دعوى أنَّ أبا حمزة الثمالي يشربُ النبيذ! 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما مدى صحَّة ما نقله الكشي من أنَّ أبا حمزة الثمالي كان يشربُ النبييذ؟!

 

الجواب:

ثابت بن دينار المعروف بأبي حمزة الثمالي من خِيار أصحابِ الإمام زين العابدين والباقر والصادق (عليهم السلام)، ومن أجلاء الطائفة وعظمائها، وقد أثنى عليه النجاشي (رحمه الله) بقوله: "ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي، واسم أبي صفية: دينار .. كوفيٌّ ثقةٌ .. لقيَ عليَّ بنَ الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن (عليهم السلام)، وروى عنهم، وكان من خِيار أصحابِنا وثقاتِهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، ورُوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: "أبو حمزة في زمانه مثلُ سلمان في زمانِه.. ومات في سنة خمسين ومائة، له كتاب تفسير القرآن "(1).

 

وقال عنه الشيخُ الصدوق في المشيخة: "أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي، ودينار يكنى أبا صفية .. وتوفى سنة وتوفي سنة خمسين ومائة (150ه) وهو ثقةٌ، عدْلٌ، قد لقيَ أربعةً من الأئمة عليِّ بن الحسين، ومحمَّد بن علي، وجعفر بن محمَّد، وموسى بن جعفر عليهم السلام "(2).

 

وقال الكشي: وجدتُ بخطِّ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني قال: سمعتُ الفضل بن شاذان، قال: سمعتُ الثقة يقول: سمعتُ الرضا (عليه السلام) يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمانَ (كسلمان) في زمانِه، وذلك أنَّه خدمَ أربعةً منا: عليَّ بن الحسين، ومحمَّد بن عليٍّ، وجعفر بن محمَّد (عليهم السلام)، وبرهةً من عصر موسى بن جعفر (عليه السلام)"(3).

 

وأمَّا ما قيل إنَّه يشرب النبيذ فقد نقل ذلك الكشي عن محمد بن مسعود عن عليِّ بن الحسن بن فضال قال: وكان أبو حمزة يشرب النبيذ، ومتَّهمٌ به إلا أنَّه قال: ترك قبل موته"(4).

 

وكذلك نقل الكشي أيضاً بسنده عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: كنتُ أنا وعامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي وحجر بن زائدة جلوساً على باب الفيل إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله: يا عامر أنت حرشتَ علي أبا عبد الله (عليه السلام) فقلتَ: أبو حمزة يشرب النبيذ.

 

فقال له عامر: ما حرَّشتُ عليك أبا عبد الله (عليه السلام) ولكن سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن المسكر، فقال: كلُّ مسكرٍ حرام، وقال: لكنَّ أبا حمزة يشرب، قال، فقال أبو حمزة: أستغفرُ اللهَ منه الآن، وأتوب إليه"(5).

 

وكلا الخبرين ساقطان عن الاعتبار ولا يُمكن التعويل عليهما.

 

أمَّا الخبر المنقول عن عليِّ بن الحسن بن فضال فهو مُرسل، إذ أنَّ عليَّ بن الحسن بن فضَّال لم يُدرِك زمان أبي حمزة الثمالي ولم ينقل لنا طريقه إلى هذا الخبر فلعلَّه -كما أفاد السيد الخوئي-(6) اعتمد على مَن لا يُوثق بخبره، ويكفي للتثبُّت من كذبِ مَن أخبر ابن فضال بذلك ما عُرف عن أبي حمزة بين الأصحاب من جلالة القدر وعلوِّ المنزلة ورسوخِ الإيمان والتديُّن كما يشهدُ لذلك ما أفاده الشيخُ الصدوق والشيخُ النجاشي المؤيَّد ما أفاداه بما روي عن أبي عبد الله الصادق (ع) وما رُوي عن أبي الحسن الرضا (ع) من أنَّ أبا حمزة في زمانِه كسلمانَ الفارسي في زمانه أو كلقمانَ الحكيم في زمانه.

 

وأمَّا ما نقله الكشي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب فهو كذلك خبرٌ ساقط عن الاعتبار، فإنَّ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب من أصحاب الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)(7) وقد مات في سنة اثنتين وستين ومائتين 262ه(8) فهو لم يُدرك أبا حمزة الثمالي (رحمه الله) والذي مات في سنة 150ه فكيف يصحُّ ما ورد في الخبر أنَّه التقى بأبي حمزة عند باب الفيل -في مسجد الكوفة- فلا يبعدُ أنَّ الخبر موضوع -مكذوب- على محمد بن الحسين بن أبي الخطاب كما أفاد السيد الخوئي(9).

 

وعلى أيِّ تقديرٍ فالخبرُ فاقدٌ لشرائط الاعتبار والحجيَّة، إذ أنَّ ابن أبي الخطاب لم يُدرك أبا حمزة الثمالي، فالخبر إما أنْ يكون مكذوباً أو هو مرسل، فلا يسوغ التعويل عليه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

25 / ربيع الأول / 1444ه

22 / أكتوبر / 2022م

-----------------------------

1- رجال النجاشي -النجاشي- ص115.

2- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج4 / ص444.

3- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج2 / ص458.

4- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج2 / ص455.

5- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الشيخ الطوسي- ج2 / ص456.

6- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج4 / ص296.

7- رجال الطوسي -الطوسي- ص379، 391، 402.

8- رجال النجاشي- النجاشي- ص334.

9- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج4 / ص296.