طلاقُ الحامل قبل تبيُّن الحمل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لو طلَّق الرجلُ زوجته في طهرِ المواقعة فتبيَّن أنَّها كانت حاملاً حين إيقاع الطلاق، فهل يصحٌّ طلاقُه باعتبار أنَّه لا يُشترط في صحَّة طلاق الحامل أن تكون في طهرٍ لم يواقعها فيه؟

الجواب:

يصحُّ طلاقُه بناءً على عدم اعتبار تبيُّن الحمل في صحَّةِ طلاق الحامل في طهر المواقعة، وأمَّا بناءً على اعتبار تبيُّن الحمل فطلاقُه باطل.

وبيان ذلك:

اختلف الفقهاء في طلاق الحامل من جهة أنَّه هل يصحُّ طلاقها في طُهرِ المواقعة مطلقاً أو أنَّ صحَّة طلاقها في طُهرِ المواقعة مشروطٌ بتبيُّن الحمل فقد نُسب -كما في الجواهر(1)- للشيخ المفيد في المقنعة، والشيخ الطوسي النهاية، وابن البراج، وابن حمزة، وابن إدريس، وسعيد وغيرهم القولُ باشتراط تبيُّن الحمل في صحَّة الطلاق، وفي المقابل أطلق المحقِّق والعلامة والشهيدان صحَّة طلاق الحامل في طهر المواقعة ولم ينصَّا على اعتبار التبيُّن في الصحَّة.

العمدة في منشأُ الخلاف:

والعمدةُ في منشأ الخلاف هو أنَّ بعض الروايات قيَّدت صحَّة طلاق الحامل في طُهر المواقعة بالاستبانة، وذلك في مقابل رواياتٍ أخرى عديدة لم تأخذ قيدَ الاستبانة، وذلك هو ما اقتضى البناء بنظرِهم على صحَّة طلاق الزوجة في طهر المواقعة لو تبيَّن كونها حاملاً حين إيقاع الطلاق.

أمَّا الروايات التي لم تأخذ قيد الاستبانة في صحَّة طلاق الحامل:

فمنها: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: لَا بَأْسَ بِطَلَاقِ خَمْسٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ: الْغَائِبِ عَنْهَا زَوْجُهَا، والَّتِي لَمْ تَحِضْ، والَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا، والْحُبْلَى، والَّتِي قَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ"(2).

ومنها: صحيحة حمَّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خمسٌ يطلَّقن على كلِّ حال: الحامل، والتي قد يئست من المَحيض، والتي لم يُدخل بها، والغائبُ عنها زوجُها، والتي لم تبلغ المَحيض"(3).

وأمَّا ما اشتمل من الروايات على قيد الاستبانة فروايتان:

الأولى: صحيحة محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: "خمس يُطلقهنَّ أزواجُهنَّ متى شاؤوا: الحاملُ المستبين حملها، والجاريةُ التي لم تحض، والمرأةُ التي قد قعدتْ مِن المحيض، والغائبُ عنها زوجُها، والتي لم يدخل بها"(4).

الثانية: أوردها الشيخ الصدوق في الفقيه بسندٍ صحيح عن إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "خمسٌ يُطلقن على كلِّ حال: الحاملُ المتبيِّن حملُها، والتي لم يدخُل بها زوجُها، والغائبُ عنها زوجُها، والتي لم تحض، والتي قد جلستْ عن المَحيض"(5).

أقول: وفي بعض نُسَخ الفقيه "المتيقَّن حملُها" وفي نسخةٍ كما قال محقِّق الكتاب: "المستبين حملها" هذا وقد أورد الكليني ذات الرواية بسندٍ صحيح عن إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) إلا أنَّها لم تشتمل على تقييد الحامل بالمتبيِّن حملها أو ما يقرب من هذا المعنى قال (ع): -بحسب الكافي-" خَمْسٌ يُطَلَّقْنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ الْحَامِلُ والْغَائِبُ .."(6) وكذلك أوردها الشيخ الطوسي في التهذيب بمثل ما ورد في الكافي(7).

وعليه فمِن غير المحرَز ما الذي رواه إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) هل هو الحامل مع قيد الاستبانة أو دون قيد الاستبانة إلا أنَّ في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم غنىً وكفاية، فهي قد قيَّدت صريحاً الحامل بالمستبين حملُها. والظاهر من ذلك أنَّ موضوع الحكم بصحَّة الطلاق على أيِّ حال هو حصَّة خاصَّة من الحامل وهي الحامل المستبين حملُها، فذلك هو مقتضى أخذ القيد في الموضوع، فإنَّ المستظهَر منه عرفاً أنَّ الوصف دخيلٌ في ترتُّب الحكم على الموصوف وإلا كان ذكره من اللَّغو، وليس معنى ذلك هو البناء على أنَّ للجملة الوصفيَّة مفهوماً بالمعنى المصطلح، فإنَّه لا مانع من أن يثبت سنخ الحكم للحامل بقيدٍ آخر، أمَّا أنْ يثبت نفس الحكم لمطلق الحامل فهذا يُساوق البناء على لغويَّة القيد.

إشكالٌ وجواب:

وعليه لا يصحُّ أن يُقال إنَّ مقتضى إطلاق مثل صحيحتي الحلبي وحماد هو صحَّة طلاق الحامل وإنْ لم يستبن حملُها بدعوى عدم صلاحيَّة صحيحة زرارة وابن مسلم لتقييدها بعد أنْ كان كلٌّ منهما إثباتيَّاً، فليس بين الطائفتين تعارض بدوي بالنفي والإثبات ليُجمع بينهما بحمل المطلق على المقيَّد.

فهذه الدعوى لا تصح فإنَّه مع القبول بعدم إمكان الجمع بين الطائفتين بحمل المطلق على المقيَّد في المقام فإنَّه رغم ذلك لا يُمكن استظهار الإرادة الجدِّية للإطلاق في الطائفة الأولى، وذلك لصلاحيَّة صحيحة زرارة للقرينيَّة على عدم إرادة الإطلاق الجدِّي للطائفة الأولى. على أنَّه يُمكن القول بأنَّ صحيحة زرارة صالحة لتقييد إطلاق الطائفة الأولى بمعنى أنَّ صحيحة زرارة نافية لثبوت الحكم بالصحَّة لمطلق الحامل وإنْ لم تكن صالحة لنفي الحكم بالصحَّة عن الحامل بقيدٍ آخر غير التبيُّن. وهذا هو معنى ما أفاده السيد الخوئي من أنَّ للجملة الوصفية مفهوماً ولكن في حدود نفي ثبوت الحكم لطبيعي الموضوع مع إمكان ثبوته للموضوع بقيودٍ أخرى غير القيد الوارد في الجملة الوصفيَّة.

وجهٌ آخر لاشتراط التبيُّن وجوابه:

وعليه فالصحيح هو ما عليه مشهور القدماء من عدم صحَّة طلاق الحامل في طهر المواقعة إذا وقع قبل تبيُّن الحمل. نعم لا يصحُّ الاستدلال على اشتراط التبيُّن بما أفاده بعض الأعلام من أنَّ الطلاق قبل تبيُّن الحمل محرَّم لأنَّ الموقِع للطلاق يراه من الطلاق في طهر المواقعة مع عدم الحمل فهو طلاقٌ لغير السنَّة، ولهذا فهو محرَّم فيكون باطلاً.

فإنَّ جواب ذلك هو أنَّ إيقاع الطلاق في طهر المواقعة مع عدم تبيٌّن الحمل لو سلَّمنا بحرمته تكليفاً لكون الموقِع للطلاق يراهُ من الطلاق لغير السنَّة لجهله بالحمل إلا أنَّه بعد تبيَّن أنَّ الطلاق وقع في ظرف الحمل يتبيَّن أنَّه لم يكن واقعاً من الطلاق لغير السنَّة، فلا موجب لبطلانه بعد البناء على صحَّة طلاق الحامل في طهر المواقعة مطلقاً.

فالروايات الدالَّة على صحَّة طلاق الحامل على أيِّ حال صالحةٌ لإثبات صحَّة طلاق الجاهل بالحمل لأنَّ الظاهر من تصحيح طلاق الحامل على أيِّ حال هو صحَّة طلاق ذات الحمل واقعاً بقطع النظر عن علم الموقِع للطلاق بحملها أو عدم علمه، فإنَّ جعل الحكم على موضوعٍ ظاهرٌ في ترتُّب الحكم متى ما وُجد الموضوع واقعاً بقطع النظر عن العلم بوجوده أو عدم العلم، وعليه فلو كان موضوع الحكم بصحَّة الطلاق هو الحامل مطلقاً -كما هو مقتضى الطائفة الاولى من الروايات- لكان ذلك موجباً للبناء على صحَّة طلاق الجاهل بالحمل إذا تبيَّن وقوع الطلاق في ظرف الحمل.

فالوجهُ المذكور لا يصلحُ مدرَكاً لاشتراط التبيُّن، فالوجهُ المصحِّح للبناء على عدم صحَّة طلاق الحامل غير المُستبينة الحمل هو أخذ قيد الاستبانة في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المقتضي ذلك لانتفاء الصحَّة بانتفاء قد التبيُّن.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

10 / جمادى الأولى / 1443ه

15 / ديسمبر / 2021م

[1]- جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج32 / ص42.

[2]- الكافي -الكليني- ج6 / ص79.

[3]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص56.

[4]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج8 / ص70، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص55.

[5]- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج3 / ص516.

[6]- الكافي -الكليني- ج6 / ص79.

[7]- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج8 / ص70.