مقوِّمات الموكب الحسينيّ الرساليّ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وأفتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك.

السلام على الحسين، وعلى عليّ ابن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.

كان حديثنا فيما سبق حول ما يرتبط بإحياء موسم عاشوراء، وقد قلنا إن الحديث في محاور، وتحدثنا عن محورين:

المحور الأول: قلنا إنَّه يرتبط بالمشاركة الفاعلة في احياء موسم عاشوراء -سواء بالكلمة، أو القصيدة أو الإنشاد، أو بالرسم، أو بالمسرحية، أو بالحضور-، وقلنا إنَّ كلَّ ذلك يصبُّ في تعظيم شعائر الله، والتي هي من تقوى القلوب، وهو في طريق التشييد لمعلمٍ هو من أكبر معالم الإسلام.

وتحدثنا بعد ذلك عن محور آخر: وهو الحضور في مجالس العزاء والندب على سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام.

الموكب الحسينيّ في نظر الآخرين:

ونتحدث في هذه الجلسة -إن شاء الله- حول محاور أخرى، وأوَّل محور نتحدث عنه -وبنحو الإيجاز؛ نظرا لكثرة المحاور، ولضيق الوقت- هو ما يرتبط بموكب العزاء على الحسين الشهيد (ع).

موكب العزاء، ومسيرة العزاء على الحسين (ع)، هي الشعيرة الملفتة للأنظار، والتي ينظر إليها الآخرون بإعجاب تارة، وباستغرابٍ تارة أخرى، وبتشنيعٍ وتوهينٍ من قِبَل البعض. إلَّا أنَّ التشنيع والتوهين لا يكون إلَّا ممن يحملون عُقَدا في أنفسهم، ويضمرون أضغانا في قلوبهم .. وهذه الأضغان ليست على شيعة الحسين (ع) فحسب، وإنَّما هم يُكنِّون العداء للحسين في واقع الأمر، وهم قد يُوهِمون أنفسهم بأنَّهم لا يكرهون الحسين، ولكن لو صارحوا أنفسهم، ووقفوا على ما في طويَّتهم، ووقفوا مع أنفسهم وقفة إنصاف، لوجدوا أنَّ هذه الحساسية، وهذا التوهين، إنَّما نشأ عن حقدٍ وضغينة للحسين (ع).

الموكب في نظر العقلاء:

هذا هو واقعهم، لذلك نحن لا نعبأ بمثل هؤلاء، فليقولوا ما شاؤا، فهم ليسوا من العقلاء؛ إذ أنَّ كلَّ العقلاء يرون أنَّ إحياء ذكرى العظماء وسيلةٌ من الوسائل العقلائية لإحياء مبادئ هؤلاء العظماء وتخليدها، بل هي من أهم الوسائل التي تتوسَّل بها المجتمعات لإحياء وتخليد عظمائها، وقضاياها. لذلك فإنَّ من يسم مواكب العزاء بأنَّها مظاهر غير عقلائية، فهو متهَّم في عقله وفي عقلانيَّته، بعد أن أجمع العقلاء على أنَّ وسيلة الإحياء، هو الاحتفال، والاِجتماع -قد يختلفون في بعض الخصوصيات، ولكن الجميع يتفق على أنَّ الإحتفاء والاجتماع- للمدح، والإطراء، والثناء، وتَعداد الصفات، والسجايا التي يحملها ذلك الرمز وذلك العظيم، هو من أهم وسائل التخليد.

مكوِّنات الموكب:

مواكب العزاء هي: مظهر، ومضمون، وكلمات، وألحان، وحضور .. هذه هي العناصر التي يتكوَّن منها موكب العزاء على الحسين الشهيد (ع).

أولاً: مظهر الموكب:

نتحدث أولاً عن مظهر الموكب، وهو يكتسب أهميةً كبرى؛ نظراً إلى أنَّ المظهَر هو العلامة المُعبِّرة عن هويَّة هؤلاء المُعزِّين، كما هو العلامة المُعبِّرة عن هدف هذه المسيرة وهذا الموكب. فعندما يكون المظهَر مظهراً يتناسب وحضاريَّة هذا المذهب الشريف، ويتناسب مع عقلانيَّة هذه الفئة الواسعة من المسلمين، ويتناسب مع أهداف الثورة التي من أجلها انطلقت مسيرة العزاء .. عندما يكون كذلك فإنَّه يُعبِّر عن أهدافه، وعن مراميه التي من أجلها انطلق. إذن، لابدَّ وأن يكون مظهَر العزاء واجداً لمجموعة من السمات، ومنها:

أ- الوقار والهيبة:

لابدَّ وأن يظهر موكب العزاء بمظهر الوقار، والسكينة، والهيبة. إذ أنَّه حينئذٍ سوف يكون معبِّراً عن الهدف المنشود من انطلاق الموكب. أما حينما يشتمل موكب العزاء على حركات أو سلوكيات تسلب منه الوقار والهيبة، فإنَّ ذلك لا يسلب منه الوقار والهيبة فحسب، وإنَّما يسلب كلَّ الأهداف التي من أجلها انطلق العزاء. فينبغي أن نحسب لحركاتنا كلَّ حساب، وأن نحسب لكيفية مسيرنا ألف حساب، وأن نلاحظ كلَّ شيءٍ يرتبط بمسيرنا، وكيفيته، وعلى أيِّ صورة يظهر؛ لأننا لسنا وحدنا في هذه الدنيا، فالشيعة تحت المِجهر -كما تعلمون- لذلك ينبغي أن نلاحظ كلَّ تصرفاتنا. إن كُنَّا نتسامح ونتساهل فيما سبق، فلا ينبغي لنا أنْ نتسامح في هذا الوقت. إنَّ غايتنا من الموكب هي التعبير عما نحن عليه من عزةٍ وكرامة ووعيٍ وصحوة، وهذا يُحتِّم علينا عدم العمل بما يُنتج إدخال الوهنِ على الدين والمذهب! فتلك هي إرشادات أهل البيت (ع)، يقول أبو عبدالله الصادق (ع): "كونوا زينا ولا تكونوا شينا" (1)، حتى يقال "رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه"(2).

ب- الحزن:

السمة الأخرى التي لابد وأنْ يظهر العزاءُ عليها هي الحزن.

ج- الشعارات والأعلام المعبِّرة:

وأما السِّمة الأخرى فهي التي ينبغي أنْ نؤكِّدها في المقام، وهي التكثير من الشعارات والأعلام المُعبِّرة عن أهداف الثورة، والمُعبِّرة عن منطلقات ثورة الإمام الحسين -سيد الشهداء، (ع)-.

تنبيه: تصدَّوا للعابثين بمظهر العزاء:

هنا نقطة أريد أن أأكِّد عليها، وهي أنّ هناك من يصطاد في الماء العكر، فيستغل انشغال الناس بالعزاء ليعبث! وهؤلاء لابد من أن نلتفت إليهم، ولا نُغفلهم، وأن تكون أعيننا مفتوحة، فهناك من يعبث بالإطفال مستغلا انشغال الناس، وهناك من يعاكس النساء، وهناك من يثير الشغب والفوضى، وهناك من يحاول أن يُظهر العزاء بمظهر يشين للمذهب .. كلُّ هؤلاء لابدَّ وأن نلحظهم، ونراقبهم، ونوقفهم عند حدِّهم، ولا نسمح لهم بأن يُضرِّوا بمجتمعنا أو بموكبنا، أو ما إلى ذلك.

ثانياً: مضمون الموكب (القصائد)

بعد ذلك نتحدَّث عن مضمون العزاء، ومضمون العزاء يتلخَّص في مضمون القصائد التي يكتبُها الشعراء، والشعراءُ لهم دور أساسيّ سنتحدث عنه بنحو الإيجاز فيما بعد.

مقوِّمات القصيدة:

الآن نتحدَّث عن مضمون هذه القصائد، ينبغي أن يكون مضمون هذه القصائد مشتملاً على مجموعة أمور:

أ- تعميق الصلة بين الناس وبين أهل البيت (ع):

وهذا هو أهم هدف لمواكب العزاء، وتحقيق هذا الهدف يتمّ بمجموعة أمور، من أهمها: مضمون العزاء. فالمضمون يجب أنْ يشتمل على ما يُحقق هذا الهدف، وهو تعميق الصلة بين الناس وبين أهل البيت (ع). ونتيجة تعميق الصلة بين الناس وبين أهل البيت أن تتعمَّق الصلة بين الناس وبين الإسلام؛ فأهل البيت (ع) هم حملة الإسلام. فهنا لابدّ أن نبحث عن كلِّ وسيلةٍ تشدُّ الناس إلى أهل البيت (ع)، وتبعث في الناس العشق والحبَّ والإرتباط بأهل البيت (ع)، فإذا عشق الناس أهل البيت (ع) فقد عشقوا الإسلام، فلا تخشوا حينذاك عليهم.

ب- التعريف بمقامات أهل البيت (ع):

الأمر الآخر -وهو يدخل في تعميق الصلة بأهل البيت- هو التعريف بمقامات أهل البيت السامية، فهذا أمرٌ لابدَّ من تأكيده وتركيزه من خلال مضامين العزاء على الحسين (ع). والمراد من التعريف بمقامات أهل البيت هو التعريف بكمالاتهم، وفضائلهم، وسجاياهم. والتعريف بمقامات أهل البيت يتم من خلال بيان موقعهم ومركزهم العقائديّ، وبيان مكارم أخلاقهم ومحاسن صفاتهم، والتعريف بمدى اتصالهم بالله تعالى، وأنَّهم صفوة الله في الأرض، وأنَّهم أولياؤه وأدلّاؤه على الخير.

ج- استعراض مصائب أهل البيت (ع):

كذلك لابدَّ من استعراض مصائبهم، وهذا ما يُعمِّق الصلة أيضا بين الناس وبين أهل البيت (ع)، و الذي هو الهدف الأساسيّ لانطلاق مسيرات العزاء، فلابدَّ أن يكون مضمون العزاء متناسباً مع الأهداف. لا مانع من استعراض المشاكل الإجتماعية والقضايا السياسية، إلا أنَّ الطابع العام لمواكب العزاء يجب أن يتمركز في الحسين، وقضية الحسين، وشعارات الحسين، وسجايا الحسين، وبطولات الحسين، وملاحم الحسين .. لابدَّ أن يكون العزاء في هذا المسار، وأن يتوشَّح بطابع الحزن والأسى، وأن يطَّلع بدوره في بيان أهداف الثورة، ودوافعها، وظروفها، ومبادئها، وكل ما يرتبط بذلك. وأمَّا استعراض القضايا الاجتماعية والسياسية فهو شأن ثانوي في موكب العزاء أو هكذا ينبغي أن يكون. فهناك مسارح، وهناك محافل نستطيع أن نركِّز فيها القضايا السياسية وحتى الاجتماعية بشكل صريح وواضح، وأما مواكب العزاء فهي للحسين، وهي لأهل البيت (ع). نعم، نتحدَّث عن القضايا الاجتماعية والقضايا السياسية من خلال ربطها بالحسين، وأهداف الحسين، وقضايا أهل البيت. بهذه الطريقة نعالج القضايا الاجتماعية والسياسية، بواسطة ما نُبرزه من أفكارٍ ورؤى قد بيَّنها أهل البيت (ع)، وشرحها لنا أهل البيت (ع) .. فبدلاً من التصريح المفضي في أحيانٍ كثيرة لتحويل العزاء إلى منتدىً سياسي نرمز للظلم بيزيد، ونرمز للفضيلة بالحسين، ونرمز للوفاء بأنصار الحسين .. وهكذا، فإنَّ الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية تحتاج في علاجها إلى أن نبرز سجايا أهل البيت (ع)، فليكن ذلك هو الطريق لمعالجة قضايانا.

وفي نظري، فإنه في كثير من الأحيان تكون الكناية والترميز أجدى من التصريح وأبلغ. وهناك وسائل أخرى تلائمها لغة التصريح، فمثلاً: القنوات الفضائية تصرِّح، وفي المجالس نُصرِّح، وفي كلِّ مكان نُصرِّح .. أما في موكب العزاء فينبغي استعمال لغة الترميز. وليس ذلك لأجل خوفٍ أو جُبن، وأنما للتحفُّظ على الطابع والدور الأساسي الذي ينبغي أن يتسم به الموكب، وحتى يكون ذلك أكثر تأثيرا، لأننا في العزاء نبحث عمَّا يُؤثِّر، والذي يُؤثِّر هنا ليس هو التصريح بأسماء شخصيات سياسية، أو التصريح بقضايا سياسية .. فإنَّ هذا يُفقد العزاء هيبته، ووهجه ورونقه، ويُفقده روحانيَّته وقداسته.

حينما يكون العزاء في إطاره، وتكون مضامينُه معرِّفة بسجايا أهل البيت، ومواقفهم، وسلوكياتهم، فإنَّ ذلك يُساهم في معالجة الكثير من القضايا الاجتماعيَّة والسياسية وفي ذات الوقت نكون قد تحفَّظنا على ما ينبغي أن يكون عليه طابع العزاء. لا نريد أن نطيل في هذا المحور. ندخل فيما يرتبط بالألحان.

ثالثاً: ألحان الموكب:

هذه قضية أصبحت مثاراً للجدل، ونتحدَّث عنها بنحو الإيجاز.

اللحن وسيلةٌ مُؤثِّرة:

الألحان ليست أمراً سيئاً، بل هي أمرٌ محبوب، فاللحن له أثر كبير في التفاعل، فهو من المؤثِّرات التي ينبغي أن لا نُهملها، بل نولي لها أهميةً قصوى؛ لأنَّها أحد وسائل التأثير في قلوب المُتلقِّين والمُعزِّين.

الضابطة الشرعية في الألحان:

ولكن يجب أن نحرص على أن تكون ألحان عزائنا مناسبةً لمقام الحسين (ع)، ومناسبة لهويَّتنا، فلا تكون مناسبة لمجالس اللهو، وأهل الفسوق والعصيان.

كيف نحفظ الموكب من الإنحراف في الألحان؟

وبالحرص على هذه -الضابطة الشرعية المتقدمة- سوف نحفظ خطَّ العزاء من الإنحراف، ومن أن يقع في مثل هذه المطبَّات الخطيرة. وإذا كان في روعنا هذا الوازع فسوف ينحفظ هذا الخط .. نعم، قد نقع في الخطأ في بعض الأحيان، ولكن لن يستمر الخطأ مع وجود ذلك الوازع.

ثمة ألحانٌ مناسبة لمجالس اللهو، وهي تنافي مجالس الحسين (ع). قال رسول الله (ص): "إقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق"(3). فلا نسيء من حيث نريد أن نُحسن. لا مانع إذا ما اخترتُ لحناً أن أعرضه على بعض الأخوة، على بعض الناس، على بعض أهل الذوق؛ ليشيروا عَليّ هل هو مناسب لمجالس العزاء؟ مناسب لمواكب العزاء؟ أو هو مناسب لمجالس اللهو والفسوق؟

لماذا أستبدُّ برأيي؟! لماذا أبحث عمَّا يُناسب هواي حتى لو كان على حساب الدين؟

رابعاً: رواديد وشعراء الموكب:

مواصفات الرادود الرسالي:

ثم إنَّ الحديث بعد ذلك عمَّا ينبغي أن يتحلَّى به الرادود الحسيني من صفات.

أ- الوعي بخطورة دوره كرادود:

وطبعا لا داعي للحديث عن دور الرَّادود الخطير، وكما تعرفون فإنه قد لا يستمع إلى صوت الخطيب، أو المحاضر الطفلُ ولا يستمع إليه كثير من الشباب فهم مشغولون ومنصرفون عن ذلك، واهتماماتهم مختلفة، المرأة قد لا يصل إليها صوت الخطيب، ولا يصل إليها صوت المحاضر .. ولكنَّ صوت الرادود يصل للجميع، صوت الرادود يصل إلى الطفل الصغير، ويصل إلى الشابّ المُنصرف عن المسجد والمأتم، ويصل إلى المرأة وهي في بيتها، وصوت الرادود يسمعه كلُّ الناس في كلِّ بقاع العالم. وأنتم تعرفون أنه في جميع أنحاء العالم يهتم كثير من المستشرقين فضلاً عن المسلمين بالتعرف على الإسلام، ومن أهم الأمور التي يريدون التعرف بواسطتها على الشيعة أو على الإسلام هو موكب الحسين، وأبرز شيءٍ في الموكب هو صوت الرادود وألحانه.

إذن، فعلى الرادود أن يعي دوره، ويعي خطورة دوره؛ ليكون سفيراً حقيقياً للحسين، وسفيراً للإسلام، وسفيراً للتشيع. وهذه هي أوَّل سمة لابدَّ أن يتوفَّر عليها الرادود الحسيني. والسمات التي سوف نعرضها تصبُّ -أيضاً- فيما ذكرناه من لزوم وعي الدور وخطورته، فعندما يعي دوره فسوف يتحرَّك من أجل أن يشتمل على الصفات التي تُؤهِّله لأن يكون واحداً من جنود الحسين، وواحداً من سفراء الحسين (ع).

ب- أن يكون حسينياً في روحه وفكره:

لابد وأن يكون الرادود واقفا على أهداف الثورة، ودوافعها، وبواعثها، ومبادئها، وظروفها، ويكون متفاعلاً معها تمام التفاعل، فيعرفها، ويعيها -ليس وعي المثقف، بل وعي المُتفاعل العاشق-، حتى تتناغم كلُّ مبادئ الثورة بروحه، وتنعجن بدمه ولحمه، فيكون مُؤهَّلاً لهذا الدور الخطير.

بتعبير آخر: ينبغي أن يكون الرادود حسينياً في روحه، وفي فكره. أيضاً وأن يكون حسينياً في سلوكه، فالكثير من الناس -خصوصا الأولاد والشباب- ينظرون إلى الرادود نظرة خاصة، وهذه مِنحةٌ منحها الله إياه، فليكن أهلاً لهذه المنحة الإلهية من خلال ما يسلكه وما يتخذه من مواقف، فيجب أن تكون سلوكياته -في كلِّ أيام سنته- مستمدةً من هدي الحسين (ع) وأن يراقب على الدوام نفسه فيما يقول وفيما يفعل فلا يكون على رسله ولا يتصرَّف كما يحلو له وإلا كان مسئياً لشعيرةٍ من شعائر الحسين (ع).

وخلاصة القول إنَّ الرادود يجب أن يكون حسينياً في سلوكه، كما هو حسينيٌّ في وعيه، وفي روحه .. فيكون بذلك قدوةً لغيره، وقدوةً لمن يُحبُّه ويحترمه ويُقدِّر جهوده وأداءه.

مواصفات الشاعر الرسالي:

بعد ذلك نتحدَّث عن الشاعر بنحو الإيجاز. وكلُّ الصفات التي ينبغي أن يتوفَّر عليها الرادود يجب أن يتوفَّر عليها الشاعر؛ لأنَّ الشاعر هو الذي يكتب القصيدة، والناس ينظرون إلى اللحن والقصيدة، فهناك كثير من الناس يُولي عنايةً كبيرةً بالقصيدة وبمضمون القصيدة، لذلك لابدَّ أن يكون شعره واجداً للمضامين التي من أجلها نهض الحسين، وهذا لا يكون لمن لا يعرف حقيقة النهضة، وأهدافها، وظروفها، وتفاصيلها. إذاً، لابدَّ أن يقف الشاعر على كل تفاصيل الثورة، وأبعادها، وظروفها، ومبادئها.

الأمر الآخر: ينبغي أن تكون ثقافته عالية جداً في جميع ما يرتبط بالشؤون الإسلامية، يعني تكون ثقافته الإسلامية واسعة بحيث لا يكتب من فراغ؛ لأنه -كما قلنا- سيكون سفيراً للتشيع، وللحسين (ع) .. فينبغي أن يكون مستواه الثقافيّ والفكريّ متناسباً مع هذا الدور الخطير.

ملاحظات للشاعر والروادود:

ثم إنَّ هنا بعض الملاحظات، أريد أن أشير إليها:

1- الموكب أولاً:

قد ينسى الإنسان، أو حتى الشاعر، أو حتى الرادود، نفسه فيحاول أن يُبرِز ملكاته ومواهبه، ويكون ذلك على حساب هدف الموكب. نعرف أنَّ في الشِّعر مدارس، واتجاهات، وقد يحلو لهذا الشاعر أو ذلك أن يُبرِز اتجاهه ومدرسته الشعرية .. هنا لابدَّ أن يُضحِّي فإذا كان إبراز هذه المدرسة الشعرية -التي هو يتبناها، ويكتب في إطارها- على حساب الموكب، وعلى حساب مسيرة الموكب. فليتنازل عنه، لابدَّ أن يكون العزاء والشعر مناسباً لهدف العزاء، وهدف الحسين (ع).

2- تسهيل حفظ الكلمات والألحان:

هناك أمر أريد أن أنوِّه عليه بالنسبة للرادود، وهو أنه ينبغي أن يضع الرادود في حسبانه أن يُشكِّل لحناً يحفظه الاطفال والشباب. وبالنسبة للشاعر أن يضع في ذهنه أن يكتب شعراً يحفظه الأطفال والشباب؛ لأنَّهم إذا حفظوه تمثَّلوا معانيه -إن لم يتمثل جميعهم فبعضهم-، وهذه غنيمة.

كلمة أخيرة للإدارات

نختم الحديث بكلمة مختصرة للإدارات. فاللإدارات دورها الكبير جداً في إحياء موسم عاشوراء، فهي التي تُهيِّأ المناخ والأجواء، وتجمع كل هذه الشرائح التي تعمل في إطار إحياء موسم عاشوراء، فتكون كلها في إطار ما ينظِّمه الإداريون. لذلك فإنَّ دورهم بالغ الأهمية، وهم مشكورون، وتشكرهم السماء قبل أن يشكرهم المُعزَّون والمساهمون.

تنويهات:

لكننا نريد أن نُنوِّه على مجموعة أمور -بنحو الإختصار-:

1- التفقُّه:

الإدارة يكون لها شرف التدبير لمبنى المأتم وأمواله -وأموال العزاء، والخطابة، وأموال الأكل والشرب، وما إلى ذلك- وهذه كلها وقفيات، أو مرتبطة بالوقفيَّات .. إذاً، لابدَّ أن يتفقّه كلُّ إداريّ فيما يرتبط بمسائل الوقف، ولا يتحرَّك على رسله، فهناك ضوابط شرعية يجب أن يكون عارفاً بها، وإن لم يكن عارفاً فليتعرَّف عليها حتَّى لا يقع في المحاذير الشرعية.

2- سعة الصدر والترفّع عن القضايا الصغيرة:

الأمر الآخر الذي أريد أن أنوِّه عليه -اسمحوا لي على الإطالة-، وهو: طبعاً الإدارات هي التي تُنظِّم، وتُسيِّر، و هناك بعض الأخطاء قد تقع هنا أو هناك، وقد تقع بعض الاختلافات في كيفية الترتيب، وكيفية التنظيم بين إدارةٍ وأخرى. هنا لابد أن يسمو الإداريُّون بأنفسهم عن النزول لمستوى القضايا الصغيرة، فينبغي أن يتغاضى الإداريون، وينبغي أن تكون قلوبهم كبيرة. الإداريون يواجهون الكثير من المشكلات، فقد يتحدَّث عنهم البعض بسوء، وقد ينتقصهم آخرون، وقد يصرخ في وجوههم رجلٌ، وقد يُتَّهمون .. ويُساء بهم الظن، لذلك ينبغي أن تكون صدورهم على استعدادٍ لاستيعاب كلِّ ذلك بأريحية تامة فإن الثواب المنتظَر يستحق الصبر والتحمُّل!

ثم أنْ يلزمهم التغاضي عن الأخطاء الصغيرة لا أن يعملوا على تأكيدها أو معالجتها بما يخلق أزمةً أكبر منها. ينبغي أن تكون لدينا حسابات، فمثلاً: لو كان لدينا قضية صغيرة، وأمكن علاجها، فهنا لابدَّ من المبادرة لمعالجتها. أما لو كان علاج هذه القضية الصغيرة مفضياً إلى اختلاق أزمةٍ أكبر، فهنا يلزمنا التجاوز عن هذه الصغائر، ونتركها للزمن، فلعله نتمكن من معالجتها في الأيام القادمة.

المهم أن يظهر العزاء، لا أن تظهر الإدارة هذه الروح هي التي ينبغي أن تتحلَّى بها كلُّ إدارة وذلك هو ما ينتج التعاطي مع الإدارات الأخرى بأريحية تامة فتكون الإدارات مجتمعةً يداً واحدة غايتها أن يظهر موسم عاشوراء بمظهرٍ يتناسب مع حجم هذه الظاهرة، وحجم الهدف من إحياء موسم عاشوراء. ليس المهم أن تبرز هذه الإدارة، وأنها إدارة قوية، أو أنها إدارة استطاعت أن تُظهر العزاء بهذا المظهر. لابدَّ أن يظهر العزاء بمظهرٍ مناسبٍ حتى وإن اختفت الإدارات عن الضوء، ولم يعرف لها أحدٌ أيَّ دور ولم تحظُ بأيِّ اطراء. المهم أن يظهر العزاء بالمظهر الذي يتطلع إليه المخلصون من شيعة الحسين (ع) وليتذكر الأخوة الإداريون أنَّهم بعين الله تعالى وأنه جلَّ وعلا سيمنحهم رضاه وسيحبوهم بما تقرُّ به عيونهم.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 ص245.

2- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج22 ص53.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج6 ص210.