إعراب: فقرة: "يا عالمًا لا يُعلَّم"

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

المسألة:

إذا كان الضبط صحيحاً في دعاء كميل لمَ قال: "يا عالمًا لا يُعلّم"(1) ولم يقل يا عالم؟

بعبارة أخرى: لم استخدم النكرة غير المقصودة في النداء ولم يستخدم النكرة المقصودة والحال أنَّه يُخاطب الحقَّ جلَّ وعلا؟

الجواب:

الظاهر أنَّ "عالماً" في فقرة: "يا عالمًا لا يُعلَّم" ليس من قبيل النكرة غير المقصودة، لأنَّ المُنادى في الفقرة المذكورة مقصودٌ بعينه، لذلك فالمتعيَّن أنَّ المُنادى في المقام هو من المُنادى الشبيه بالمضاف، ولذلك تمَّ نصبُه بعلامة النصب الظاهرة على آخره.

وضابطةُ المُنادى الشبيه بالمضاف هو أنْ يأتي بعد الاسم المُنادى ما يتمُّ به المعنى المقصود لدى المتكلِّم أو قل هو المُنادى الذي يكون ما بعده متمِّماً لمعناه، فهو ليس مضافاً لأنَّه فاقدٌ لصفة المضاف لفظاً ولكنَّه شبيهٌ بالمضاف لحاجته لما يُتمِّم معناه، فكما أنَّ المضاف يحتاج إلى ما يُتمِّم معناه كذلك الشبيه بالمضاف.

فقوله (ع): "يا عالماً لا يُعلَّم" من قبيل المُنادى الشبيه بالمضاف لأنَّ قولنا: "عالمًا" لا يتمُّ به المعنى، إذ أنَّ الله تعالى ليس عالماً كسائر العالِمين بل هو عالمٌ لا يعلَّم، فقولنا: لا يُعلَّم هو ما يتمُّ به المعنى المراد. فهو من قبيل قول الشاعر:

أيا شاعراً لا شاعرَ اليومَ مثله ** جريرٌ ولكن في كليبٍ تواضع(2)

فشاعرًا مُنادى منصوب لأنَّه شبيهٌ بالمضاف، إذ أنَّ قوله: لا شاعر اليوم مثله متمِّمٌ لمعناه، فالمتكلِّم أراد بهذه الفقرة تتميم المعنى الذي أراده، فالمعنى الذي قصده المتكلِّم لا يتمُّ إلا بهذه الفقرة، فهو أنَّه لم يقصد أنَّه شاعرٌ وحسب بل هو شاعر موصوف بأنَّه لا شاعر اليوم مثله، فجملةُ لا شاعر اليوم مثله صفةٌ للمنادى.

وكذلك هو قوله (ع): "يا عالمًا لا يعلم"، فإنَّ جملة "لا يعلَّم" صفةٌ للمنادى يتمُّ المعنى المراد بها.

ومن أمثلة ذلك أيضاً قول الشاعر:

ألا يا نخلةً من ذات عرقٍ ** عليك ورحمةُ الله السلامُ(3)

 

فإنَّ قوله: من ذات عرقٍ هو من تمام المعنى المراد لذلك كانت "نخلة" مُنادى شبيهاً بالمضاف.

ومما ذكرناه يتبيَّن الوجه في قولنا: يا رَفيَقاً بِالعِباَدِ فإنَّ الجار والمجرور من تمام المعنى المراد، وكذلك ما ورد في الدعاء المأثور: يا لطيفا بأهل السماوات والأرض .. يا رؤوفا بأهل السماوات والأرض .. يا رفيقا بأهل السماوات والأرض .."(4).

وهكذا هو الشأن فيما ورد من الدعاء المأثور المعروف بدعاء الجوشن الكبير: ".. يا حَلِيمًا لا يعْجَلُ، يا جَوادًا لا يَبْخَلُ، يا صادِقًا لا يُخْلِفُ، يا وَهَّابًا لا يَمَلُّ، يا قاهِرًا لا يُغْلَبُ، يا عَظِيمًا لا يُوصَفُ، يا عَدْلًا لا يَحِيفُ، يا غَنِيًّا لا يَفْتَقِرُ، يا كَبِيرًا لا يَصْغَرُ، يا حافِظًا لا يَغْفَلُ .."(5).

فالمنادى في تمام الأمثلة المذكورة هو من المُنادى الشبيه بالمضاف لأنَّ ما بعده متمِّمٌ لمعناه ولذلك تمَّ نصب المُنادى

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / شعبان / 1443ه

5 / مارس / 2022م


1- مصباح المتهجِّد -الشيخ الطوسي- ص850.

2- شرح الرضي على الكافية -رضي الدين الاسترآبادي- ج1 / ص355.

3- شرح الرضي على الكافية -رضي الدين الاسترآبادي- ج1 / ص246.

4- البلد الأمين -الكفعمي- ص420.

5- المصباح -الكفعمي- ص260.