معنى التباكي على الحسين (ع)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع): ".. ومَن أنشد في الحسين (عليه السلام) شعرًا فبكى فله الجنَّة، ومن أنشد في الحسين (عليه السلام) شعرًا فتباكى فله الجنَّة"([1]).

 

أليس التباكي من الرياء فكيف يكون مُوجبًا لدخول الجنَّة؟

 

الجواب:

ليس المقصود من التباكي هو التصنُّع والتظاهر بالبكاء، فإنَّ التصنُّع المنافي للواقع مرجوح، وإذا كان مع قصد الرياء فهو محرَّم، فليس المقصود من التباكي شيئًا من ذلك بل المقصود منه في الرواية هو استدعاء الحُزن باستحضار المعاني والمشاهد المقتضية بطبعِها لاستشعار الحزن، فإنَّ ذلك قد ينتهي إلى استيلاء الحزن على النفس فتستجيبُ للبكاء.

 

فالتباكي -بتعبيرٍ آخر- يعني طلب البكاء من طريق الاستدعاء لأسبابه والتي هي من قبيل استحضار المعاني والمشاهد المأساوية المُفضية بطبعها للشعور بالحزن، وحينذاك قد تدمعُ العين وقد لا تدمع، وعلى كلا التقديرين يكون استدعاء الحزن والبكاء تباكيًا وهو الذي قصدته الرواية الشريفة.

 

ويُؤيِّد ذلك استعمال العديد من الروايات التباكي في هذا المعنى:

منها: رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أتى شبابًا من الأنصار، فقال: إنِّي أريد أن أقرأ عليكم، فمَن بكى فله الجنَّة، فقرأ آخر الزمر: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾([2]) إلى آخر السورة، فبكى القوم جميعًا إلا شاب، فقال: يا رسول الله، قد تباكيت فما قطرت عيني. قال: إني معيد عليكم، فمن تباكى فله الجنَّة. قال: فأعاد عليهم فبكى القوم وتباكى الفتى .."([3]).

 

فقول الشاب: "قد تباكيتُ فما قطرت عيني" ظاهرٌ في أنَّه أراد من قوله: تباكيتُ هو أنَّه جهد من أجل أنْ يبكي فمَا تيسَّر له ذلك، بقرينة قوله: "فما قطرتْ عيني".

 

فالواضح من الرواية أنَّ الشاب كان بصدد الاعتذار والتحسُّر لعدم وقوع البكاء منه وأنَّه عمل على استدعاء البكاء لكنَّه لم يُوفَّق لذلك، ومن الواضح أن استدعاء البكاء لا يكون بالتصنُّع وقصد الرياء وإنَّما يكون بتحزين النفس واستحضار ما يوجب الرقَّة.

 

ولذلك لم ينهره الرسول (ص) ولو كان يقصد من التباكي التصنُّع والرياء لنهره، فكيف وقد وعده بالجنَّة إذا تباكى فذلك يقتضي أنَّ المراد من التباكي هو السعي لاستدعاء حالة البكاء.

 

ومنها: رواية إِسْمَاعِيلَ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: إِنْ لَمْ يَجِئْكَ الْبُكَاءُ فَتَبَاكَ فَإِنْ خَرَجَ مِنْكَ مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابِ فَبَخٍ بَخْ"([4]).

 

يعني إنْ لم تُوفَّق للبكاء فاجهد من أجل الوصول لحالة البكاء، فظاهر الرواية هو الحثُّ على التباكي للوصول لحالة البكاء ولا يكون التباكي موصلًا لحالة البكاء إلا إذا كان بمعنى تحزين القلب واستحضار ما يوجب رقَّته.

 

ومنها: رواية عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه ع لأَبِي بَصِيرٍ إِنْ خِفْتَ أَمْرًا يَكُونُ أَوْ حَاجَةً تُرِيدُهَا فَابْدَأْ بِاللَّه ومَجِّدْه وأَثْنِ عَلَيْه كَمَا هُوَ أَهْلُه وصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ (ص) وسَلْ حَاجَتَكَ وتَبَاكَ ولَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ إِنَّ أَبِي ع كَانَ يَقُولُ إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ وهُوَ سَاجِدٌ بَاكٍ"([5]).

 

فالواضح من الرواية أنَّ المراد من التباكي هو بذلُ الجهد باستحضار القلب للوصول لحالة البكاء، إذ لا محلَّ للتصنُّع وقصد الرياء وهو في مقام الدعاء بدفع مَخوفٍ عن نفسِه أو قضاء حاجةٍ يُريدها، كما أنَّه لو كان التباكي بمعنى التصنُّع وقصد الرياء لكان مفاد الرواية إذا كانت لك حاجةٌ تريدُ من الله أنْ يقضيها لك فعليك بالتصنُّع وقصد الرياء فإنَّ هذا المعنى غير مرادٍ قطعًا، وعليه فمعنى قوله (ع): "وتباكي" هو الأمر باستدعاء حالة البكاء إلى أنْ يتيسَّر له البكاء ولو بأنْ تقطرَ مِن عينيه دمعةً بحجم رأس ذبابة.

 

وخلاصة القول: إنَّ الأمر بالتباكي على الإمام الحسين (ع) إن لم يتيسَّر البكاء معناه الأمر باستدعاء المعاني والمشاهد المأساوية المُفضية بطبعها للشعور بالحزن لغرض الوصول لحالة البكاء.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

4 / محرّم الحرام / 1443هـ

13 / أغسطس / 2021م


[1]- ثواب الأعمال -الصدوق- ص84.

[2]- سورة الزُّمَر / 71.

[3]- الأمالي -الصدوق- ص638.

[4]- الكافي -الكليني- ج2 / ص484.

[5]- الكافي -الكليني- ج2 / ص483.