بالرفاءِ والبنين .. خلاف السُنَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد

المسألة:

سماحة الشيخ العزيز:

ما حكم استخدام صيغة (بالرفاء والبنين) في التهنئة بالزواج؟

الجواب:

ورد ما يظهرُ منه النهي عن التهنئة بهذه العبارة، فقد أورد الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْبَرْقِيِّ رَفَعَه قَالَ: لَمَّا زَوَّجَ رَسُولُ اللَّه (ص) فَاطِمَةَ (ع) قَالُوا: بِالرِّفَاءِ والْبَنِينَ فَقَالَ: لَا بَلْ عَلَى الْخَيْرِ والْبَرَكَةِ"(1).

فإنَّ الظاهر من قوله (ص): "لا" هو النهي قول هذه العبارة أي لا تقولوا ذلك بل قولوا "عَلَى الْخَيْرِ والْبَرَكَةِ" ولا يُحتمل أنَّ المراد من قوله (ص): "لا" نفي الدعاء أو التفاؤل بالرفاء والبنين، فإنَّ الدعاء أو التفاؤل بذلك مستحنٌ ومطلوب، فهذه قرينة على أنَّ النهي إنَّما هو للتهنئة بهذا القول وهذه العبارة، أو أنَّ المراد من كلمة "لا" هو النفي لحُسن هذا القول وهذه العبارة.

هذا وقد ورد النهي عن التهنئة بهذه العبارة في روايات العامَّةِ أيضاً، فمِن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: تزوَّج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا فقلنا: بالرفاء والبنين فقال: مه لا تقولوا ذلك، فإنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قد نهانا عن ذلك وقال: قولوا: بارك الله فيك، وبارك لك فيها"(2).

وروى أيضاً عن الحسن أنَّ عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه تزوَّج امرأة من بنى جشم، فدخل عليه القوم فقالوا: بالرفاء والبنين فقال: لا تفعلوا ذلك، قالوا: فما نقول يا أبا زيد: قال: قولوا: بارك الله لكم، وبارك عليكم، إنَّا كذلك كنَّا نُؤمر"(3).

وفي سُنن ابن ماجه عن الحسن، عن عقيل بن أبي طالب، أنَّه تزوَّج امرأةً من بنى جشم، فقالوا: بالرفاء والبنين. فقال: لا تقولوا هكذا. ولكن قولوا  كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "اللهمَّ بارك لهم وبارك عليهم"(4).

منشأ النهي عن التهنئة بهذه العبارة:

ولعلَّ منشأ النهي عن التهنئة بهذه العبارة هو أنَّها من سُنن الجاهليَّة كما يؤيِّد ذلك ما رواه ابن عساكر بسنده عن الحسن عن رجل من الصحابة قال: كنَّا نقول في الجاهلية: بالرفاء والبنين، فلما جاء الله بالإسلام علمنا نبيُّنا (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال: قولوا بارك الله لكم وبارك عليكم أو فيكم"(5).

ولعلَّ منشأ النهي عن ذلك هو أنَّ عرب الجاهليَّة يقصدون من التهنئة بهذه العبارة التفاؤل وليس الدعاء فأراد الرسول (ص) تأديب الناس بقصد الدعاء دون التفاؤل المجرَّد عن الدعاء.

ولعلَّ منشأ النهي مضافاً إلى ذلك هو أنَّ العبارة تؤصِّل لِما عليه أهلُ الجاهلية من تفضيل البنين على البنات واعتبار انجاب البنين دون البنات من الحظوة والسعادة التي يتمنَّاها المهنئون للزوجين، فأراد النبيُّ الكريم (ص) الردع عن هذه الثقافة البائسة.

معنى بالرفاء والبنين:

وكيف كان فالمراد من الرفاء والترفئة هو الالتئام والألفة والموافقة، يقال رفأ الجرح أي اندمل، ورفأ الفتق لأمَ خرقه وضمَّ بعضه إلى بعض، ومن ذلك رفأتُ الثوب رفأ ورفوتُه رفواً إذا أصلحتُه بخياطة فتقِه أو شدِّ ما وَهَى منه، وقد يُراد من الرفاء -من الرفو بغير الهمزة- الهدوء والسكينة والطمأنينة، ومن ذلك قولُهم: رفوتُ الرجل إذا سكَّنتُ مِن رَوعه,(6) والباء في قولهم بالرفاء متعلِّق بمحذوف تقديره مثلاً: أعرست بالرفاء والبنين أي مصحوباً بالرفاء ومرزوقاً بالبنين.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

22 / شعبان / 1443ه

26 / مارس / 2022م


1- الكليني -الكافي- ج5 / ص568.

2- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج1 / ص201، سنن الدارمي -عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي- ج2 / ص134.

3- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج1 / ص201.

4- سنن ابن ماجة ج1 / ص614، سنن النسائي -النسائي- ج6 / ص128.

5- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج 41 / 7

6- لاحظ: النهاية -ابن الأثير- ج2 / ص240، لسان العرب -ابن منظور- ج1 / ص87.