بكاء الحسين (ع) على أعدائه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما مدى صحَّة ما يُقال من أنَّ الإمام الحسين (ع) بكى على أعدائه يوم عاشوراء؟

الجواب:

إنَّ بكاء الإمام الحسين (ع) أيام عشوراء أسفاً على ضلال أعدائه وتمرُّدهم على ربِّهم وتماديهم في انتهاك حرمات الله تعالى أمرٌ ممكن فهو (ع) مثل جدِّه (ص) الذي وصفه القرآن بقوله: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾([1]) فكان يشقُّ على قلبه أن يكون مآلهم العنَت والهلاك لاختيارهم سبيل الضلال فكان حريصاً على هدايتهم ورعايتهم لحدود الله تعالى ويُحزنه أن لا يكونوا كذلك، فبكاء الحسين (ع) لو ثبت فهو لهذا الباعث.

إلا أنَّه -رغم البحث- لم أقف على روايةٍ أو نصٍّ تاريخي يُشيرُ إلى صدور هذا الفعل من الإمام (ع)، نعم لا يصحُّ الاستدلال على نفي بكائه (ع) بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ / فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾([2]) فإنَّ الأسى معناه الحزن والأسف ومقتضى مفاد الآية هو نفي رجحان الحزن والأسف على هلاك الكافرين وذلك لاستحقاقهم للمصير الذي صاروا إليه بسوء اختيارهم، فقد بالغ نبيُّ الله شعيب (ع) في وعظِهم ونُصحهم ولكنَّهم لم يكونوا يعبئون بنصحِه ووعظِه، فهم لذلك غير مستحقِّين للشفقة والحزن عليهم والأسف على ما أصابهم ووقع عليهم من هلاك.

فالذي تنفيه الآية هو رجحان الحزن على هلاك الكافرين، ولا تنفي رجحان الحزن على ضلالهم وتمرُّدهم وطغيانهم وانتهاكهم لحرمات الله تعالى، فالقرآن كان يحكي من حال الرسول (ص) أنَّه يكاد يُهلكُ نفسه حزناً على تمرُّد قومِه وإبائهم للهداية والإيمان كما قال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾([3]) وقال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾([4]) فحزنُه (ص) كان على ما يجدُه من تضييع قومِه للرشد والهدى وانتهاكهم لحقِّ الله عليهم.

كذلك هو بكاءُ الحسين (ع) لو ثبت صدورُه فإنَّه إنَّما يبكي لِمَا يجدُه من إصرار قومِه على المكابرة والضلال والتضييع لحقِّ الله عليهم والانتهاك لحدوده، فهو يبكي على معالم الدين كيف يتجرأُ هؤلاء على هتكها وتضييعها.

فالباعث للإمام الحسين (ع) على البكاء هو ما عبَّر عنه القرآن بالحسرة على مكذِّبي الرسل قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾([5]).

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

22 / ذو الحجة / 1442هـ

2 / أغسطس / 2021م


[1]- سورة التوبة / 128.

[2]- سورة الأعراف / 92-93.

[3]- سورة الشعراء / 3.

[4]- سورة الكهف / 6.

[5]- سورة يس / 30.