سندُ الزيارة الجامعة قويٌّ ومعتبَر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما مدى صحَّة سند الزيارة المعروفة بالزيارة الجامعة المأثورة عن الإمام الهادي (ع)؟

 

الجواب:

أورد الشيخُ الصدوق (رحمه الله) الزيارة الجامعة في كتابه مَن لا يحضره الفقيه بسنده إلى محمد بن إسماعيل البرمكي قال: "حدَّثنا موسى بن عبد الله النخعي قال: قلتُ لعليِّ بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): علِّمْني يابن رسول الله قولًا أقوله، بليغًا كاملًا إذا زرتُ واحدًا منكم فقال(ع): إذا صرتَ إلى الباب .."([1]).

 

وذكر طريقه إلى محمد بن إسماعيل البرمكي في مشيخة الفقيه قال: وما كان فيه عن محمد بن إسماعيل البرمكي فقد رويتُه عن علي بن أحمد بن موسى، ومحمد بن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب (رضيَ الله عنهم) عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي([2]).

 

وأوردها كذلك في كتابه عيون أخبار الرضا (ع) بذات السند تقريبًا قال: حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رضيَ الله عنه) ومحمد بن أحمد السناني وعليُّ بن عبد الله الورَّاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب قالوا: حدَّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي وأبو الحسين الأسدي قالوا: حدَّثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي قال: حدَّثنا موسى بن عمران النخعي قال: قلتُ لعليِّ بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): علِّمْني يابن رسول الله قولًا أقولُه بليغًا كاملًا إذا زرتُ واحدًا منكم فقال (ع): إذا صرتَ إلى الباب .."([3]).

 

وأورد الشيخ الطوسي (رحمه الله) الزيارة الجامعة عن شيخه الشيخ المفيد عن الشيخ الصدوق وذكر ذات السند الذي أورده الشيخ الصدوق في الفقيه([4]).

 

أمَّا بيان حال طريق الشيخ الصدوق (رحمه الله) للزيارة فقد رواها في الفقيه -كما لاحظتم- عن ثلاثة من مشايخه وهم:

 

1- عليُّ بن أحمد بن موسى الدقاق.

2- محمد بن أحمد السناني.

3- الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب.

 

ورواها في عيون أخبار الرضا (ع) عن أربعة وهم الثلاثة مضافًا إلى عليِّ بن عبد الله الورَّاق، وعليه فالرواية من جهتهم متظافرة، وهو ما يُغني عن الحاجة إلى النظر في أحوالهم، ورغم ذلك فقد ترضَّى الشيخُ الصدوق عن الثلاثة في المشيخة وهو ما يكشفُ عن توثيقه لهم -كما هو الصحيح- وترضَّى كذلك على عليِّ بن عبد الله الورَّاق في مواضع كثيرة من كتابه عيون أخبار الرضا(ع)([5]).

 

وكذلك ترضَّى كثيرًا في كتبه على علي بن أحمد بن موسى الدقَّاق، وكذلك أكثرَ الشيخُ الصدوق من الترضِّي على محمد بن أحمد السناني في كُتبه مضافًا إلى كونه من مشايخ الإجازة، ومن المعاريف الذين لم يُطعن عليهم.

 

وكذلك ترضَّى كثيرًا في كُتبه على الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب المؤدب، وكان من المعاريف، ذكره ابنُ حجر في لسان الميزان فقال: "الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدِّب روى عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي وغيره قال عليُّ بن الحكم في مشايخ الشيعة كان مقيمًا بقم، وله كتاب في الفرائض أجاد فيه، وأخذ عنه أبو جعفر محمد بن عليِّ بن بابويه، وكان يُعظِّمه"([6]).

 

وأمَّا محمد بن أبي عبد الله الكوفي فهو أبو الحسين محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي الكوفي ساكن الري، وثَّقه الشيخُ النجاشي وقال عنه صحيح الحديث([7])، ووثَّقه الشيخ الطوسي في الغيبة، وأفاد أنَّه ممَّن تردُ عليهم التوقيعات من الإمام الحجة (ع) من طريق السفراء المحمودين، قال (رحمه الله): "وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوامٌ ثقات، تردُ عليهم التوقيعاتُ من قِبَل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمهم الله .. ومات الأسدي على ظاهر العدالة لم يتغيَّر ولم يُطعَن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة"([8]) ثم إنَّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) استعرض عددًا من الروايات التي تُعبِّر عن أنَّه كان موضع ثقة الإمام صاحب الزمان (ع) وأنَّه كان وكيلًا، وكذلك أورد الشيخ الصدوق في كمال الدين، والشيخ المفيد في الإرشاد ما يدلُّ على ذلك، فالرجل من الأعاظم الذين لا ريبَ في وثاقتهم ولم يقع الخلاف في جلالة قدرهم.

 

وأمَّا محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي فهو المعروف بصاحب الصومعة سكن قم، وليس أصله منها، وكان ثقةً مستقيمًا، له كتب، منها كتاب التوحيد -كما أفاد ذلك النجاشي([9])-.

 

وأمَّا الراوي المباشر للزيارة عن الإمام الهادي (ع) فهو بحسب ما ورد في الفقيه موسى بن عبد الله النخعي، وبحسب ما ورد في عيون أخبار الرضا (ع) فهو موسى بن عمران النخعي، والظاهر أنَّهما واحد، فإمَّا أنْ يكون عبد الله هو اسمُ الأب وعمران هو اسمُ الجد وغلب على موسى اسم الجد لتميُّز الاسم أو أنَّ عبد الله تصحيفٌ من عمران لتقارب الحروف من حيثُ الرسم، والذي يُؤيِّد أنَّ موسى بن عبد الله النخعي هو ذاته موسى بن عمران النخعي هو أنَّه لم نقف على راوٍ باسم موسى بن عبد الله النخعي في كتب الرجال ولا كتب الحديث سوى هذه الرواية، وعلى خلاف ذلك موسى بن عمران النخعي، فقد وقع في طرق الكثير من الروايات في من لا يحضره الفقيه، وعيون أخبار الرضا (ع)، والتوحيد، وأمالي الصدوق، والخصال، وثواب الأعمال، وصفات الشيعة، وعلل الشرائع، وفضائل الأشهر، وكمال الدين، ومعاني الأخبار، والكافي للكليني، والتهذيب والاستبصار وأمالي الشيخ الطوسي، وكفاية الأثر للخزاز القمِّي، وكامل الزيارات لابن قولويه، وتفسير القمي وغيرها.

 

ويُؤيِّد ذلك أنَّ محمد بن جعفر المشهدي من أعلام القرن السادس الهجري أورد الزيارة في كتابه المزار وذكر طريقه إليها المتَّصل إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي عن الشيخ المفيد عن الشيخ الصدوق ثم ساق ذات السند إلى موسى بن عمران النخعي عن الإمام الهادي (ع)([10]).

 

وعليه فالمتعيَّن هو أنَّ الراوي للزيارة عن الإمام الهادي (ع) هو المذكور في عيون أخبار الرضا (ع) وهو موسى بن عمران النخعي، وهو ثقةٌ لوقوعه في أسناد تفسير عليِّ بن إبراهيم القمِّي عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ([11])([12]). هذا مضافًا إلى أنَّ موسى بن عمران النخعي من المعاريف ولم يرد فيه قدحٌ وذلك أمارةٌ على الوثاقة.

 

وبذلك يكون سندُ الزيارة الجامعة -المعروفة بالزيارة الجامعة الكبيرة- قويٌّ ومعتبر، وممَّا يقوِّي من اعتبارها ورودها في كتاب مَن لا يحضره الفقيه والذي التزم فيه الشيخ الصدوق (رحمه الله) بأنْ لا يُوردَ فيه إلا ما يُفتي بصحَّته ويعتقد بأنَّه حجَّةٌ بينه وبين ربِّه جلَّ وعلا، قال (رحمه الله) في مقدِّمة الكتاب: "ولم أقصد فيه قصدَ المصنِّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدتُ إلى إيراد ما أُفتي به وأحكمُ بصحَّته، وأعتقدُ فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربِّي -تقدَّس ذكرُه وتعالتْ قدرتُه- وجميعُ ما فيه مستخرَجٌ من كتبٍ مشهورة، عليها المُعوَّل وإليها المرجع .."([13]) هذا مضافًا إلى تطابق جميع ما ورد في متن الزيارة -بعد المتابعة- للروايات الواردة عن أهل البيت (ع).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

20 / جمادى الأولى/ 1442هـ

4 / يناير/ 2021م


[1]- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص609.

[2]- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق- ج4 / ص512.

[3]- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص305.

[4]- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج6 / ص95.

[5]- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1/ ص15، 103، 253، ج2 / ص13، 152، 261، 289.

[6]- لسان الميزان -ابن حجر- ج2 / ص272.

[7]- رجال النجاشي -النجاشي- ص373.

[8]- الغيبة -الطوسي- ص415.

[9]- رجال النجاشي -النجاشي- ص341.

[10]- المزار -المشهدي- ص523.

[11]- سورة النحل / 90.

[12]- تفسير القمي -القمي- ج1 / ص388.

[13]- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص3.