أولُ شهيدٍ في طريق نهضة الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

من هو أولُ سفيرٍ استُشهد هل هو سليمان بن رزين أو هو مسلم بن عقيل؟

الجواب:

رسولُ الحسين إلى أشراف البصرة هو أولُ من استُشهد في طريق نهضة الحسين (ع) فقد ذكر عدد من المؤرِّخين(1) أنَّ الإمام الحسين (ع) بعث برسولٍ له إلى رؤوس الأخماس وأشراف البصرة، فكان منهم مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد الله بن معمر، فكانت رسالته إليهم نسخة واحدة ورد فيها: "أَمّا بَعْدُ، فَإِنَّ الله اصْطَفى مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) عَلى خَلْقِهِ، وَأَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَاخْتارَهُ لِرسالَتِهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ نَصَحَ لِعِبادِهِ، وَبَلَّغَ ما أُرْسِلَ بِهِ (صلى الله عليه وآله) وَكُنّا أَهْلَهُ وَأَوْلِياءَهُ وَأَوصِياءَهُ وَوَرَثَتَهُ، وَأَحَقَّ النّاسِ بِمَقامِهِ فِي النّاسِ، فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنا قَوْمُنا بِذلِكَ، فَرَضينا وَكَرِهْنَا الْفُرْقَةَ وَأَحْبَبْنَا الْعافِيَةَ، وَنَحَنُ نَعْلَمُ أَنّا أَحَقُّ بِذلِكَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْنا مِمَّنْ تَوَلاّهُ .. وَقَدْ بَعَثْتُ رَسُولي إِلَيْكُمْ بِهذَا الْكِتابِ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلى كِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبيِّهِ (صلى الله عليه وآله)، فَاِنَّ السُنَّةَ قَدْ أُميتَتْ، وَإِنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أُحيِيَتْ، وَإِنْ تَسْمَعُوا قَوْلي وَتُطيعُوا أَمْري أَهْدِكُمْ سَبيلَ الرَّشادِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ".

وقد التزم أكثرُهم الصمتَ والتكتُّم على مراسلة الحسين (ع) له، واستجاب مسعود بن عمرو (رحمه الله) وشذَّ منهم المنذرُ بن الجارود العبدي فأخذَ رسولَ الحسين إلى عبيد الله بن زياد، فأمرَ بقتله صبراً، وقيل أنَّه أفشا أمر الرسالة عند ابن زياد فطلب ابنُ زياد مِن أجناده البحث عن حامل الرسالة فحينَ عثروا عليه وجاءوا به إليه أمرَ بضرب عُنقِه(2) وكان ذلك قبل خروج ابن زياد إلى الكوفة، بوقتٍ يسير بعد أنْ ضمَّها يزيدُ إلى ولايتِه، فمقتلُ رسولِ الحسين إلى البصرة وقعَ قبل ذهابِ ابن زياد إلى الكوفة، لذلك فهو أولُ شهيدٍ في طريق نهضة الحسين (ع).

وأمَّا اسمُ هذا الشهيد المبرور فهو -بحسب العديد من المصادر- سُليمان مولى الحسين (ع) أو مولى الحسن (ع) ويكنى -بحسب ما أفاده ابن نما الحلِّي والسيد ابن طاووس- أبا رزين(3).

هذا وقد استظهَرَ العديدُ من الأعلام(4) أنَّه المقصود من التسليم الوارد في زيارة الناحية والتي جاء فيها: "السلامُ على سُليمان مولى الحسينِ بن أميرِ المؤمنين، ولعنَ اللهُ قاتلَه سُليمان بن عوفِ الحضرمي"(5).

ولا يبعدُ أنَّ الذي ورد اسمُه في زيارة الناحية هو شهيدٌ آخر غيرُ الذي بعثَه الإمامُ الحسين (ع) إلى أشراف البصرة، فإنَّ ثمة شهيداً قُتل مع الحسين (ع) في كربلاء ذكر العديدُ من المؤرِّخين(6) أنَّ اسمَه سليمان مولى الحسين (ع)، على أنَّ المستظهَر مِن مقدِّمة الزيارة أنِّها زيارةٌ للشهداء المدفونين عند قبر الإمام الحسين (ع).

فقد أورد السيِّد ابن طاووس الزيارةَ بسنده عن الشيخ الصالح أبي منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي (رحمة الله عليه) قال: خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني حين وفاة أبي رحمه الله، وكنتُ حديثَ السنِّ، وكتبتُ استأذنُ في زيارة مولاي أبي عبد الله (عليه السلام) وزيارة الشهداء (رضوان الله عليهم)، فخرجَ إليَّ منه: "بسم الله الرحمن الرحيم: إذا أردتَ زيارة الشهداء رضوان الله عليهم فقفْ عند رجلي الحسين (عليه السلام)، وهو قبرُ عليِّ بن الحسين (صلوات الله عليهما)، فاستقبِلْ القبلةَ بوجهك فإنَّ هناك حومة الشهداء (عليهم السلام) وأومِ وأشِر .."(7).

فإنَّ الظاهر من قوله: "إذا أردتَ زيارة الشهداء فقفْ عند رجلي الحسين (ع) .. فاستقبِلْ القبلةَ بوجهك، فإنَّ هناك حومة الشهداء (عليهم السلام) وأومِ وأشِر .." هو أنَّ المقصودين بالزيارة هو شهداءُ كربلاء الذين دُفنوا عن رجلي الإمامِ الحسين (ع).

وعليه فالأرجح أنَّ سليمان المذكور في الزيارة هو غيرُ سليمان الذي بعثَه الإمامُ الحسين (ع) رسولاً إلى أشراف البصرة فقتلَه ابنُ زياد صبراً.

ومن ذلك يترجَّح أنَّ الذي ذكره الشيخُ الطوسي في الرجال (8) وأفاد أنَّه قُتل مع الحسين (ع) هو الذي استُشهد بين يديه في كربلاء، وليس هو المقتول المغدور به في البصرة، فإنَّ ذلك هو المستظهَر من قوله: "قُتل معه".

وعلى أيِّ تقدير فإنَّ ثمة شهيداً اسمُه سليمان مولى الحسين كان الأول في قافلة الشهداء الذين استُشهدوا في طريق نهضة الحسين (ع) كان قد بعثَه الإمامُ الحسين (ع) برسائلَ كثيرة إلى وجهاء البصرة يستنهضُهم فيها للثورة على الأُمويين، وقد أنجزَ مهمته الدقيقة والخطِرة على أكمل وجه، ولكنَّ الذي وقع هو أنَّ أحد الخانعين من أشراف البصرة وهو المنذر بن الجارود العبدي زعم أنَّه تخوَّف مِن أنَّ تكون الرسالة -التي حملها إليه سليمانُ مولى الحسين- دسيساً من عبيد الله بن زياد، لذلك اقتاد سليمان إلى ابن زياد قبل أنْ يخرج ابن زياد إلى الكوفةِ فأمرَ بقتله صبراً، وقيل إنَّه أمرَ بصلبه بعد قتلِه(9) وخرجَ بعدها بصحبة المُنذر وآخرين(10) إلى الكوفة لمواجهة مسلم بن عقيل.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

7 / محرم الحرام / 1444ه

6 / أغسطس / 2022م

--------------------------

1- تاريخ الطبري- الطبري- ج4 / ص265، أنساب الأشراف- البلاذري- ج2 / ص78، مثير الأحزان ص17، اللهوف -السيد ابن طاووس- ص26، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص23، مقتل الحسين (ع) -الموفق الخوارزمي- ج1 / ص288، 289.

2- الأخبار الطوال -ابن قتيبة- ص232.

3- مثير الأحزان ص17، اللهوف -السيد ابن طاووس- ص26.

4- تنقيح المقال في علم الرجال -الشيخ عبد الله المامقاني- ج33 / ص283، قاموس الرجال -الشيخ محمد تقي التستري- ج5 / ص296.

5- إقبال الأعمال -السيِّد ابن طاووس- ج3 / ص76، المزار -المشهدي- ص491.

6- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص359، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص93، الفصول المهمة -ابن الصباغ- ج2 / ص848، الحدائق الوردية -حميد بن أحمد المحلي- ص228.

7- إقبال الإعمال -السيِّد ابن طاووس- ج3 / ص73.

8- الأبواب رجال الطوسي -الطوسي- ص101.

9- مقتل الحسين (ع) -الموفق الخوارزمي- ج1 / ص289، مثير الأحزان -ابن نما الحلِّي- ص19.

10- أنساب الأشراف -البلاذري- ج2 / ص78، مقتل الحسين (ع) -الموفق الخوارزمي- ج1 / ص289.