هل كان شعْرُ رأس رسول الله (ص) طويلًا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هناك مجموعة من الشباب يقومون بإطالة شعر الرأس بحجَّة أنَّ رسول الله (ص) والأئمة (ع) كانوا يفعلون ذلك، فهل صحَّ أنهم (ع) كانوا يقومون بإطالة شعر رأسهم؟

 

الجواب:

ورد في الروايات عن أهل البيت (ع) أنَّه لم يكن من دأبِ رسول الله (ص) إطالةُ شعر رأسه، ولم يكن ذلك من دأب أئمة أهل البيت (ع).

 

فقد روى الكليني في الكافي بسنده عن أَيُّوبَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ لَه: أكَانَ رَسُولُ اللَّه (ص) يَفْرُقُ شَعْرَه قَالَ: "لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) كَانَ إِذَا طَالَ شَعْرُه كَانَ إلى شَحْمَةِ أُذُنِه"([1]).

 

وروى الكليني بسندٍ معتبر عن عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ الْفَرْقَ مِنَ السُّنَّةِ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ، قُلْتُ: يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيِّ (ص) فَرَقَ، قَالَ: "مَا فَرَقَ النَّبِيُّ (ص) ولَا كَانَ الأَنْبِيَاءُ (ع) تُمْسِكُ الشَّعْرَ"([2]).

 

فالرواية الأولى صريحةٌ في أنَّ الرسول الكريم (ص) لم يكن يُطيل شعر رأسه، وكان أقصى ما يبلغُه شعر رأسه إذا طال هو شحمةَ الأذن، ولذلك لم يكن يفرقُ شعره لعدم قابليته لذلك نظرًا لقصره.

 

والرواية الثانية تنفي أنْ يكون النبيُّ (ص) قد فَرَق شعر رأسه، وكذلك لم يكن فرق الشعر من فعل الأنبياء (ع) وذلك لانَّه لم يكن من سنَّتهم مسْكُ الشعر أي تركه إلى أنْ يطول فيكون قابلًا لأنْ يُفرَق.

 

وفَّر النبيُّ (ص) شعرَهُ مرَّةً في عمره الشريف:

نعم اتَّفق للنبيِّ (ص) أنْ أطال شعر رأسه لسببٍ سنذكرُه فاحتاج إلى أنْ يفرقَه كما أفادت ذلك بعضُ الروايات.

 

فقد روى الكليني في الكافي بسنده عن أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ: لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) الْفَرْقُ مِنَ السُّنَّةِ؟ قَالَ: "لَا، قُلْتُ: فَهَلْ فَرَقَ رَسُولُ اللَّه (ص) قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ فَرَقَ رَسُولُ اللَّه (ص) ولَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ؟ قَالَ: مَنْ أَصَابَه مَا أَصَابَ رَسُولَ اللَّه (ص) يَفْرُقُ كَمَا فَرَقَ رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَدْ أَصَابَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّه (ص) وإِلَّا فَلَا قُلْتُ لَه: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ وقَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ وأَحْرَمَ أَرَاه اللَّه الرُّؤْيَا الَّتِي أَخْبَرَه اللَّه بِهَا فِي كِتَابِه إِذْ يَقُولُ: ﴿لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَه الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ ومُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ﴾([3]) فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّه (ص) أَنَّ اللَّه سَيَفِي لَه بِمَا أَرَاه فَمِنْ ثَمَّ وَفَّرَ ذَلِكَ الشَّعْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِه حِينَ أَحْرَمَ انْتِظَارًا لِحَلْقِه فِي الْحَرَمِ حَيْثُ وَعَدَه اللَّه عَزَّ وجَلَّ فَلَمَّا حَلَقَه لَمْ يُعِدْ فِي تَوْفِيرِ الشَّعْرِ ولَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِه "([4]).

 

فهذه الرواية صريحةٌ في أنَّ النبيَّ (ص) لم يكن يُوفِّر شعر رأسه وإنَّما وفَّره مرَّةً في عمره الشريف، وذلك بعد أنْ أحرم للعمرة قبل صلح الحديبية، وحينما صدَّه المشركون لم يحلق شعرَ رأسه بل انتظر حتى عاد في عامِه القابل إلى مكة الشريفة وأدّى العمرة، وبعدها حلقَ شعر رأسِه ولم يَعُد بعد ذلك إلى توفيره.

 

ما ورد في رجحان حلْق الشعر أو جزِّه:

هذا وقد وردت رواياتٌ عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) يظهرُ منها رجحانُ حلْق الشعر أو جزِّه (قصه):

 

منها: صحيحة إِسْحَاقَ ابْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ لِي: اسْتَأْصِلْ شَعْرَكَ يَقِلُّ دَرَنُه ودَوَابُّه ووَسَخُه، وتَغْلُظُ رَقَبَتُكَ، ويَجْلُو بَصَرَكَ، وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ويَسْتَرِيحُ بَدَنُكَ"([5]).

 

فهذه الرواية إمَّا أنْ تكون متصدِّية لبيان آثار حلقِ شعر الرأس بالخصوص، وذلك بقرينة قوله (ع): "وتغلُظُ رقبتُك ويجلو بصرُك" فإنَّ هذين الأثرين يُناسبان حلق شعر الرأس دون شعر البدن أو تكون الرواية مُطلقة فتشملُ شعر الرأس والبدن.

 

ومنها: صحيحة مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ عَرَفَهُنَّ لَمْ يَدَعْهُنَّ: جَزُّ الشَّعْرِ، وتَشْمِيرُ الثِّيَابِ، ونِكَاحُ الإِمَاءِ"([6]).

 

والواضح من هذه الرواية أنَّ المقصود من جزِّ الشعر هو شعرُ الرأس، وذلك لأنَّ السنَّة في شعر البدن هو الطلْي بالنورة أو الحلْق في رتبةٍ ثانية.

 

ومنها: معتبرة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ رُبَّمَا كَثُرَ الشَّعْرُ فِي قَفَايَ فَيَغُمُّنِي غَمًّا شَدِيدًا؟ فَقَالَ لِي: يَا إِسْحَاقُ أمَا عَلِمْتَ أَنَّ حَلْقَ الْقَفَا يَذْهَبُ بِالْغَمِّ"([7]).

 

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه قال: وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله لرجل: "احلقْ فإنَّه يزيدُ في جمالك"([8]).

 

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق أيضًا في من لا يحضره الفقيه قال: وقال الصادق (عليه السلام): "حلقُ الرأس في غير حجٍّ ولا عمرةٍ مثلةٌ لأعدائكم وجمال لكم"([9]).

 

فهاتان الروايتان تُؤيِّدان ما دلَّ من الروايات السابقة على رجحانَ حلقِ شعر الرأس وهو ما يؤكدُ فساد دعوى أنَّ الرسول (ص) وأهلَ بيتِه (ع) كانوا يُطيلون شعرَ رؤسهم.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


[1]- الكافي -الكليني- ج6 / ص485.

[2]- الكافي -الكليني- ج6 / ص486.

[3]- سورة الفتح / 27.

[4]- الكافي -الكليني- ج6 / ص486.

[5]- الكافي -الكليني- ج6 / ص484.

[6]- الكافي -الكليني- ج6 / ص484.

[7]- الكافي -الكليني- ج6 / ص485.

[8]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص124.

[9]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص124.