بخوعًا أو نجوعًا؟ وما الفرق؟

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

جاء في الدعاء المأثور من أدعية الإمام زين العابدين (ع) في شعبان: ".. وهذا شهر نبيِّك سيدِ رسلك صلواتك عليه وآله، شعبانُ الذي حففته بالرحمة والرضوان، الذي كان رسولُك صلواتك عليه وآله يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه، بخوعًا لك في إكرامه وإعظامه إلى محلِّ حمامه، اللهمَّ فأعنَّا على الاستنان بسنَّته فيه ونيل الشفاعة لديه، اللهمَّ فاجعله لي شفيعًا مشفعا وطريقًا إليك مهيعًا .."(1).

 

هكذا ورد في كتاب إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس، وأورد الشيخ عباس القمِّي في مفاتيح الجنان الدعاءَ نفسه لكنَّه ذكر بدلًا من كلمة: "بخوعًا" كلمة: "نجوعا" فهل يحملان نفس المعنى أرجو شرح معناهما؟ وما معنى كلمة: "مهيعا"؟

 

الجواب:

المناسب لمعنى البخوع في هذا الدعاء المأثور هو الخضوعُ لله تعالى والانقيادُ له، والإقرارُ له بالطاعة، يُقال: بخَعَ له بحقّه يَبْخَعُ بُخوعًا وبَخاعةً: أي أَقرَّ به، وخضَع له، ويقال: بخعتُ له: أي تذلَّلتُ(2)، فمعنى قوله (ع): "يدأبُ في صيامه وقيامه .. بخوعًا لك" هو أنَّه (ص) يُداوم على الصيام والقيام خضوعًا وتذلُّلًا لله تعالى وانقيادًا له وإقرارًا له بالعبوديَّة والطاعة. فـ"بخوعًا" في موضع حالٍ من النبيِّ(ص) أي أنَّه يصوم خاضعًا متذلِّلًا مقرًّا لربِّه بالعبوديَّة والطاعة.

 

وأمَّا النجوع فهو هنا بمعنى الطلب من النُّجْعةُ وهو طلَب الكلأِ في موضعه، وطلب المعروف(3)، يُقال: انتجعتَ فلانًا إذا أتيتَه تطلبُ معروفه وإحسانه(4)، وبناءً على ذلك يكون معنى هذه الفقرة من الدعاء أنَّ الرسول (ص) يدأبُ في صيامه وقيامه طلبًا لله في أنْ يكون في موضع كرامته وعلوِّ شأنه عنده جلَّ وعلا.

 

وأمَّا معنى قوله (ع): "وطريقًا إليك مهيعًا" فالمهيَع هو الطريق الواسع المنبسط الواضح البيِّن(5)، من التهيُّع وهو الانبساط، والانبساطُ بطبعه يقتضي الوضوح، ولا يكون إلا حيث تكون السعة، لذلك يُقال بلدٌ مهيَع أي واسع والهيعة وصفٌ للأرض الواسعة المبسوطة، وكذلك هو وصف للطريق الواسع المُنبسط الذي ليس فيه عقبات ولا تعرُّجات ولا حواجز وموانع وغوامض، فطبيعة الطريق المنبسط الواسع هو أنَّه منكشِف لسالكه فلا يخشى مفاجئاته، وهذا هو معنى ما ورد عن أمير المؤمنين (ع): "اتقوا البِدَع والزموا المَهيَع"(6) أي الزموا الطريق المنبسط الواضح البيِّن والسالك.

 

والظاهر أنَّ ما ورد في الإقبال لابن طاووس هو الأصح، فهو الموافق لما ورد في النسخة المتداولة لكتاب مصباح المتهجِّد للشيخ الطوسي (رحمه الله) وهي المطابقة في هذا المورد لوسائل الشيعة للعاملي، وكذلك فإنَّ ما ورد في الإقبال هو الموافق لما في كتاب المزار للشيخ محمد بن جعفر المشهدي (رحمه الله) من أعلام القرن السادس الهجري، وكذلك هو الموافق للنسخة المتداولة لكتاب البلد الأمين للكفعمي (رحمه الله) ولم أجد من هؤلاء من أشار إلى اختلاف النُسَخ، على أنَّ كتاب مفاتيح الجنان في النسخة المحققة مشتملة هي أيضًا على كلمة "بخوعًا" فلا يبعد أنَّ كلمة "نجوعًا" الواردة في بعض النسخ تصحيف لكلمة "بخوعًا" لتقارب حروف الكلمتين.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص300.

2- لاحظ: لسان العرب -ابن منظور- ج8 / ص5.

3- لاحظ: لسان العرب -ابن منظور- ج8 / ص347.

4- لاحظ: الصّحاح -الجوهري- ج3 / ص1288.

5- لاحظ: لسان العرب -ابن منظور- ج8 / ص379.

6- وسائل الشّيعة -الحر العاملي- ج16 / ص175.