لحوم أهل البيت محرَّمة على السباع

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

المسألة:

إلى ماذا يُشير الإمام الحسين (عليه السلام) في خطبته قبل الخروج: "فيملئن مني أكراشا جوفا"(1) في حين أنَّ وحوش البرِّ كانت زوارًا له يوم كان على رمضاء كربلاء. وكذلك فإنَّ أجساد أهل البيت (عليهم السلام) محرَّمةٌ على السباع وغيرها كما تدلُّ على ذلك في حادثة المرأة التي ادعت أنَّها السيدة زينب (ع) في عهد الإمام الهادي (عليه السلام)؟

الجواب:

 الوارد في الروايات عن أهل البيت (ع) أن لحومهم محرمة على السباع والدواب وأن اجسادهن لا تبلى بعد الموت بتقادم الزمان:

فمن هذه الروايات ما أورده الصدوق في الفقيه عن النبيِّ الكريم (ص) قال:  وقال النبيُّ صلى الله عليه وآله : " حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ، قالوا : يا رسول الله وكيف ذلك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : أما حياتي فإن الله عز وجل يقول : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " وأما مفارقتي إياكم فإن أعمالكم تعرض عليَّ كل يوم فما كان من حسن استزدت الله لكم ، وما كان من قبيح استغفرت الله لكم ، قالوا : وقد رممت يا رسول الله يعنون صرت رميما فقال : كلا ، إنَّ الله تبارك وتعالى حرَّم لحومنا على الأرض أنْ تطعم منها شيئاً". (2)

وأورده الصفار في البصائر بسندٍ معتبرٍ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبيُّ (ص) يوما لأصحابه: " حياتي خيرٌ لكم، ومماتي خيرٌ لكم، قال: فقالوا: يا رسول الله صلَّى الله عليه وآله هذا حياتُك نعم، قالوا: فكيف مماتُك؟ فقال: إنَّ اللهَ حرَّم لحومُنا على الأرض أن يطعم منها" وأورد ما يقرب منه بسندٍ آخر(3)

والاستدلال بالروايات مبنيٌّ على أنَّ المراد قوله (ص): "إنَّ اللهَ حرَّم لحومُنا" هو أنَّه تعالى حرَّم لحومنا أهل البيت، أما لو كان المراد أنَّه تعالى حرَّم لحومنا نحن الأنبياء فلا تصلح الرواية للاستلال بها على تحريم لحوم أهل البيت(ع) على الأرض إلا أنَّ الأظهر هو المعنى الأول بقرينة الروايات الأخرى، وبقرينة الروايات الكثيرة التي نصَّت على أنَّهم أيضاً ممَّن تُعرض أعمال العباد عليهم 

ومنها: ما أورده الصدوق في الفقيه عن الإمام الصادق (ع): "أنَّ الله حرَّم عظامَنا على الأرض، وحرَّم لحومَنا على الدود أنْ تَطعم منها".(4) وفي تفسير الثقلين: "حرَّم لحومنا على الدواب أنْ تطعم منها".(5) 

ومنها: ما ورد عن الإمام الرضا (ع): "إنّا أهل بيتٍ لحومنا محرَّمة على السباع" .(6) وأورده القطب الراوندي في الخرائج إلا أنَّه قال: "لحوم ولد -بني- فاطمة محرمة على السباع" (7)

وبناءً على ذلك لا بدّ من استظهار معنًى آخر من الرواية المذكورة غير المستظهَر منها بدوًا. فقوله (عليه السلام): "كأنِّي بأوصالي تُقطِّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منِّي أكراشًا جوفًا وأجربة سغبًا" (8) يكون معناه كأنِّي بجسدي قد قطَّعته أجلاف الرجال المتوحِّشة فيحصلون بذلك على ما يملأون به أجوافهم من عطايا السلطان، فعسلان الفلوات تعني الذئاب العادية المتوحشة، وقد شبَّه الإمام الحسين (ع) مَن يتولَّى قتله بذئاب البراري للتعبير عن بداوتهم وقسوتِهم، فكما أنَّ الذئاب تفترس لغرض تحصيل ما تطعمُه وتأكلُه فكذلك هؤلاء اللذين يتولَّون قتله إنَّما يقتلونه طمعًا في عطايا السلطان.

وثمة احتمالٌ آخر لمعنى الرواية هو أنَّ الإمام (ع) أراد القول بأنَّه يُقتل ويظلُّ جسده على الأرض دون مواراة بحيث يكون عرضةً لذئاب الفلوات، فهو لم يكن يُخبر عن أنَّ الذئاب سوف تنالُ من جسده الشريف وإنَّما أراد بذلك التعبير عن انَّه سوف يكون في معرَض افتراس الذئاب نظرًا لعدم مواراته بعد قتله.

فمساق كلامه مساق قولنا: (عندي من الخبز ما يملأ بطون عشرة من الرجال) فهذا التعبير لا يعني الإخبار عن أكل العشرة فعلاً لهذا المقدار من الخبز بل يعني الإخبار عن الاقتضاء والشأنيَّة وأنَّ المقدار الذي أملكه من الخبز له شأنيَّة الإشباع لعشرة من الرجال.

وهذا المعنى وإنْ كان خلاف الظاهر إلا أنَّه محتمل، والمعنى الأول أرجح.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

-----------------------------------

1- مثير الأحزان - ابن نما الحلي- 29، .بحار الأنوار- المجلسي-ج 44/ 367.

2-من لا يحضره الفقيه - الصدوق- ج1 / 191.

3- بصائر الدرجات-  محمد بن الحسن بن فروخ الصفار-ص 463، 464.

4- من لا يحضره الفقيه - الصدوق- ج1 / 191.

5- تفسير نور الثقلين- الحويزي- ج4/  394.

6- الثاقب في المناقب - ابن حمزة الطوسي- ص 547.

7- الخرائج والجرائح - القطب الراوندي- ج1/  405.بحار الأنوار- المجلسي- ج50/ 150.

8- مثير الأحزان - ابن نما الحلي- 29، .بحار الأنوار- المجلسي-ج 44/ 367.