نكاحٌ المريض وموتُه قبل الدخول

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

إذا تزوَّج الرجلُ في مرضِه الذي مات فيه، ومات قبل أنْ يدخلَ بزوجته فالمشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة أنَّها لا ترثُه في هذا الفرض ولكنَّها ترثُه لو كان قد دخل بها.

الاستدلال على عدم استحقاقها للميراث:

ويُستدلُّ على ذلك بالعديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: "ليس للمريض أن يُطلِّق، وله إنْ يتزوج، فإنْ هو تزوج ودخل بها فهو جائز، وإنْ لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث"(1).

ومنها: صحيحة أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوَّج في مرضِه فقال: "إذا دخلَ بها فمات في مرضه ورثته، وإنْ لم يدخل بها لم ترثه ونكاحُه باطل"(2).

ومنها: موثقة عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الْمَرِيضِ ألَه أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَه فِي تِلْكَ الْحَالِ؟ قَالَ: لَا ولَكِنْ لَه أَنْ يَتَزَوَّجَ إِنْ شَاءَ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَرِثَتْه، وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَنِكَاحُه بَاطِلٌ"(3).

معنى بطلان النكاح إذا مات قبل الدخول:

فهذه الروايات صريحةٌ في المطلوب أي في عدم استحقاق الزوجة لميراث زوجها إذا تمَّ الزواج منها في ظرف مرضِه ولم يقع منه دخول، وأمَّا وصف الروايات نكاحَه لها في الفرض المذكور بالبطلان فالظاهر أنَّ المقصود منه البطلان من حيث عدم ترتُّب هذا الأثر وهو التوارث أو هو مضافاً إلى عدم استحقاقها للمهر كما هو مفاد صحيحة زرارة، فليس المقصود من بطلان العقد هو فساده، إذ لو كان كذلك لم يصح منه الدخول بها والحال أنَّ الروايات المذكورة صريحةٌ في حليَّة دخولِه بها، ولا يحلُّ له الدخولُ لو كان العقد فاسداً، هذا ويُمكن حملُ قوله في مثل صحيحة زرارة: "وإنْ لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل" أنَّ نكاح المريض يبطلُ بموته في مرضه قبل الدخول، أي أنَّ العقد كان صحيحاً ومنعقداً من حين إجرائه إلى حين موته ولكنَّه يبطلُ بموته، ولذلك لا تستحقُّ الزوجة ميراثه فيكون الموتُ بمثابة انفساخ العقد المُوجب لانتفاء أثره وهو التوارث.

وأمَّا استظهار توقُّف الصحة للنكاح على الدخول -كما في الجواهر-(4) وأنَّه إذا لم يقع الدخول كشف ذلك عن فساد العقد من أول الأمر بمعنى أنَّ صحة العقد مشروطةٌ بشرط متأخر ومراعى فيها وقوع الدخول ومع عدمه يكون كاشفاً عن عدم وقوع العقد من أول الأمر، استظهار ذلك مِن وصف الروايات نكاح المريض بالبطلان مع عدم الدخول مخالف للظاهر، إذ لا ريب في أنَّ للمريض ترتيبَ الأثر -من النظر واللمس وغيرهما- على وقوع العقد من حين وقوعه، وذلك يقتضى صحَّته من حين وقوعه، غايته أنَّ العقد يبطلُ بالموت قبل الدخول كما يبطل بالفسخ وكما ينتفي أثرُه بالطلاق البائن.

وكيف كان فلا إشكال في عدم استحقاق الزوجة لميراث زوجها إذا مات عنها في المرض الذي تزوَّجها فيه قبل أنْ يدخل بها إنَّما الكلام يقع في فرضيتين.

إذا ماتت الزوجة قبل موت الزوج وقبل الدخول:

الفرضيَّة الأولى: لو ماتت الزوجة قبل موته وقبل أنْ يدخلَ بها فهل له حقٌ في ميراثها؟

والجواب هو أنَّه بناءً على دعوى أنَّ صحة العقد مشروطةٌ بالدخول فإنَّ موتها قبل الدخول بها يكشف عن عدم انعقاده، وعليه فلا موجب لاستحقاقه شيئاً من ميراثها لانتفاء موضوع الاستحقاق للميراث وهي الزوجيَّة، وأمَّا بناءً على صحَّة العقد من حين وقوعه فهو مستحقٌ للميراث بموتِها استناداً لإطلاق مثل قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ..﴾(5) فهي زوجته وقد ماتت في عهدته بحسب الفرض فله حقٌّ في ميراثها، إنَّما تمَّ البناء على عدم استحقاقها لميراثه لو مات قبلها قبل الدخول استناداً إلى النصِّ الخاصِّ وهو لا يشمل فرضَ موتها قبله.

إلا أن يُقال إنَّ إطلاق مثل قوله في صحيحة عبيد بن زرارة: "وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَنِكَاحُه بَاطِلٌ" شاملٌ لفرض موتِها قبله، فإنْه بموتها قبله يتحقَّق فرض أنَّه لم يدخل بها قبل موته.

لكنَّ ذلك خلافُ الظاهر فإنَّ مفروض الروايات هو موته قبل الدخول بها، وأما لو ماتت هي قبله فإنَّه وإنْ لم يكن قد دخل بها لكنَّ ذلك ليس شرطاً في استحقاقه للميراث، فإنَّ موضوع استحقاقه لميراث زوجته هو موتُ الزوجة، والمفترض أنَّها زوجته إلى حين موتها، والروايات الخاصَّة التي ذكرناها اقتصرت على فرضيةٍ واحدة وهي موته قبلها مع الدخول، فالمرجع في الفرضيات الأخرى هو إطلاق ما دلَّ على أنَّ كلَّ زوجٍ فهو مستحقٌ لميراث زوجته سواءً دخل بها أو لم يدخل بها.

إذا برء ثم مات قبل الدخول:

الفرضيَّة الثانية: هي أنَّه لو برء الزوجُ مِن مرضه الذي نكحها فيه ثم مات بعد برئه منه قبل الدخول بها فهل تستحقُّ زوجته ميراثه أو ليس لها حقٌّ في ميراثه لعدم دخوله بها؟

قد يُقال إنَّها لا تستحقُّ ميراثَه حتى في هذا الفرض، إذ أنَّه مشمولٌ لإطلاق قوله (ع): "وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَنِكَاحُه بَاطِلٌ".

إلا أنَّه يُقال إنَّ المتعيَّن هو حمل قوله: "وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا" على فرض أنَّه لم يدخل بها إلى أنْ مات في مرضه الذي نكحها فيه، وذلك بقرينة ما ورد في صحيحة زرارة: "وإنْ لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل" وكذلك ما ورد في صحيحة الحناط: "إذا دخل بها فمات في مرضِه ورثته، وإنْ لم يدخل بها لم ترثه" فإنَّ الظاهر من ذلك هو أنَّه "وإنْ لم يدخل بها" ومات في مرضِه لم ترثه فإنَّ ذلك هو مقتضى المقابلة بين الفرضين فإنَّ الفارق بين الفرضين هو الدخول وعدم الدخول والموضوع في كللا الفرضين هو الموت في المرض الذي نكحها فيه.

على أنَّ ذلك هو المنسبِق من مفروض الروايات، إذ من غير المُحتمل أنَّه لو برء مِن مرضه الذي نكحها فيه وظلَّ معها سنين ثم مات لعارضٍ قبل أنْ يدخلَ بها، من غير المحتمل أنَّ مثل هذا الفرض مشمولٌ لمفاد الروايات رغم أنَّه يصدقُ عليه أنَّه تزوَّجها في مرضِه ومات قبل أنْ يدخلَ بها، ولعلَّه لذلك لم يُصرِّح أحدٌ - بحسب تتبع النراقي-(6) بعدم استحقاق الزوجة للميراث لو مات الزوج بعد بُرئه من مرضِه الذي نكحها فيه.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

7 / ربيع الثاني / 1444ه

3 / نوفمبر / 2022م

--------------------------------

1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص232.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص231.

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص121، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص232.

4- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج39 / ص220.

5- سورة النساء / 12.

6- مستند الشيعة -النراقي- ج19 / ص319.