حكم الكذب على المبتدِع

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

السيد الخوئي (رحمه الله) يُجيز الافتراء على المبتدع إذا توقَّف ردُّ باطلِه عليه(1)، فهل مستندُه في ذلك رواية: "إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الرَّيْبِ والْبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا الْبَرَاءَةَ منهم .. وبَاهِتُوهُمْ .."(2).

الجواب:

ليس مستندُ السيد الخوئي (رحمه الله) في ذلك الروايةَ المذكورة، فالروايةُ لا تدلُّ على جواز الكذب والافتراء على المبتدِع -كما أوضحنا ذلك في مقالٍ تحت عنوان معنى المباهتة لأهل البدع- بل مستندُه قاعدة التزاحم تماماً كما هو الشأن في فرض دوران الأمر بين حماية مؤمنٍ من القتل مثلاً وبين الإخبار كذباً أنَّه مجنون أو أنَّه يبغض عليَّاً (ع)، فلو توقَّف إنقاذه من القتل مثلاً على أنْ تتهمه كذباً بالجنون أو السفاهة أو تتهمه باعتناق عقيدة باطلة لا يؤمنُ بها واقعاً أو بارتكاب ذنبٍ لم يرتكبه واقعاً فإنَّ الكذب عليه في هذا الفرض جائزٌ إذا كان عدمُ الكذب عليه سوف يُوقعه في محذورٍ عظيم عُلم من الشارع عدم الرضا بوقوعه مطلقاً كالقتل مثلاً.

كذلك هو الشأن في المقام فإنَّه لو توقَّف ردُّ بدعة المبتدع التي يُخشى من عدم ردِّها افتتان الناس بها، لو توقف ذلك على الكذب على صاحب البدعة فإنَّ الكذب في مثل هذا الفرض يُصبحُ جائزاً، وذلك لأنَّ حماية دين الناس أهمُّ ملاكاً من ملاك حرمة الكذب. فالكذبُ وإن كان محرَّما في نفسه إلا أنَّ حرمته ترتفعُ إذا زُوحمت بامتثال تكليفٍ أهم ملاكاً منه تماماً كما لو دار الأمر بين إنقاذ غريق وبين دخول الأرض المغصوبة، فإنَّ دخول الأرض المغصوبة وإن كان محرَّماً ولكنَّ هذه الحرمة ترتفعُ في فرض توقُّف إنقاذ الغريق على دخولها.

على أنَّ هذه المسألة لا تعدو كونها فرضيَّة لا واقع لها خارجاً، فغالباً لا يتوقف ردُّ بدعة المبتدع على الكذب عليه، فإنَّ البدعة أوهنُ من أنْ يحتاج ردُّها إلى الكذب والافتراء على صاحبها، فإما أن تكون البدعة واهية أو يكون صاحبها واجداً واقعاً لصفاتٍ مرذولة يُمكن الاستعانة بها لصرف الناس عنه وعن بدعته دون الحاجة للاستعانة بالكذب عليه. ولذلك يحرمُ الافتراء على صاحب البدعة لعدم توقُّف ردِّ بدعته على الكذب والافتراء عليه.

فما يُروِّج له البعض من أنَّ السيد الخوئي يُجيز الكذب على صاحب البدعة مُطلقاً هو من الافتراء على السيد الخوئي رضوان الله عليه، فما يُفتي به السيد الخوئي هو حرمة الكذب والافتراء على أصحاب البدع بل وحرمته على الكفار، نعم يجوز الكذب في فرضيةٍ واحدة لا تكاد تتحقق خارجاً، وهي فرضية توقف ردُّ الباطل -الموجب لافتتان الناس عن دينهم وعقيدتهم- على اتِّهام صاحب البدعة بما ليس فيه. وأين هذا من دعوى أن الفقهاء يجيزون الافتراء على أصحاب البدع.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

14 / ربيع الأول / 1444ه

11 / اكتوبر / 2022م

--------------------------

1- صراط النجاة -السيد الخوئي- ج1 / ص447.

2- الكافي -الكليني- ج2 / ص375.