فيكون إطلاق اسم جهنَّم على عموم النار كإطلاق اسم العاصمة وإرادة مجمل البلد كما هو المتعارف أو يكون منشأُ ذلك أنَّ جهنَّم اسمٌ لمجمل النار وهي كذلك اسم لطبقةٍ من طبقاتها كما هو الشأنُ في بعض البلاد حيثُ يكون اسمُها هو ذاته اسمًا لعاصمتِها.

وهذا الكلام ينسحبُ كذلك على كلمة الجحيم التي استعملها القرآنُ الكريم في ثلاثٍ وعشرين موردًا، فإنَّ المأنوس في الأذهان والمُستظهَرَ من موارد استعمالها أنَّها علَمٌ على كلِّ النار الموعودة لكنَّ المستظهر من بعض الروايات أنَّها اسمٌ لطبقةٍ من طبقاتِ النار وليست هي اسمًا لكلِّ النار، فيكون إطلاق اسم الجحيم على كلِّ النار من باب إطلاق الجزء وارادةِ الكلِّ، أو أنَّ لاسم الجحيم معنيين أحدِهما أضيق من الآخر، فتارةً يُطلقُ اسم الجحيم ويُراد منه كلَّ النار وأخرى يُطلقُ على خصوص طبقةٍ من طبقاتِ النار، ويتحدَّدُ ذلك من ملاحظة القرائن المكتنفة بالآية أو من ملاحظة القرائن المنفصلة كالروايات المعتبرة، ولعلَّ اسم سقر ينطبقُ عليه ذات الكلام، وأما الأسماءُ الأخرى للنار المستعملة في القرآنِ الكريم كالسعير ولظى والحُطَمة فالظاهرُ أنَّها أوصافٌ للنار أو بعضِ طبقاتِها وليست أسماءً لها كما هو الشأن في كلمة جهنَّم والجحيم.

الأصلُ اللغويُّ لكلمة جهنَّم:

وكيف كان فالأصلُ اللغويُّ لكلمة جهنَّم قيل إنَّه مشتقٌ من الجُهومة وهي الغلظة والكراهة، فرجلٌ جهم الوجه يعني أنَّه غليظُ الوجه وكريه المَنظر فسُمِّيت نار الآخرة بجهنم لغلظتها وشدَّتِها وكراهة منظرِها، وقيل إنَّما سُمِّيت نارُ الآخرة بجهنَّم تشبيهًا لها بالبئر البعيدةِ القعر، فإنَّ العرب تُطلقُ على البئر ذاتِ القعر البعيد اسم جهنَّام أو جهنَّم، ولعلَّ ذلك هو الأرجح.

أوصافُ عذاب النَّار في القرآنِ الكريم:

ثم إنَّ القرآن الكريم وإنْ لم يكن قد أعطى تصوَّرًا تفصيليًّا للنار التي توعَّد بها الكافرين والعصاة يوم القيامة إلا أنَّه يمكن تكوينُ تصوُّرٍ اجماليٍّ لنار الآخرة من ملاحظة مجموع الآيات الكثيرة التي تحدَّثت عن طبيعة هذه النار وأهوالها وأحوالِ مَن سيشقَونَ بها، فهي قد وصفت العذابَ فيها بالأليم، والعظيم، والغليظ، والشديد، والمهين، والمقيم أي الدائم، والواصب أي الموجع اللازم الذي لا غاية له، ووصفته بالعذاب الأكبر، والأشقِّ وبعذاب الخُلد، والخِزي، والهون، وبعذابِ السعير، والحميم، والسموم، ووصفتْ ناره بالكبرى، والمؤصدة أي المُغلقة، والموقدة التي تطلع على الأفئدة، ووصفتها بالحامية، وسمَّتها سقر التي لا تُبقي ولا تذر، وبالحُطَمة التي تحطمُ الجماجم والعظام فتُهشِّمها، ووصفتْها بلظى لقسوةِ لهبِها وصفائه حيثُ لا يُخالطُه دخان ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوى﴾(4) أي أنَّ لهبَها من الشدَّة بحيثُ ينتزع فروةَ الرأس انتزاعًا ويقتلعُ العينين والأطراف اقتلاعًا ثم لا تلبثُ أنْ تعود وهكذا فهو عذابٍ واصبٌ ودائم، ووصفتْها بالهاوية وهو ما يُعبِّر عن أنها بعيدةُ القعر، فإذا أُلقي فيها شقيًّ فهو إنَّما يُدعُّ ويُلقى من شاهقٍ فيتأرجح في فضائها إلى أن يصلَ إلى قعرِها والذي قد يمتدُّ سبعين خريفًا أي سبعينَ سنة يترنَّح في فضائها إلى أن يصلَ إلى قعرِها كما في بعض الروايات.

أسماءُ النار يُسهمُ في تصوُّرِها:

فهذه الأوصاف تُسهمُ في التعريف بطبيعة هذه النار وخطيرِ ما هي عليه من واقعٍ مرعبٍ ومهول كما أنَّ الأسماء التي اختارها القرآنُ لنار الآخرة تُسهمُ كذلك في إلقاء ضوءٍ يكشفُ بمستوىً ما عن حقيقة هذه النار.

فاسمُ الجحيم يُطلقُ على النار المتلظِّية، الشديدةِ التوقُّد والعظيمةِ التأجُّج، فالجحيمُ بحسب المدلول اللغوي هي النَّارُ على النارِ، وتتميَّز بكثرة جمرها، فيُقال للنارِ جحيمًا إذا كثر وقودها وجمرُها وتراكم بعضُه فوق بعض.

وأما سقَر فتُطلقُ في لغة العرب على النار بوصفها مذيبة للأجسام، يُقال سقرتْه النار أو الشمس إذا أذابتْه، ولعلَّه لذلك قال الله تعالى: ﴿وما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي ولا تَذَرُ﴾(5).

وأما لظَى فهي النارُ ذاتُ اللهب الصافي الذي لا دخان فيه، كالذي يُسلَّط على الحديد والمعادن المتصلِّبة لإذابتها أو تقطيعها.

إنَّ لنار الآخرة أسوارًا تحوطُها:

ويظهرُ من بعض الآيات أنَّ لنار الآخرة أسوارًا تحوطُها من تمام جوانبِها كما هو مفاد قولِه تعالى من سورة الكهف: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾(6) فالسرادقُ هو ما أحاط بالبناء كالسور الذي يُضربُ حول الخيمة أو هو الفسطاط أو الخيمة ذاتها، ويُطلقُ السُرداق كذلك على البناء الذي يُحاط به البيت من أعلاه وأسفلِه حتَّى يكونَ كالقبَّة المستديرة حول ما بداخلها مِن بيتٍ ونحوِه، وهذا المعنى والذي قبله يقتضي أنْ تكون النارُ مسقوفةً.

ويُمكنُ استفادة أنَّ لنارِ الآخرةِ أسوارًا من قولِه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾(7) فالظاهرُ من الآية أنَّ اللهَ تعالى جعل جهنَّم مَحبَسًا للكافرين، والمحبسُ لا يكونُ غالبًا إلا مسوَّرًا بالجدران بل ومسقوفًا غالبًا، وكذلك فإنَّ قولَه تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾(8) ظاهرٌ في أنَّها مُغلقة ومُحصَّنة، وذلك يناسب أنَّها مسوَّرة ذاتُ أبوابٍ مُقفلة.

لجهنَّم أبواب:

وتحدَّث القرآنُ الكريم في آياتٍ عديدة عن أن لجنَّم أبوابًا، فمِن ذلك قولُه تعالى: ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾(9) وقولُه تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾(10) ولم يتبيَّن المرادُ من أبواب جهنَّم، وهل هي على هيئة الأبواب المعهودة كما هو المتبادر عرفًا من لفظ الأبواب وكما هو المُؤيَّد بمثل قولِه تعالى: ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾(11) وقولِه تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾(12) فإنَّ الموصوف بالمؤصد والموصد هو البابُ المغلق أو الدار ذات الباب المغلق، نعم ليس في الآيتين ما يقتضي استظهار كون الأبواب موضوعة في جوانب جهنَّم، فإنَّ جهنَّم تكون ذاتَ أبواب مؤصدة حتى لو كانت أبوابُها المغلقة من جهة العلو، إلا أنَّه في مقابل ذلك يُمكن أن يكون المراد من أبواب جهنَّم طبقاتها كما ورد ذلك في المأثور في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ / لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾(13) إلا أنَّ ذلك لا يمنع ظاهرًا من أن يكونَ لكلِّ طبقة بابٌ يمكن إغلاقه ويُفتح فيدخل منه أصحابُ تلك الطبقة كما يظهرُ ذلك من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾(14) فتكون الأبوابُ قد استُعملت في بعض الآيات بمعنى المداخل التى عليها الأبوابُ المعهودة واستُعملت في آياتٍ أخرى بمعنى الطبقات المتنوِّعة والمتفاوتة في الشدَّة والضعف، وهذا الاستعمال متعارفٌ أيضًا، فيُقال: أبواب الخير وأبواب الشر وأبواب الرزق إشارة إلى تنوِّعها أو تفاوتها في المرتبة.

سعةُ نارِ الآخرة تفوقُ حدَّ التصوُّر:

ثم إنَّ القرآنَ وإنْ لم يكن قد تحدَّث عن سعةِ نار الآخرة إلا أنَّ مقتضى ما أفادته الآياتُ من أنها سوف تكونُ موقعًا لعذاب الكافرين والعصاة من الجنِّ والإنس من أول الدنيا إلى فنائها، مقتضى ذلك أنَّ سعتَها تفوقُ حدَّ التصوُّر، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾(15)، ويقولُ تعالى مخاطبًا إبليس: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾(16) ويقولُ تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾(17) فجهنَّمُ سوف تستوعبُ الكافرين والعصاة من أول الدنيا إلى أن تقومَ الساعة.

وَقُودُ النَّار النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ:

وتحدَّث القرآنُ في أكثر من آيةٍ عن أن وقود النار في الآخرة هم الناس والحجارة، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾(18) وفي ذلك اشارة إلى أنهم أو المعذَّبين بهذا الصنف من العذاب يُكدَّسون هم والحجارة ثم تُسجرُ النار فيهم فيكونون هم والحجارة الوقودَ الذي تشتعلُ منه النار، وذلك على خلاف طبع النار في الدنيا، فإنَّ الحجارة يُوقدُ عليها ولا يُوقدُ بها أو يُسلَّط عليها النار لتفتيتها أو تجفيفها، فلا تكون الحجارة وقودًا للنار لعدم قابليتها للاشتعال، وكذلك هو اللحم فإنَّه لا يُوقد به وإنَّما تُسلَّطُ عليه النار إما لإتلافه أو لإنضاجه، فهو غير صالحٍ لأنْ يكون وقودًا لإشعال النار، فهي إنَّما تُوقدُ بمثل الأخشاب والأجسام القابلةِ للاشتعال، إلا أنَّ القرآن يتحدَّث عن أن نار الآخرة لن يكونَ وقودُها كوقودِ النار في الدنيا، فما تُوقدُ له النار في الدنيا سيكونُ هو الوقودَ للنار في الآخرة.

ثم إنَّ ضمَّ الحجارةِ إلى الناسِ وصيرورةَ المجموع وقودًا للنار فيه اشارةٌ إلى هوْلِ ما سيُصيب هؤلاءِ الناس من العذاب، فإنَّ الحجارةَ لا تصلُ إلى درجة الاتِّقاد إلا بعد وقتٍ يكفي لتفحُّم اللحم وذوبانه مراتٍ ومرات هذا وهم ينظرون ويشعرون، ثم إنَّه لا تكونُ النارُ مؤهلةً لاسجارِ الحجارة إلا أنْ تكون ذاتَ درجةٍ عاليةٍ من الاستعار، فإذا اتَّقدت ظلَّت كذلك متَّقدةً لا تخبو إلى أن تتلاشى ولهذا فهي عذابٌ لا يُطاقُ لمَن هم متكدِّسون بينها وحولها وتحتها، ولو قد تلاشت أُعيدت أو استُعيض عنها بغيرها كذلك هو عذاب الأبد: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾(19).

جهنَّمُ سوداءُ مظلِمة:

ويظهرُ من بعضِ الآيات أنَّ أجواء جهنَّم وفضاءَها أسودُ بهيم من أثر الدخان أو أنَّ ذلك هي أجواءُ بعضِ مواقعِها أو طبقاتِها، فيكونُ ذلك صنفٌ من العذاب لصنفٍ من العُصاة أو لعمومِهم في مرحلةٍ من مراحلِ العذاب، قال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ﴾(20) فالظلالُ التي يُنتظَرُ منها أنْ تكون باردة ينتجِعُ بها العاني والمجهود يكون في جهنَّم متَّخذٌ من يَحموم، واليحمومُ هو الدخان الغليظ والبهيم لشدَّة سواده، فهم في كربٍ منه ومشقَّة، فالتعبير عنه بالظلال نحوٌ من السُخرية والتَّهكم.

ومن الآيات التي تكشفُ عمَّا عليه بعضُ أجواء جهنَّم من ظلمةٍ بهيمةٍ بفعل الدخان قولُه تعالى: ﴿انْطَلِقُوا إلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾(21) فهو ظلٌّ من دُخان، مُحيطٌ بهم من الجهات الثلاث من فوقِهم وعن أيمانهم وشمائلهم، وذلك هو معنى وصفِه بأنَّه ذو ثلاثِ شُعَبٍ أو لأنَّه منشعبٌ إلى ثلاثِ شُعب، ذلك لأنَّ الدُخان إذا تعاظمَ تشعَّب كهيئة الذوائب التي تعبثُ بها الريح أو لأنَّه متباينُ الألوان لتغاير طبيعة النار المنبعثِ عنها واختلاف طبيعة وقودِها وموادِّ سجرها. ثم إنَّ هذا الظلَّ مضافًا إلى أنه يبعثُ على الكرب والأذى فإنَّه لا يحمي من ألسنةِ اللهب بل إنَّ كثافتَه وحجبَه للرؤية تبعثُ الرعب لأنَّ القابعين في وسطه لا يدرون من أين يأتيهم اللهب وشظايا النار، فهذا الدخان ينبعثُ عن نارٍ ترمي بشرر كالقصر كما أفاد ذلك ذيلُ الآية الشريفة.

لجهنَّمَ طبقاتٌ:

وتحدَّث القرآنُ عن أن لجهنَّم طبقاتٍ كما يُستفاد ذلك من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾(22) وكذلك هو مستفادٌ من قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾(23) فثمة ظللٌ من نارٍ تكونُ من فوقِ رؤوسِ أهل النار وأُخرى من تحتِهم، وفي ذلك دلالة على أن لجهنم طبقاتٍ، إذ إنَّ الظلَّة لا تكونُ إلا مِن جهة العلو، وعليه فالتي تحتَهم تكونُ ظلَّةً لمَن هم تحتها، فهي إذن ظللٌ وطبقات بعضها فوق بعض.

ظُللٌ من نارٍ وثيابٌ وطعامٌ من نارٍ:

والمُلفتُ في الآية هو ما أفادته من أن هذه الظُلل مصنوعةٌ من نار، وهذا ما لا يمكنُ درْكُه، وكذلك يظهرُ من الآيات أنَّ العديدَ من الأشياء التي نعرفُها في الدنيا تكونُ في جهنَّم مصنوعةً من مادَّةِ النار، فالظُللُ مصنوعةُ من نارٍ والثيابُ مصنوعةٌ من نار ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾(24) وهذا ما يُرجِّح أنَّ النار التي يأكلُها الغاصبون لأموالِ اليتيم طعامٌ مصنوعٌ حقيقةً وليس مجازًا من مادَّة النار: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾(25) وكذلك هو طعامُ الذين يكتمونَ ما أنزل اللهُ من الكتاب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّار﴾(26) فأكلُ النار وإنْ لم يكن مُدركًا لدينا لعدم تعارفِه عندنا بل ولعدم إمكانِه إلا أنَّ الأشياء غيرَ المتعارفة وغيرَ المُدركة في جهنَّمَ كثيرةٌ، فإنَّ شيئًا يسيرًا منها لو أصابَ الإنسانَ في الدنيا لماتَ من ساعتِه لكنَّ القرآن يُخبرُنا أنَّه لا يموتُ فيها ولا يحيا، وهذا أمرٌ غيرُ قابلٍ للاستيعاب لولا علمُنا بأنَّ اللهَ تعالى على كلِّ شيءٍ قدير.

شرَرٌ كالقصر:

هذا وقد تحدَّث القرآنُ عن الشرَر المتشظِّي في نار الآخرة، فشبَّهه في حجمِه بالقصر ﴿إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾(27) والقصرُ هو البناءُ العالي أو هي الخيمة المضروبة أو الشجرةُ الغليظة أو هي رؤس النخل، وشبَّه الشرَر في اتِّقادِه بلون الجمل الأصفر ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾(28) فإذا أصابت مَن يُرمى بها حطَّمت منه كلَّ عظم، ولهذا فهي الحُطَمة التي قال اللهُ تعالى عنها: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾(29).

وتحدَّث القرآنُ عن كُتلٍ ناريَّة وأخرى من نحاسٍ تُرسلُها النار على رؤس وأجساد العصاة والكافرين من الثقلين الجنِّ والإنس، فلا يجدون ملجأً يقيهم منها، يقولُ تعالى في سورة الرحمن: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾(30).

هل لنارِ الآخرةِ حياةٌ ومشاعر؟!

وتحدَّث القرآن عمَّا يظهرُ منه أنَّ لنار الآخرة حياةً ومشاعرَ، فهي ليست كنارِ الدنيا لا شعورَ لها بل هي كما أفادت بعضُ الآيات ترى وتغتاظُ وتزفرُ كما يزفرُ الغضبان ساعةَ التوثُّبِ للانتقام، قال تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾(31) وقال تعالى: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾(32) فظاهرُ الآية الأولى أنَّ جهنَّم ترى وتُبصرُ، وهذا من شئون الأحياء، وظاهرُ الآية الثانية وكذلك الأولى أنَّها تغضبُ وتغتاظُ، وهذا يعني أنَّ لها مشاعرَ كما هي للأحياء، ولو تمَّ هذا الاستظهار ولم يُحمل على المجاز فإنَّه يبعثُ في قلوبِ مَن يشقونَ بها مزيدًا من الرعب واليأس من الخلاص، ولعلَّ ممَّا يُؤيدُ استظهار أنَّ لنار الآخرة حياةً وشعورًا هو ما أفادتْه بعضُ الآيات من مخاطبة اللهِ سبحانه لها كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾(33).

لا يَخبو سعيرُها:

وتحدَّث القرآنُ عن نارٍ لا يخبو سعيرُها كما هو الشأنُ في نار الدنيا، فهي مهما تطاولتْ في أمدِها وتشامخ لهبُها فإنَّه إذا تلاشى وقودُها تخبو ثم تخمُد، وأمَّا نار الآخرة فيقولُ اللهُ تعالى عنها: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾(34) فهي كذلك أبدًا، ويقولُ تعالى: ﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾(35) فوقودُها الناسُ والحجارة، فأمَّا أحجارُها فلا تتلاشى أو هي في تجدُّد، وأمَّا الناسُ من سكَّانِها فإنَّهم: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾(36).

عذابُها مُتلاحِق:

ويتحدَّثُ القرآنُ عن نارٍ عذابُها متلاحق ومتتابع لا يفترُ ولا يخفُّ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾(37) ويقول تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾(38) فليس لهم فيها نَظِرة أو مُهلة يستفيقون فيها من هولِ العذاب: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾(39).

لا يُتاح لسكَّانِها الفرار:

وتحدَّث القرآن عن نارٍ لا يُتاحُ لسكَّانِها الفرار منها كما قد يُتاحُ ذلك لمَن ابتُلي بنارٍ في الدنيا فهي: ﴿عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾(40) قد: ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾(41) كما أنَّه لا جدوى من الاستعانة بمَن قد يُخلِّصهم منها، لأنَّ أحدًا غيرُ قادرٍ على الانتصار لهم: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾(42).

زبانيةُ جهنَّم:

وتحدَّث القرآنُ عن أنَّ لأصحابِ النار موكَّلين يتولَّونَ إنفاذَ أمرِ اللهِ تعالى فيهم، وهؤلاءِ الموكَّلون من جنسِ الملائكة كما قالَ تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾(43) وذلك ما يَستبطنُ الدلالة على عدم إمكانيَّة المقاومةِ لهم أو الفرارِ من قبضتِهم لِمَا هو المأنوس في الأذهان من أنَّ للملائكةَ قُوًى خارقة، وقد وصف القرآنُ هؤلاءِ الملائكة بقولِه: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾(44) فهم غلاظٌ في خلقتهم وهيئاتِ صورِهم، وشدادٌ قُساةٌ جٌفاة في تعاملهم، وقد وصفَهم في آيةٍ أخرى بالزبانية وإنَّما وصفهم بذلك لأنَّهم يَقذفون أهلَ النار في النار ويتعتعون بهم إلى مواقع العذاب، فالزبنُ بمعنى الدفع بعنْفٍ كما تَدفعُ الناقةُ الشَّموس حالبَها، فتدفعُه ركلًا برجلها وقد تخبطُه بيديها.

وقد سمَّى القرآن الكريم ملائكة العذاب بخزنة جهنَّم كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾(45) وقوله تعالى: ﴿سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾(46) وذلك يُعبِّر عن إشرافهم وإدارتهم لمطلق شؤون وتفاصيل العذاب الذي سيشقى به أهل النار، فإنَّ ذلك هو مفادُ التعبير بالخزَنة، ولذلك قال الله تعالى على لسان يوسفَ الصديق: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾(47) فأصحاب النار ليسوا متروكين ولا مهملين بل هم متابَعون وملاحقون أبد الآبدين في مختلف شؤونهم، لذلك فهم لا يرجون خلاصًا ولا راحة، فإذا التمسوها توسَّلوا لذلك بالملائكة فيسمعون منهم ما يزيد من إحباطهم ويأسِهم يقولُ الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾(48)، ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾(49).

أحوالُ أهل النار:

وتحدَّث القرآنُ الكريم عن أحوال أهلِ النارِ في النار فأفاد بأنَّهم يندمون ويعترفون بما كانوا عليه من ضلال: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾(50) وتحدَّث عن أنَّ اللهَ تعالى يُريهم أعمالَهم وما كانوا قد اجترحوه من موبقاتٍ فتعظُمُ لذلك حسرتُهم ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾(51) ثم إنَّهم يطلبون فرصةً لتدارُكِ ما سلف من ظلمِهم ويؤكِّدون على أنَّهم سيعملون غير الذي كانوا يعملون وأنَّ عملهم لو مُنحوا هذه الفرصة لن يكون إلا صالحًا: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾(52). ويؤكِّد القرآن في آياتٍ أخرى أنَّهم كاذبون في وعدهم عدمَ العودة إلى الظلم والفساد لو أُتيح لهم العودة إلى الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾(53).

ثم تحدَّث القرآن عن أنَّ أصحاب النار يرجون الخروج منها ولو بعد حين ولكنَّه رجاءٌ خائب، فالعذابُ الذي هم فيه مقيمٌ، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾(54) وتحدَّث عن أنَّ لهم فيها صُراخًا وشهيقًا وزفيرًا: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾(55) وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾(56).

وتحدَّث القرآن عن أنَّ أهل النار أو بعضَهم يحاولون الهرَبَ من النار لعلَّه لإيهامهم أنَّ ثمة فرصةً لذلك إمعانًا في تحطيم نفسياتهم فكلَّما حاولوا وجدوا زبانيةَ جهنم لهم بالمرصاد يقسرونهم على العودة إلى مواقعِهم، يقولُ الله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾(57) وتحدَّث عن أنهم يتضرَّعون إلى الله تعالى أن يُخرجهم، ويعدونه بعدم العودة إلى ما كانوا عليه ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾(58).

وتحدَّثَ عن أنَّ أصحابَ النار يلتمسون من أصحاب الجنَّة أنْ يفيضوا عليهم من الماء وممَّا رزقَهم الله فيرجعُ إليهم الجواب مخيِّبًا لأملِهم: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِين﴾(59) وتحدَّثَ عن أنَّهم يستغيثونَ لشدَّة ما ينتابُهم من الظمأ فيُغاثوا ولكنْ بماءٍ إذا قرَّبوه من وجوهِهم تهرَّأت لوهجِه صفحةُ وجوههم: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾(60).

وتحدَّثَ عن أنَّهم يطلبونَ مِن خزَنةِ النار أنْ يُخفَّفَ عنهم يومًا من العذاب: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾(61) لكنَّه طلبٌ لا يجدون له اجابةً: ﴿قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾(62) فإذا يئسوا من الخلاص ومن التخفيف سألوا مالكًا خازنَ النيران أنَ يُقضيَ عليهم فيموتوا لكنَّه يعلمُ أنَّ تلك دعوة لا تُستجابُ وأنَّ إرادة الله قضتْ بأنْ يظلُّوا في العذاب خالدين ولذلك لا يسعُه إلا أنْ يُجيبهم بأنَّكم ماكثون: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾(63).

وتحدَّث القرآن عن أنَّ أصحاب النار يتنازعون فيما بينهم ويشتمُ بعضُهم بعضًا ويلعنُ بعضُهم بعضًا ويتلاومون فيما بينهم ويتبرأ كلُّ فريقٍ من الآخر، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا﴾(64)، ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾(65).

صنوفُ العذابِ في جهنَّم:

1- الإلقاء والدعُّ إلى جهنَّم دعَّا:

وتحدَّث القرآن عن صنوف العذاب في النار فأفاد أنَّ الولوج لجهنَّمَ يكون بالإلقاء والقذف من الأعلى، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ جهنم كهيئة الوادي السحيق ذي القعر البعيد المُحاط بشواهق الجبال، يقولُ تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾(66) فهم يُعرَضون على النار من أعاليها فإذا أشرفوا عليها ورأوها وهم جاثون على رُكبِهم دفعتهم زبانيةُ جهنَّم إلى وسطِها، يقول الله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾(67) حينذاك يرونَ النار فيظنُّون أنَّهم مواقعوها وأنَّه لا مناص من ذلك: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾(68) وحينها يقول الله تعالى لملائكته: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾(69) ويقول جلَّ وعلا: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلى سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾(70) فـ ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾(71) فملائكةٌ يُلقونَهم من أعالي الجحيم وآخرونَ يتلقَّونهم بالتبكيت والتقريع استعدادًا لعرضِهم على العذاب المُخصَّص لهم.

ويظهرُ من بعض الآيات أنَّ الإلقاءَ والقذفَ يكون محسوبًا وإلى مواقع محدَّدة كما قد يُستفاد ذلك من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾(72) فثمَّة مضائق عبَّرت عنها بعض المأثورات بالتنانير ولعلَّها غرف معدَّة سلَفًا يُرمى إليها بعضُ الأشقياء من أبناءِ الجَحيم أو هي توابيت كما في بعض المأثورات.

2- العذاب بالصلْي:

ويتحدَّث القرآن عن أنَّ عامَّة العذاب -ظاهرًا- يكون بالصلْي، فطبيعةُ النار التي تُسلَّط عليهم لا تُحوِّلُهم إلى رمادٍ بل تصلي أجسادهم كما يُصلى الشحم وكما يشوى اللحم يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا﴾(73) ويقول تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ﴾(74) والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.

3- تقليب الوجوه في النار:

ولعلَّ من وسائل الصلْي ما أفادته الآيةُ من سورة الأحزاب: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾(75) فالتقليبُ يعني وضع البضعة من اللحم على الجمر أو النار المستعرة، فإذا نضجت قُلبت إلى الوِجهة الأخرى أو تُقلَّب البضعةُ في القدر فكلَّما نضجت وجهةٌ قلبت إلى الوجهة الأخرى، هكذا يصنع بوجوه أهل النار أو هكذا يصنع بكلِّ جوارحهم ويكون ذكر الوجه باعتباره أكرم الجوارح أو لأنَّه أرقُّ الجوارح فيكون تقليبُه على الجمر أشقَّ وأقسى، ولهذا خصَّه بالذكر، ويظهر من الآية بقرينة استعمالها للفعل المضارع أنَّ عمليَّة التقليب ممتدَّة ومستمرَّة كما يُؤكِّد ذلك أيضًا قولُه تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾(76).

4- لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ:

ومن صنوف العذاب ما أفاده القرآن من أنَّ لأصحاب النار من جهنَّم مِهاد ومن فوقهم غواش قال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾(77) فهم يفترشون النار ويتغشَّون بها، فهي مهادُهم وبها يلتحفون، ومؤدَّى ذلك أنَّهم يضَّجعون على الجمر المتلظِّي وعليه يتقلَّبون، وتُجلِّلُهم من فوقهم غواشٍ من اللهبِ المستعر، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ النار تحوطُهم من كلِّ ناحية، وقد أفاد هذا المعنى صريحًا قولُه تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(78) فالنارُ من فوقهم وعليها يطأون.

5- تُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ:

ومن صنوف العذاب الكي في أنحاء مختلفة من الجسد، وهذا لمَن يأكلون أموال الناس بالباطل ويكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، فإنَّ الله تعالى يُصيِّر هذه الأموال على هيئة المكاوي المحمَّاة فتكوى بها الجباهُ والظهور: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون﴾(79).

6- عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ:

ومن صنوف العذاب في النار ما أفادته الآية من سورة الذاريات: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾(80) فهم يفتنون كما يفتن الخبز، يوضع في التنور لينضج، وكما يُفتن المعدن ليُختبر أنَّه ذهب أو هو مشوب فتسلَّط النار على جوانبه بعد إدخاله في التنور المناسب له إما لاختباره أو لتنقيته من الشوائب والأخباث.

7- العذابُ بمقامع الحديد:

ومن صنوف العذاب في النار الشدخ أو الجلد بمقامع الحديد كما قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾(81) فالمقامع جمع مقمعة وهي مدقَّةُ الرأس تُتَّخذُ من الحديد، وكذلك تُطلقُ المقامع على السياط وهي في النار متَّخذةٌ من الحديد، وتُستعمل فيما تُستعمل لقمع مَن يبتغون الهرب من النار أو من مواقع العذاب كما تُشعر بذلك الآية من سورة الحج: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾(82).

8- السَّحبُ والغمسُ فِي الْحَمِيمِ:

ومن صنوف العذاب ما أفادته الآيةُ من سورة الرحمن: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ﴾(83) أي يُعذَّبون تارةً بالنار وأُخرى بالحميم الآن وهو سائل بلغت حرارتُه أقصاها، ويظهر من الآية أنَّ ثمة بُركًا أو حممًا كهيئة الحِمم البركانية يُقذف فيها أهل النار كما يُستفاد ذلك أيضًا من قوله تعالى: ﴿يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾(84) فالحميم كما هو مقتضى مفاد هذه الآية ليس للشرب وحسب بل هي بُرَكٌ أو مستنقعات يُسحب فيها أبناء الجحيم ثم في النار يُسجرون، فهُم يسجرون في النار بعد سحبهم في الحميم، فلعل الحميم متَّخذ من مواد قابلةٍ للاشتعال تعلُقُ بها أجسامهم ثم يُسجرون في النار.

9- يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ:

ويظهر من بعض الآيات أنَّ ثمة طريقةً أخرى للتعذيب بالحميم غير السحْب والسباحة والشرب، هذه الطريقة أشارت إليها الآية من سورة الدخان: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ﴾(85) وكذلك الآية من سورة الحج: ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾(86) فهؤلاء لا يُسحبون في الحميم وإنَّما يُصب على رؤوسهم، فإذا أصاب أجسادهم تفسخت وتهرَّأت- لشدة حرارته- جلودُهم وما في أجوافهم، فهي لا تصهر جلودهم وحسب بل تصهر أكبادهم وأحشاءهم.

10- التصفيدُ بالأغلال والسَّحبُ بالسلاسل:

ثم إنَّ العديد من الآيات تحدَّثت عن أنَّ جهنم رغم أنَّها محيطة بالكافرين ورغم أنَّها موصدة ولا يجد سكَّانُها عنها محيصًا ومهربًا رغم ذلك فإنَّ أصنافًا من الأشقياء فيها يظلَّون مصفَّدين بالأغلال قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾(87) ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾(88) ويقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا﴾(89) فالسلاسل يُسحبون بها كما تُسحب الحيوانات الشرسة، والأغلال تقيَّد بها أيديهم إلى أعناقهم كما أفاد ذلك قولُه تعالى من سورة غافر: ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾(90) ثم إنَّ الآية من سورة الحاقة أفادت أنَّ السلسلة ذرعها سبعون ذراعًا: ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾(91) ولعلَّ هذه السلاسل هي ذاتها التي يتمُّ بها ربط أصحاب النار في الأعمدة كما احتمل ذلك من قوله تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾(92) فهم خلف أبوابٍ موصدة موثقون في أعمدة ممدَّدة.

11- السَّحْبُ على الوجوه في النار والأخذُ بالنواصي والأقدام:

ويظهرُ من بعض الآيات أنَّ من صنوف العذاب في النار السحبَ على الوجوه فوق الجمر وشظايا النار إمعانًا في الإذلال والإيلام، يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾(93) فالسحبُ يكون على الوجه وظرفُه النار، وذلك يقتضي أنْ تكون الوجوه مباشِرةً لأرضِ النار المليئةِ بالجمر والأحجار الملتهبة والشظايا المُستعرة كما يؤكِّد ذلك ذيل الآية: ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾(94).

وثمة سحبٌ آخر أفادته الآية من سورة الرحمن: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾(95) والناصية هي قصاص الشعر أي مقدَّم شعر الرأس، فهو تارةً يُجرُّ من شعر الناصية، وأخرى يُجرجرُ من أقدامه إمعانًا في إذلاله، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ﴾(96) والسفع هو الجذب الشديد والعنيف، فإذا كان السفع من الناصية كان للإذلال والإهانة.

12- اللفحُ بلهبِ النار والتشويه للوجوه:

ومن صنوف العذاب في النار ما أفادته الآيةُ من سورة المؤمنون: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾(97) ومعنى تلفحُ هو أنَّه يُصيبها لفحُ النار ولهبُها فيكونُ أثر ذلك هو الكُلوحَ، وهو تشوُّهُ الوجه وتقلُّصُ الشفتين فتبدو لذلك الأسنان كهيئة الرؤوس المشويَّة. وقريب من هذا المعنى قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾(98) فإنَّ من أثر اللهب المنبعث من لظى هو النزع لفروة الرأس وجلدة الوجه، وذلك هو معنى الشِّوى، فلظى تنزعُ فروة الرأس وجلدة الوجه أو توجب تقلصها فتقبح لذلكصورة الإنسان.

13- عذابُ السَّموم:

وتحدَّث القرآنُ في آيتينِ من سورتي الطور والواقعة عن عذاب السَّموم، والسَّموم وصفٌ لريح شديدة الحرارة تنفذ إلى مسام الجلد فيكون لها أثر السم في شدَّة لذعها، قال تعالى: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾(99) وقال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ﴾(100) ولعلَّ عذابَ السموم صنفٌ من العذاب يختصُّ به صنف من العُصاة أو هي مرحلة تعقبها مراحل أخرى. ورغم أنَّ هذا النوع من العذاب لا يرقى ظاهرًا لمستوى العديد من الأنواع من العذاب التي تحدَّث عنها القرآن ولكنَّه مع ذلك عذاب شاقٌّ ولا يُطاق خصوصًا مع استمراره ويؤكِّد ذلك أنَّ أصحاب الجنَّة يمتنُّون لربِّهم وهم في الجنان أنْ وقاهم عذاب السموم، وقد كانوا قبلَ دخولهم الجنَّة مشفقين خائفين من أن يبتلوا بهذا العذاب: ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾(101) فإشفاقهم من الوقوع في العذاب والتنويه على عذاب السموم فيه دلالة على قسوة هذا العذاب وشديد وقعه.

14- لباسُ أهل النار وطعامُهم وشرابُهم:

وتحدَّث القرآنُ عن لباس أهلِ النار، وعن طَعامِهم، وعن شَرابِهم، أمَّا لباسُهم فأشار إليه في موردين:

المورد الأول: قولُه تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾(102) وهذا أمرٌ لا نُدركه فمقطَّعات الثياب هي مثل القميص والإزار والجُبَّة والرداء وتكون متَّخذةً من الجلود أو الشعر أو الصوف أو القطن أو ما أشبه ذلك ممَّا هو متعارفٌ عندنا في الدنيا، وأمَّا أن تكونَ متَّخذةً من النار فهذا شيءٌ غيرُ قابلٍ للإدارك ولكنَّ المُحرَز أنَّه أمرٌ فظيع، فلسعةٌ خاطفةٌ من نارٍ يضجُّ منها البدن فكيف يكونُ الشأنُ لو كان اللباسُ الملاصق واللازم للبدن مصنوعًا من نار!!.

المورد الثاني: قوله تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ﴾(103) والسِربال هو القميص، والقطِران هو النحاس أو الصفر المُذاب تُطلى بها الأجسام على هيئة القميص أو تقطَّع على هيئة القمص، فالقطران بناء على هذا المعنى كلمة مركبة من القطر والآن، فالقطر هو المعدن المذاب كما في قوله تعالى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾(104) والآن هو السائل الذي بلغ الغاية في حرارته كما في قوله تعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ﴾(105) فالقطران هو الصفر أو النحاس المذاب الذي بلغ الغايةَ في الحرارة، ولعلَّ ذلك هو المراد من قوله تعالى: ﴿قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾(106) وقيل إنَّ المراد من القطران مادة سوداء منتنة مستحضرة من عصارة بعض الأشجار يطلي بها العرب الإبل الجرباء وهي مادة شديدة اللذع تضج منها الإبل ولا يُطيقها جلد الإنسان ويتفسخ منها الجلد المجروب، وهي في ذات الوقت قابلةٌ للاشتعال.

طعامُ أهل النار:

وقد تحدَّث القرآن عن طعام أهل النار وصنَّفه ضمن ما ينالُهم في النار من نكالٍ فهم يتجرَّعون به الغُصص لشناعته وقذارته وسوء أثره ومساغه، قال تعالى: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾(107).

وقد ذكر من طعام أهل النار ثلاثة أنواع:

النوع الأول: سمَّاه القرآن غسلين: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾(108) والغسلين هو غُسالة أهل النار أي ما يسيلُ من أبدانهم من الصديد والقيح والدم.

والنوع الثاني: الضريع: قال تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾(109) و"الضريع -كما في بعض الروايات- شيءٌ يكون في النار يُشبهُ الشوك أمرُّ من الصبْر وأنتنُ من الجيفة، وأشدُّ حرًا من النار سمَّاه اللهُ الضريع"(110). ورَوى الشيخُ عليُّ بن إبراهيم القمِّي بسندٍ صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلتُ له: يا بن رسول الله خوَّفني فإنَّ قلبي قد قسا، فقال: يا أبا محمد استعدَّ للحياة الطويلة، فإنَّ جبرئيل جاء إلى النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) وهو قاطب، وقد كان قبلَ ذلك يجيء وهو متبسِّم، فقال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبًا، فقال: يا محمد قد وُضعتْ منافخ النار، فقال: وما منافخ النار يا جبرئيل؟ فقال: يا محمَّد إنَّ الله عزَّ وجل أمرَ بالنار فنُفخ عليها -إلى أن قال-: لو أنَّ قطرةً من الضريع قُطرت في شرابِ أهلِ الدنيا لماتَ أهلُها من نتنِها.."(111).

النوع الثالث: الزقُّوم: وقد عرَّفها القرآن بقوله: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾(112) وقال تعالى في سورة الصافات: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ﴾(113) فهي شجرةٌ لا تُحرقها النار بل تنبت في أصل الجحيم، فتصوَّر أنت من أيِّ مادَّة خُلقت منها هذه الشجرة الخبيثة!! وأمَّا ثمرها فهيئتُه مرعبة كأنَّه رؤوس الشياطين، وأما أثر هذا الثمر في البطون فهو كأثرِ المُهل وهو النحاس أو الصفر المذاب ﴿يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾(114) فإنَّهم مقسورون على تناوله ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾(115) فإذا امتلئت منه البطون شربوا عليه من الحميم.

وأمَّا شرابُ أهل النار فأربعةُ أنواع:

النوع الأول: الحميم: يقول الله تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾(116) وسوف يكون هو شرابهم الذي يستكثرون منه فكلَّما قطَّع أمعاءهم استُعيضوا عنها بأمعاء أخرى، يقول الله تعالى: ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾(117) أي يشربونه كما تشرب الإبل العطاشُ الماء.

النوع الثاني: الصديد: وهو شرابُ الجبابرة، قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾(118) رُوي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) أنَّ ماء الصديد: "هو الدم والقيح من فروج الزواني في النار"(119) وهو قول أكثر المفسّرين كما في مجمع البيان.

النوع الثالث: الغسَّاق: وهو شراب أُعدَّ للطغاة، قال تعالى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾(120) وقال تعالى: ﴿لِلطَّاغِينَ مَآَبًا لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا﴾(121) والغسَّاق فسَّره بعضُهم بشرابٍ لونُه أسود منتنُ الرائحة شديدُ الحرارة، ومعنى قوله تعالى: ﴿وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾(122) أنَّ من جنس هذا الشراب أنواع ذات مذاقاتٍ مختلفة، فكلُّها غسَّاق ولكنَّ طعمَها ومذاقَها مختلف.

النوع الرابع: ماءٌ كالمُهل، وهو شرابٌ أُعدَّ للظالمين: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾(123) والمُهْل كما قيل هو كعُكر الزيت المغلي إذا قرَّبه أحدُهم من فمه سقطت منه فروة وجهه لشدَّة حرارته.

ونختم الحديث حول جهنَّم في القرآن الكريم بالإشارة الموجزة إلى أمور:

الأمر الأول: أن تنوُّع العذاب في جهنَّم ينشأ عن تفاوت درجات المعذَّبين فيها كما أفاد ذلك مثلُ قوله تعالى: ﴿وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾(124) فكلٌّ منهم يشقى بالعذاب المناسب لطبيعة الذنوب التي كان يقترفُها ومستوى الجحود والعناد الذي كان عليه، فالعذاب الذي سوف يشقى به كلُّ معذَّبٍ في النار سوف لن يتجاوزَ مقدار الاستحقاق كما أفاد ذلك قوله تعالى: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾(125).

ثم إنَّ ظاهر الكثير من الآيات أنَّ أصنافًا من المعذَّبين في النار قد يشقون بالعديد من أنواع العذاب إما بالتنقل من نوعٍ لآخر أو بأنْ يعذبون بمجموعها في عرضٍ واحد، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾(126) فهذا الصنف يشقى بكلِّ هذه الأنواع الثلاثة من العذاب، والظاهر أنَّ ذلك يتمُّ بالتنقُّل من نوعٍ لآخر، ولعلَّه يكون في وقتٍ متقاربٍ، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾(127) والظاهر من الآية أنَّ العذاب الغليظ يقع في مرتبةٍ متأخرة عن العذاب بماء الصديد كما هو مقتضى قوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾(128).

الأمر الثاني: تتميَّز نار الآخرة أنَّ سكانها لا يموتون ماداموا فيها معذَّبين، فرغم أنَّ صنفًا من عذابِها لو وقع ما دونه بمراتبَ على أحدٍ من أبناء الدنيا لماتَ من ساعته إلا أنَّه في نار الآخرة يظلُّ يكابدُ قسوة العذاب وإيلامه دون أنْ يموت، وقد نصَّت على ذلك الكثيرُ من الآيات كقوله تعالى: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾(129) وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾(130). وكذلك قوله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾(131).

الأمر الثالث: أفاد القرآن الكريم أنَّ جلود المعذَّبين في نار الآخرة إذا نضجت وتلفت فإنَّها تُستبدل بجلودٍ غيرها وهكذا هي حالهم أبدًا أو إلى أنْ يُقضى لهم فيخرجون من جهنَّم، يقول الله تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾(132) والظاهر أنَّ الأمر لا يختصُّ بالجلود، فإنَّ القرآن قد تحدَّث مثلًا عن أنَّ أمعاء وأحشاء من سيُصبُّ فوق رأسه الحميم سوف تنصهرُ بفعل الحميم، فلأنَّه سيظلُّ حيًّا ولأنَّ هذا السِنخ من العذاب سوف يتكرَّرُ وسوف يكونُ له ذات الأثر وهو الانصهار فذلك يقتضي أنَّ كلَّ شيء يتلفُ من جسد الإنسان بفعل العذاب في نار الآخرة سوف يُستعاض عنه بمثله، وكذلك هو مقتضى قولِه تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾(133) فإنَّ سقر بمقتضى هذه الآيات لن تبقيَ من سكانها شيئًا ولن تذر وحيثُ إنَّهم لن يموتوا وسوف يُعذَّبون بذات العذاب فذلك يقتضيعودتهم إلى ما كانوا عليه ثم ابتلاوهم بذات العذاب.

الأمر الرابع: تحدَّث القرآن عن خلود بعض سكَّان النار في العذاب فيما يقرب من أربعين آية إذا ضممنا إليها ما وصف به العذاب بالمقيم في عددٍ من الآيات، والظاهر أنَّ المراد من الخلود هو البقاءُ في العذاب أبد الآباد، فليس المرادُ منه البقاء في العذاب طويلًا، فإنَّ ذلك خلافُ الظاهر من معنى الخلود المؤكَّد في آياتٍ عديدة بالأبد كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾(134) وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾(135) وقد يُؤيَّدُ ذلك بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾(136).

وأمَّا قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾(137) فلا يدلُّ على أنَّ خلودهم في النار يدومُ بدوامِ السماوات والأرض فإذا زالت السموات والأرض انقطع عنهم العذاب، فإنَّ القرآن وإنْ تحدَّث عن زوال السمواِت والأرض في مثل قوله تعالى: ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾(138) وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾(139) وقوله: ﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾(140)، فهو وإنْ تحدَّث عن أنَّ للسماواتِ والأرضِ أجلًا محدودًا ثم مآلهما إلى زوال إلا أنَّ المقصود من ذلك هو سماواتُ الدنيا وأرضُها، وليس هي سماوات الآخرة وأرضها، فأنَّ ثمة سماواتٍ وأرضًا أخرى في العالم الآخر تحدَّث القرآن عنهما في مثل قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾(141) ويقول تعالى على لسان أصحابِ الجنَّة: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾(142) فللعالم الآخر أرضٌ وسماوات غيرُ أرض الدنيا وسماواتِها، فالتي سوف يعرضها الفناء بمقتضى ظاهر الآيات هي سماواتُ الدنيا وأرضها وأما ما يكون في العالم الآخر من سماواتٍ وأرضٍ وجنَّةٍ ونار فهي باقية لا يعتريها فناءٌ كما هو مقتضى قوله تعالى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾(143).

فقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾(144) يُؤكِّدُ بقاءهم أبدًا في النار لا أنَّه دليلٌ على انقطاع العذاب عنهم، فإنَّهم خالدون في العذاب لأنَّهم سيظلُّونَ كذلك مادامت السماواتُ والأرض، وقد قضى اللهُ تعالى بدوامِهما أبدًا، ويُؤيِّد ذلك أنَّ الحديثَ عن خلود أهلِ النارِ في النار جاء في سياق الحديث عن خلودِ أهلِ الجنَّة في الجنَّة وقد فسَّر ذيلُ الآية الخلود الذي سيمنحه الله لأهل الجنَّة بقوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾(145) أي غير مقطوع، فافتراض فنائها ينافي وصف عطائها بغير المقطوع، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾(146).

الأمر الخامس: يظهرُ من العديدِ من الآيات المتصدِّية لبيان صنوف العذاب وأحوال أهل النار أنَّ لنار الآخرة وللعالم الآخر قوانين إلهيَّة تكوينيَّة مختلفة عن االقوانين التكوينيَّة التي عهدها الإنسانُ في الدنيا، فقد تحدَّث القرآنُ مثلًا عن أنَّ المعذَّبين في نارِ الآخرة لا يموتون بالعذابِ رغم أنَّ دون هذا العذاب بمراتب لو وقع على أحدٍ من أبناء الدنيا لمات من ساعته، وتحدَّث عن أنَّ الجلود بعد نضجِها تعودُ كما هي وكذلك الأمعاء تنصهر والعظام تتحطَّم ثم تعود كما هي، وتحدَّث عن شجرةٍ تنبتُ في أصل الجحيم، وهذا ما لا يُمكن وقوعُه بحسب قوانين عالم الدنيا، وتحدَّث عن أنَّ أصحابِ النار يشربون الحميم كما يشرب الإبلُ العطاشُ الماء، وهذا ما لا يُمكن تصوُّره، فإنَّ الحميم بل وما دونه في الحرارة لو صُبَّ في فمِ رجلٍ من أبناءِ الدنيا لتقطَّع بلعومُه قبل أنْ يصلَ الحميمُ إلى جوفِه، فكيف يشربُه هؤلاء شُربَ الهِيم!! وكيفَ يستقرُّ الزقُّوم في بطونِهم، وقد شبَّهته الآياتُ بالمُهل والنحاسِ المُذاب الذي يغلي في البطون كغلي الحميم!! وتحدَّث القرآن عن أهل النار وأنَّهم يختصمون ويتعارفون فكيف لا يُذهلُهم هول العذاب عن كلِّ ذلك؟! بل كيف يتنفسون وسط الجحيم؟!!

فإذا أضفنا إلى ذلك أنَّ ساحة المحشرِ ستشهدُ نُطقَ جلودِهم وجوارحِهم وستشهدُ محاورةَ الإنسانِ لجوارحه: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾(147) وستَشهدُ تطايرَ الكتبِ وما أشبه ذلك، فمِن كلِّ هذه النماذج ومثلِها يثبتُ يقينًا أنَّ قوانينَ العالم الآخر ليستْ هي كقوانين عالم الدنيا، وهذا ما يفتح لنا آفاقًا رحبة لفهم الكثير من الشئون وتلاشي الكثير من الشبهات التي تطرأ نتيجة قياسِ العالم الآخر على قوانين عالم الدنيا.

الأمر السادس: إنَّ عذابَ الآخرة الذي وصفَه اللهُ تعالى في كتابه مختصٌ بالمُستَحِقِّ من ذوي الجحود والعناد أو التمرُّد والظلم والتجاوز عن سوء اختيارٍ لحدود الله تعالى، فلا يطالُ العذابُ ذوي العذر من الناس وإنْ لم يكونوا موحِّدين أو مُلتزمين بفرائضِ الله تعالى، وهذا الأمرُ رغم وضوحِه وبداهتِه وعدمِ حاجته للبيان نظرًا لاقتضاءِ عدالةِ اللهِ تعالى له واستحالة الظلم على ساحتِه المقدَّسة، رغم ذلك فقد تصدَّت الكثيرُ من الآياتِ لتأكيده بل إنَّ مئاتِ الآياتِ التي تصدَّت لوصف عذابِ الآخرة أو للوعيدِ به ذيَّلتْ أو تصدَّرت بيان منشأ العذابِ وأنَّ منشأه الكفر والجحود والذي لا يصدق إلا في فرض العناد والعلم والعمد أو التقصير أو منشأه الظلم والطغيان والاستكبار والتجاوز لحدود الله واجتراح الكبائر من الذنوب، وكلُّ ذلك وشبهه لا يصدق في ظرف الجهل الناشئ عن قصورٍ لضعفٍ في المدارك العقليَّة أو لظرفٍ قاهر خارجٍ عن الاختيار.

فمِن الآيات التي يُمكن الاستدلالُ بها على أنَّ اللهَ تعالى لا يُعذِّبُ الجاهلَ القاصرَ أو الذي لم يصلْه البيان لظروفٍ خارجةٍ عن اختياره قولُه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا﴾(148) وقولُه تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا﴾(149) وقولُه تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾(150) وقولُه تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾(151).

وأمَّا الآيات التي تصدَّت لبيان أنَّ منشأ العذاب هو مثل الكفر والجحود، والنفاق، والكتمان للحق، والبغي والإفساد في الأرض، والطغيان والإستكبار، والظلم، والتعدِّي، والتجاوز لحدود الله عن سوء اختيار فكثيرة جدًا تربو على المئات ولذلك يشقُّ ااستقصاؤها، ولذلك سنقتصر على ذكر نماذج منها:

النموذج الأول: قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾(152) الواضح من الآية أنَّ الوعيد بالعذاب في الآية نشأ عن سوء الاختيار ولم ينشأ عن ظرفٍ قاهر أو عن الجهل والقصور، فذلك هو المستفاد من قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾(153) ومفاد الآية ظاهرًا هو لو لم يكن الوعيد بالعذاب بسبب ما قدَّمت أيديهم عن اختيار ومعرفة لكان الله تعالى ظلامًا للعبيد، وهو جلَّ وعلا منزَّه عن الظلم للعباد.

النموذج الثاني: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ من أنصَارٍ﴾(154) الواضح من الآية أنَّ منشأ دخول النار هو الظلم، والظلم لا ينشأ إلا عن اختيار وعن وعيٍّ وادراك، فقبح الظلم من المدركات الفطرية، فمَن لا يدركه يكون فاقدًا للإدراك، والفاقد للإدراك لا يُوصف بالظلم ولا يكون مخاطبًا ومكلفًا.

ويقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾(155) وظاهر هذه الآية هو أنَّ عذاب الخلد كان جزاء على ما كانوا يكتسبون، والجزاءُ إنَّما يكون في مقابل العمل الاختياري كما أَّن قوله يكتسبون ظاهر في الاختيار والواضح من الآية أنَّها في مقام التحذير، والتحذيرُ لا يتَّجه إلا للعاقل المختار ولا يكون منجِّزًا إلا مع الوصول والعلم.

وكذلك هو مدلول قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(156).

النموذج الثالث: قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾(157) المحادَّة لله والرسول هي المجاوزة للحدود على وجه المشاقة والمعاداة.

النموذج الرابع: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(158) فمنشأ صيروتهم من أصحاب النار هو أنَّهم عادوا إلى تعاطي الربا بعد أنْ جاءتهم موعظةٌ من ربِّهم، فاستحقاق العذاب إنَّما نشأ عن استخفافهم بنهي الله رغم وصوله لهم، وقد أكَّدت هذا المعنى آيةٌ أُخرى، وهي قوله تعالى تتحدَّث عن منشأ استحقاق اليهود أو بعضهم للنار: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(159).

النموذج الخامس: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(160) فهو إنَّما استحقَّ جهنَّم لأنَّه تعمَّد القتل.

وهكذا فإنَّ أكثر الآيات -إنْ لم يكن جميعها- التي تصدَّت للوعيد بالنار قد اشتملت على بيان منشأ الوعيد، وكلُّ مناشئ الوعيد دون استثناء لا تصدقُ إلا في فرض العلم والعمد والاختيار، فحتَّى عدم التوحيد الناشئ عن الجهل القصوري لا يصدقُ عليه شيء من موجبات الدخول في النار، والمسألة بحاجة إلى مزيدٍ من البيان نُرجئه إلى بحثٍ مستقلٍّ إنْ شاء الله تعالى.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الحجر / 43-44.

2- الزمر / 71.

3- الزمر / 72.

4- المعارج / 16.

5- المدثر / 27 -28.

6- الكهف / 29.

7- الإسراء / 8.

8- الهمزة / 8.

9- النحل / 29.

10- الزمر / 71.

11- البلد / 20.

12- الهمزة / 8-9.

13- سورة الحجر / 43-44.

14- الزمر / 71.

15- التوبة / 49، والعنكبوت / 54.

16- الأعراف / 18.

17- هود / 119.

18- البقرة / 24.

19- الإسراء / 97.

20- الواقعة / 41-44.

21- المرسلات / 29-31.

22- النساء / 145.

23- الزمر / 16.

24- الحج / 19.

25- النساء / 10.

26- البقرة / 174.

27- المرسلات / 32.

28- المرسلات / 33.

29- الهمزة / 4-5.

30- الرحمن / 35.

31- الفرقان / 12.

32- الملك / 7-8.

33- ق / 30.

34- الليل / 14.

35- الإسراء / 97.

36- النساء / 56.

37- الأنبياء / 39.

38- الزخرف / 74-75.

39- النحل / 85.

40- الهمزة / 8.

41- الكهف / 29.

42- الشعراء / 92-95.

43- المدثر / 31.

44- التحريم / 6.

45- غافر / 49.

46- الملك / 8.

47- يوسف / 55.

48- غافر / 49-50.

49- الزخرف / 77.

50- المؤمنون / 106.

51- البقرة / 167.

52- فاطر / 37.

53- الأنعام / 28.

54- المائدة / 37.

55- فاطر / 37.

56- هود / 106.

57- الحج / 22.

58- المؤمنون / 107-108.

59- الأعراف / 50.

60- الكهف / 29.

61- غافر / 49.

62- غافر / 50.

63- الزخرف / 77.

64- الأعراف / 38.

65- سبأ / 32.

66- الطور / 13.

67- مريم / 68.

68- الكهف / 53.

69- الحاقة / 30.

70- الدخان / 47.

71- الملك / 7-8.

72- الفرقان / 13.

73- النساء / 56.

74- المطففين / 16.

75- الأحزاب / 66.

76- الأنبياء / 39.

77- الأعراف / 41.

78- العنكبوت / 55.

79- التوبة / 35.

80- الذاريات / 13.

81- الحج / 21.

82- الحج / 21-22.

83- الرحمن / 44.

84- غافر / 71-72.

85- الدخان / 48.

86- الحج / 19-20.

87- إبراهيم / 49.

88- الفرقان / 13.

89- الإنسان / 4.

90- غافر / 71.

91- الحاقة / 32.

92- الهمزة / 8-9.

93- القمر / 48.

94- القمر / 48.

95- الرحمن / 41.

96- العلق / 15

97- المؤمنون / 104.

98- المعارج / 15-16.

99- الطور / 27.

100- الواقعة / 41-42.

101- الطور / 26-27.

102- الحج / 19.

103- إبراهيم / 50.

104- سبأ / 12.

105- الرحمن / 44.

106- الحج / 19.

107- المزمل / 12-13.

108- الحاقة / 35-37.

109- الغاشية / 6-7.

110- تفسير مجمع البيان -الشَّيخ الطَّبرسي- ج10 / ص336.

111- تفسير القمّي -علي بن إبراهيم القمّي- ج2 / ص81.

112- الدخان / 43-46.

113- الصافات / 62-67.

114- الدخان / 45-46

115- الصافات / 66.

116- محمد / 15.

117- الواقعة / 54-55.

118- إبراهيم / 15-17.

119- تفسير مجمع البيان -الشَّيخ الطَّبرسي- ج6 / ص67.

120- ص / 55-58.

121- النبأ / 22-26.

122- ص / 58.

123- الكهف / 29.

124- آل عمران / 162-163.

 25- النبأ / 26.

126- الحج / 19-21.

127- إبراهيم / 16-17.

128- إبراهيم / 17.

129- الأعلى / 12-13.

130- فاطر / 36.

131- إبراهيم / 17.

132- النساء / 56.

133- المدثر / 26-28.

134- الأحزاب / 64-65.

135- الجن / 23.

136- فاطر / 36.

137- هود / 106-107.

138- الروم / 8.

139- الأنبياء / 104.

140- الواقعة / 4-6.

141- إبراهيم / 48.

142- الزمر / 74.

143- النحل / 96.

144- هود / 107.

145- هود / 108.

146- هود / 105-108.

147- فصلت / 21.

148- الطلاق / 7.

149- البقرة / 286.

150- الإسراء / 15.

151- الأنفال / 42.

152- الأنفال / 50-51.

153- الأنفال / 51.

154- آل عمران / 192.

155- يونس / 52.

156- الشورى / 42.

157- التوبة / 63.

158- البقرة / 275.

159- النساء / 161.

160- النساء / 93.