ما منَّا إلا مقتولٌ شهيد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سماحة الشيخ العزيز:

هل الأحاديث التي أفادت أنَّه "ما منَّا إلا مقتول شهيد" أو ما يقرب من هذا المضمون معتبرة السند؟ وإذا كانت معتبرة فهل يكون موت الإمام الحجَّة (عجل الله فرجه) بالقتل أو السم؟ ولو صحَّ ذلك فمَن يقتله؟

 

الجواب:

نعم وقفتُ على روايةٍ صحيحة السند أوردها الشيخ الصدوق في العيون وفي الأمالي وفي كتاب مَن لا يحضره الفقيه قال كما في العيون: حدَّثنا محمد بن موسى بن المتوكل ( رحمه الله ) قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعتُ الرضا ( عليه السلام ) يقول: واللهِ ما منَّا إلا مقتولٌ شهيد. فقيل له: فمَن يقتلك يا بن رسول الله؟ قال: شرُّ خلق الله في زماني، يقتلني بالسم، ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة .."(1).

 

فرجال السند كلُّهم ثقات

أمَّا محمد بن موسى بن المتوكِّل فهو من مشايخ الصدوق وقد أكثر الرواية عنه مترضِّياً ومترحِّما عليه في عامَّة كتبه الروائية تقريباً مثل كتاب من لايحضره الفقيه، ومعاني الأخبار، والخصال، والتوحيد، والأمالي، وصفات الشيعة، وفضائل الأشهر الثلاثة، وعيون أخبار الرضا (ع)، وكمال الدين، وعلل الشرائع، وثواب الأعمال، هذا وقد ذكره في المشيخة في طرقه إلى الكتب في ثمانية وأربعين مورداً، كما أفاد السيد الخوئي(رحمه الله) (2) وهو ما يكشف عن كونه معتمَداً عنده، هذا مضافاً إلى ما أفاده السيد ابن طاووس في فلاح السائل(3) من الاتفاق على وثاقته، فلا إشكال في وثاقة الرجل بل وفي جلالة قدره.

 

وأمَّا عليُّ بن إبراهيم القمي وأبوه إبراهيم بن هاشم فهما من أجلاء الطائفة وعظمائها

 

وأمَّا عبد السلام بن صالح المعروف بأبي الصلت الهروي فهو ثقة، صحيح الحديث كما أفاد ذلك الشيخ النجاشي(4)

 

روايات أخرى بذات المضمون:

هذا ويُمكن تأييد هذه الرواية المعتبرة سنداً بالعديد من الروايات المشتملة على ذات المضمون:

 

منها: ما أورده الخزاز القمي في كفاية الأثر بسنده عن هشام بن محمد عن أبيه قال: لمَّا قُتل أميرُ المؤمنين عليه السلام رقى الحسنُ بن علي عليهما السلام المنبر .. قال: ".. ولقد حدَّثني جدي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أنَّ الأمر يملكُه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوتِه ما منَّا إلا مقتولٌ أو مسموم .."(5).

 

ومنها: ما أورده الخزَّاز القمِّي أيضاً في كفاية الأثر بسنده جنادة بن أبي أميَّة قال: دخلتُ على الحسن بن علي (عليهما السلام) في مرضِه الذي تُوفي فيه وبين يديه طشت يقذفُ فيه الدم .. -قال الحسن بن علي صلوات الله عليهما- : واللهِ لقد عهِد إلينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله أنَّ هذا الأمر يملكُه اثنا عشر إماماً مِن ولد عليٍّ وفاطمة، ما منَّا إلا مسمومٌ أو مقتول.."(6).

 

ومنها: ما أورده الشيخ الصدوق في العيون قال: حدَّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدَّثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي عن الإمام الرضا(ع) قال: ".. وما منَّا إلا مقتول وإنِّي والله لمقتولٌ بالسم باغتيالِ مَن يغتالني، اعرفُ ذلك بعهدٍ معهود إلي من رسول الله ( ص ) ..".(7).

 

ويُؤيِّد ذلك أيضاً ما أفاده الشيخ الطبرسي في إعلام الورى قال (رحمه الله): "وذهب كثيرٌ من أصحابنا إلى أنَّه -الهادي (عليه السلام)- مضى مسموماً، وكذلك أبوه وجدُّه وجميع الأئمة (عليهم السلام) خرجوا من الدنيا بالشهادة، واستدلُّوا في ذلك بما رُوي عن الصادق عليه السلام من قوله: "والله ما منَّا إلا مقتولٌ شهيد ". والله أعلم بحقيقة ذلك"(8).

 

وقريبٌ من ذلك ما أفاده ابن شهراشوب في المناقب قال (رحمه الله): "وذهب كثيرٌ من أصحابنا إلى أنَّ الأئمة خرجوا من الدنيا على الشهادة واستدلُّوا بقول الصادق (عليه السلام): واللهِ ما منَّا إلا مقتول شهيد"(9).

 

وكذلك أفاد الشيخ الصدوق في كتاب الاعتقادات إلى دين الإماميَّة قال: "وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (عليهم السلام) أنَّهم مقتولون، فمَن قال إنَّهم لم يُقتلوا فقد كذَّبهم .."(10).

 

ويظهرُ من عبارة الشيخ الصدوق (رحمه الله) الجزم بأنَّ النبيَّ (ص) والأئمة (ع) قد رحلوا من الدنيا مقتولين وأنَّ الروايات التي بلغتْه أورثته القطعَ بذلك حتى أنَّه عدَّ مَن ينفي موتَهم قتلاً مكذِّباً للنبيِّ الكريم (ص) وأهل بيته (ع) وهو ما يكشفُ عن أنَّه كان قاطعاً بصدور الروايات المتضمِّنة لذلك.

 

نعم لم يرتضِ الشيخ المفيد (رحمه الله) دعوى القطع بأنَّ نبيَّنا (ص) والأئمة (ع) مضوا جميعاً بالسمِّ والقتل(11).

 

أقول: لعلَّه لم يقف على مقدار ما وقفَ عليه الشيخ الصدوق من الروايات أو لعلَّها لم تُورثه القطع، وعلى أيِّ حالٍ فالمقدارُ الذي بلَغنا من الروايات -المُعتضِدة بما وردَ في كلِّ إمامٍ بخصوصِه، والمعتضِدة بالقرائن والحواضنِ التاريخيَّة لهذه الروايات، وتبنِّي الكثير من علمائنا لهذا الأمر- فمجموع ذلك صالحٌ للإثبات التأريخي.

 

وهذا هو مؤدَّى ما أفاده العلامة المجلسي (رحمه الله) قال تعليقاً على ما ذكره الشيخ المفيد (رحمه الله): "مع ورود الأخبار الكثيرة الدالة عموماً على هذا الأمر والأخبار المخصوصة الدالَّة على شهادة أكثرهم وكيفيتها كما سيأتي في أبواب تواريخ وفاتهم عليهم السلام، لا سبيل إلى الحكم بردِّه وكونِه من الارجاف، نعم ليس فيمَن سوى أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وموسى بن جعفر وعليِّ بن موسى (عليهم السلام) أخبار متواترة تُوجب القطع بوقوعه، بل إنَّما تُورث الظن القوي بذلك، ولم يقم دليل على نفيه، وقرائنُ أحوالهم وأحوال مخالفيهم شاهدةٌ بذلك، لا سيَّما فيمَن مات منهم في حبسهم وتحت يدهم، ولعلَّ مراده رحمه الله أيضاً نفي التواتر والقطع لا ردّ الأخبار"(12).

 

كيفيَّة موت الإمام المهدي (ع):

وأمَّا السؤال عن كيفيَّة موت الإمام الحجَّة (ع) وهل يكون بالقتل فلم نقف -رغم التتبع- في الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) ما ينفي أو يُثبِت ذلك، نعم نقل الشيخُ علي الحائري اليزدي في كتابه إلزام الناصب في إثبات الحجَّة الغائب المتوفى سنة 1322ه عن أحد العلماء -لم يُسمِّه- أنَّ الإمام (ع) يُقتل غيلةً تقتلُه امرأة(13).

 

إلا أنَّ هذا القول لا يُمكن اعتماده، فهو لا يرقى لمستوى الرواية المرسلة، إذ أنَّه لم ينسبْه لأحد الأئمة (ع) ولو تنزَّلنا فهي رواية مرسلة مجهولة المصدر، لذلك فهي فاقدة لأدنى مراتب الاعتبار.

 

وعليه فليس في البين سوى الروايات العامَّة المتضمِّنة لإفادة أنَّه ما من إمامٍ من أئمة أهل البيت (ع) إلا وهو مقتولٌ شهيد، وقد تقدَّم أنَّ فيها ما هو معتبرٌ سنداً وأنَّها صالحةٌ للإثبات والاعتبار، فهي مقتضية للبناء على أنَّ الإمام (ع) يرحلُ عن الدنيا شهيداً، وأمَّا كيفيَّة ذلك فهو في علم الله تعالى، على أنَّ من المحتمَل أنَّ الإمام (ع) مستثنى من هذه القاعدة فيحظى من الله تعالى بمقام الشهداء دون أنْ يقع عليه القتل.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / شوال / 1443ه

23 / مايو / 2022م

---------------------------------

1- الأمالي -الصدوق- ص140، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص287، من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج2 / ص585، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص568.

2- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج18 / ص300

3- فلاح السائل -السيد ابن طاووس- ص158.

4- رجال النجاشي -النجاشي- ص 245.

5- كفاية الأثر -الخزاز القمي- ص162.

6- كفاية الأثر -الخزاز القمي- ص227.

7- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص220.

8- إعلام الورى -الطبرسي- ج2 / ص131.

9- مناقب آل أب طالب -ابن شهراشوب- ج2 / ص51.

10- الاعتقادات في دين الإمامية -الصدوق- ص99.

11- تصحيح اعتقادات الامامية -المفيد- ص131.

12- بحار الأنوار -المجلسي- ج27 / ص216.

13- إلزام الناصب في إثبات الحجَّة الغائب -الشيخ علي الحائري اليزدي- ج2 / ص146.