عدم وجوب قضاء النفقة الفائتة على القريب

 

  

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

لو لم يُنفق الأب على أولاده الصغار شهراً أو شهرين أو أكثر أو أقل وكان قادراً على الإنفاق عليهم، فهل يكون مقدار النفقة الفائتة ديناً عليه؟

 

الجواب:

المشهور بل لعلَّه المتسالم عليه بين الفقهاء هو عدم وجوب التدارك والقضاء لنفقة الأقارب الفائتة وعدم استقرارها في الذمة، نعم يكون القريب – الأب- مأثوماً لعدم الإنفاق في وقته مع فرض القدرة.

 

الوجه في عدم استقرار النفقة الفائتة في الذمَّة:

والوجه في عدم وجوب التدارك وعدم استقرار مقدار النفقة الفائتة في ذمَّته هو أنَّ المستظهَر من النصوص ومناسبات الحكم والموضوع أنَّ فرض النفقة على القريب لقريبه إنَّما هو لمواساته وسدِّ خلَّته، فهو حكم تكليفيٌّ محض، موضوعُه سدُّ خلَّة القريب، ومن الواضح أنَّ التكليف يسقط بانتفاء موضوعه، فإنَّ الأيام التي فرَّط فيها القريب فلم يُنفق فيها على قريبه قد مضت فلا موضوع لسدِّ الخلة من جهتها، وإيجابُ العِوَض والتدارك يحتاج إلى دليلٍ مفقود، ولذلك يكون الأصلُ الجاري هو البراءة عن وجوب التدارك وإنْ كان القريب مأثوماً لعدم أدائه الواجب في وقته.

 

وهذا هو حاصل ما أفاده صاحب الجواهر (رحمه الله) بقوله: "ولا تُقضى نفقة الأقارب بلا خلافٍ أجدُه فيه، بل ظاهر بعضِهم الاجماع عليه لأنَّها مواساة لسدِّ الخلة الذي لا يُمكن تداركه بعد فواته وإنْ كان عن تقصير، وحينئذٍ ف‍لا تستقرُّ في الذمَّة بمضي يومٍ مثلا .." ([1]).

 

أقول: وهذا بخلاف نفقة الزوجة فإنَّ المستظهَر من الروايات أنَّها فُرضت في مقابل الاستمتاع أو التمكين منه، فهي –أي نفقة الزوجة- أشبهُ بالمعاوضة الماليَّة والتي تستقرُّ باستيفاء العوض، فلأنَّ الزوج قد استوفى من زوجته العِوَض وهو التمكين لذلك تستقرُّ النفقة –والتي هي عوض التمكين- في ذمَّته لو لم يفِ بها لزوجته في وقتها.

 

إجبار القريب لو امتنع عن أداء النفقة:

ثم إنَّه يحسن التنبيه على أنَّ القريب –الأب- لو كان قادراً على النفقة ولكنَّه كان يمتنع عصياناً عن النفقة على أولاده فإنَّ للحاكم الشرعي أنْ يجبره على الإنفاق فيما يُستقبل من الأيام فإنْ امتنع حبسه أو يتولَّى هو -أي الحاكم- الإنفاق على الأولاد من أموال أبيهم إذا كانت له أموالٌ ظاهرة حتى لو توقَّف ذلك على بيع شيءٍ من عقاراته أو من الأعيان التي يمتلكُها، وإن لم يكن له مالٌ ظاهر جاز للحاكم الشرعي أنْ يستدينَ أو يأمر الأولاد أو مَن يقوم مقامهم بالاستدانة ثم يرجع بالدين على أبيهم.

 

ويُمكن أن يُستأنس ذلك بما ورد في الروايات عن أهل البيت (ع):

فمن ذلك: صحيحة حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: قلتُ له: مَن الذي أُجبرُ عليه وتَلزمُني نفقتُه؟ قال: الوالدان والولد والزوجة"([2]).

 

ومنه: ما صحَّ عن جميل بن درَّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (ع) أنَّه قال: لا يُجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد .." ([3]).

 

ومنه: صحيحة أبي طالب عبد الله بن الصلت القمِّي، عن عدَّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد الله (ع) أنه قال: "خمسة لا يُعطون من الزكاة: الولد، والوالدان، والمرأة، والمملوك لأنَّه يُجبر الرجل على النفقة عليهم"([4]).

 

ومنه: صحيحة عبد الرحمن بن الحجَّاج عن أبي عبد الله (ع) قال: "خمسة لا يُعطون من الزكاة شيئا: الأب، والام، والولد، والمملوك، والمرأة، وذلك أنَّهم عياله لازمون له"([5]).

 

تقريب الاستدلال على صحة إلزام القريب بالنفقة:

فإنَّ القدر المتيقَّن ممَّن له أنْ يجبرَ القريب -على الإنفاق على مَن تجب نفقته عليه- هو الحاكمُ الشرعي، ومعنى جبْرِ القريب هو حملُه على أداء الواجب الذي عليه لقريبه ولو من طريق حبسه لالجائه على الأداء، ولولم يُجدِ معه الحبس وشبهه جاز له –أي الحاكم- أنْ يقتطعَ شيئاً من ماله لإنفاقه على قريبه، وذلك لأنَّ النفقة حقٌّ عليه فيجوز اقتطاعها من ماله مقاصَّةً، وأمَّا بيع شيءٍ من مالِه لإنفاقِ ثمنه على القريب فهو من مقتضيات حقِّ المقاصَّة، وكذلك فإنَّ الاستدانة والرجوع عليه بحكم الحاكم يُعدُّ من أنحاء المقاصَّة الثابتة للقريب بمقتضى كون النفقة حقٌّ لازمُ الأداء على قريبه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

17 / ذو الحجة / 1442هـ

28 / يوليو / 2021م

 

 

 

 

 

 

 

 


[1]- جواهر الكلام – الشيخ حسن النجفي- ج31/ 379.

[2]- وسائل الشيعة – الحر العاملي- جج21/ 525.

[3]- وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 510.

[4]- وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج9/ 241.

[5]- وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 525.