الأنبياء في الكتاب المقدس!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك.
استكمالاً لحديثنا في الجلسة السابقة نود أن نستعرض في هذه الجلسة -إن شاء الله- بعض ما ورد في الكتاب المقدس في حق الأنبياء -أنبياء الله عز وجل-.
المسيحيون ومنشأ نظرتهم السيئة لأنبياء الله (ع):
عندما يقف الباحث على ما في الكتاب المقدس -الذي يؤمن به المسيحيون، ويعتبرونه الكتاب الموحى من قبل الله -عز وجل-، يُدرك منشأَ نظرتهم إلى النبي الكريم (ص).
فالنبي محمد (ص) واحد من الأنبياء، وإن كان سيدهم، وأشرفهم، وأفضلهم على الإطلاق -بنظرنا، وفي عقيدتنا-، إلَّا أنه ليس بمستبعدٍ عندهم أن يصدر منه ما يعتقدون صدوره من كثيرٍ من الأنبياء الذين سبقوا النبي الكريم (ص).
بعض ما نسبوه إلى نبي الله عيسى (ع):
فالسيد المسيح نفسه، الذي يعتقدون فيه ما لا يعتقدونه في غيره من الأنبياء، فهو ابن الله -عندهم-، وهو معبود الكثيرِ منهم، ورغم ذلك نسب الكتاب المقدس إليه الكثير مما لا يمكن قبوله: فقد نسبوا إليه أنّه كان يصنع الخمر ويشربه، كما نسبوا إليه العقوق لأمِّه، ونسبوا إليه أنَّه كان ملعوناً -والعياذ بالله-، ونسبوا إليه بأنه جاء ليُفرِّق الأرحام والأحبَّة(1)، كما نسبوا إليه العديد من المساويء التي لا يمكن قبولها على رجلٍ مؤمن طاهر، فضلاً عن نبيٍّ هو من أولي العزم، ومن نجباء الله وأصفياء الرسل!
الكتاب المقدس كتاب يتألف في واقع الأمر من عهدين: العهد الأول يُعبَّر عنه بالعهد القديم، وهو عبارة عن التوراة التي يؤمن بها المتديون بالدين المسيحي. والقسم الثاني هو العهد الجديد، وهو عبارة عن الأناجيل، كإنجيل متّى، ولوقا، وباقي الأناجيل الأربعة.
وهنا لا نريد أن نتحدَّث عن تاريخ هذا الكتاب، وكيف أُلِّف؛ لأنَّ ذلك خارج عن مورد اهتمامنا فعلاً. الذي نودُّ الحديث عنه -هنا في هذه الجلسة- هو بيان بعض ما قد ورد في الكتاب المقدس، في عهديه -القديم والجديد- فيما يرتبط بالأنبياء:
بعض ما نسبوه إلى نبي الله لوط (ع):
نبدأ بني الله لوط (ع) الذي نعتقدُ طهارته، ونزاهته، وعصمته، فقد أثنى عليه القرآن ثناءاً جميلاً، يليق بشأنه. قال تعالى: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ / وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾(2) هذا النبي الكريم نسبوا له موبقةً عظيمة لا تصدر إلا من الساقطين، البعيدين عن الله عز وجل، البعيدين عن الطهارة! فقالوا في العهد القديم، في سفر التكوين -في الواقع هي صورة بشعة يروونها في هذا الكتاب عن نبي الله لوط -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم--، يقولون: إنَّ الله عز وجل حينما أراد أن يوقع العذاب على قرية سدوم -وهي القرية التي بُعث فيها نبيُّ الله لوط (ع)- خرج النبي منها ولجأ بعد خروجه إلى مغارة في جبل، وهناك استراح، وبقي فترة من الزمن، وكان لنبي الله لوط ابنتان خرجتا معه، وعاشتا معه في تلك المغارة في ذلك الجبل، فتشاورتا فيما بينهما، واتفقتا على أن تسقياه خمراً، ثم تضَّجع كلٌّ منهما معه حتى لا تنقطع ذرية لوط. فسقتاه خمراً في ذات ليلة، وأضَّجعت الكبرى معه فعاشرها وواقعها وهو لا يعلم، ثم سقته الأخرى في ليلةٍ أخرى خمراً، وأضَّجعت معه فواقعها، فنتج عن هاتين المواقعتين حملاً فسُمِّي ابن البنت الكبرى "موآب" وهو أبو الموابيين إلى اليوم وأما الصغرى فأنجبت ولداً سمَّته "بن عمى" وهو أبو بنى عمون إلى اليوم!!(3)
هذه صورة بشعة ينسبها الكتاب المقدس لواحدٍ من أنبياء الله -عز وجل-، لذلك لا نستغرب من من جرأتهم على نبينا الكريم (ص) بعد أن كان الكتاب الذي يعتقدون عصمته، وأنَّه وحيٌ من الله موحى، قد نَسَب شرب الخمر، والفاحشة، إلى نبيٍّ من أنبياء الله.
بعض ما نسبوه إلى نبي الله نوح (ع):
الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ إذ لم ينسبوا الزنا، والفاحشة، وشرب الخمر لنبي الله لوط (ع) وحسب، ففي سِفر التكوين من العهد القديم، نسبوا شرب الخمر إلى نبي الله نوح أيضاً، ويقولون أنه شرب الخمر، فكُشفت عورته، فجاء بعض أبنائه فغطى عورته، فترتَّب على ذلك أنْ وقع التمايز بين الأولاد!(4) حديث طويل لا محل له لاستعراضه بتمامه.
بعض ما نسبوه إلى نبي الله داود (ع):
ثمة نبي آخر، اُفتري عليه بما يقارب هذه الفرية، وهو نبي الله داوود (ع)، الذي وصفه القرآن بالأوَّاب، وأثنى عليه أحسن الثناء، فأثنى على عبادته، ومناجاته، وتقواه، وإيمانه، وحرصه على تبليغ رسالات الله. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾(5) وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾(6) هذا النبي الكريم يصف الكتاب المقدس بعهده القديم، يصف بيته بأنَّه بيت خنا، -يعني بيت زنا-، وبأن جدَّه إبن زنا! فهم يقولون إنَّ يهوذا، وهو أحد أولاد يعقوب، كان يمارس الزنا مع كنَّته، التي هي زوجة ابنه البكر، ويتخذها زمناً طويلاً صاحبةً له، وتلد منه ولدين، هما: فارص وزارخ(7). وفارص وزارخ هما من أحفاد يعقوب، ونبي الله داود (ع) هو من أحفاد يعقوب عن طريق (فارص). فينتج من هذا الكلام أنّ جدّ دواد (ع) أي فارص- هو ابن زنا -والعياذ بالله-.
نحن نعتقد أن آباء الأنبياء هم سلالات طاهرة، يتقلَّبون من صُلبٍ طاهر، إلى رحم طاهرة. أمّا بناءاً على هذا الذي يذكره الكتاب المقدس، فإنَّ داوود، ثم بعد داوود سليمان، وموسى، كلُّهم ينحدرون من فارص، وفارص من أولاد الزنا!!
تأكيد، وتنويه:
نحن أوضحنا في بداية الحديث، وقلنا إنَّ المسيحيين يعتقدون بأن الكتاب المقدس بمجموعة موحى من الله تعالى، والكتاب المقدس يتكون من قسمين: القسم الأول يُعبَّر عنه بالعهد القديم، وهو التوراة بأسفاره. والقسم الثاني هو العهد الجديد، وهو عبارة عن الأناجيل، أي الأناجيل الأربعة الرسمية، فنحن إنما ننقل عن هذا الكتاب المعتبر رسمياً عندهم.
فهم يذكرون أيضاً في كتابهم المقدس بأنَّ ابن داوود -الابن الأكبر- يرتكب فاحشة الزنا، مع من؟ مع أخته -بنت داوود- ثامار. والوسيط بينهما، والذي يجمع بينهما هو يوناداب -ابن أخ داوود-. يعني بيت موبوء، يصِّورون بيت نبي الله داود (ع) بأنه بيت موبوء، البنات والأولاد، وأبناء الأخ، كلهم -والعياذ بالله- يتعاطون الفاحشة.
ثم ماذا يقولون؟ يعلم داوود بوقوع هذه الفاحشة، ولكنه لا يعاقب ولديه -كما ينقل العهد القديم- لماذا لا يعاقبهم؟ لأنه يحبهما!! هذا السبب في عدم معاقبتهما؟! لأنه يحبهما؟!(8)
وماذا بعد؟ يذكر الكتاب المقدس أنَّ أحد أبناء داوود أخذته الحميَّة -اسمه ابشالوم وهو شقيق ثامار، أي أنَّه أخوها من أمها وأبيها-، فيترصَّد إلى أخيه فيقتله حميةً لشقيقته. فماذا يصنع داوود؟ -نحن يهمنا داوود- فيبكي داود بكاءاً عظيماً، "وناح عليه كل الأيام". ناح على هذا الابن الذي زنا بأخته!
إنَّ ابشالوم وبعد أن ثأر لشقيقته وقتل أخاه "آمنون"، ماذا صنع؟ هم يقولون: بعد ذلك غضب على أبيه داود فزنا بنساء داوود على السطح بمنظر من بني إسرائيل! هذه نفس العبارة: "إنّ ابشالوم ابن داوود زنا بسراري أبيه ونسائه على السطح بمنظر بني إسرائيل"(9). إذاً، هو لم ينتقم عفةً وتديناً، وإنما انتقم استعلاءً وتكبُّراً(10).
ولو بقي الأمر عند هذا الحد فيما ورد من العهد القديم من الكتاب المقدس لكان فظيعاً، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعدَّى إلى ما هو أفظع من ذلك:
ينقل الكتاب المقدس في سفر صومئيل أنَّ رجلاً اسمه أُريا الحثي وهو أحد قواد جيش نبي الله داوود (ع)، هذا الرجل كانت له زوجة صبيحة الوجه والقوام رآها داوود اتفاقاً وعن غير قصد، فتعلَّق قلبه بها، فدعاها في غيبة زوجها وفجر بها ثم فعل مكيدة للتخلُّص من زوجها فبعثه إلى معركةٍ غير متكافئة، وجعله في الصفِّ الأمامي، فبمجرد أن قُتِل الرجل، بنى على زوجته، وكانت قد حملت من وطئه قبل زواجه منها(11)!
هذه الرواية تسرَّبت إلى تراثنا الاسلامي في روايات العامة من قبل بعض الإسرائيليين الذين دخلوا الإسلام، وكانت تُروَّج في الأوساط، ويمكن أن تكونوا قد سمعتم بهذه القصة وقد تصدى(12) أهل البيت (ع) لتكذيبها وروي أن: الإمام علي بن أبي طالب (ع) قال: إن سمعت أحداً يروي هذه الرواية جلدتُه حدَّين حداً للنبوة وحداً للإسلام(13).
هذه الرواية موجودة في كتاب صومائيل، السِّفر الثاني، الفصل الحادي عشر. ولذلك فإنَّ من غير المستغرب شيوع الفاحشة، والزنا، وشرب الخمر في المجتمع الغربي، فإذا كان الأنبياء هم على هذه الحال، فبطبيعة الحال يكون غير الأنبياء ممن يدينون بالتبعية لهم أولى بمثل هذه المُوبقات.
بعض ما نسبوه إلى نبي الله يعقوب (ع):
ننتقل من حيثية الطعن في نزاهة الأنبياء وطهارتهم إلى حيثيةٍ أخرى عبَّر فيها الكتاب المقدس عن أنَّه لم يكن أحسن حالاً من كتب الأساطير والخرافات.
هناك في سفر التكوين، في الفصل اثنين وثلاثين، ينقلون أنَّ يعقوب قد صارع الله، وأن يعقوب -الذي هو إسرائيل- هو الذي صرع الله؛ لذلك أعطاه الله البركة، لأنه قد غلبه! ففي العهد القديم ورد هكذا: إنَّ يعقوب صارعه إنسانٌ إلى طلوع الفجر، فوجد الله نفسه أنه لا يقدر على أن يغلب يعقوب، فيعقوب كان ممسكاً بالله، فقال له: أطلقني. لأنه قد طلع الفجر قال: لا أُطلقك إن لم تباركني، باركني حتى أطلقك. -فالبركة تؤخذ بالقوة؟! إذا أُخذت من الله بالقوة، فتؤخذ من البشر بالقوة بطريقٍ أولى. فيعقوب أخذ البركةَ من الله بالقوة!- حينئذٍ قال الله عزوجل ليعقوب: ما اسمك؟ فقال له: يعقوب! فقال: أنت إسرائيل. فسمَّاه إسرائيل!
تريدون أن تلاحظوا التفصيل، راجعوا المصدر الذي ذكرناه (14).
فهذه الفقرات من الكتاب المقدس تبيِّن لنا مدى خُرافيَّة ما يعتقد به هؤلاء، يتصوَّرون أنَّ الله تعالى جسم، وله يد، ورجل، ويصارع الإنسان. كما أنها تُعبِّر عن سخافةٍ تُضحك الثكلى، وأنَّ البركة تؤخذ بالقوة.
هذه البركة التي أُعطيت بالقوة ليعقوب، أُعطيت له بالحيلة في موردٍ آخر: يقولون إنَّ إسحق لما أن كَبُر، فقد بصره، وكان له أولادٌ، وكان يريد أن يُبارك واحداً منهم -هكذا يقولون في سفر التكوين، في الفصل سبعة وعشرين-، فأراد أن يبارك ولده البكر، واسمه عيسو. يقولون إننا لا ندري لم اختاره، هل لأن الله اختاره، أو لأنها رغبة من اسحاق؟! على أيِّ حال، قال إسحق لابنه عيسو: اذهب وأمسك صيداً، واصنع منه أطعمة كما أُحبُّ؛ حتى تباركك نفسي قبل أن أموت. -فالبركة لن يعطاها عيسو الولد الأكبر، إلا بعد أن يصيد صيداً، ويصنع لأبيه إسحق طعاماً يحبه!- هذا الحوار الذي كان بين إسحاق، وبين ولده البكر، قد سمعه يعقوب الذي كان قد أخذ البركةَ بالقوة من عند الله عز وجل نظراً لقوَّته.. فلما سمع هذا الحوار ماذا صنع؟ لاحظوا كيف يفترون على أنبياء الله! ذهب يعقوب، وأخذ جذلين من المعز، وصنع منهما أطعمة، ولبس ثياب عيسو، وجاء إلى أبيه إسحاق -باختصار-، فقال: أنا عيسو -يعني أنَّ يعقوب كذب على أبيه إسحاق-، فعلتُ كما كلَّمتني، كُل من صيدي. فقال إسحاق: هل أنت ابني عيسو؟ قال يعقوب: أنا هو. فأكل إسحاق من الصيد، فشرب خمراً -إسحاق يشرب خمراً!-، ثم بارك يعقوب. فجاء عيسو -الحقيقي- بصيده؛ يطلب البركة التي وعده بها. فلما عرف إسحاق المكر من يعقوب، ارتعد ارتعاداً عظيماً، وقال: إنَّ الذي باركتُه يكون مباركاً صرخ عيسو، وقال لأبيه: باركني أنا أيضاً. فقال إسحاق: جاء أخوك بمكرٍ، وأخذ بركتك -بركة إسحاق أخذها يعقوب منه بالمكر والخديعة!- إسحاق عقّب بعد أن أَعطى البركة، ليعقوب وقال: إنّي جعلته سيداً لك -هذا جزاء مكر الرجل!-، ودفعتُ إليه جميع إخوته عبيداً، وعضَّدتُه بحنطةٍ وخمر، فماذا أصنع إليك يا ابني؟(15)>
البركة: وهي النبوة، انتقلت من إسحاق إلى يعقوب بالمكر، وقد كان أخذها يعقوب بالقوة!! كيف يمكن أن نقبل بأن تكون مثل هذه الترهات وحياً من عند الله -عز اسمه وتقدس-؟!
بعض ما نسبوه إلى نبي الله موسى (ع):
فصل آخر نتعرض إليه بمقدار ما يسعه الوقت، وسنكمل الحديث فيما بعد حول السيد المسيح، -إن شاء الله- في الليلة المقبلة.
العهد القديم وصف موسى بقسوةٍ متناهية، مثلاً: يذكرون أنّه لما تغلَّب بنو إسرائيل على المديانيين، وسبوا نساءهم وأطفالهم، أمرهم موسى -الأمر صادر من موسى (ع)!- أن يقتلوا كلَّ ذكرٍ من الأطفال، وكلَّ أمرأةٍ ثيّب. وأما صغار النساء، اللواتي لم يقربهن رجل، فإنَّهن يبقين حيَّاتٌ لهم، وقد كُنَّ اثنتين وثلاثين ألف امرأةٍ بكرٍ(16).
هذا ما أمر به موسى عندما انتصر على المديانيين! هكذا ينسبون إلى نبي الله القسوة، والظلم، والبغي؟! ما ذنب الأطفال؟! ولماذا القتل بهذه الطريقة البشعة؟!
هم ينسبون إلى نبي الله موسى (ع) -الذي أثنى عليه القرآن أحسن الثناء- ينسبون إليه في العهد القديم: أنه لما استولى على الآموريين، فعل مثل ما فعل عند استيلائه على المديانيين، وهكذا فعل عندما انتصر على الفرزيين، وغيرهم(17).
أنتم إذا رأيتم ما يصنعه اليهود من المجازر، وما يمارسونه من قتل، وسفكٍ للدم الحرام بأبشع الصور، فإنَّ لهم مستنداً يعتمدونه، وهو ما ورد في العهد القديم. فالعهد القديم يُضفي الشرعية على كلِّ جرائمهم؛ فهم شعب الله المختار، والذين أهَّلهم لأن يكونوا أصفياء الناس، وما سواهم عبيد، لذلك فدمهم حلال، وعرضهم حلال، ومالهم حلال، وأرضهم حلال.. هذا هو مقتضى ما وصفه العهد القديم من سيرة نبي الله موسى (ع).
بعض ما نسبوه إلى نبي الله هارون (ع):
أمر آخر -ونختم به الحديث، ونستكمله فيما بعد-، وهو أننا نحن المسلمين نؤمن واستناداً إلى القرآن الكريم أنَّ الذي صنع العجل، وأمر بني إسرائيل أن يسجدوا له من دون الله، وأن يعبدوه من دون الله، هو رجلٌ يُسمَّى السامريّ، وهو رجلٌ من بني إسرائيل. أمَّا ما ورد في العهد القديم، فهو نسبة صنع العجل إلى هارون -والذي هو من أنبياء الله!-، يقولون: إنَّ موسى لمَّا أن رحل إلى الله -عز وجل-؛ ليأتي بالألواح، وليسمع الوحي، طلبوا من هارون أن يصنع لهم ربَّا، فما الذي صنع؟ قال: اجمعوا لي أقراط الذهب من آذان النساء والأطفال. فأتوا بالذهب إلى هارون، فصَيَّرَهُ عجلاً مسبوكاً، فقال: هذه آلهتك يا إسرائيل ثم بنى مذبحاً أمامه ونادى هارون غداً عيداً للرب!(18).
فهم ينسبون الشرك والوثنية لواحدٍ من أنبياء الله! وقد نزّهه القرآن الكريم في آيات عديدة من ذلك. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي / قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾(19).
بعض ما نسبوه إلى نبي الله سليمان (ع):
سليمان (ع)، أيضاً نسبوا له ما يشابه هذا المعنى. قالوا إنَّ سليمان في السنين الأخيرة من حكمه، تزوَّج بسبعمائة زوجة، وكانت له ثلاثمائة جارية، وكان يعشق النساء كثيراً وكان من ولههِ وعشقه لبعض نسائه اللواتي لم يكُنَّ يعبدن الله، بل يعبدن الأوثان، أنْ استجاب لطلبهن فصنع بيوتاً لآلهتهن أي أنَّه بنى بيوتاً لتعبد فيها الأوثان من دون الله تعالى، قالوا كما في سفر الملوك "فانحرفن بقلبه عن الرب فاستطعن في زمن شيخوخته أن يغوين قلبه وراء آلهة أخرى، فلم يكن قلبه مستقيماً مع الرب الهه كقلب داود أبيه وما لبث أن عبد عشتاروت آلهة الصيدونيين". هذا ما ورد في سفر الملوك، من كتاب العهد القديم(20).
ماذا عساهم يقولون في نبي الله محمد (ص)؟!
فالأنبياء -عندهم- ما بين شاربٍ للخمر، ومرتكب للزنا، وبين مشركٍ، وبين صانعٍ لوثن، وبين ظالم، باغٍ، سافكٍ للدم الحرام! فإذا كان هذا هو ما ينسبونه للأنبياء الذين يؤمنون بهم، فما عساهم ينسبون للنبي الخاتم (ص)، الذي لا يؤمنون به؟!
نستكمل الحديث فيما بعد.
و الحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- الكتاب المقدس مجمع الكنائس الشرقية: 65.
2- سورة الأنبياء / 74- 75.
3- الكتاب المقدس العهد القديم الاصحاح التاسع عشر- الكنيسة: 29.
4- قاموس الكتاب المقدس -مجمع الكنائس الشرقية-: 1047، الهدى إلى دين المصطفى للشيخ البلاغي ج2/ 144.
5- سورة ص / 17.
6- سورة سبأ / 10.
7- الكتاب المقدس العهد القديم الكنيسة الاصحاح38: 63.
8- الكتاب المقدس العهد القديم الاصحاح 13: 501.
9- الرحلة المدرسية -الشيخ محمد جواد البلاغي- ج 1 ص 68، الكتاب المقدس العهد القديم الاصحاح 13/ 501.
10- الكتاب المقدس العهد القديم الاصحاح 16/ 510.
11- الكتاب المقدس العهد القديم الاصحاح 11/ 498.
12- لاحظ عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق ج2/ 171.
13- تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى: 132، تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج3/ 132.
14- الكتاب المقدس العهد القديم الكنيس الاصحاح 32/ 54.
15- الكتاب المقدس العهد القديم الكنيس الاصحاح 27/ 32.
16- الكتاب المقدس العهد القديم الكنيس سفر العدد الاصحاح 31/ 265.
17- الكتاب المقدس العهد القديم الكنيس سفر العدد الاصحاح 31/ 265.
18- الكتاب المقدس العهد القديم سفر الخروج الاصحاح 32/ 140.
19- سورة طه / 91.
20- التوراة والإنجيل موقع arabicbible، الكتاب المقدس العهد القديم الكنيسة الاصحاح 11/ 555.