ترجمة عمر بن علي بن أبي طالب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

 

المسألة:

شيخنا العزيز: أودُّ السؤال عن سيرة عمر بن عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما هو موقفُه من أئمة زمانه (ع) وما هي توجُّهاته؟ 

 

الجواب:

منشأ تلقيبه بالأطرف:

عمر بن عليِّ بن أبي طالب هو الملقَّب بعمر الأطرف تمييزًا له عن عمر بن عليٍّ السجَّاد الملقَّب بالأشرف، ومنشأ تلقيب عمر ابن السجَّاد بالأشرف هو أنَّه حظيَ بشرف التولُّد من السيدة فاطمة بنت الرسول (ص) مضافًا إلى شرف التولُّد من عليِّ بن أبي طالب (ع) فهو قد حَظيَ بالشرف من الطرفين، وأمَّا عمر بن عليِّ بن أبي طالب فهو الأطرف لأنَّه حظيَ بالشرف من طرفٍ واحد وهو أنَّ أباه عليٌّ أمير المؤمنين (ع)(1) وأمَّا أمُّه فهي الصهباء أم حبيب بنت عباد ابن ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة التغلبيَّة، وعمر الأطرف (رحمه الله) كان توأمًا لرقيَّة بنت أمير المؤمنين (ع)(2).

 

قيل إنَّه كان آخر مَن ولد لأمير المؤمنين (ع) والظاهر أنَّ مقصودهم هو أنَّه آخر مَن بقي من أولاد أمير المؤمنين (ع) وإلا فهو على الأرجح أكبر من أولاد أمِّ البنين الأربعة الذين استُشهدوا مع الحسين (ع) ولعلَّه أكبر من غيرهم أيضًا، فعمر الأطرف -كما في تاريخ مدينة دمشق وغيره(3)- قد وُلد في أيام عمر بن الخطاب.

 

وكيف كان فالظاهر أنَّه لم يقع خلافٌ في أنَّه ممَن تخلَّف عن الإمام الحسين (ع) فلم يحظَ بالشهادة بين يديه، ويشهد لذلك العديد من الأخبار التي يظهر منها بقاؤه إلى ما بعد أحداث كربلاء بزمنٍ ليس باليسير، فقد قيل إنَّ عمره بلغ خمسًا وسبعين أو سبعًا وسبعين سنة(4) وبناءً عليه تكون وفاتُه قد وقعت في أيَّام إمامة الإمام السجاد (ع) وقيل إنَّه بقي إلى أيام الوليد بن عبد الملك(5) وبناءً عليه تكون وفاتُه قد وقعت بعد السنة السادسة والثمانين التي تسلَّم فيها الوليد زمام الخلافة الأمويَّة بل قيل إنَّ عمره امتدَّ إلى أنْ بلغ خمسًا وثمانين سنة(6) فإذا كان مولده في بداية خلافة عمر فوفاته بناءً على ذلك تكون في نهاية العقد التاسع من الهجرة.

 

وهنا ننقلُ عددًا من القضايا التي قد تُسهم في الإضاءة على شخصيَّة عمر الأطرف.

 

القضية الأولى: الإشارة على أخيه الحسين (ع) بالبيعة:

روى السيِّد ابن طاووس في اللهوف قال: وحدَّثني جماعةٌ منهم مَن أشرتُ إليه بإسنادهم إلى عمر النسَّابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جدِّه محمد بن عمر قال: سمعتُ أبي عمر بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) يُحدِّث أخوالي آل عقيل قال: لمَّا امتنع أخي الحسين (عليه السلام) عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلتُ عليه فوجدتُه خاليًا فقلتُ له: جعلتُ فداك يا أبا عبد الله، حدَّثني أخوك أبو محمد الحسنُ عن أبيه (عليهما السلام) ثم سبقتني الدمعةُ وعلا شهيقي فضمَّني إليه وقال: حدَّثكَ أنِّي مقتول فقلتُ: حُوشيتَ يابن رسول الله، فقال (ع): سألتُك بحقِّ أبيك بقتلي خبَّرك؟ فقلتُ: نعم، فلولا ناولتَ وبايعتَ، فقال (ع): حدَّثني أبي أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أخبره بقتله وقتلي وأنَّ تُربتي تكون بقرب تربته، فتظنُّ إنَّك علمتَ ما لم أعلمه وإنَّه لا أعطي الدنيَّةَ عن نفسي أبدًا ولتَلقينَّ فاطمةُ أباها شاكيةً ما لقيَتْ ذريتُها من أمَّتِه، ولا يدخل الجنَّة أحدٌ آذاها في ذريتِها"(7).

 

فهذه الرواية تصلحُ شاهدًا على أنَّه لم يكن من شهداء كربلاء فهو -بحسب الرواية- ينقل لآل عقيل بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) ما وقع بينه وبين أخيه قبل مسيره إلى كربلاء. كما أنَّها تكشف عن طبيعة العلاقة العاطفيَّة بين عمر الأطرف وبين أخيه الإمام الحسين (ع) وعن إكباره وإجلاله لأبيه وأخيه الحسن (ع) وتعظيمه للسيدة فاطمة (ع).

 

وقال أبو نصر البخاري في سرِّ السلسلة العلويَّة عن عمر بن عليٍّ أنَّه: "دعاه الحسين (عليه السلام) إلى الخروج معه فلم يخرج، فلمَّا أتاه مصرعُه خرج في معصفراتٍ له وجلس بفناء داره. ويقول: أنا الغلامُ الحازم ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقُتلت"(8).

 

أقول: أما أنَّ الحسين (ع) قد دعاه للخروج معه فلم يستجب فذلك ممكن، وهو يكشف لو صحَّ عن أنَّه لم يكن معذورًا في تخلُّفه، إذ لو كان له عذرٌ لما دعاه الحسين (ع) للخروج معه.

 

وأمَّا أنَّه خرج في معصفراتٍ بعد أنْ بلغه مصرعُ الحسين (ع) وقال: "أنا الغلام الحازم" فهو في غاية البُعد، إذ إنَّ هذا الفعل يُوحي بأنَّ عمر الأطرف قد شمت بمقتل أخيه الحسين (ع) ولا موجبَ لذلك، بل حتى لو كان الأخُ واجدًا على أخيه فإنَّه لا يشمتُ أو يفرح بموته غالبًا، ولو فرح بموتِ أخيه فإنَّه لا يُظهِرُ فرحَه للناس حذرًا من استهجانهم لفعله إلا أنْ يكون أحمقَ أو معتوهًا ولم يكن عمر الأطرف كذلك، فقد كان معروفًا بالعقل والفضل.

 

فالخبر لغرابته لا يثبتُ إلا أنْ يستفيض نقلُه، وهو ليس كذلك، إذ لا يعدو كونه خبر آحاد ومرسَل، على أنَّ ما أورده السيِّد ابن طاووس من بكاء عمر الأطرف وشهيقه لمجرَّد استحضاره أنَّ أخاه الحسين (ع) يُقتل في العراق، وكذلك فإنَّ ما أُثر عنه من الروايات -المحرَز صدور بعضها في الجملة- في فضل أمير المؤمنين والحسن والحسين (ع) يُعزِّز من وهن خبر أبي نصر البخاري.

 

القضية الثانية: سعيه لتحصيل الولاية على صدقات أمير المؤمنين (ع):

أورد الشيخ المفيد في الإرشاد قال: روى هارون بن موسى قال: حدَّثنا عبد الملك بن عبد العزيز قال: لمَّا وليَ عبد الملك بن مروان الخلافة ردَّ إلى عليِّ بن الحسين صلوات الله عليهما صدقات رسول الله وعليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما، وكانتا مضمومتين، فخرجَ عمر بن عليٍّ إلى عبد الملك يتظلَّم إليه من نفسه، فقال عبد الملك: أقول كما قال ابن أبي الحقيق(9) وتمثَّل بأبياتٍ له، وامتنع من إعطائه أو إشراكه في الولاية على صدقات أمير المؤمنين (ع).

 

وفي أنساب الأشراف أنَّ عبد الملك قال بعد تمثله بأبيات ابن أبي الحقيق: "لا لعمري لا أُخرجها من ولد الحسين إليك، ووصله عبد الملك ورجع من عنده"(10) وأورد هذه القضية -مرسلة- ابنُ شهراشوب في المناقب مع اختلافٍ في شيء من تفاصيلها(11).

 

وأورد مصعب بن عبد الله الزبيري المتوفي سنة 236 ه في نسب قريش هذه الواقعة ولكنَّه ذكر أنَّ شكاية عمر كانت على الحسن بن الحسن المجتبى وأنَّ الذى رفع شكايته عنده هو الوليد بن عبد الملك، قال: ثم دفع -الوليد- الرقعة إلى أبان، وقال: ادفعها إليه، وأعلمه أنِّي لا أُدخل على ولد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيرهم، فانصرف عمر غضبان، ولم يقبل منه صلة"(12).

 

وكذلك أوردها ابن عساكر مسندةً عن مصعب بن عبد الله الزبيري.(13) وأوردها بهذا النحو القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار(14).

 

والظاهر أنَّ ما أورده الشيخ المفيد والبلاذري هو الأقرب للصحَّة وذلك لأنَّ الظاهر أو الأرجح أنَّ الشيخ المفيد (رحمه الله) قد نقل الخبر من أصول هارون بن موسى وهو من ثقاتنا، وهو قد تلقَّى الخبر -كما صرَّح- عن عبد الملك بن عبد العزيز وهو ابن جريح المكي المعروف بالوثاقة والصدق وكان له ميل ومحبَّة شديدة لأهل البيت (ع) وإن كان الأرجح أنَّه من أبناء العامة، وقد توفي في حدود الخمسين بعد المائة، وكان عمره سبعين سنة كما أفاد ابن حجر وقيل إن عمره قد بلغ المائة(15)، وعلى أيِّ تقدير فهو شديد القرب من زمن الواقعة التي يرويها إنْ لم يكن معاصرًا لها.

 

وإذا صحَّت هذه الواقعة فهي خطيئة نسألُ الله تعالى أنْ يتجاوز عنه ولعلَّ ممَّا يؤكد وقوعها ما نقله ابن شهراشوب في المناقب قال: دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين (ع) فسلَّم عليه وأكبَّ عليه يُقبِّله، فقال عليٌّ (ع): يابن عم لا تمنعني قطيعةُ أبيك أنْ أصل رحمك، فقد زوجتُك ابنتي خديجة ابنة علي"(16).

 

فنسل عمر بن علي الأطرف كان من ابنه محمد زوج خديجة ابنة الإمام زين العابدين (ع).

 

القضية الثالثة: بيعته لابن الزبير وبعده الحجاج:

قال أبو نصر البخاري في سر السلسلة العلويَّة إنَّ: "أول من بايع ابن الزبير عمر بن علي (عليه السلام) ثم بايع الحجاج بعده"(17).

 

الخبر مشعِرٌ بأنَّ البيعة من عمر لابن الزبير كانت عن اختيار وممالأة وهو ما لا يُمكن التثبُّت من صحته، إذ لم نجد في الأخبار ما يعضدُه، ولو صحَّ أنَّه بايع ابنَ الزبير وبايع بعده الحجَّاج -وهو غير مستبعَد- فإنَّه لا يكشفُ عن أنَّ البيعة نشأت عن قناعته باستحقاق ابن الزبير للبيعة أو استحقاق عبد الملك الذي كان الحجَّاج عاملًا له، فقد يكون منشأ ذلك هو إيثاره للسلامة وخشيته من إيذاء ابن الزبير الذي تمكَّن من الهيمنة على الحجاز قبل أن يتمكَّن الحجَّاج من تقويض سلطانه وقتله.

 

ويُؤكِّد ذلك ما عُرف من أحوال عمر بن عليٍّ من إيثاره للسلامة والدَّعة، وقد كان ابن الزبير يقسرُ الناس في الحجاز على مبايعته حتى أنَّه حاصر الهاشميين الذين رفضوا مبايعته وتوعَّدهم بالقتل والحرق، ولولا تدخل المختار لكان ربَّما أحرقهم(18).

 

والمظنون أنَّ الذي بايع ابن الزبير هو عبيد الله بن عمر، فهو الذي نقل المدائني عن أشياخه -كما في أنساب الأشراف ج5/ 352، ج6/ 341- أنَّه بايع ابن الزبير حين دعا لنفسه، وكثيراً ما يقعُ الخلط لدى بعض المؤرِّخين بين عمر بن علي وبين عبيد الله بن علي كما سنُشير إلى ذلك في التنبيه الثاني.

 

القضيَّة الرابعة: كان محدِّثاً موصوفاً بالصدق: 

كان عمر بن عليٍّ الأطرف محدِّثًا ونقل عنه المحدِّثون من الفريقين جملة وافرة من الروايات يرويها عن أبيه أمير المؤمنين (ع) ويظهر من جملةٍ منها -والمحرَز صدورها في الجملة- أنَّه يعتقد لأبيه أمير المؤمنين (ع) بالإمامة والوصيَّة وقد نقل العديد من مناقبه ومناقب السيدة فاطمة (ع) والحسن والحسين (ع)، هذا وقد روى عنه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم من محدِّثي العامَّة ووصفه العديد من رجال الجرح والتعديل من أبناء العامة وبالوثاقة والصدق، ووصفه بعض المؤرخين والنسَّابة بالفصاحة والعقل والسماحة والجود والعفَّة(19).

 

هل كان عمر بن عليٍّ من شهداء كربلاء:

ويجدرُ في المقام التنبيه على أمرين:

الأمر الأول: ذكر ابن أعثم الكوفي في الفتوح -وتبعه الخوارزمي في مقتل الحسين (ع)- أنَّ عمر بن عليٍّ كان ضمن من استُشهد من أولاد امير المؤمنين (ع) بين يدي الحسين (ع) في كربلاء، قال في سياق الاستعراض لتفاصيل ما وقع يوم عاشوراء في كربلاء: "ثم تقدَّم إخوةُ الحسين عازمين على أنْ يموتوا من دونه، فأولُ من تقدَّم أبو بكر بن علي- واسمه عبد الله .. فحمل عليه رجلٌ من أصحاب عمر بن سعد يُقال له زُحر بن بدر النخعي فقتله (رحمه الله) فخرج من بعده أخوهُ عمر بن عليٍّ فجعل يقول:

 

أضربكم ولا أرى فيكم زُحر ذاك الشقيُّ بالنبيِّ من كفر

 

قال: ثم حملَ على قاتل أخيه فقتلَه، واستقبل القوم فجعل يضربُ فيهم بسيفه ضربًا منكرًا وهو يرتجز ويقول:

خلُّوا عداة الله خلوا عن عمر

خلُّوا عن الليث العبوس المكفهر

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قُتل (رحمه الله)(20).

 

وكذلك ذكر ابن شهراشوب في المناقب ما يقرب من هذا النص، قال: ثم برز أبو بكر بن علي (ع) قائلا:

شيخي عليٌّ ذو الفخار الأطولِ

 

فلم يزل يقاتل حتى قتلَه زجر بن بدر الجعفي، ويُقال عقبة الغنوي. ثم برز أخوه عمر وهو يرتجز:

خلُّوا عداة الله خلو عن عمر

خلوا عن الليث الهصور المكفهر

وقتل زجرا قاتل أخيه ثم دخل حومة الحرب"(21).

 

ولم أجد في المصادر المعوَّل عليها مَن ذكر عمر بن عليٍّ ضمن شهداء الطف سوى هذين المصدرين، فلم يُذكر في عداد الشهداء ولو بنحو الاحتمال في مثل الإرشاد واللهوف ومثير الأحزان، ولم يُذكر في زيارة الناحية التي تصدَّت لتعداد أسماء الشهداء وكذلك لم يُذكر في كتب التاريخ العامة -كتاريخ الطبري والكامل وأنساب الأشراف والطبقات وتاريخ مدينة دمشق ومقاتل الطالبيين وغيرها- في عداد مَن قتل مع الحسين (ع) وإذا صحَّ ما ذكر ابن أعثم وابن شهراشوب من عدِّ عمر بن عليٍّ ضمن الشهداء فهو عمرٌ آخر غير عمر بن عليٍّ الأطرف، إذ إنَّ من المسلَّم به لدى مؤرخي الفريقين والنسَّابة وعلماء الجرح والتعديل أنَّ عمر بن عليٍّ لم يكن من الشهداء حتى أنَّه يمكن عدُّ ذلك من حقائق التأريخ.

 

هذا وقد احتمل الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم الرجال(22) أنَّ للإمام عليٍّ (ع) ولدين باسم عمر، والأكبر منهما هو الذي تخلَّف عن الإمام الحسين (ع) وبقي إلى زمنٍ متأخر وكان محدِّثًا فاضلًا وله عقب، وأمَّا المقتول في كربلاء فهو عمر الأصغر وأمُّه الصهباء، وأيَّدَ ذلك بما ذكره ابن الجوزي في تذكرة الخواص فقد وصف عمر في مقام تعداد أولاد عليٍّ بالأكبر.

 

أقول: إنَّ ما أفاده النمازي (رحمه الله) من أنَّ الصهباء هي أمُّ عمر الأصغر اشتباهٌ منه، فالصهباء هي التغلبيَّة وهي أمُّ عمر الذي وصفه ابنُ الجوزي بالأكبر، وقد نصَّ ابن الجوزي نفسه على ذلك، والصهباء هي كذلك أمُّ رقيَّة بنت أمير المؤمنين (ع). ثم إنَّ ابن الجوزي لم يذكر أنَّ لعليٍّ (ع) ولدًا آخر باسم عمر غير الذي وصفَه بالأكبر رغم أنَّه بصدد تعداد أولاد أمير المؤمنين (ع). (تذكرة الخواص ص57)

 

نعم ذكر البلاذري في أنساب الأشراف أنَّ لعليٍّ (ع) ولدًا آخر باسم عمر الأصغر وقال إنَّ أمَّه هي أمُّ سعيد بنت عروة ابن مسعود الثقفي، وقيل إنَّ أمَّه أم ولد ولكنَّه لم يذكر أنَّه قُتل مع الحسين في كربلاء(23) وذكره كذلك في الحدائق الوردية وقال إنَّ أمَّه المصطلقيَّة وهو كذلك لم يذكر أنَّه استُشهد في كربلاء(24)، وكذلك ذكره المزِّي في تهذيب الكمال ولكنَّه لم يذكر أنَّه استُشهد في كربلاء بل ذكر أنَّه درج أي مات، على أنَّه نصَّ على أسماء من قُتل في كربلاء ولو بنحو الاحتمال ولم يذكره منهم(25) وثمة آخرون ذكروا أنَّ لعليٍّ (ع) ولدًا آخر غير عمر ابن الصهباء اسمه عمر، نعم أكثر المؤرِّخين لم يذكر له سوى عمر ابن الصهباء المعروف بالأطرف.

 

وعليه فلا يُمكن التثبُّت من وجوده فضلًا عن مشاركته واستشهاده في كربلاء وإن كان ذلك محتملًا.

 

المقتول في معسكر مصعب بن الزبير:

الأمر الثاني: ذكر عددٌ من المؤرِّخين كخليفة بن خيَّاط (ت: 240ه) في تاريخه، وابن قتيبة (ت: 282ه) في الأخبار الطوال وكذلك نسب الذهبي في سير أعلام النبلاء(26) إلى بعضهم القول بأنَّ عمر بن عليِّ بن أبي طالب قُتل يوم المذار في معسكر مصعب بن الزبير حين كان في مواجهة المختار سنة 67هـ، وُجد ليلًا مذبوحًا في خيمته إلا أنَّ ما يذكره أكثرُ المؤرِّخين أنَّ القتيل هو عبيد الله أو عبد الله بن عليِّ بن أبي طالب(27) ويُؤيِّد ذلك ما رواه الراوندي في الخرائج والجرائح عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه -وهم اثنا عشر ذكرا- فقال لهم: إنَّ الله أحبَّ أنْ يجعل فِيَّ سُنَّةً من يعقوب إذ جمع بنيه -وهم إثنا عشر ذكرا- فقال لهم: إنِّي أوصي إلى يوسف، فاسمعوا له، وأطيعوا، وأنا أوصي إلى الحسن والحسين، فاسمعوا لهما وأطيعوا. فقال له عبد الله ابنه: أدونَ محمَّد بن عليٍّ؟ -يعني محمَّد ابن الحنفية- فقال له: أجرأةً عليَّ في حياتي؟! كأنِّي بك قد وُجدت مذبوحاً في فسطاطك لا يُدرى مَن قتلك. فلمَّا كان في زمان المختار أتاه فقال: لستَ هناك. فغضب فذهب إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة فقال: ولِّني قتال أهل الكوفة فكان على مقدِّمة مصعب، فالتقوا بحروراء فلمَّا حجر الليلُ بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحًا في فسطاطه، لا يُدرى من قتله"(28).

 

وكذلك أورد المسعودي في إثبات الوصية ما يقرب من هذا النص، قال: لمّا ضرَب ابنُ ملجم عليًّا (عليه السلام) دخل عليه .. ثمّ قال خلّوني وأهل بيتي أعهدُ إليهم، فقام النّاس إلاّ اليسير، فجمع أهلَ بيتِه وهم اثنا عشر ذكرًا، وبقى قومٌ من شيعته، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يجعل فيَّ سّنة نبيِّه يعقوب، إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرًا فقال: إنّي أوصي إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره، وأنّي أوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما، فقام إليه عبد الله، فقال: يا أمير المؤمنين أدونَ محمّد يعني ابن الحنفيّة فقال: أجرأةً في حياتي كأنّي بكَ وقد وُجدت مذبوحًا في خيمتك"(29).

 

أقول: لعلَّ ما ذكره بعضُ المؤرِّخين من أنَّ المقتول يوم المذار سنة 67ه هو عمر بن علي هو منشأ ما قيل من أنَّ لعليٍّ ولدين باسم عمر أحدهما الأطرف الذي بقي إلى العقد التاسع بعد الهجرة أو ما يقرب منه، والآخر هو الذي قُتل يوم المذار في معسكر مصعب بن الزبير ولكنَّ الصحيح أنَّ المقتول يوم المذار هو عبيد الله بن علي، ثم إنَّ ما ورد في الخرائج وإثبات الوصية يؤكِّد أنَّ أولاد عليٍّ الذكور الذين مات عنهم لا يتجاوزون الاثني عشر ذكرًا وهو مؤيِّدٌ آخر لعدم وجود ولدين لعليٍّ باسم عمر.

 

والحمد لله ربِّ العالين

 

الشيخ محمد صنقور

12 / صفر المظفر / 1442هـ

30 / سبتمبر / 2020م


1- لاحظ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب- ابن عنبة- ص305، المجدي في أنساب الطالبيين -علي بن محمد العلوي العمري- ص8.

2- سر السلسلة العلويَّة -أبونصر البخاري- ص96.عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب- ابن عنبة- ص361. تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج45 / ص304، تهذيب الكمال -المزي- ج21 / ص469.

3- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج45 / ص304، تاريخ المدينة -ابن شبة النميري- ج2 / ص755، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج6 / ص164.

4- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب- ابن عنبة- ص362.

5- نسب قريش -مصعب بن عبدالله الزبيري- ج1/ ص43، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج45 / ص306، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج3 / ص187، تقريب التهذيب -ابن حجر- ج1 / ص724.

6- سر السلسلة العلويَّة -أبو نصر البخاري- ص96.

7- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص19، 20.

8- سر السلسلة العلويَّة -أبونصر البخاري- ص96، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب- ابن عنبة- ص 362.

9- الإرشاد -الشيخ المفيد ج2 / ص150.

10- أنساب الأشراف -البلاذري- ج7 / ص231.

11- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص308.

12- نسب قريش -مصعب بن عبد الله الزبيري- ج1 / ص43.

13- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج45 / ص306.

14- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي-ج3 / ص188.

15-تقريب التهذيب- ابن حجر العسقلاني- ج1 / ص617. قال في اختيار معرفة الرجال -الطوسي-: محمد بن إسحاق ومحمد بن المكندر، وعمرو بن خالد الواسطي، وعبد الملك بن جريح، والحسين بن علوان، والكلبي، هؤلاء من رجال العامة الا أن لهم ميلا ومحبه شديدة "ج2 / ص687.

16- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص308.

17- سر السلسلة العلويَّة -أبونصر البخاري- ص97.

18- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص544، قال: أن عبد الله بن الزبير حبس محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وسبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة بزمزم وكرهوا البيعة لمن لم تجتمع عليه الأمة وهربوا إلى الحرم وتوعدهم بالقتل والاحراق وأعطى الله عهدا إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به وضرب لهم في ذلك أجلا"، تجارب الأمم -ابن مسكويه- ج2 / ص188، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج6 / ص60، مروج الذهب -المسعودي- ج3 / ص76، قال: "وقد كان ابن الزبير عمد الى من بمكة من بني هاشم فحصرهم في الشعب، وجمع لهم حطباً عظيماً لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت احد، وفي القوم محمد بن الحنفية ..". تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص43.

19- لاحظ: عمدة الطالب ص305، معرفة الثقاة -العجلي- ج2/ ص170، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر -ج45/ ص307، تقريب التهذيب -ابن حجر- ج1 / ص724، تحفة الأحوذي-المباركفوري- ج1 / ص440.

20- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص112. مقتل الحسين ع الخوارزمي- ج2 / ص33.

21- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب-ج3 / ص255.

22- مستدركات علم الرجال -الشيخ علي النمازي الشاهرودي- ج6 / ص102.

23- أنساب الأشراف -البلاذري- ج1 / ص297.

24- الحدائق الورديَّة في الأئمة الزيدية- حميد بن أحمد المحلي- ج1 / ص107.

25- تهذيب الكمال -المزي- ج2 / ص479.

26- تاريخ خليفة بن خياط -خليفة بن خياط- ص203، الأخبار الطوال -ابن قتيبة الدينوري- ص306، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج4 / ص134. الثقاة -ابن حبان- ج5 / ص146.

27- لاحظ: الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج5 / ص118، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج52 / ص132، ج58 / ص237، أنساب الأشراف- البلاذري- ج6 / ص439، المعارف -ابن قتيبة- ص401، تاريخ اليعقوبي ج2 / ص263، تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص567، مروج الذهب -المسعودي- ج3 / ص99، تجارب الأمم -ابن مسكويه الرازي- ج2 / ص207، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص72.

28- الخرائج والجرائح -قطب الدين الراوندي- ج1 / ص184.

29- إثبات الوصية -المسعودي- ص152.