كيف تثبت دعوى الدَّين على الميِّت

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

إذا ادَّعى أحدُهم أنَّ له على ميِّتٍ دينًا ولم يحصل للورثة الوثوق بصدق دعواه، ولم تكن لديه وثيقة تدلُّ على دعواه، فهل يجب على الورثة القبول بدعواه؟

 

الجواب:

تثبت دعواه بالبيِّنة مع اليمين، فاذا شهد له شاهدان عادلان طُولب بالحلف فإذا حلف ثبتت دعواه ووجب على الورثة أداء دينه من أصل التركة.

 

ويشهد لذلك رواية عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّه قَالَ: قُلْتُ لِلشَّيْخِ -يعني الإمام موسى بن جعفر (ع) خَبِّرْنِي عَنِ الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ الْحَقَّ فَلَا يَكُونُ لَه بَيِّنَةٌ بِمَا لَه قَالَ: فَيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْه فَإِنْ حَلَفَ فَلَا حَقَّ لَه وإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَعَلَيْه، وإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ بِالْحَقِّ قَدْ مَاتَ فَأُقِيمَتْ عَلَيْه الْبَيِّنَةُ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْيَمِينُ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَقَدْ مَاتَ فُلَانٌ وإِنَّ حَقَّه لَعَلَيْه فَإِنْ حَلَفَ وإِلَّا فَلَا حَقَّ لَه لأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّه قَدْ أَوْفَاه بِبَيِّنَةٍ لَا نَعْلَمُ مَوْضِعَهَا أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَبْلَ الْمَوْتِ فَمِنْ ثَمَّ صَارَتْ عَلَيْه الْيَمِينُ مَعَ الْبَيِّنَةِ فَإِنِ ادَّعَى بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا حَقَّ لَه لأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْه لَيْسَ بِحَيٍّ ولَوْ كَانَ حَيًّا لأُلْزِمَ الْيَمِينَ أَوِ الْحَقَّ أَوْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْه فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَثْبُتْ لَه الْحَقُّ"([1]).

 

فمفاد الرواية أنَّ على المدَّعي للدين على ميِّتٍ البينة مع اليمين كما هو مقتضى قوله (ع): "وإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ بِالْحَقِّ قَدْ مَاتَ فَأُقِيمَتْ عَلَيْه الْبَيِّنَةُ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْيَمِينُ بِاللَّه" وقد أكَّد الإمام (ع) لزوم ضمِّ اليمين من المدَّعي للبيِّنة وعلَّل ذلك بقوله: "فَإِنْ حَلَفَ وإِلَّا فَلَا حَقَّ لَه لأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّه قَدْ أَوْفَاه بِبَيِّنَةٍ لَا نَعْلَمُ مَوْضِعَهَا أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَبْلَ الْمَوْتِ فَمِنْ ثَمَّ صَارَتْ عَلَيْه الْيَمِينُ مَعَ الْبَيِّنَةِ" ثم قال: "فَإِنِ ادَّعَى بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَا حَقَّ لَه" يعني أنَّه لا تكفي اليمين وحدها لثبوت دعواه وإنَّما إذا أقام البيِّنة على أصل ثبوت الدين كان عليه أنْ يضمَّ إليها اليمين لإثبات بقاء الدين على الميِّت وعدم أدائه إليه إلى أنْ مات.

 

فالرواية صالحة لإثبات المطلوب لولا الإشكال في سندها من جهة اشتماله على ياسين الضرير والذي لم تثبت وثاقته، ولهذا استدلَّ عددٌ من الأعلام بمكاتبة مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصفار الصحيحة كتب إلى أَبِي مُحَمَّدٍ -العسكري (ع)-: ".. أيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْهَدَ لِوَارِثِ الْمَيِّتِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ بِحَقٍّ لَه عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى غَيْرِه وهُوَ الْقَابِضُ لِلْوَارِثِ الصَّغِيرِ ولَيْسَ لِلْكَبِيرِ بِقَابِضٍ؟ فَوَقَّعَ (ع): نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِالْحَقِّ ولَا يَكْتُمَ الشَّهَادَةَ، وكَتَبَ أو تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ عَدْلٍ فَوَقَّعَ (ع): نَعَمْ مِنْ بَعْدِ يَمِينٍ"([2]).

 

فمفاد ذيل المكاتبة هو السؤال عن قبول شهادة الوصي على الميِّت مع شاهدٍ آخر عدل، يعني هل تتحقَّق البيِّنة بشهادة الوصيِّ للوارث مع شاهدٍ آخر أو أنَّ كونه وصيًّا يمنع من اعتبار شهادته على الميِّت، فكان مفاد جواب الإمام (ع) هو أنَّ كون الشاهد وصيًّا لا يمنع من قبول شهادته على الميت، ولهذا تتحقَّق البيِّنة بشهادته وشهادة رجلٍ آخر عدل إلا أنَّه لما كان المدَّعى عليه ميِّتًا لذلك يتعيَّن على المدَّعي على الميت اليمين مضافًا للبيِّنة، وهذا هو معنى قوله (ع): "من بعد يمين".

 

وخلاصة القول: إنَّ اعتبار ضمِّ يمين المدِّعي إلى البيِّنة وإن كان خلاف القاعدة وإطلاقات الأدلَّة المقتضية لحجيَّة البينة وصلاحيتها وحدها لإثبات الدعوى إلا أنَّه بعد قيام الدليل الخاص -وهي مكاتبة الصفَّار ورواية عبد الرحمن- على اعتبار ضمِّ يمين المدَّعي إلى البيِّنة إذا كان المدَّعى عليه ميِّتًا يكون ذلك دليلًا على تخصيص القاعدة، لذلك يُلتزَم بعدم ثبوت دعوى المدَّعي دينًا على ميِّت بمجرَّد اقامته للبيِّنة على ذلك بل يتعيَّن عليه أنْ يضمَّ إلى بيِّنته اليمين، وهذا هو الذي يُفتي به المشهور بل أدُّعي عدم الخلاف كما في المفاتيح، والإجماع كما في المسالك والروضة وشرح الشرائع للصيمري([3]).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

25 / شوّال المكرّم / 1442هـ

7 / يونيو / 2021م


[1]- الكافي -الكليني- ج7 / ص416.

[2]- الكافي -الكليني- ج7 / ص394.

[3]- لاحظ مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج17 / ص252.