الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيَّة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيَّة واجب؟

 

الجواب:

لا إشكال ولا خلاف بين الفقهاء في مشروعيَّة الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيَّة بل يُعدُّ ذلك من شعار الإماميَّة، نعم وقع الخلاف في وجوب الجهر بها وعدمه، فالمشهور شهرةً عظيمة هو عدم الوجوب وأنَّ الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيَّة مستحبٌّ وليس واجباً بل أدّعي الإجماع على الاستحباب وعدم الوجوب(1) وفي مقابل فتوى المشهور نُسب إلى الشيخ الصدوق وابن البرَّاج وأبي الصلاح القول بوجوب الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيَّة(2).

 

مستند المشهور على استحباب الجهر:

وعمدةُ ما يستند إليه المشهور في البناء على الاستحباب هو صحيحة صفوان الجمال قال: "صليتُ خلفَ أبي عبد الله (عليه السلام) أياماً فكان يقرأُ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كانت صلاة لا يُجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك"(3).

 

وتقريبُ الاستدلال بالرواية هو أنَّ صفوان يحكي ما يفعله الإمام (ع) في الصلاة الإخفاتية وأنَّه كان يجهر فيها بالبسملة، والظاهر أنَّ مراده من الجهر بالبسملة هو الجهر بها في قراءة الركعتين الأوليين ، إذ أنَّ ذلك هو مقتضى تصنيف الصلاة إلى ما يُجهر فيها بالقراءة وما لا يُجهر ، فإنَّ هذا التصنيف إنَّما هو بلحاظ الركعتين الأوليين وأمَّا الأخيرتان فلا فرق بين جميع الصلوات في حكمها، وعليه فتدلُّ الرواية على أنَّ الإمام (ع) كان يجهر بالبسملة في الركعتين الأوليين من الصلاة الإخفاتيَّة، وأمَّا دلالتها على استحباب الجهر دون الوجوب فمضافاً إلى أنَّ فعل الإمام (ع) لا يدلُّ على أكثر من المشروعيَّة، فالوجوب يحتاج إلى دليل فمع عدمه لا يثبتُ بفعل الإمام (ع) سوى الاستحباب لأنَّ العبادة متى ما كانت مشروعة كانت مستحبَّة مالم يثبت الوجوب. فمضافاً إلى ذلك فإنَّه يُمكن استظهار الاستحباب -كما أفاد السيد الخوئي(4)- من نفس تصدِّي الراوي لتخصيص الجهر بالبسملة بالذكر، فإنَّه لا معنى للتنبيه على ذلك لولا أنَّ الجهر مستحبٌّ وليس بواجب ولهذا لا يحسن منه التنبيه على أنَّ الإمام(ع) قد ركع وسجد، ويؤيد ذلك أنَّه لم ينبِّه على أنَّ الإمام (ع) قد جهر بالبسملة في الركعتين الأوليين من الصلاة الجهريَّة رغم أنَّه قد جهر بها قطعاً فذلك يؤكِّد أنَّ على أنَّ الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيَّة لم يكن لازماً إلا أنَّه حيث التزم به الإمام (ع) كان ذلك مقتضياً لحسن التنبيه.

 

إلا أنَّ ما يرد على ذلك هو أنَّ التنبيه على جهر الإمام (ع) بالبسملة قد يكون ناشئاً عن أنَّ المتلقي للرواية كان ينكر أو لا يعلم بوجوب الجهر فتصدَّى الراوي لحكاية فعل الإمام (ع) وأنه كان يجهر بالبسملة ليستدلَّ بذلك له على وجوب الجهر، ولعلَّ المتلقِّي للرواية كان ينكر أو يجهل بمشروعية الجهر بالبسملة فتصدى الراوي لحكاية فعل الإمام (ع) لينبِّه المتلقي على المشروعيَّة فلا يتعيَّن من حكاية الراوي لفعل الإمام(ع) استظهار إرادة الراوي التنبيه على أنَّ الجهر مستحبٌ.

 

فالصحيح هو أنَّ دلالة الرواية على الاستحباب نشأ عن عدم صلاحية فعل الإمام (ع) للدلالة على الوجوب فيكون فعله متمحِّضاً في الدلالة على المشروعيَّة المساوقة في مثل المقام للاستحباب

 

وثمة رواية أخرى معتبرة لصَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَيَّاماً فَكَانَ إِذَا كَانَتْ صَلَاةٌ لَا يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ بِـ {بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وكَانَ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ جَمِيعاً"(5).

 

وهذه الرواية أظهرُ من سابقتها حيث تمَّ التصريحُ فيها بأنَّ الإمام (ع) يجهرُ في السورتين، وهذا معناه أنَّ الجهر بالبسملة كان في الركعتين الأوليين من الصلاة الاخفاتيَّة وأنَّ الإمام (ع) يجهرُ للحمد والسورة، وتقريب الاستدلال بها هو ذاتُه التقريب في الرواية السابقة، والاشكال إنَّما هو في سند الرواية، وذلك لاشتماله على القاسم بن محمد الجوهري إلا أنَّ الصحيح هو أنَّه ثقة لكونِه من مشايخ ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى.

 

ويُمكن تأييد القول باستحباب الجهر بالبسملة في الصلاة الاخفاتية بعددٍ من الروايات:

 

منها: رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (عليه السلام): "أنَّه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار"(6).

 

وتقريب الاستدلال بها على المطلوب هو ذاته التقريب للاستدلال بمعتبرتي صفوان، على أنَّ هذه الرواية أنفع في الدلالة على المطلوب من جهة أنَّه لا يرد عليها احتمال أنَّ الجهر بالبسملة في الصلاة الاخفاتية خاصٌّ بإمام الجماعة.

 

ومنها: معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال: "والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة"(7).

 

فإنَّ كلمة سنَّة وإنْ كانت تُستعمل وصفاً للواجب إلا أنَّها تُستعمل كذلك وصفاً للاستحباب، فلو سلمنا أنَّها ليست ظاهرة في الاستحباب فهي ليست ظاهرة في الوجوب أيضاً، وبه لا تكون المعتبرة دالة على أكثر من المشروعيَّة ، والمشروعية في مثل المقام تساوق المطلوبيَّة وهو كافٍ لاثبات الاستحباب. وثمة رواياتٌ أخرى يُمكن الوقوف عليها بالمراجعة.

 

مستند القول بالوجوب وجوابه:

وأمَّا ما يُستدلُّ به على وجوب الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتيَّة فعمدتُه روايتان:

 

الأولى: رواية الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث شرائع الدين قال: "والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب"(8).

 

الثانية: رواية سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) .. وأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .."(9).

 

أمَّا رواية الأعمش فهي ضعيفة لاشتمال سندها على عددٍ من المجاهيل على أنَّ من غير المستبعد أنَّ المراد من الوجوب هو معناه اللغوي وهو الثبوت بقرينة أنَّ هذه المسألة من المسائل التي تعمُّ بها البلوى وذلك يقتضي أنَّ وجوب الجهر بمعناه المصطلح لو كان ثابتاً لكان واضحاً لا يخفى في حين أنَّ الذي عليه مشهور الفقهاء شهرة عظيمة هو البناء على الاستحباب فذلك ما يوهن استظهار الوجوب الاصطلاحي من كلمة الوجوب في الرواية فإما أن تكون هذه القرينة مقتضية لاستظهار الثبوت من كلمة الوجوب في الرواية أو يكون المراد منها مجملاً لا يصلح للاستدلال به على دعوى وجوب الجهر بالبسملة.

 

وأمَّا رواية سليم بن قيس فليست ظاهرة في أنَّ الإمام أمير المؤمنين (ع) ألزم الناس بالجهر بالبسملة في مطلق الصلوات، فلعله ألزمهم بالجهر بها في الصلوات الجهرية، فإنَّ ما عليه العامَّة هو الإخفات بالبسملة حتى في الصلوات الجهريَّة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

16 / صفر / 1444ه

13 / سبتمبر / 2022م

-------------------------------------

1-الخلاف -الطوسي- ج1 / ص332، تذكرة الفقهاء- العلامة- ج3 / ص152.

2-ذكرى الشيعة -الشهيد الأول- ج3 / ص333، الحدائق -الشيخ يوسف- ج8 / ص167، المستند في شرح العروة -السيد الخوئي- ج 14 / ص384.

3- وسائل الشيعة -الحر العملي- ج6 / ص57.

4- المستند في شرح العروة -السيد الخوئي- ج 14 / ص386.

5- الكافي -الكليني- ج3 / ص315.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص76.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص76.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص76.

9- الكافي -الكليني- ج8 / ص58.