سند رواية ابن شبيب عن الرضا (ع) ورواية دعبل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عن الريّان بن شبيب عن الرضا (عليه السّلام): ".. يَا بنَ شَبيبٍ إنْ كُنتَ باكِيًا لِشَيءٍ فَابكِ لِلحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (عليه السّلام)؛ فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَما يُذبَحُ الكَبشُ، وقُتِلَ مَعَهُ مِن أهلِ بَيتِهِ ثَمانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ما لَهُم فِي الأَرضِ شَبيهونَ، ولَقَد بَكَتِ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرَضونَ .."([1]).

 

1- هل هذا النص الوارد عن الإمام الرضا (ع) صحيح؟

2- هل أنشد دعبل قصيدته (أفاطم لو خِلتِ الحسين مجدَّلًا) في محضر الإمام الرضا (عليه السلام)؟

 

الجواب:

1- نعم أورد الشيخ الصدوق الرواية المذكورة في كتابه عيون أخبار الرضا (ع) بسنده محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريَّان بن شبيب، فالرواية صحيحة السند، فقد صرَّح الشيخ النجاشي بوثاقة الريَّان بن شبيب وقال: ثقة سكن قم وروى عنه أهلها([2]) وأمَّا عليُّ بن إبرهيم القمِّي صاحب التفسير وأبوه إبراهيم بن هاشم فهما من أجلاء الطائفة، وأمَّا محمد بن علي ماجيلويه فهو من مشايخ الشيخ الصدوق وقد أكثر الرواية عنه -في عموم كتبه- والترضِّي عليه هذا مضافًا إلى كونه من المعاريف، لذلك فالرواية نقية السند فهي صحيحة.

 

2- نعم ورد ذلك في العديد من الروايات وفيها ما معتبرٌ سندًا:

 

منها: ما أورده الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) قال: حدَّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدِّب وعلي بن عبد الله الورَّاق رضي الله عنهما قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي (ره) علي موسى الرضا (عليهما السلام) بمرو فقال له: يا بن رسول الله (ص) إني قد قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال (عليه السلام): هاتها فأنشده:

 

مدارس آيات خلت من تلاوة ** ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

 

فلما بلغ إلى قوله:

 

 أرى فيئهم في غيرهم متقسِّمًا ** وأيديهم من فيئهم صفراتِ

 

بكى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وقال له: صدقت يا خزاعي فلمَّا بلغ إلى قوله:

 

إذا وتروا مدُّوا إلى واتريهم ** أكُفًّا عن الأوتار منقبِضاتِ

 

جعل أبو الحسن (عليه السلام) يقلِّب كفَّيه ويقول: أجل والله منقبضات فلمَّا بلغ إلى قوله:

 

لقد خفتُ في الدنيا وأيام سعيها ** وإني لأرجو الأمنَ بعد وفاتي

 

قال الرضا (عليه السلام): آمنك الله يوم الفزع الأكبر فلما انتهى إلى قوله:

 

وقبر ببغداد لنفس زكية ** تضمنها الرحمن في الغرفاتِ

 

قال له الرضا (عليه السلام): أفلا أُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام):

 

وقبر بطوس يا لها من مصيبة ** توقد في الأحشاء بالحرقاتِ

إلى الحشر حتى يبعث اللهُ قائمًا ** يفرج عنا الهمَّ والكرباتِ

 

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال الرضا (عليه السلام): قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له .."([3]).

 

أقول: الرواية معتبرة من حيث السند فالمؤدب أو المكتب والوراق كلاهما من مشايخ الصدوق وقد ترضَّا عليهما وإبراهيم بن هاشم وأبوه من أجلاء الطائفة، وأمَّا عبد السلام بن صالح الهروي فهو أبو الصلت الهروي وقد وثَّقه النجاشي وقال عنه: ثقة صحيح الحديث([4]).

 

هذا وقد أورد الشيخ الصدوق الرواية ذاتها في كتابه كمال الدين عن أحمد بن علي بن إبراهيم([5]) وبذلك يكون الشيخ الصدوق قد نقل الرواية عن ثلاثة من مشايخه، واحمد بن علي بن هاشم هو ابن صاحب تفسير القمي وهو من المعاريف وقد ترضى عليه الصدوق (رحمه الله).

 

ومنها: ما أورده الشيخ الصدوق أيضًا في عيون أخبار الرضا (ع) قال: حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعتُ دعبل بن علي الخزاعي يقول لمَّا أنشدت مولاي الرضا (عليه السلام) قصيدتي التي أولها:

 

مدارس آيات خلت من تلاوة ** ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

 

فلمَّا انتهيت إلى قولي:

 

خروج إمام لا محالة خارج ** يقوم على اسم الله والبركاتِ

يميز فينا كل حقٍّ وباطلٍ ** ويجزي على النعماء والنقماتِ

 

بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديدًا ثم رفع رأسه إليَّ فقال لي: يا خزاعي نطقَ روحُ القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري مَن هذا الامام؟ ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا سيدي إلا إنِّي سمعتُ بخروج إمامٍ منكم يطهِّر الأرض من الفساد ويملؤها عدلًا، فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمدٌ ابني، وبعد محمدٍ ابنُه علي، وبعد عليٍّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنُه الحجَّة القائم المنتظَر في غيبته المُطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يومٌ واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرجَ فيملأها عدلًا كما مُلئت جورًا وظلما .."([6]).

 

أقول: هذه الرواية معتبرة سندًا فأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني من مشايخ الصدوق وقد ترضَّى عليه ووصفه في كتابه كمال الدين بقوله: ".. وكان رجلًا ثقةً ديِّنًا فاضلًا رحمةُ الله عليه ورضوانه"([7]).

 

وأمَّا دعبل بن عليِّ الخزاعي شاعر أهل البيت (ع) المعروف فهو ممدوح ترجم له النجاشي ووصفه بقوله مشهور في أصحابنا صنف كتاب طبقات الشعراء([8]) وقال عنه العلامة الحلِّي في الخلاصة: دعبل -بكسر الدال المهملة، واسكان العين المهملة، وكسر الباء المنقطة تحتها نقطه، بعدها لام- ابن علي الخزاعي، الشاعر، مشهور في أصحابنا. حاله مشهور في الإيمان وعلو المنزلة، عظيم الشأن، صنف كتاب طبقات الشعراء (رحمه الله)"([9]).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / صفر المظفّر / 1443هـ

10 / سبتمبر / 2021م


[1]- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص268.

[2]- رجال النجاشي -النجاشي- ص165.

[3]- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص294.

[4]- رجال النجاشي -النجاشي- ص245.

[5]- كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص374.

[6]- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص296، كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص372.

[7]- كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص369.

[8]- رجال النجاشي ص162.

[9]- خلاصة الأقوال -العلامة الحلِّي- ص144.