الجمع بين كراهة التطيب عند زيارة الحسين وتطيب جابر عند زيارته (ع)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

كيف نوفِّق بين كراهة التعطُّر لزياره الحسين (ع) وبين ما فعله جابر بأنْ نثرَ شيئًا من السُعد وهو نوع من الطيب على رأسه وبدنِه؟ فأيُّهما أفضل للزائر؟ 

 

الجواب:

ورد في بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أنَّ مِن آداب زيارة الإمام الحسين (ع) هو عدم التطيُّب والادِّهان والاكتحال، وأنْ يظهر الزائر عند الزيارة في مظهر الكئيب المحزون المكروب(1) وهذه الآداب وشبهها هي مِن كمال الزيارة وليست من شرائط صحَّتها، فيحسُن الالتزام بها تحصيلًا للمزيد من الثواب والمزيد من الآثار والبركات المُنتظَرة من زيارة الإمام الحسين (ع).

 

وأمَّا ما أُثرَ عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) أنَّه فتح -عند زيارة الحسين (ع) بعد أنْ اغتسل- صُرةً فيها سُعد فنثرَها على بدنِه(2) فهو لا يدلُّ على الاستحباب لأنَّ فعلَ غير المعصوم لا يدلُّ على الاستحباب ما لم يُحرَز الأمرُ به من قِبَل المعصوم (ع) فلعلَّ جابرًا (رحمه الله) إنَّما فعلَ ذلك لأنَّ مِن عادته التطيُّب بعد الاغتسال أو فعلَ ذلك التزامًا بالآداب العامَّة القاضية بالأمر بالتطيُّب على أيِّ حال. أو لأنَّه كان يعلمُ أنَّ زيارة الحسين (ع) من العبادات لذلك اعتقد أنَّه يُسنُّ فيها ما يُسنُّ في العبادات المماثلة لها كزيارة قبر الرسول (ص) وزيارة المسجد الحرام، أو لعلَّه أراد التنبيه على أنَّ زيارة الحسين (ع) من العبادات فلأنَّ الزيارة للحسين (ع) لم تكن مسبوقة ولأنَّ جابر بن عبد الله يحظى بالقبول لدى عامَّة المسلمين ولأنَّه أراد التنبيه على أنَّ زيارة الحسين (ع) من العبادات وأنَّ موضع قبره من المواضع التي أذِنَ اللهُ أنْ تُرفع ويُذكرُ فيها اسمُه لذلك كان ما فعله جابر (رحمه الله) من التطيُّب راجحًا أي لهذه الخصوصيَّة وهي أنَّ فعله سيكون طريقًا لدى عامَّة المسلمين للتعريف بعباديَّة زيارة الحسين (ع) وأنَّ قبره الشريف موضعٌ للعبادة والتقرُّب إلى الله تعالى.

 

ولعلَّ الاحتمال الثالث والرابع مجتمعَيْن هما الأقربُ للغاية ممَّا فعله جابر (رحمه الله) ويُؤيِّد ذلك حرصه على الإتيان بتمام الآداب التي ينبغي الرعاية لها عند زيارة قبر الرسول (ص) كالاغتسال وتقصير الخُطى، فكأنَّه أراد القول –معتقدًا- أنَّ زيارة الحسين(ع) كزيارة الرسول (ص) يتعيُّن فيها الرعاية للآداب والسُنن التي تُراعى عند زيارة الرسول (ص).

 

وخلاصة القول: إنَّ الوارد عن أهل البيت (ع) أنَّ لزيارة الحسين (ع) خصوصيَّة تتميَّز بها عن سائر العبادات المماثلة وهي أنَّ من آدابها ترك التطيُّب والادَّهان والحرص على الظهور في مظهر الكآبة والحزن، ولعلَّ منشأ ذلك هو المحاذرة من صيرورة الزيارة وسيلةً للتنزُّه والترويح عن النفس وهو ما يُفوِّت على الزائر بركات الاستحضار لمصيبة الحسين (ع) وما لها من أثرٍ تربوي على النفس والسلوك.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

22 / صفر المظفر / 1442هـ

10 / أكتوبر / 2020م


1- وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج14 / ص540 / باب 77 / حديث رقم 1، 2.

2- بشارة المصطفى –محمد بن أبي القاسم الطبري- ص125.