المختار وخبرُ سعيِه لتسليم الحسن (ع)!

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته شيخنا العزيز

 

هل صحّ أنَّ المختار الثقفي اقترح على عمِّه سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل الإمام الحسن (عليه السلام) على المدائن، أن يسلِّم الإمام الحسن (عليه السلام) أسيرًا إلى معاوية، ليجعله حاكم العراق كلِّه؟

 

الجواب:

هذا الخبر أورده عددٌ من مؤرِّخي العامَّة ومحدِّثيهم كالبلاذري في أنساب الأشراف، والطبري في تاريخه، وابن الأثير في الكامل، وابن الجوزي في المنتظم، وأورده الطبراني في المعجم الكبير إلا أنَّ الخبر إما أنْ يكون مرسلًا أو مسندًا ينتهي إلى رجلٍ يسمَّى إسماعيل بن راشد.

 

فممَّن أسنده ابنُ جرير الطبري في تاريخه قال: وحدَّثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال: حدَّثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازى الخزاعي أبو عبد الرحمن، قال: حدَّثنا إسماعيل بن راشد قال: بايع الناسُ الحسنَ بن عليٍّ (عليه السلام) بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد على مقدَّمته في اثني عشر ألفا، وأقبل معاوية في أهل الشأم حتى نزل مسكن فبينا الحسنُ في المدائن إذ نادى منادٍ في العسكر ألا إنَّ قيس بن سعد قد قُتل فانفروا فنفروا ونهبوا سُرادُق الحسنِ (عليه السلام) حتى نازعوه بساطًا كان تحته، وخرج الحسنُ حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن، وكان عمُّ المختار بن أبي عبيد عاملًا على المدائن وكان اسمُه سعد بن مسعود فقال له المختار: وهو غلامٌ شابٌّ هل لك في الغنى والشرف قال: وما ذاك قال: تُوثِق الحسن وتستأمن به إلى معاوية، فقال له: سعد عليك لعنةُ الله أثِبُ على ابن بنت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فأوثقه؟! بئسَ الرجلُ أنت .."([1]).

 

أقول: هذا الخبر ساقطٌ عن الاعتبار حتى على مباني العامَّة في الجرح والتعديل ويكفي لسقوطه أنَّ راويه هو إسماعيل بن راشد وهو مجهول الحال لم يذكره علماء الجرح والتعديل بتوثيق، هذا مضافًا إلى أنَّه يُخبِر عن واقعةٍ لم يُدركها، فهو لم يُدرِك الإمام عليًّا (ع) أي أنَّه لم يدرك سنة الأربعين والحادي والأربعين التي وقع فيها الصلح، فالفاصلة بينه وبين أحداث الصلح وما سبقه ولحقه واسطةٌ أو واسطتان، وقد يكون أكثر، فالخبر لذلك يكون مرسلًا منقطعًا أو معضلًا لا يعوًّل على مثله.

 

ويُؤكِّد ما ذكرناه ما علَّق به الألباني على الخبر المذكور في كتابه إرواء الغليل قال: "وهذا إسنادٌ ضعيف مُعضَل، فإنَّ إسماعيل بن راشد هذا وهو السلمي الكوفي من أتباع التابعين، مجهول الحال"([2]).

 

وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: ".. فإنَّ إسماعيل بن راشد -على جهالته- لم يُدرك عليًّا"([3]).

 

ومعنى قوله: معضل هو أنَّه قد سقطت من سند الخبر واسطتان متواليتان أو أكثر وذلك لأنَّه من طبقة تابعي التابعين فهو معضل أو لا أقلَّ من أنَّه منقطع لسقوط واسطةٍ واحدة، فهو على كلِّ تقدير خبرٌ مرسل فيكون ضعيفًا بالإرسال مضافًا إلى ضعفه من جهة جهالة الراوي أعني إسماعيل بن راشد.

 

خبرُ الشيخ الصدوق والتعليق عليه:

هذا من جهة ما أوردته كتبُ العامَّة، وأمَّا ما ورد في كتبنا فلم أجد أحدًا ذكر هذا الخبر سوى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه علل الشرائع، ومَن نقله من علمائنا أخذه عنه قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): -إنَّ الحسن بن عليٍّ (ع)- "لمَّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجرٍ مسموم فعمل فيه الخنجر فأمرَ (عليه السلام) أنْ يُعدَلَ به إلى بطن جريحي وعليها عمُّ المختار بن أبي عبيد مسعود بن قيلة، فقال المختار لعمِّه: تعالَ حتى نأخذ الحسن ونُسلِّمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق، فبدرَ بذلك الشيعة من قول المختار لعمِّه فهمُّوا بقتل المختار فتلطَّف عمُّه لمسألة الشيعة بالعفو عن المختار ففعلوا .."([4]).

 

أقول: هذا الخبر أورده الشيخ الصدوق مرسَلًا دون سند ولم ينسبه لأحدٍ من أهل البيت (ع) كما لم ينسبه لأحدٍ من الرواة لذلك فهو ساقطٌ عن الاعتبار، ولا يصحُّ البناء عليه لكونه فاقدًا لشرائط الحجيَّة، ولهذا أفاد السيد الخوئي (رحمه الله) في مقام التعليق على الخبر قال: "وهذه الرواية لإرسالها غير قابلةٍ للاعتماد عليها"([5]).

 

قرينةٌ أخرى على وهْنِ الخبر:

هذا مضافًا إلى منافاة الخبر المذكور مع مقتضيات الروايات المتظافرة -كما وصفها السيد الخوئي([6])- الواردة عن أهل البيت(ع) المادحة للمختار الثقفي (رحمه الله) على أنَّ ثمة ما يوجب وهنَ الخبر المذكور بل وعموم الأخبار الذامَّة له وهو أنَّ المختار نظرًا لعدائه للنظام الأموي وللزبيريين وتحقيقه للعديد من الانتصارات على الطرفين ورفعه لشعار الانتصار لأهل البيت (ع) وهي الجهة الوحيدة التي يشترك الأمويُّون والزبيريُّون في العِداء لها، لذلك تعرَّضت شخصيته لتشويهٍ واسع حتى أنَّهم اتهموه بادِّعاء النبوَّة وتلقِّي الوحي وادِّعاء العلم بالغيب والنفاق وغيرها من العظائم([7])، ولهذا يصعب الوثوق بشيءٍ من الأخبار الذامَّة له وذلك لاحتمال وقوعها في سياق حملة التشويه الواسعة التي استهدفت شخصية المختار الثقفي (رحمه الله) ولعلَّنا في فرصةٍ أخرى نفيضُ الحديث حول هذا الموضوع.

 

وخلاصة القول: إنَّ الخبر المذكور فاقدٌ لشرائط الاعتبار في نفسِه، وليس في البين من القرائن ما يشهدُ لصدقه بل القرائن قاضيةٌ بكذبه أو لا أقلَّ من الارتياب في صدقه، ولذلك لا يصحُّ البناءُ عليه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

4 / صفر المظفّر / 1443هـ

12 / سبتمبر / 2021م


[1]- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص121، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج3/ 404، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج5 / ص166، المعجم الكبير -الطبراني- ج1 / ص104، أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص36.

[2]- إرواء الغليل -محمد ناصر الألباني ج6 / ص76.

[3]- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة -الألباني- ج11 / ص320.

[4]- علل الشرائع -الصدوق- ج1 / ص221.

[5]- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج19 / ص105.

[6]- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج19 / ص102.

[7]- لاحظ مثلًا: سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص538، ميزان الاعتدال -الذهبي- ج4/ 80، الإصابة -ابن حجر- ج6 / ص275، جامع البيان -الطبري- ج8 / ص28، تفسير القرآن العظيم -ابن أبي حاتم الرازي- ج4 / ص1346 وغيرها.