كيفيَّة طلاق الأخرس

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

كيف يُطلِّق الأخرس زوجته؟

 

الجواب:

المشهور بين الفقهاء بل لا خلاف كما في الجواهر([1]) أو لا خلاف يُعرف كما أفاد صاحب الحدائق([2]) في أنَّ طلاق الأخرس وكذلك مُطلق العاجز عن النطق لآفةٍ عارضة أو دائمة يكون بالكتابة أو بالإشارة المُفهِمة أو بأيِّ فعلٍ يصدر عنه فيدلُّ دلالةً بيِّنة على إرادة إنشاء الطلاق به.

 

والروايات الواردة في المقام أربع أو خمس روايات:

الرواية الأولى: صحيحة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ البزنطي قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (ع) عَنِ الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَه الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَصْمُتُ فَلَا يَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: يَكُونُ أَخْرَسَ قُلْتُ: نَعَمْ، فَيُعْلَمُ مِنْه بُغْضٌ لِامْرَأَتِه وكَرَاهَتُه لَهَا أيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْه وَلِيُّه؟ قَالَ: لَا، ولَكِنْ يَكْتُبُ ويُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ، قُلْتُ: لَا يَكْتُبُ ولَا يَسْمَعُ كَيْفَ يُطَلِّقُهَا؟ فَقَالَ: بِالَّذِي يُعْرَفُ مِنْه مِنْ فِعَالِه مِثْلِ مَا ذَكَرْتَ مِنْ كَرَاهَتِه وبُغْضِه لَهَا"([3]).

 

أقول: هذه الرواية ظاهرة في وقوع الطلاق من الأخرس -ومَن بحكمه- بمُطلق الفعل الدالِّ على إرادة إيقاع الطلاق، نعم في الرواية إشعارٌ إنْ لم يكن ظهور في تعيُّن اختيار الطلاقَ بالكتابة لمَن يُجيدها.

 

الرواية الثانية: صحيحة يُونُسَ: "فِي رَجُلٍ أَخْرَسَ كَتَبَ فِي الأَرْضِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِه؟ قَالَ: إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي قُبُلِ الطُّهْرِ بِشُهُودٍ، وفُهِمَ عَنْه كَمَا يُفْهَمُ عَنْ مِثْلِه ويُرِيدُ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُه عَلَى السُّنَّةِ"([4]).

 

أقول: الرواية مضمرة إلا أنَّ مضمرات يونس معتبرة للاطمئنان بكون المسئول هو الإمام (ع) ويظهر من بعض الأعلام التضعيف لسند الرواية، والظاهر أنَّ منشأ ذلك هو اشتمال السند على إسماعيل بن مرار، فإنَّه لم يرد فيه توثيق خاصٌّ إلا أنَّ ذلك لا يضرُّ بالبناء على وثاقته، فهو من مشايخ ابن أبي عمير الذي لا يروي ولا يُرسل إلا عن ثقة، وكذلك هو ممَّن وقع في أسانيد تفسير عليِّ بن إبراهيم القمي، فسندُ الرواية صحيح.

 

والرواية تدلُّ على وقوع طلاق الأخرس بالكتابة ولكنَّها لا تدلُّ على انحصار الوقوع بالكتابة.

 

الرواية الثالثة: معتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "طَلَاقُ الأَخْرَسِ أَنْ يَأْخُذَ مِقْنَعَتَهَا فَيَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهَا ويَعْتَزِلَهَا"([5]).

 

الرواية الرابعة: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "طلاق الأخرس أنْ يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثم يعتزلها".

 

أقول: الظاهر أنَّهما روايةٌ واحدة وردت من طريقين معتبرين، وظاهرها هو كفايةُ هذا الفعل -أعني وضع المقنعة والاعتزال- لوقوع الطلاق من الأخرس مطلقًا أي سواءً كان مُجيدًا للطلاق بالكتابة أو لم يكن مُجيدًا، ومقتضى الجمع بين هاتين المعتبرتين وبين صحيحة البزنطي -بناءً على ظهورها في تعيُّن الطلاق بالكتابة لمن يُجيدها- هو البناء على صحَّة طلاق الأخرس بمثل وضع المقنعة إذا لم يكن مُجيدًا للكتابة.

 

الرواية الخامسة: رواية أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ طَلَاقِ الْخَرْسَاءِ قَالَ: يَلُفُّ قِنَاعَهَا عَلَى رَأْسِهَا ويَجْذِبُه"([6]).

 

أقول: الظاهر أنَّ السؤال كان عن طلاق الأخرس وليس الخرساء، إذ أنَّ الطلاق إنَّما يكون من الرجل، ومن الواضح البيِّن أنَّه لا يسوغ للرجل القادر على النطق أن يُطلِّق زوجته بمثل وضع القناع حتى وإنْ كانت خرساء، وعليه تكون هذه الرواية مطابقة من حيثُ المفاد لمعتبرتي السكوني وأبي بصير.

 

وعليه لو تمَّ ظهور صحيحة البزنطي في تعيُّن الطلاق بالكتابة لمَن يُجيدها فإنَّ مقتضى الجمع بين الروايات هو صحَّة الطلاق مِن الأخرس بالفعل المُفهِم إذا لم يكن مُجيدًا للكتابة، إلا أنَّه لا يبعد أنَّ الإمام (ع) في صحيحة البزنطي لم يكن بصدد إفادة تعيُّن الكتابة على الأخرس المُجيد لها وإنَّما كان بصدد البيان لمصداقٍ من مصاديق الفعل المُفهِم لإرادة الطلاق خصوصًا وأنَّ الإمام (ع) أطلق في أول جوابه الأمر بالكتابة وهو ما يُشعر أنَّه كان بصدد التمثيل لِمَا به يقع الطلاق من الأخرس، إذ من الواضح أنَّ الكتابة ليست هي المتعيِّنة مطلقًا حتى لغير المُجيد، هذا مضافًا إلى استبعاد أنْ تكون للطلاق خصوصيَّة عن سائر العقود والإيقاعات والشهادات التي دلَّت الروايات على كفاية مُطلق الفعل من الأخرس في إبرامها وترتُّب آثارها، وكذلك فإنَّ ظهور معتبرتي أبي بصير والسكوني ورواية أبان في الإطلاق المقامي وأنَّ الإمام (ع) كان بصدد بيان ما به يقع الطلاق يصلح شاهدًا على أنَّه لو كانت الكتابة متعيِّنة على الأخرس المُجيد للكتابة لكان على الإمام (ع) الإشارة إلى ذلك.

 

فالمتحصَّل هو تماميَّة ما أفاده المشهور من صحَّة طلاق الأخرس بمطلق الفعل المُفهِم لإنشاء الطلاق وإيقاعه وإنْ كان الأحوط اختيار الكتابة لمَن يُجيدها.

 

هذا ويظهر من كلمات والد الشيخ الصدوق أنَّ المتعيِّن في طلاق الأخرس هو إلقاء القناع على رأس زوجته قال (رحمه الله): -كما في الفقيه- "الأخرس إذا أراد أنْ يُطلِّق امرأته ألقى على رأسِها قناعها يُري أنَّها قد حرمتْ عليه، وإذا أراد مراجعتها كشف القناع عنها يُري أنَّه قد حلَّت له"([7]).

 

إلا أنَّ ما أفاده (رحمه الله) مخالفٌ لما دلَّت عليه صحيحة البزنطي من كفاية مُطلق ما يُعرف به إرادته للطلاق، ومنه يتَّضح أنَّ روايات وضع القناع إنَّما كانت بصدد التمثيل للفعل المُفهِم الذي يقع به الطلاق من الأخرس ولم تكن بصدد الحصر بل إنَّ ذلك هو المتفاهم العرفي منها بقطع النظر عن صحيحة البزنطي.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

28 / ديسمبر / 2021م

23 / جمادى الأولى / 1443هـ


[1]- جواهر الكلام -النجفي- ج32 / ص60.

[2]- الحدائق -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص216.

[3]- الكافي -الكليني- ج6 / ص128، من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص515.

[4]- الكافي -الكليني- ج6 / ص129.

[5]- الكافي -الكليني- ج6 / ص128.

[6]- الكافي -الكليني- ج6 / ص128.

[7]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص515.