إسقاط حضانة الأم المتزوِّجة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل الحكم بسقوط حضانة المطلَّقة إذا تزوَّجت من الشرع أو هو قانون وضعي؟

 

الجواب:

الحكم بسقوط حقِّ الحضانة عن الأمِّ المطلَّقة -إذا تزوَّجت- حكمٌ شرعيٌّ نصَّت عليه بعضُ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

 

فمِن ذلك ما أورده الكليني في الكافي بسنده عن الْمِنْقَرِيِّ عَمَّنْ ذَكَرَه قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه الصادق (ع) عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَه وبَيْنَهُمَا وَلَدٌ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْوَلَدِ قَالَ: الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ"([1]).

 

ومن ذلك أيضًا معتبرة دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه الصادق (ع) عَنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ نَكَحَتْ عَبْدًا فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا ثُمَّ إِنَّه طَلَّقَهَا فَلَمْ تُقِمْ مَعَ وُلْدِهَا وتَزَوَّجَتْ .. فَقَالَ (ع): ".. هِيَ أَحَقُّ بِوُلْدِهَا مِنْه مَا دَامَ مَمْلُوكًا فَإِذَا أُعْتِقَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِمْ مِنْهَا"([2]). يعني أنَّ الأب إذا كان حرًّا فهو أحقُّ بحضانة أولاده إذا تزوَّجت مطلَّقتُه.

 

ويُمكن تأييد الحكم بسقوط حضانة المطلَّقة إذا تزوَّجت بما ورد من طُرق العامَّة من: "أنَّ امرأةً أتت النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقالتْ يا رسول الله إنَّ ابني هذا كان بَطْني له وِعاء، وحِجري له حوَاء، وثديي له سِقاء، وزعم أبوه أنَّه ينزعُه منِّى قال: أنتِ أحقُّ به ما لم تَنكحي"([3]) أي ما لم تتزوجي

 

وكذلك ورد مِن طرقهم: "أنَّ النبيَّ (ص) قال: الأمُّ أحقُّ بحضانة ابنِها ما لم تتزوَّج"([4]).

 

هذا مضافًا إلى دعوى انعقاد الإجماع على سقوط حقِّ الحضانة عن الأم المطلَّقة إذا تزوَّجت كما أفاد ذلك الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب الخلاف([5])، ونقل كذلك دعوى الاجماع صاحبُ الحدائق (رحمه الله) عن الشهيد الثاني في الروضة([6]) وادَّعاه أيضًا صاحب الجواهر (رحمه الله)([7]).

 

ثم إنَّ الحكم بسقوط حضانة الأم إذا تزوَّجت لا يعني جواز حرمانها من رؤية ولدها والاجتماع به بل لها الحقُّ في أنْ تزوره أو يزورها أو يُحمَل إليها، ويدلُّ على ذلك مثل قوله تعالى: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾([8]) فإنَّ حرمان الأم من رؤية ولدها والاجتماع به من الإضرار بالوالدة الذي نهت عنه الآية الشريفة، وكذلك فإنَّ حرمانها من رؤية ولدها يُعدُّ من قطع الرحم الذي حذَّر منه مثل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾([9]).

 

وأمَّا إسقاط الحضانة عنها بعد أن تزوجت فمنشأه الرعاية لحقِّ زوجها إذ أنَّ اشتغالها بحضانة ولدها أو أولادها قد يكون منشئاً للتفريط بحقوقه أو بشيءٍ من حقوقه كما هو الغالب، ولو شاءت الحرص على استيفاء الرعاية لحقوق زوجها فإنَّ ذلك قد يترتَّب عليه التفريط بحقوق أولادها، وذلك لصعوبة الوفاء كاملًا بحقوق كلٍّ من الزوج والأولاد في عرضٍ واحدٍ، هذا مضافًا إلى أنَّ من حقِّ أبيهم الاطمئنان على أولاده، وكيف يطمئنُ عليهم وهم في كنَفِ رجلٍ لا يعرفُه أو لا يرتضيه، وليس هو كالأب مستعدًّا للتضحية بحقوقه لصالح أولاده، فالزوج الأجنبي لن يُضحِّي غالبًا بحقوقه لصالح أولاد غيره، فإسقاط الحضانة عن الأم المتزوِّجة إنَّما هو للموازنة بين حقوق أطرافٍ ثلاثة. فلا تُراعى في مثل ذلك العواطف لطرفٍ على حساب سائر الأطراف.

 

وتحسُنُ الإشارة في الختام إلى أنَّ الأب لو مات بعد أنْ انتقلت الحضانةُ إليه فإنَّ الحضانة تعود إلى الأم حتى لو كانت متزوِّجة، فلا تنتقل الحضانة إلى جدِّه فضلًا عن سائر أقاربه، ويدلُّ على ذلك إطلاق موثَّقة دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الصادق (ع) قَالَ: ﴿والْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾([10]) قَالَ (ع): مَا دَامَ الْوَلَدُ فِي الرَّضَاعِ فَهُوَ بَيْنَ الأَبَوَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، فَإِذَا فُطِمَ فَالأَبُ أَحَقُّ بِه مِنَ الأُمِّ، فَإِذَا مَاتَ الأَبُ فَالأُمُّ أَحَقُّ بِه مِنَ الْعَصَبَةِ .."([11]). فقوله (ع): "فَإِذَا مَاتَ الأَبُ فَالأُمُّ أَحَقُّ بِه مِنَ الْعَصَبَةِ" معناه أنَّ الأم أحقُّ بحضانة الولد من أقاربه من طرف الأب بما فيهم الجد، ومقتضى إطلاق الموثَّقة أنَّ الأم أحقُّ بالحضانة من الجدِّ حتى لو كانت متزوِّجة ويُؤيدُ ذلك -كما أفاد صاحب الجواهر([12])- قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾([13]) فإنَّ الأم أقرب الأرحام إلى الولد بعد أبيه فهي أولى به من سائر أرحامه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

10 / ذو الحجّة / 1442هـ

21 / يوليو / 2021م


[1]- الكافي -الكليني- ج6 / ص45، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص471.

[2]- الكافي -الكليني- ج6 / ص46، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج21 / ص459.

[3]- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج2 / ص182.

[4]- الخلاف -الطوسي- ج5 / ص133.

[5]- الخلاف -الطوسي- ج5 / ص133.

[6]- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص92.

[7]- جواهر الكلام -النجفي- ج31 / ص285.

[8]- سورة البقرة / 233.

[9]- سورة الرعد / 25.

[10]- سورة البقرة / 233.

[11]- الكافي -الكليني- ج6 / ص45.

[12]- جواهر الكلام -النجفي- ج31 / ص293.

[13]- سورة الأنفال / ص75.