الحرمة الأبديَّة للمطلَّقة تسعاً للعدَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

يذكر الفقهاء أنَّ الزوجة إذا طُلقت تسعاً للعدَّة حرمت على زوجها أبداً، فما هو المراد من طلاقها تسعاً للعدَّة؟

الجواب:

المراد من طلاقها تسعاً للعدَّة هو أنْ يُطلق الرجل زوجته في طهرٍ لم يواقعها فيه ثم يراجعها قبل انقضاء عدَّتها ثم يواقعها وينتظر حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت طلَّقها ثم يراجعها قبل انقضاء عدَّتها ثم يواقعها وينتظر بها حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت طلَّقها فهذه هي الطلقة الثالثة والتي يحرم بعدها الرجوع إليها إلا بعد أنْ تنكح زوجاً غيره، فإذا نكحت زوجاً غيره وطلَّقها وانقضت عدَّتها منه فتزوَّجها الأول وصنع معها ما صنعه في المرَّة الأولى من التطليق لها ثلاثاً والرجوع مرتين أثناء العدَّة ومواقعتها بعد كلِّ رجوع حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا نكحت زوجاً غيره وطلَّقها وانقضت عدَّتُها منه وتزوَّجها بعده وصنع معها ما صنعه في المرَّتين السابقتين حرمت عليه بعد الطلقة الثالثة مؤبَّداً.

فالمُعتبر في الحرمة الأبديَّة للمطلَّقة تسعاً أمران:

الأول: رجوع الزوج أثناء العدَّة في كلِّ مرة يحلُّ له فيها الرجوع يعني باستثناء المرَّتين اللَّتين يكون الطلاق فيهما بائناً، وهو الطلاق الثالث والسادس حيثُ لا يحلُّ معهما الرجوع لمطلَّقته إلا بعد أنْ تنكحَ زوجاً غيره.

الثاني: أنْ يُواقع زوجته بعد كلِّ رجوع، وذلك يقتضي أنْ لا يُوقِع الطلاق بعده إلا بعد أنْ تحيض وتطهر فيُطلَّقها حينذاك في غير طهرِ المواقعة.

التمييز بين الطلاق السنِّي والطلاق العدِّي:

وهذا هو المعبَّر عنه بالطلاق العِدِّي والذي هو طلاقٌ رجعي يتمُّ فيه الرجوع -أثناء العدَّة- والمواقعة بعده، فلو طلَّقها طلاقاً رجعياً ولكنَّه لم يرجع حتى انقضت عدَّتُها فإنَّ طلاقه لا يكون عدِّياً بل هو طلاقٌ سنِّي بالمعنى الأخص، وكذلك لو طلَّقها طلاقاً رجعياً ورجع في أثناء العدَّة ولكنَّه لم يُواقعها بل طلَّقها قبل المواقعة فإنَّه لا يكون طلاقاً عدِّياً.

ويمكن أنْ يُستدلَّ على التمييز بين الطلاق السنِّي والطلاق العدِّي بصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) أَنَّه قَالَ: كُلُّ طَلَاقٍ لَا يَكُونُ عَلَى السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقٍ عَلَى الْعِدَّةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (ع) فَسِّرْ لِي طَلَاقَ السُّنَّةِ وطَلَاقَ الْعِدَّةِ، فَقَالَ (ع): "أَمَّا طَلَاقُ السُّنَّةِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَه فَلْيَنْتَظِرْ بِهَا حَتَّى تَطْمَثَ وتَطْهُرَ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ طَمْثِهَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ويُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَطْمَثَ طَمْثَتَيْنِ فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ وقَدْ بَانَتْ مِنْه ويَكُونُ خَاطِباً مِنَ الْخُطَّابِ إِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْه وإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَتَزَوَّجْه وعَلَيْه نَفَقَتُهَا والسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وهُمَا يَتَوَارَثَانِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.

قَالَ(ع): وأَمَّا طَلَاقُ الْعِدَّةِ الَّذِي قَالَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَه طَلَاقَ الْعِدَّةِ فَلْيَنْتَظِرْ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ وتَخْرُجَ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ويُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ويُرَاجِعُهَا مِنْ يَوْمِه ذَلِكَ إِنْ أَحَبَّ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ويُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا ويُوَاقِعُهَا، ويَكُونُ مَعَهَا حَتَّى تَحِيضَ فَإِذَا حَاضَتْ وخَرَجَتْ مِنْ حَيْضِهَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ويُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا أَيْضاً مَتَى شَاءَ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ويُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا ويُوَاقِعُهَا وتَكُونُ مَعَه إِلَى أَنْ تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ، فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ طَلَّقَهَا التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ ويُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْه ولَا تَحِلُّ لَه حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه، قِيلَ لَه فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَقَالَ مِثْلُ هَذِه تُطَلَّقُ طَلَاقَ السُّنَّةِ"(1).

فهذه الصحيحة أفادت أنَّ الطلاق العدِّي هو الذي يتمُّ فيه الرجوع أثناء العدَّة ويتم فيه المواقعة بعد الرجوع.

ومعنى قوله (ع): "ثُمَّ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ" هو لزوم أنْ يقع الطلاق في طهرٍ لم يُواقعها فيه، فإذا أوقع الطلاق ساغ له بعده الرجوع في نفس الطهر وساغ له بعد الرجوع المواقعة، وهذا هو معنى: "ويُرَاجِعُهَا مِنْ يَوْمِه ذَلِكَ إِنْ أَحَبَّ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ويُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا ويُوَاقِعُهَا".

وخلاصة القول: إنَّ الحرمة الأبديَّة لا تثبت للمطلَّقة تسعاً إلا حينما يكون طلاقُها للعدَّة بالمعنى المتقدِّم، وأمَّا لو كان الطلاق للسنَّة بأنْ يُطلِّقها مثلاً تسع مرَّات وينتظر بها في كلِّ مرَّة حتى تنتهي عدَّتُها ثم يتزوَّجها بعقدٍ جديد فإنَّها في مثل هذا الفرض لا تحرم عليه أبداً حتى لو طلَّقها بهذا الطلاق مائة مرَّة، نعم تحرم عليه في هذا الفرض بعد كلِّ ثلاث تطليقات إلى أنْ تنكح زوجاً غيره كما هو مقتضى إطلاق قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا﴾(2) فإذا طلَّقها الآخر وانقضت عدَّتها منه أو مات عنها وانقضت عدَّةُ الوفاة ساغ للأول أنْ يتزوَّجها بعقدٍ جديد.

وكذلك لا تحرم عليه أبداً لو كان طلاقه تسعاً لها ملفَّقاً بين طلاق السنَّة وطلاق العدَّة بأنْ طلقها ثم رجع إليها في العدَّة وواقعها ثم انتظر بها حتى تطهر ثم طلقها ولم يرجع إليها في العدَّة ثم تزوَّجها بعقدٍ جديد ثم طلَّقها وهكذا ظلَّ يُطلِّقها طلاقاً سنيَّاً تارة وطلاقاً عدِّياً تارة أخرى فإنَّها لا تحرم أبداً إلا أن تتوالى تسع تطليقات عدِّية. فذلك هو القدر المتيقن وإن كان البعض قد ذهب إلى أنَّها تحرم أبداً لو طلقت تسع تطليقات عدِّية متفرقة (3).

ما يُستدلُّ به على ثبوت الحرمة الأبدية للمطلَّقة تسعاً للعدَّة:

هذا وقد استُدلَّ على ثبوت الحرمة الأبديَّة للمطلَّقة تسعاً للعدَّة بدعوى الاجماع، فقد أفاد صاحب الجواهر أنَّه منعقدٌ بقسميه المحصَّل والمنقول(4).

واستُدلَّ كذلك بما في الخصال للصدوق بسنده عن إبراهيم بن عبد الرحمن الآملي قال: حدَّثني موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام قال: سُئل أبي عليه السلام عمَّا حرَّم اللهُ عزَّ وجلَّ من الفروج في القرآن وعمَّا حرَّمه رسولُ الله صلى الله عليه وآله في سنَّته فقال (ع) في مقام تعداد المحرَّمات بالسنَّة: "وتزويج الرجل المرأة قد طلَّقها للعدَّة تسع تطليقات"(5).

فهذه الرواية هي أظهر الروايات في اختصاص الحرمة الأبديَّة بالمطلَّقة تسعاً للعدَّة، ولكنَّها ليست نقية من حيث السند.

وأمَّا الروايات الأخرى فهي ليست ظاهرة في اختصاص المحرَّمة أبداً بالمطلَّقة تسعاً للعدَّة، فمِن هذه الروايات صحيحة جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) وصحيحة إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه وأَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ رَجُلاً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الأَوَّلُ هَكَذَا ثَلَاثاً لَمْ تَحِلَّ لَه أَبَداً"(6).

فهذه الصحيحة وإنْ كانت صريحة في التحريم المؤبَّد للمطلَّقة تسعاً إلا أنَّها مُطلَقة من جهةِ كون الطلاق للعدَّة أو للسنة.

ومنها: موثقة زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ ودَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه قَالَ: "الْمُلَاعَنَةُ إِذَا لَاعَنَهَا زَوْجُهَا لَمْ تَحِلَّ لَه أَبَداً، والَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فِي عِدَّتِهَا وهُوَ يَعْلَمُ لَا تَحِلُّ لَه أَبَداً، والَّذِي يُطَلِّقُ الطَّلَاقَ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَه حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وتَزَوَّجَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا تَحِلُّ لَه أَبَداً، والْمُحْرِمُ إِذَا تَزَوَّجَ وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّه حَرَامٌ عَلَيْه لَمْ تَحِلَّ لَه أَبَداً"(7).

وهذه الموثقة ليست ظاهرة في اختصاص المحرَّمة أبداً بالمطلَّقة تسعاً للعدَّة، فإنَّ التي لا تحلُّ حتى تنكح زوجا غيره هي الأعم من المطلَّقة للعدَّة والمطلقة للسنَّة.

ومنها: رواية أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه قَالَ .. وسَأَلْتُه عَنِ الَّذِي يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ ثُمَّ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ ثُمَّ يُطَلِّقُ قَالَ: لَا تَحِلُّ لَه حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَه فَيَتَزَوَّجُهَا رَجُلٌ آخَرُ فَيُطَلِّقُهَا عَلَى السُّنَّةِ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ فَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى السُّنَّةِ فَتَنْكِحُ زَوْجاً غَيْرَه فَيُطَلِّقُهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ فَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى السُّنَّةِ ثُمَّ تَنْكِحُ فَتِلْكَ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَه أَبَداً .."(8).

وهذه الرواية -بقطع النظر عن سندها- قد تكون صالحةً للاستدلال بها على أنَّ المحرَّمة أبداً هي المطلَّقة تسعاً للعدَّة، وذلك لأنَّ مفروض السؤال هو مَن يُطلق ثم يرجع ثم يُطلِّق ثم يرجع، وذلك ظاهرٌ في الرجوع أثناء العدَّة أي أنَّ ذلك ظاهرٌ في الطلاق العدِّي، والظاهر أنَّ جواب الإمام (ع) يكون وفق مفروض السؤال، نعم قد يمنع من هذا الاستظهار قول الإمام (ع): "فَيُطَلِّقُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى السُّنَّةِ" إلا أنَّ يُقال إنَّ المراد هنا من طلاق السنَّة هو طلاق السنَّة بالمعنى الأعم المقابل للطلاق البدعي، ومعنى الطلاق السنِّي بالمعنى الأعم هو أنْ يُطلِّقها وِفْق الضوابط المعتبرة في صحة الطلاق من الإشهاد وأنَّها في غير ظرف الحيض وفي غير طهر المواقعة، واستعمالُ طلاق السنَّة في هذا المعنى موجود في الروايات، فيُحمل الاستعمال في الرواية على هذا المعنى بقرينة مفروض السؤال، فلو تمَّ ذلك فإنَّ الرواية تكون صالحة للاستدلال بها على المطلوب.

ويُمكن تأييد اختصاص الحرمة الأبديَّة بالمطلقة تسعاً للعدَّة بمعتبرة مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَه ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاجِعَهَا يَعْنِي يَمَسَّهَا قَالَ: لَه أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَداً مَا لَمْ يُرَاجِعْ ويَمَسَّ"(9).

ومعتبرة الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ الأخرى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَه ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ قَالَ: لَه أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَداً مَا لَمْ يُرَاجِعْ ويَمَسَّ .."(10).

فإنَّ هذه الرواية صريحة في أنَّ المطلَّقة تسعاً لا تحرم أبداً إذا كان طلاقها للسنَّة بالمعنى الأخص أي إذا لم يتمَّ الرجوع إليها أثناء العدَّة، فلتكن هذه المعتبرة قرينة على أنَّ التي تحرم أبداً بعد التطليق التاسع هي المطلَّقة للعدَّة، ولا يخدش في صلاحيَّة الاستدلال بالرواية عدم اشتمالها على التنصيص بحرمتها بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك لأنَّ الإمام (ع) كان بصدد بيان حكم التي لا تحرم بالحرمة الأبديَّة، ولم يكن بصدد بيان ما يُعتبر في صحَّة استئناف العقد بعد الطلاق.

وكيف كان فإنَّه لا إشكال في ثبوت الحرمة الأبديَّة للمطلَّقة تسعاً في الجملة لصحيحة جميل بن دراج وصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد وموثقة زرارة وداود بن سرحان، والقدر المتيقن هو أنَّ موضوع الحرمة هي المطلَّقة تسعاً للعدَّة، وذلك لعدم استقرار الظهور في الإطلاق بل إنَّ معتبرة المعلَّى بن خنيس مانعة من التمسُّك بالإطلاق، فيتعيَّن اختصاص الحرمة الأبديَّة بالمطلَّقة تسعاً للعدَّة لما ذكرناه المؤيد بدعوى الاجماع وبرواية الخصال ورواية أبي بصير.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / رجب المرجَّب / 1443ه

23 / فبراير / 2022م

---------------------------------------

1- الكافي -الكليني- ج6 / ص65.

2- سورة البقرة / 229، 230. 

3- لاحظ: جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج30 / ص18.

4- جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج30 / ص20.

5- الخصال -الصدوق- ص533، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص410.

6- الكافي -الكليني- ج5 / ص428.

7- الكافي -الكليني- ج5 / ص428.

8- الكافي -الكليني- ج5 / ص428.

9- الكافي -الكليني- ج6 / ص77.

10- الكافي -الكليني- ج6 / ص77.