لزوم تقسيم التركةِ عند المطالبة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

إذا طالب بعض الورثة تقسيم الميراث فهل تجب القسمة أو يحقُّ للبقية الامتناع وإبقاء الميراث مشتركًا؟ وهل يختلف الحكم لو كان الممتنعون أكثر من المطالبين بالقسمة؟

 

الجواب:

مدرك لزوم القسمة عند المطالبة:

ليس للورثة الحق في الامتناع من تقسيم الميراث إذا طالب به بعض الورثة بمعنى أنَّ للمطالب بالقسمة الحق في استيفاء حصَّته من الميراث وليس لبقية الورثة منعه من ذلك سواءً كان المطالبون بالقسمة هم الأكثر أو كانوا هم الأقل، فحتى لو كان المطالب بالقسمة واحدًا في مقابل بقية الورثة فإنَّه ليس لهم الامتناع من تسليمه لحصَّته، فلو امتنعوا من القسمة أجبرهم الحاكم الشرعي أو وكيله على القسمة وتسليم المطالب بالقسمة لحصته دون إشكال ولا خلاف كما أفاد صاحب الجواهر (رحمه الله)([1]).

 

وأفاد السيد الخوئي (رحمه الله) أنَّ المستند في ذلك هو جريان السيرة العقلائية القطعيَّة الممضاة على استحقاق الشريك لفرز حصَّته من المال المشترك واستيفائها، وأنَّه ليس للشريك منعه من الفرز، فلو امتنع أُجبر على الفرز، فإنْ لم يمكِّن من ذلك صحَّ للحاكم الشرعي التصدِّي للفرز لأنَّه وليُّ الممتنع([2]).

 

ولعلَّ منشأ استقرار السيرة على ذلك هو الارتكاز العقلائي القاضي بلزوم إيصال الحق إلى مستحقِّه مع عدم الضرر والضرار كما أفاد ذلك صاحب الجواهر([3]).

 

قسمة الفرز وقسمة التعديل لازمةٌ عند المطالبة:

هذا فيما لو كان المال المشترك من قبيل الأموال المتساوية الأجزاء من حيثُ القيمة كالنقود والحبوب والدبس والعسل والزيوت وكذلك تجب القسمة مع المطالبة ولا يحقُّ للشريك الامتناع في فرض كون الأموال من الأعيان غير المتساوية الأجزاء كالعقار والأثاث والثياب وما أشبه ذلك، والقسمة في هذا الفرض يُعبَّر عنها بقسمة التعديل وذلك بأن تقوَّم الأعيان ويجعل بإزاء كل عينٍ مشتركة سهامًا بمقدار قيمتها ثم تقسم التركة وفقًا للسهام، فلو فرض أنَّ التركة عبارة عن ثوبٍ وسيفٍ وخاتم وكانت قيمة السيف عشرة دنانير، وقيمة الثوب خمسة دنانير، وكذلك هي قيمة الخاتم، فللسيف عشرة أسهم ولكلٍّ من الثوب والخاتم عشرة أسهم، فأحد الشريكين يأخذ السيف وهو تمام حقِّه والآخر يأخذ كلًا من الثوب والخاتم إذا كانت الشركة بنحو المناصفة وعلى ذلك تُقاس سائر الفروض، وإذا لم تكن القسمة إلا بالرد كما لو كان المال المشترك عبارة عن ثوبين مثلًا وكانت قيمة إحداهما عشرة دنانير والأخر خمسة عشر دينارًا فهنا يتعين على من أخذ الثوب الأعلى قيمة الرد على شريكه فيأخذ الآخر الثوب الأقل قيمة ويضيف إليه شريكه دينارين ونصف الدينار.

 

هذا مع التراضي على أنْ يأخذ أحدهما الأعلى قيمة ويرد على الآخر ما يحقق التساوي وأما مع الاختلاف بأن اختار كلٌّ منهما لنفسه الثوب الأعلى قيمة أو الأخفض ففي مثل هذا الفرض يكون الفصل بينهما بالقرعة، لأنَّ القرعة لكلِّ أمر مشكل كما ورد في الروايات([4])، ولا تختصُّ القرعة بالموارد التي يكون فيها الواقع مجهولًا بل تشمل موارد النزاع وانتفاء المرجِّح كما في الفرض المذكور، إذ لا موجب ولا مصحِّح لترجيح ما اختاره أحد الشريكين على ما اختاره الآخر.

 

شمول قاعدة القرعة لموراد النزاع وفقْدِ المرجِّح:

ويدلُّ على شمول قاعدة القرعة لهذا الفرض -كما أفاد السيد الخوئي- ما ورد في صحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): في رجلٍ قال: أوّلُ مملوكٍ أملكه فهو حرٌّ، فورثَ ثلاثة، قال (ع): يُقرع بينهم، فمَن أصابه القرعة أُعتق. قال: والقرعةُ سنّة"([5]).

 

وكذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قال: أوَّلُ مملوكٍ أملكه فهو حرٌّ، فورث سبعةً جميعًا، قال: "يقرع بينهم ويعتق الذي قرع" أو "الذي خرج سهمه"([6]).

 

فهذه الرواية -والتي قبلها- واضحةُ الدلالة في شمول قاعدة القرعة للموارد التي لا يكون في مفروضها واقعٌ مجهول، فعنوان أوَّلُ مملوكٍ أملكه صادقٌ على كلِّ واحد من الثلاثة على حدِّ صدقه على الآخر، فليس ثمة واقعٌ مجهول ننشده بواسطة القرعة، فتشريعُ القرعة في هذا الفرض ليس إلا لأنَّ القرعة تجري في موارد فضِّ النزاع عند فقْدِ المرجِّح.

 

وخلاصة القول: قسمة التركة تكون لازمة إذا طالب بها أحد الشركاء سواءً كانت الأموال من قبيل الأعيان المتساوية الأجزاء والتي تكون القسمة في مفروضها قسمةَ فرزٍ أو كانت الأموال من قبيل الأعيان غير المتساوية الأجزاء والتي تكون القسمة في مفروضها قسمةَ تعديل ففي كلا الفرضين يتعيَّن على الشريك القبول بالقسمة وليس له الامتناع، فلو امتنع اُجبر عليها، ومع عدم إمكان اجباره عليها صحَّ للحاكم التصدِّي لتقسيم التركة وإعطاء المطالب بالقسمة حصَّته لو كانت أموال التركة من قبيل الأعيان المتساوية الأجزاء، وأمَّا لو كانت من قبيل الأموال التي لا يمكن قسمتها إلا بنحو قسمة التعديل مع الرد فكذلك يصحُّ إجبار الممتنع على القسمة فلو لم يمكن إجباره صحَّ للحاكم الشرعي بيع الأعيان وتقسيم ثمنها على الشركاء بحسب حصصهم كلُّ ذلك للسيرة القطعيَّة الممضاة.

 

إذا كانت العين غير قابلة للقسمة:

ومن ذلك يتَّضح الحكم فيما لو كانت العين الموروثة غير قابلة للقسمة -كما لو كانت شاة واحدة- وطالب أحدُ الشريكين بحصَّته فإنْ قبل أحدهما بأخذ العين ودفع قيمة حصة الآخر وإلا تعيَّن بيع العين المشتركة وتقسيم ثمنها على الشريكين أو الشركاء ولو امتنع أحدهما صحَّ للحاكم اجباره على البيع.

 

الامتناع في فرض ترتُّب الضرر:

هذا كلُّه في فرض عدم ترتُّب الضرر من القسمة في تمام صورها على الجميع أو على الممتنع وأمَّا مع ترتُّب الضرر واقعًا فلا يصحُّ إجبار الشركاء أو الممتنع عليها بل يتعيَّن التراضي، وذلك لقاعدة نفي الضرر المقتضية لعدم جعل الحكم الذي ينشأ عنه الضرر. فحيث إن الحكم بإجبار الممتنع من القسمة ينشأ عنه الإيقاع في الضرر لذلك فهو منفيٌّ بقاعدة نفي الضرر.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

24 / شوال المكرم / 1442هـ

6 / يونيو / 2021م


[1]- جواهر الكلام -النجفي- ج40 / ص337.

[2]- مباني تكملة المنهاج- السيد الخوئي- ج1 / ص46، 47.

[3]- جواهر الكلام -النجفي- ج40 / ص337.

[4]- لاحظ: وسائل الشيعة -الحرُّ العاملي- ج27 / ص257.

[5]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص239، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص257.

[6]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج8 / ص226، من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج3 / ص94.